هذا السؤال أرَّق كثيراً من العلماء والمفكرين والعامة. فالتقدم العلمي وشعورنا بالتفوق جعلنا نتساءل: ألا توجد مخلوقات عاقلة سوانا على امتداد الكون؟ مازن عبدالعزيز، الباحث في قسم الفيزياء والفلك في جامعة أوبسالا بالسويد، يلقي الضوء على هذا التساؤل من غير الوصول إلى إجابات نهائية. فهدفه ليس البحث عن مجرد حياة في الكون، بل حياة ذكية عاقلة مثل تلك التي تمخضت على أرضنا عن كائن عاقل ذكي هو الإنسان.
بيّنت آخر تقديرات سنة 2012م أن عدد نجوم كوننا حوالي 300 سكستليون (ألف مليار مليار) نجم. ولو فرضنا أن كل نجم من هذه النجوم يدور حوله كوكب واحد فقط فعدد الكواكب سيكون بمثل عدد النجوم. ولو افترضنا أن كوكباً واحداً فقط يشبه الأرض من كل مليار كوكب سنحصل على 300 مليار كوكب مطابق للأرض بكل ظروفه. السؤال هنا: ما دام قد نشأت حياة ذكية على كوكبنا، فلماذا لم تنشأ على أي من هذه المليارات حياة ذكية أيضاً؟!
البحث عن أذكياء فيما وراء الأرض
البحث عن مخلوقات عاقلة مهمة تعترضها عقبات عديدة، أهمها المسافات الهائلة الفاصلة بين نجوم مجرتنا درب التبانة (عددها 200 – 400 مليار نجم)، والمسافات الهائلة بين مجرات الكون، حيث يقدّر وجود قرابة ترليون مجرة ضمن الكون المرئي. المشكلة الأخرى هي السرعة والزمن، فنحن لو أردنا مخاطبتهم سنحمّل رسائلنا على ظهر الموجات الراديوية (سرعتها 300,000 كم/ثانية). ولو شئنا مخاطبة كواكب أقرب نجم إلينا بعد الشمس، الشِعرى اليمانية (Sirius)، يبعد عنا مسافة ¼4 سنة ضوئية تقريباً، وأرسلنا إليهم اليوم رسالة وتسلَّموها وردوا علينا بعد ساعات من تسلمها فسنتسلَّم ردهم في سنة 2022م. إذاً فالمشكلة في الكواكب التي تبعد عنا ألوف وملايين أضعاف هذه المسافة، فلو خاطبناهم فأحفاد أحفادنا سيتسلَّمون ردهم بعد أن نكون نحن شبعنا موتاً.
تكونت شمسنا وكواكبها منذ 4.6 – 5 مليار سنة، لكن الأرض فقط حملت مقومات الحياة، وخُلق الإنسان عليها بعد عدة مليارات من السنين. لكن لماذا ظهر الإنسان على الأرض فقط؟ الجواب هو لأن إمكانات الأرض البيئية (البيولوجية والكيميائية والفيزيائية) لاءمت ظهور الحياة، لكن ما الذي يجعلنا نجزم بأن أرضنا قد انفردت بهذا الامتياز دون أي كوكب آخر في الكون؟! هذا السؤال خامر بال الفيلسوف اليوناني مترودور (القرن الرابع قبل الميلاد) فقال: «إن المنطق ينافي اعتبار الأرض المكان الوحيد المأهول بالحياة في الكون، فنحن كمن نقول إن حقلاً زُرعَ بحبوب القمح فلم تنبت فيه إلا حبة قمح واحدة!» وهذا رأي وجيه أرى من الصعب تفنيده منطقياً.
مشروع «سيتي» SETI
أُقترح مصطلح SETI في سنة 1960م وهو اختصار لـ (Search for Extra Terrestrial Intelligence)، ويعني البحث عن كائنات ذكية لا أرضية. وتولى قيادة برنامج سيتي مجموعة من علماء الفلك المختصين بالموجات الراديوية وكان أول بحوثه مشروع أوزما تحت إشراف العالم الفلكي فرانك دراك. وقد تضمن مسحاً لنجمين قريبين شبيهين بشمسنا للتحري عن أية إشارات قد تصدرها كائنات ذكية.
وبمرور الزمن تعددت برامج سيتي، ومنها ميتا وبيتا في جامعة هارفارد وبك إير في جامعة اوهايو وفينكس (العنقاء) وغيرها كثير. ركـّزت تحريات سيتي غالباً على الترددات القصيرة إذ يُعتقد أن إشارات الترددات القصيرة لا تصدر إلا من حضارة ذكية، وافترضت أنها ستبث رسائلها بتردد الهيدروجين (1.42 غيغاهِرتز)، لكنها فشلت في العثور على أية رسالة طيلة السنين الماضية. التفسير المحتمل هو إما أن هذه الحضارات تقع خارج دائرة رصدنا، وإما أنها تبث رسائلها بطاقة أضعف من قدرة استقبال مراصدنا الراديوية.
استمرار فشلْ برنامج سيتي في تقديم نتائج مشجعة دفع الحكومة لقطع التمويل عنه فتوقفت بحوثه، ولكن في عام 1994م استـُأنِفَ ثانية بفضل تمويل بعض الأفراد والمؤسسات، ولا زال سيتي حتى يومنا هذا يتابع بحوثه في عدة دول من العالم.
معادلة دراك
يُعد فرانك دراك من روَّاد سيتي، وهو أول من وضع معادلة رياضية لتحديد عدد الكواكب المحتمل نشوء حضارات ذكية عليها بمجرتنا. اعتقد دراك أن معادلته ستكشف كثيراً من الحضارات الذكية، ولكن افتقاره للدليل جعله يرجِّح أن الحضارات التكنولوجية ما إن تظهر حتى تأفل وتختفي كل آثارها أو أن عمرها قصير جداً نسبياً و/أو ربما أن هذه الحضارات لا ترغب بالاتصال بنا مفضلة أن تتركنا نتولى شُؤوننا بأنفسنا. وهذا نص معادلة دراك:
حيث إن: N هو عدد الحضارات في مجرتنا الممكن التواصل معها. والحدود الأخرى هي معدل تخليق النجوم بمجرتنا، والجزء من هذه النجوم التي لها كواكب، والتي بإمكانها دعم نشوء الحياة، والجزء الذي يدعم الحياة الذكية، وعدد الحضارات التي بإمكانها التراسل الفضائي، وزمن تطورها لتطلق إشارات راديوية. المشكلة أن أغلب هذه الحدود قيمها غير محددة تماماً، ولهذا فهي تعطي نتائج متغايرة جداً. فمثلاً قيمة N التي حصل عليها دراك سنة 1961م كانت بين ألف إلى مليار حضارة ذكية بمجرتنا. إلا أن الأرصاد الحديثة أعطت قيماً مختلفة جداً لحدود معادلة دراك وصارت = 20-10X 8 حضارة؛ هذا يعني أننا لسنا الحضارة الوحيدة في مجرتنا بل في الكون كله. وهناك من أعطى قيما مغايرة جعلت قيمة=182 مليون حضارة في مجرتنا فقط!
هذا التفاوت الهائل في النتائج يعطينا إحساساً بلا جدوى معادلة دراك وأن حدودها تخضع للحدس أكثر من الدقة العلمية، وبسبب ضعف وسائلنا التكنولوجية فنتائج الأرصاد الفلكية تفتقد للدقة وتخضع لأكثر من تأويل. لكن ليس لدينا أية وسيلة لتخمين عدد الحضارات بمجرتنا غير هذه المعادلة.
متناقضة فيرمي (أو فيرمي – هارت)
ربما كانت متناقضة فيرمي هي السبب المباشر لإطلاق معادلة ديراك. وهي عبارة عن طرح جدلي للتناقض بين الاحتمالات العالية لوجود حضارات فضائية وعدم العثور على أي دليل لتواصلهم أو زيارتهم لنا. صاغ نقاط المتناقضة كل من الفيزيائي انريكو فيرمي (1901 – 1954) ومايكل هارت (1932 – …)، وهي:
• تُعد الشمس نجماً حديثاً نسبياً؛ وهناك مليارات النجوم في مجرتنا أعمارها أقدم بمليارات السنين.
• لبعض هذه النجوم كواكب تشبه الأرض؛ فإذا اعتـُبرت الأرض نموذجاً لنشوء الحياة فلابد أن هذه الكواكب الشبيهة ستطور حياة ذكية أيضاً.
• يفترض أن بعض هذه الحضارات ستقوم برحلات فضائية مثلنا. وباستمرار مثل هذه الرحلات الفضائية لا بد أن مجرتنا ستكون كلها مأهولة خلال بضع عشرات ملايين السنين.
يوحي استمرار عملية خلق النجوم وكواكبها في الكون منذ أكثر من 13 مليار سنة بأن الأرض ليست النموذج الوحيد فيه وأن الحياة يجب أن تكون أكثر شيوعاً. وفقاً لهذا فالأرض يجب أن تكون قد أُستـُعمرت أو على الأقل تم زيارتها قديماً. ولكن ليس هناك أي دليل على حصول هذا، ولهذا السبب أطلق فيرمي سؤاله الشهير: «إذن أين هؤلاء الآخرون»؟
الشرارة التي أطلقت فكرة متناقضة عند فيرمي هي عدد النجوم، فهناك قرابة 300 سكستليون نجم في كوننا المرئي. فمهما قلّ عدد كواكب هذه النجوم المؤهلة لإنتاج حياة ذكية إلا أنها إذاً في النهاية سيكون عددها كبيراً ولو على صعيد مجرتنا فقط.
الفكرة الثانية للمتناقضة هي الزمن؛ فعمر الكون هو 13.7 مليار سنة تقريباً وعمر الأرض حوالي 4.6 مليار سنة، وقد نشأت الحياة على الأرض بعد أقل من مليار سنة. لكن هناك مجرات بنجومها وكواكبها تكونت قبل الأرض بمليارات السنين، منها كواكب مشابهة للأرض. لابد أن هناك حيوات أخرى سبقت ظهور الحياة على الأرض بمليارات السنين، ولابد أن حضاراتهم تفوقنا بآلاف المرات، والسفر الفضائي لا يعدو سوى مزحة عندهم، ولكننا على الرغم من هذا لم نرَهُم ولم نلمس أي دليل على وجودهم.
هذا جعل فيرمي المشهور بقدرته على إجراء حسابات معقدة من أبسط المعلومات لديه أن يحسب «نظرياً» أن أرضنا قد زارتها هذه الحضارات قديماً أكثر من مرة، ولكن افتقاره للدليل المادي جعله يطلق سؤاله: «إذن أين هؤلاء الآخرون»؟
حزام الحياة
يزخر كوننا ببيئات متعددة أغلبها معادٍ للحياة وقلة منها بإمكانه دعم نشوء الحياة. أطلق العلماء على هذه البيئة اسم حزام الحياة Circumstellar Habitable Zone CHZ، وهي منطقة ضيقة حلقية الشكل تحيط بنجم ما ويوجد فيها كوكب. ولكي يكون الكوكب «حياتياً» ضمن هذا الحزام يجب أن تجري المياه على سطحه، وأن يكون له غلاف غازي مماثل لغلافنا الجوي وتغذيه بالطاقة أشعة نجم تـُبقي حرارة الكوكب ما بين تجمد الماء وغليانه، وألا تغلب عليها الأشعة فوق البنفسجية أو السينية. (في منطقة (CHZ) تتناسب طردياً شدة ضوء النجم وبعد مدار الكوكب عنه، فكلما ضعف ضوء النجم توجّب اقتراب الكوكب منه وبالعكس). كما يجب أن يكون الكوكب مستقراً في مداره، وبعيداً عن النجوم المتفجرة ومحصناً ضد لفحات الأشعة الكونية وأشعة غاما. وأن يقع على مسافة آمنة عن خطر ثوران الثقوب السوداء المتمركزة في قلب المجرات التي تتأجج عندما تصطاد نجماً ما فتلتهمه مصدِرة شلالاً هائلاً من الأشعة الكهرومغناطيسية عالية الطاقة وفيضاً مدمراً من أشعة الجسيمات النووية. كما يجب ألا يقع في كنف منطقة مكتظة بالنجوم فلا ينجو من عواقب ارتطامها ببعضها؛ وأن يكون بعيداً عن خطر سقوط الشهب والمذنبات والكويكبات، فالكبيرة منها ستحطمه أو في أحسن الأحوال تخرّب بيئته فتـُهلك كائناته، كما حصل على أرضنا عندما ضربها شهاب قبل حوالي 65 مليون سنة (يقدَّر قطره بـ 5 الى 15 كم) فأهلك حوالي %70 من أشكال الحياة عليها (من بينها الديناصورات). ولحسن الحظ فأرضنا بعيدة عن حشد النجوم الداخلي لمجرتنا وعن غيمة مذنـّبات أورت الخارجية. ويبقى الخطر الأكبر وهو الأشعة الكونية، وبُعدنا عن مركز المجرة جعلنا آمنين منها نسبياً، برغم الوابل الكبير منها الذي يردنا من الشمس ومن أرجاء مجهولة من الكون. ويحمينا منها مجال الأرض المغناطيسي وطبقة الأوزون وبسببهما نشَأتْ الحياة على الأرض.
وبالنسبة لنجوم (CHZ) فيجب أن تحتوي على قدر محدد من الفلزيّة (Metallicity) أي العناصر الثقيلة المهمة لتكوين مادة كواكبها، وذلك لاستغلال كل احتمالات التفاعل الكيمياوي والبيولوجي المتاحة لتفعيل الحياة، وبعكسها فشحَّة المعادن ستعوق التفاعلات المطلوبة وتكبح العمليات الحياتية. وتنشأ الكواكب وفيرة المعادن من النجوم المتوسطة الفلزية، كما أن كمية معادن الكوكب ستحدد حجمه وكتلته اللذين سيحددان بدورهما نشاطه الجيولوجي وقدرته على تكوين غلاف جوي وإبقائه في قبضته. وكواكب كهذه تصنعها نجوم فلزيتها لا تقل عن %40 من فلزية شمسنا، لأنه لم يُعثر على كواكب «حياتية» تحتضنها نجوم فلزيتها أقل من هذه النسبة.
أما كواكب النجوم ذات الفلزية الأعلى فهذه ستكون عملاقة وهائلة الكتلة وفقيرة التضاريس وذات سطح شبه مستوٍ وتعج بالمركبات الطيّارة ويغطيها الماء عموما ولهذا سيخضع الكوكب لطقس يقل فيه التباين الحراري اللازم لتحفيز التفاعلات الكيمياوية البيولوجية الحياتية. وستكون ذات نوى عالية الكثافة وغير مستقرة في مداراتها. في حين أن نجوم الفلزية المعتدلة كشمسنا تصنع كواكب مستقرة ذات كتلة شبيهة بكوكبنا.
توجد حوالي %80 من نجوم الكون في مجرات خافتة السطوع، والسطوع الأقل يعني فلزية أقل وهذا يعني كواكب أقل تشبه الأرض. وفي مجرتنا تتناقص فلزية الغازات كلما ابتعدنا عن مركز المجرة، ويُعد القرص الرقيق بمجرتنا المكان الأرجح لتكوين كواكب «حياتية»؛ حيث توجد مجموعتنا الشمسية على مسافة 28 ألف سنة ضوئية عن المركز. وعلى الرغم من كل هذا فليست كل كواكب CHZ مؤهلة لنشوء الحياة عليها، وليس كل كوكب خارج CHZ يستحيل نشوء الحياة عليه. لكن لكواكب CHZ أرجحية أعلى لتوفير بيئة صالحة للحياة.
وأعلن في نهاية سنة 2012م عن العثور على 854 كوكباً بمجرتنا ظروفها مواتية للحياة بشكلها الأرضي تراوحت أحجامها ما بين كوكبنا حتى أحجام تفوق كوكب المشتري. ولكن الشيء المؤسف أن تكنولوجيا الرصد المتواضعة غير مؤهلة للحكم بشكل قاطع بأهلية هذه الكواكب للحياة لعجزها مثلاً عن تقرير وجود الأوكسجين في غلافها الجوي، وبسبب هذه التكنولوجيا لم تتجاوز نسبة العثور على كوكب مماثل للأرض عن %0.47 من جملة الكواكب المرصودة، ونأمل أن يسهم التطور التكنولوجي بزيادة هذه النسبة مستقبلاً.
صيغ أخرى لبيولوجيا الحياة
تعيش بعض الميكروبات في ظروف حياتية شبه مستحيلة، كفجوات قنوات البراكين، وفي القطب الجنوبي وفي نفايات المناجم الملوَّثة وأحواض مخلفات المفاعلات النووية. مثل هذه الظروف قد تكون موجودة بشكل أو بآخر في الكواكب الأخرى وستفرض نفسها عبر مليارات السنين على النشأة البيولوجية لمخلوقاتها وهيئتها لتأخذ مسالك وأشكالاً لا يحيط بها خيال.
وكيميائياً، من الثابت أن الماء هو الوسيط الأمثل لانحلال المواد وتفاعلها، ولكن العلماء رشـّحوا بعض السوائل كبديل عنه كالإيثان والميثان. كما طـُرحت بدائل عن العناصر الأساسية المكونة لبنية الكائنات الحية كالكاربون والهيدروجين والأكسجين والفسفور، كنظرية إحلال الزرنيخ كبديل عن الفسفور. بل حتى طرح آخرون فكرة استبدال السيليكون بالكاربون الذي يشكل %18 من كتلة الإنسان وأساس أغلب التفاعلات الحيوية بسبب قدرته الفذة على الارتباط بالعناصر الأخرى، وقد حُصر حتى الآن حوالي ربع مليون مركـّب استطاع تكوينها. وتعزى قدرته هذه إلى خاصية تدعى بشبه الاستقرار، فالجُزيء شبه المستقر يُعد ثابتاً لزمن طويل ما لم يتعرض لمؤثر خارجي كالحرارة مثلاً، عندها سيتحول لمركـّب آخر مطلقاً طاقة تكافئ طاقة الأواصر المتكسرة.
وبالنسبة للسيليكون، فلدية عدّة خصائص كيميائية مشابهة للكربون وبإمكانه تكوين جزيئات كبيرة مؤهلة لتخليق تكوينات بيولوجية. لكن كبر حجم وكتلة ذرته صعّب تكوينه للأواصر المزدوجة، كما أنه لا يتفاعل مع طائفة كبيرة من العناصر، ويفتقر لإمكانية تصنيع المركبات اللازمة للأيض، وعند تفاعله مع بعض العناصر يكوّن جزيئات محدودة التفاعل وأقل استقراراً بعكس جزيئات الكربون العضوية.
نسبة وجود الكربون إلى السيليكون كونياً هي 1:10، لكن هذه النسبة في قشرة الأرض هي 1:925. لذا يوحي فشل السيليكون على وفرته ونجاح الكربون برغم قلته بكفاءته المتميزة للنهوض بمركباته لصناعة الحياة على الأرض. لكن هناك بعض الطحالب المجهرية (الدياتوم) اعتمدت السليكون لبناء هيكلها والكربون لعملياتها الحيوية، ويحتمل وجود صيغ حياة مشابهة خارج الأرض. وربما يكون السليكون أساساً لبيولوجيا الحياة في كواكب تسودها ظروف بيئية كالحرارة والضغط الجوي بقيم أعلى بكثير مما هي على الأرض.
هل ستتصل بنا العوالم الأخرى في الكون؟
لو أرادت الحضارات المتطورة الاتصال بنا فسوف لن يضيّعوا وقتهم بالمراسلة لأنهم بالتأكيد ابتكروا وسائل سفر متطورة قد تعتمد الطرق الزمكانية أو الثقوب الدودية، ومركبات بمحركات تستعمل الجاذبية المضادة أو المادة المضادة أو المادة المظلمة أو حتى البلازما، وهذه كلها ما زالت علومنا تحبو في مدارجها. أو ربما أتاح لهم تطورهم الخَلقي عبر ملايين السنين قوى وإمكانات ذاتية للانتقال لا يحيط بها الخيال!
تخيُّل وجود مثل هذه الحضارات أطلق العنان لقصص عن الأطباق الطائرة ومخلوقات ذكية تعايشنا بشكل خفي وترصدنا وتسيّرنا أحياناً ولها أصابع خفية في مراكز القرار عندنا. والأمر بالتأكيد لم يخلو من مبالغات وأكاذيب طمست معقولية الفكرة. وعلمياً تُعد هذه الأمور من الخزعبلات برغم لا منطقية تكذيب كل فكرة لافتقادها للدليل العلمي.
وقد كـُتبت ألوف الكتب عن موضوع اليوفو Unidentified Flying Object واستحوذ الموضوع على اهتمام العلماء والمشاهير كجيمي كارتر وستيفن هوكينغ. وإليكم هذه الواقعة الحقيقية: ففي سنة 1948م رُصد «جسم مجهول» في سماء قاعدة كودمان الجوية بأمريكا، فتوجّهت ثلاث طائرات نحو الجسم المجهول للتحري عنه. كان النقيب توماس مانتل يقود إحداها، وفوراً انطلق بسرعة كبيرة مخلفاً الطائرتين الأخرتين وراءه، وأبلغ برج المراقبة: «إني أرى جسماً معدنياً هائل الحجم.. سأرتفع عشرين ألف قدم لأصله». كانت هذه العبارة هي آخر ما سُمع من مانتل. بعدها وفي نفس اليوم عُثر على حطام طائرته على مسافة تسعين ميلاً عن القاعدة الجوية. انفعل الجمهور بعناوين الصحف: «طيّار تقتله الصحون الطائرة». لكن مصادر قيادة القوة الجوّية أعلنت أن مانتل رأى كوكب الزهرة وظنّ خطأً أنه رأى صحناً طائراً! أحدث الخبر نوعاً من الهستيريا حتى ظن كثيرون أنهم رأوا صحوناً طائرة، لكن ما رأوه حقيقةً كان إما بالوناً للأرصاد الجوية أو ذيل ناري لطائرة تحلق على ارتفاع عال. وأعلِن في سنة 1966م، أن خمسة ملايين أمريكي «شاهدوا» صحوناً طائرة، وبعضها من على مسافة قريبة! ولكن هل من المعقول أن ملايين الناس يتوهمون وكلهم على خطأ؟
وعلى الرغم من تزايد أعداد المبلِّغين عن مشاهدات لـ «أشياء في السماء»، إلا ان القوة الجوية ما زالت مصرّة على أن مشاهدات اليوفو ما هي إلا خـُدع أو أخطاء أو أكاذيب محضة. ولحسم موضوع «المشاهدات» رسمياً بُدئ في سبتمبر 1952م بمشروع يدعى «بروجكت ساين»، دُعِيَ فيما بعد «مشروع الكتاب الأزرق». حيث بدأ محققو المشروع تحقيقاتهم وهم يشكون بالأمر كله، لكنهم سرعان ما اقتنعوا بصدق وعفوية بعض الشهود الذي أعلنوا حقيقة وجود اليوفو؛ ولكن حكومياً بقيت الشكوك ثابتة. وفي منتصف ستينيات القرن العشرين بات الجميع مقتنعاً تماماً بأن القوة الجوية مكلـّفة بحجب الحقيقة، حتى اضطرّت – إظهاراً لنزاهتها أمام الجمهور – أن تشكـّل لجنة علمية أخرى للنظر بالموضوع. أصدرت هذه اللجنة تقريرها في سنة 1969م، ولكنه لم يختلف عن النتيجة التي توصّل إليها محققو القوة الجوية سابقاً، ولخـّصت إحدى الصحف نتيجة 965 صفحة من التحقيقات بعنوان رئيس هو: «الصحون الطائرة غير موجودة – رسمياً».
المشكلة الرئيسة في الموضوع هو أن عدداً من تلك الشهادات كانت أكاذيب محضة. حتى بات التحقيق مجالاً خصباً لترهات المجانين فغطـّوا مع كل أسف على الشهادات الحقيقية التي أدلت بها القلة الصادقة فضاعت الحقيقة بين الترهات والأكاذيب. وحتى اليوم لم يحسم موضوع اليوفو لافتقاره إلى دليل واقعي تدعمه جهة علمية أو ذات نفوذ.
هل اختلف علماء اليوم عن الأمس؟
طالما اعتقدنا نحن وبعض علمائنا أننا سادة هذا الكون، ولهذا استبعد كثير منهم إمكانية نشوء الحياة دون توفر الظروف الأرضية لأن علمهم محصور بتجاربهم ومعادلاتهم الجامدة، ومن الصعب عليهم قبول ما وراء ذلك، لكننا نعرف بفطرتنا أن قدرة الله لا حدود لها. وفكرة أن كوننا الهائل ذو الترليون مجرة لا يتسع لغيرنا تنطوي بلا شك على شيء من المبالغة والغرور بذواتنا. وبلا شك فإننا لو تعرفنا على كواكب تختلف عن أرضنا ونشأت عليها حياة فسنجدها وفق ما ستفرضه بيئتها.
إن من الخطأ إنكار ما لا نعرفه أو ادعاء العلم بما نجهله، وعلينا الاعتراف بتواضع معارفنا وقدراتنا، وأن نـُقِر بأن صيغ الحياة متعددة وهي إذا وُجدَتْ على كوكب آخر فليس حتماً أن تكون نسخة طغرائية عن حياة الأرض. المشكلة أن إثبات هذا يتطلب إمكانات علمية ومادية هائلة لننشئ عوالم افتراضية لا أرضية نـُفاعل فيها احتمالات نشوء وتطور الحياة وفق هذه البيئات عبر مليارات السنين لنعرف بعدها: هل ستتمخض عن حياة ذكية أم لا؟ وعجْز علمائنا عن تحقيق هذا دفعهم ليركنوا إلى البيئة الوحيدة المتكاملة أمامهم (كوكبنا الأرض) ليقيسوا عليها وجود الحياة في الكون. وبكل أسف عزّز فشل مشاريع سيتي الرأي الرافض لوجود أي كائن ذكي غيرنا.
في نهاية هذا المقال لا يمكننا القول إننا حسمنا موضوع «هل نحن وحدنا، أم أن هناك (غيرنا)»؟ الأمر محصور بين الدليل المادي والاستنتاج المنطقي، ولكل جهة منطقها وأدلتها التي يصعب دحضها. لكن الأمر يبقى مرهوناً بالمستقبل وتطور إمكاناتنا العلمية وما سيكشفه لنا الغد من حقائق قد تبدّل نظرتنا للكون والحياة.