اطلب العلم

لغة التواصل عند الحشرات

نحن البشر لنا لغتنا الخاصة التي نتواصل بها مع بعضنا، وهي مكوَّنة من مجموعة أصوات نصطلح على إطلاقها على أفعال أو أسماء أو حروف محددة، لكن الكائنات الأخرى التي ليس لها أصوات كيف تتواصل مع بعضها، خصوصاً تلك التي تعيش ضمن مجتمعات متكافلة كالحشرات مثلاً؟
إنها تجد في المواد الكيميائية (الفرميونات) وسيلة جيدة وفعالة مقارنة بالوسائل الصوتية أو المرئية أو الحسية، إنها أشبه بشفرة خاصة بين أفراد النوع الواحد، التي يصعب على الآخرين معرفتها أو فهمها.
تختلف الحاجة للغة بين البشر وغيرهم من الكائنات التي تعيش على كوكب الأرض، إذ تنحصر حاجة هذه الكائنات للغة إما للحصول على الغذاء أو لإحكام السيطرة على منطقة معينة تريد البقاء فيها، أو للدفاع عن نفسها ضد أي اعتداء أو للتعرف إلى بعضها أو للحصول على الغذاء. بينما نحتاج نحن البشر للغة لأكثر من ذلك بكثير.
• لغة التواصل عند النحل
في رحلتها وهي تبحث عن رحيق الأزهار، تطلق الشغالات مادة (الجرانيول) لتنتشر في الهواء وتجذب باقي الشغالات إلى مصدر الرحيق، وهي لا تخطئ بينها وبين مادة تصدرها الأزهار. وإذا ما دخل غريب عاثر الحظ إلى حصن المملكة المنيع، فإن الشغالات تفرز مادة أخرى بحيث تثير الشغالات الأخريات لمهاجمة الدخيل وقتله وإن تأكد لها أنه قد مات.
أما بالنسبة للملكة فإنها تفرز أثناء طيرانها للتلقيح فيرموناً قوياً يجذب الذكور إليها على بعد مئات الأمتار. كما أن الملكة تقوم بدور «تنظيمي للأسرة» إذ تقوم بإفراز مادة كيميائية إذا ما تناولتها الشغالات فإنه يوقف لديهن عملية نمو المبايض، كما أنها تفقد القدرة على بناء الخلايا الملكية في أجسامها، الأمر الذي يجعل الملكة تحكم السيطرة على خليتها.
وتفرز يرقات النحل أيضاً فيرموناتها الخاصة لتنبه الشغالات القائمات على رعايتها عن حاجتها للطعام. وإذا ما ازدحمت الخلية فإن الملكة تقوم بإرسال كشافة للبحث عن خلية جديدة، وأثناء عملية الانتقال تفرز الملكة طوال رحلتها فيرموناتها التي تحاول فيه الحفاظ على السرب من التشتت.
• لغة التواصل عند النمل
تشير الدراسات العلمية إلى أن كل نملة لديها عدد من الغدد أسفل البطن، بحيث أن كل غدة منها مخصصة لإيصال رسالة محددة لباقي أفراد السرب؛ فعندما تعثر إحداها على مصدر للطعام فإنها تفرز مادة على طول مسارها لترشد الأخريات على المكان الصحيح، هذه المادة المفرزة خاصة بمجموعة محددة لا يمكن أن تفهمها مجموعة أخرى إذا مرت عليها. كما أن كمية المادة تقل عندما تستشعر المجموعة أن كمية الطعام بدأت تقل. يقول عالم البيولوجيا إ.و.ويلسون، من جامعة هارفارد: «إن مليغراماً واحداً من الفيرميونات الدالة على الطريق التي تطلقها النملة قارضة أوراق النباتات يكفي لأن تقود رتلاً من النمل يكفي طوله للدوران حول كوكب الأرض ثلاث مرات».
من الناحية الأمنية؛ فإن لكل نملة رائحة خاصة تدل على العش الذي ينتمي إليه، والوظيفة التي يؤديها في هذا العش. وعندما تلتقي نملتان وجهاً لوجه فإنهما تستخدمان قرون الاستشعار، وهي أعضاء خاصة بالشم، للتعرف إلى بعضهما.
لكل عش نمل أفراد مخصصون لعملية الحراسة، وإذا عثر النمل على نملة غريبة بين أفراده فإنه يطلق رائحة تحذيرية خاصة بوجود عدو ثم يهاجمها، وقد أجريت تجربة بدهن إحدى الشغالات برائحة غريبة على أفراد عش ما، فما كان من الشغالات الأخريات إلا أن هاجموا الشغالة مع أنها فرد منهم.
للموت عند النمل رائحة حمضية خاصة تدركه الشغالات تماماً، فتسارع للتخلص من جثة النملة الميتة خارج المستعمرة. وفي إحدى التجارب تم دهن إحدى الشغالات الحية برائحة نملة ميتة، فما كان من النملات الأخريات إلا أن قمن بإخراجها مع أنها حية وتتحرك، وفي كل مرة تحاول العودة فيها للعش كانت تقوم الشغالات بإعادة إخراجها منه، وعندما أزيلت رائحة الموت منها تم السماح لها بالبقاء بالعش.
• لغة التواصل عند الفراش
تنفرد الحشرات بامتلاكها الفيرمونات الخاصة بالجنس التي يمكنها أن تنتشر بشكل واسع. إذ تفرز أنثى فراشة الموث فيرمونات جنسية قليلة من زوج من الغدد الدقيقة التي تقع في قمة بطنها، والتي يمكنها جذب حوالي تريليون من الذكور تقع على مسافة آلاف الأمتار، وتحوي الأخيرة في قرون استشعارها عدداً كبيراً من الخلايا الحساسة للرائحة يبلغ حوالي /150 ألف خلية/ معظمها حساس للفيرميونات الجنسية.
إذاً فالكيمياء (لغة صامتة) تتواصل بها الحشرات مع بعضها وبما يناسب عالمها وحاجتها، كشم الروائح وتذوق الأطعمة الموجودة عند الإنسان، لكننا لا نستخدمه كلغة نتواصل بها مع بعضنا إلا في بعض الحالات الخاصة.

أضف تعليق

التعليقات