لا تعطي الاختراعات العلمية المتلاحقة الإنسانية فرصة كافية لالتقاط أنفاسها والتفكير في بعض الجوانب غير المطمئنة التي تظهر عليها.
ويجد المجتمع البشري نفسه اليوم مقحماً في ما يشبه المغامرات العلمية التي تتجرأ في نواحٍ عديدة منها على طبيعة الخلق أو تكاد، ولا يملك المجتمع ما يكفي من الأدوات التي يستعين بها لتقييمها والحكم عليها… رفضها أو قبولها، تشجيعها أو محاربتها.
لا يريد أحد بطبيعة الحال أن يوقف العلم، ولا تشاء العلوم نفسها أن تنتقل من مكانتها المرموقة في تاريخ الإنسانية إلى قفص الاتهام، في عصر كان لها دور رئيس في صياغة شكله ومضمونه، خاصة أن الاتهام قد يصل إلى إهمال الإنسان وخير الإنسان، بل أيضاً تهديد مصيره، أو تحقيق الاختراع مهما كانت نتائجه فقط من أجل الاختراع.
يزيد من حجم المعضلة أن العلوم نفسها لا تستطيع في كثير من الحالات أن تقيس أثر اختراع لها في الإنسان سلباً أو إيجاباً، خاصة على المدى الطويل لأسباب عديدة أهمها شدة تعقيد مكونات الطبيعة وكائناتها.
ولو وضعنا جملة الاختراعات الجديدة جانباً، فالإنسان يعيش يومه تحت تأثير اختراعات سابقة مضى على بعضها عقود عديدة. لا يعرف بالتاكيد أثرها في المدى الطويل إن لم يكن على أحياء اليوم فعلى ذريتهم في الغد.
ويشمل هذا أشياء لا حصر لها مثل العقاقير والمضادات الحيوية، والأدوات الكهربائية والإلكترونية التي يتعاظم جديدها كل يوم، ناهيك عن أساليب حفظ الأطعمة واللائحة تطول وتطول…
وعلى الرغم من قدم الإختراع في تاريخ الحضارات الإنسانية إلا أن اختراعات العصر الحديث تختلف في طبيعتها عن اختراعات العصور التي سبقتها بكونها أكثر تفاعلاً “وإشعاعاً”، وقد ملأت في فترة زمنية قصيرة نسبياً لاتكاد تزيد على قرن واحد محيط الحياة وأغرقته بمنتجات هجينة إذا جاز التعبير.
وما يزيد في قلق الإنسان أن الإختراعات العلمية تجره إلى أرض غامضة جديدة في حين لم تنته العلوم هذه من كشف غموض أمور كثيرة موجودة أساساً في حياته وبيئته ودنياه، ويجد نفسه وهو لا يزال يحمل أسئلة كثيره توارثت بعضها الأجيال حول مقومات الحياة والطبيعة وعناصرها وخيرها وشرها، وها هو يواجه اليوم بأسئلة جديدة أشد صعوبة وتحدياً لوجوده.
العلم لن يتوقف، ولن يمهلنا لتدبر أمر فهمنا وتقييمنا لنتائج الاختراعات المتسارعة عله لا يهملنا!!