طاقة واقتصاد

تقنية طموحة لدفنه في باطن الأرض
هل ينجح العالم في إعادة ثاني أكسيد الكربون إلى المكان الذي أتى منه؟

  • 22_2_1
  • 22-1
  • 22-2
  • 22-3
  • capture_CO2_IN_SALAH
  • pure-energy
  • shutterstock_63693187
  • shutterstock_95936878
  • shutterstock_130251602
  • 11a-em-41371

يشكِّل تراكم ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أحد أهم التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحالي، فملايين الأطنان من هذا الغاز قد تراكمت في الغلاف الجوي منذ بداية الثورة الصناعية، حيث ارتفع تركيز هذا الغاز من 280 جزءاً من المليون ليصبح حالياً 380 جزءاً من المليون، وأصبح إيجاد حل قابل للتطبيق على أرض الواقع يشكِّل حاجة ماسة لاستمرار صناعة الطاقة في العالم.
المهندس أمجد قاسم يناقش إعادة حقنه في أعماق الأرض، كطريقة يمكن الاستفادة منها، للتخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يتم إطلاقها في الغلاف الجوي.

اهتم عدد من الباحثين بإيجاد حلول لتراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، حيث تم تطوير تقنية ضخ هذا الغاز في باطن الأرض، وهي تقنية ليست جديدة، بل تستخدمها شركات التنقيب عن النفط منذ زمن بعيد من أجل زيادة الإنتاجية في حقول النفط.

إلا أنه، مؤخراً، تبلورت فكرة أن تتم الاستفادة من هذه الطريقة للتخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، التي يتم إطلاقها في الغلاف الجوي، من خلال إعادة حقنها في أعماق الأرض.

فكرة طموحة لدفن الغاز الملوث
يتزايد الطلب عالمياً على مصادر الوقود الأحفوري، الفحم والبترول والغاز الطبيعي، وترزح شركات توليد الطاقة تحت وطأة الانبعاثات الغازية التي تتسبب بها، فمحطات توليد الطاقة الكهربائية من الفحم الحجري، تنتج كميات ضخمة من الغازات الضارة، وهي بالتالي تتكبَّد دفع ضرائب الكربون الباهظة، وعلى الرغم من الجدل العالمي حول مدى تأثير تلك الغازات المنبعثة من مصانع إنتاج الطاقة في شتى أنحاء العالم، ومن كافة نشاطات الإنسان اليومية، إلا أن كبح جماح تلك الانبعاثات، يُعد أمراً مرحباً به عالمياً، فهو من جهة يحقِّق مطالب أنصار البيئة ومن جهة أخرى يضمن لقطاع إنتاج الطاقة من مصادر الوقود الأحفوري، الاستمرار دون دفع مبالغ مالية طائلة تحت ما يعرف باسم «ضرائب الكربون».

فمنذ عام 1996م تبنت شركة «إستيت أويل» وهي أكبر شركة منتجة للطاقة في النرويج، فكرة التخلص من ثاني أكسيد الكربون وبشكل دائم عن طريق دفنه في باطن الأرض، وحسبما تخطط له الشركة، فإنها تسعى لضخ مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً في قاع بحر الشمال، وهذه الكمية من الغاز سيتم جمعها من مجمعها «سليبنر» الواقع على ضفاف ذلك البحر، وما تسعى إلى تحقيقه هذه الشركة ليس من أجل البيئة فحسب، بل هو أيضاً من أجل توفير الأموال المستحقة عليها بسبب انبعاثات الكربون، ويُعد هذا أول برنامج لحقن ثاني أكسيد الكربون في العالم بهدف التخلص منه.

وتقوم فكرة «استيت أويل» على استخلاص ثاني أكسيد الكربون من الغاز الطبيعي من مجمع «سليبنر»، ويتم نقله عبر أنبوب، لضخه في طبقة رملية على عمق أكثر من 790 متراً تحت سطح ماء بحر الشمال، ثم تخضع أماكن التخزين للمراقبة المستمرة، للتأكد من استقرار ثاني أكسيد الكربون في مكانه، وحسبما أعلنته الشركة، فإنه ومنذ عام 1996م تبيَّن مدى نجاعة هذه الطريقة في التخلص من أحد أهم الغازات الضارة وهو الغاز الكربوني الذي أثار تراكمه في الغلاف الجوي جدلاً عالمياً.

خزانات أرضية لاحتواء ثاني أكسيد الكربون
تتعدد أشكال التكوينات الجيولوجية التي يمكن تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون فيها، ومن أهم هذه الخزانات الجيولوجية التي تم التعرف إليها ودراستها:

1. آبار النفط والغاز الطبيعي المستنفذة.
2. تشكيلات الماء المالح الجوفية والعميقة.
3. جيوب طبقات الفحم.
4. أعماق المحيطات.
5. 
طبقات الصخور المسامية العميقة لتشكيل مركبات كربونية.

تكوينات جيولوجية ومشاريع رائدة
تُعد حقول النفط المستنفذة من أسهل الأماكن التي يمكن تخزين ثاني أكسيد الكربون فيها، حيث تستخدم حالياً طريقة لحقن هذا الغاز في حقول النفط لزيادة الإنتاجية، وهي تدعى بعملية استخراج النفط المعززة، إذ إن غاز ثاني أكسيد الكربون المضغوط ملائم من الناحية الفيزيائية والكيميائية لاستخراج النفط الموجود في التجويفات الصخرية، ويتم في هذه العملية استخدام مكابس ذات قدرة عالية، لضخ الغاز في الآبار لاستخراج النفط المتبقي في المكامن، وعند نضوب تلك الآبار، يمكن الاستفادة منها لتخزين الغاز الكربوني، حيث تتميز بأنها خزانات مسامية ومانعة لتسرب الغاز بفضل الطبقات السميكة من الصخور التي تعلوها، كما أن تكلفة الاستفادة منها قليلة، ومعروف تركيبها الجيولوجي، كما يمكن الاستفادة من معدات إنتاج النفط لحقن غاز ثاني أكسيد الكربون فيها.

أما آبار الغاز الطبيعي الناضبة فتُعد أيضاً أماكن جيدة لتخزين الغاز الكربوني، ومن أهم مشاريع احتجاز الكربون من الغاز الطبيعي، مشروع غاز عين صلاح في الصحراء الجزائرية، وهو مشروع مشترك بين شركة النفط الجزائرية العامة «سوناتارك» وشركتي «بريتيش بتروليوم» و«ستاتويل»، حيث يتم تطبيق أحد أكبر مشروعين لاحتجاز وتخزين الكربون في العالم، إذ إن المشروع الآخر هو مشروع حقل «سليبنر» للغاز على شاطئ النرويج.

ويتم في مشروع عين صلاح، نزع غاز ثاني أكسيد الكربون من الغاز الطبيعي الذي يصل معدل محتواه الكربوني بين 7 و10 بالمائة، وذلك باستعمال برجي تجريد فيهما مواد كيميائية ماصة، ثم يتم استخلاص الغاز من تلك المواد بتسخينها إلى درجة الغليان، وباستعمال ضاغطين، يتم ضخ الغاز في أنابيب نحو ثلاث آبار مخصصة لعملية تخزينه، تحتوي على ماء مالح، على عمق كيلومترين تحت سطح الأرض، ويتم سنوياً حقن نحو 0.7 بليون متر مكعب سنوياً من الغاز، ويقدر القائمون على المشروع، أنه خلال الخمسة عشر عاماً القادمة، سيتم تخزين 20 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون.

يشار هنا إلى أن شركة أرامكو السعودية، تُنفِّذ حالياً أول مشروع تجريبي لها، لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن معمل استخلاص سوائل الغاز الطبيعي في الحوية، حيث يتم إعادة حقن الغاز الكربوني في حقول الزيت في منطقة العثمانية لتحسين عملية الإنتاج، كما عملت أرامكو السعودية خلال العام المنصرم 2012م على حفر عدد من آبار الحقن والمراقبة وتم وضع خطط شاملة لرصد ومراقبة وتتبع طرق تدفق ثاني أكسيد الكربون المدفون تحت الأرض، ويتوقع أنه بانتهاء الربع الثالث من عام 2014م ستكمل أرامكو السعودية مشروعها الهادف إلى احتجاز 45 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الكربوني، حيث تسعى هذه الشركة الرائدة في مجال استخراج النفط إلى تبني كافة التقنيات الحديثة التي تهدف إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

أما عملية تخزين الغاز الكربوني في الطبقات الجوفية للمياه المالحة، فهي مناسبة لكون المياه المالحة غير صالحة للاستهلاك، ويتم حقن الغاز تحت ضغط، إذ يذوب جزئياً ويتفاعل مع المعادن الموجودة في المياه لتتكون الكربونات، وهذا مناسب لعملية تخزين الغاز على المدى الزمني الطويل.

كذلك يمكن استغلال طبقات الفحم غير المستغلة لتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون، حيث يستطيع الفحم امتصاص هذا الغاز، أما المحيطات فهي تلعب دوراً مهماً وبشكل طبيعي في امتصاص الغاز الكربوني ضمن نظام للتوازن الكيميائي، وتشير الدراسات التي أجراها باحثون من جامعتي هارفارد وكولومبيا ومن معهد «ماساتشوستيس» للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن طبقات قاع المحيط على امتداد الساحل الأمريكي تستطيع تخزين كميات ضخمة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، فالطاقة الاستيعابية كما يؤكد الخبير البيئي «دانييل شراج» من جامعة هارفارد كبيرة جداً، فتخزين هذا الغاز سيكون في باطن المحيط وعلى عمق يتجاوز تسعة آلاف قدم وتحت ضغط شديد ودرجة حرارة متدنية، وهذا يؤمن له الاستقرار في مكانه، إلا أن معارضي عملية التخزين في المحيطات يؤكدون أن عملية الحقن هذه تتعارض مع القانون الدولي الذي يحمي المحيطات من أي نشاط صناعي، كما أن عملية مراقبة الغاز الكربوني الذي سيتم تخزينه بعد الحقن صعب للغاية.

كذلك فإن الطبقات الصخرية المسامية العميقة تستطيع استيعاب كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، ففي شمال غرب الولايات المتحدة الأمريكية حقن الباحثون ألف طن من الغاز الكربوني في شهر أغسطس 2013م في صخور مسامية عميقة، وفي شهر يوليو 2013م وبالقرب من بلدة «وولولا»، أجرى الباحثون في مختبر شمال غرب الباسفيك الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية في «ريتشلاند» في ولاية واشنطن، عملية حقن لثاني أكسيد الكربون في تكوينات صخرية بازلتية، ويعتقد الباحثون أن عملية دفن هذا الغاز ستكون ناجحة، إذ سيتمعدن الغاز مع البازلت، كما سيتفاعل ثاني أكسيد الكربون الذائب مع المغنيسيوم والكالسيوم لتكوين الحجر الجيري خلال عشرات السنوات، ولن يكون هناك تسرب للغاز بسبب الطبقات الصخرية المصمته الكثيفة التي تعلو الصخور البازلتية والتي لن تسمح للغاز بالتسرب إلى سطح الأرض.

هذا ويجري الباحثون الآن اختبارات لإنشاء مشروع آخر في أيسلندا لحقن الغاز الكربوني في البازلت، ويتم المشروع بالتعاون مع «ريكافيك» للطاقة وباحثون في جامعة كولومبيا، حيث تم إجراء أول عملية حقن للغاز، العام الماضي، وسيجرون هذه السنة عملية حقن أخرى، ويهدف المشروع إلى دراسة تفاعلات تمعدن الغاز مع البازلت.

كذلك فقد بيَّنت الدراسات الجيولوجية، أن منطقة «ألبرتا» الواقعة غرب كندا، والتي هي غنية بالنفط والغاز الطبيعي، تتوافر فيها أماكن جيدة لتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون وبكميات كبيرة وبشكل مناسب وآمن، حيث إن التكوينات الصخرية في منطقة «ألبرتا»، عبارة عن صخور مسامية تقع تحت طبقة من الصخور غير المسامية، وذلك في حوض غرب كندا الرسوبي، وعند حقن ثاني أكسيد الكربون من خلال آبار خاصة، فإن الصخور المسامية سوف تحتجز الغاز وسوف تمنع الطبقة غير المسامية من نفاذه إلى سطح الأرض، هذا وتضم منطقة «ألبرتا» عدداً كبيراً من محطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة على الفحم الحجري والغاز الطبيعي والنفط، بالإضافة إلى عدد من المصانع الكبيرة التي تطلق كميات كبيرة من الغاز الكربوني في الهواء الجوي.

وعلى الرغم من أهمية الطبقات البازلتية، كأماكن لتخزين ثاني أكسيد الكربون، إلا أنها لغاية الآن قد اكتشفت في أماكن محدودة في العالم، ويولي المهتمون بهذه التقنية اهتماماً كبيراً بمستودعات الحجر الرملي، نظراً لانتشارها في بقاع شتى في العالم، وتوفر معلومات جيولوجية كافية عنها.

ويعقب عملية الحقن، مراقبة مستمرة طويلة الأمد، لمعرفة إمكانية وجود تسرب لغاز ثاني أكسيد الكربون إلى سطح الأرض أو إلى المياه الجوفية المحيطة بمكان الحقن، حيث تؤخذ عينات من التربة والماء لتحليلهما كيميائياً، ويتم تتبع نظائر الكربون، كما تعمل أنظمة محاكاة حاسوبية متطورة على توقع متى تتكون الصخور المكربنة، آخذة هذه الأنظمة بعين الاعتبار كافة المتغيرات الفيزيائية والكيميائية لمكان الحقن وكمية الغاز التي حقنت.

جمع ثاني أكسيد الكربون
تدل الدراسات على أن محطات توليد الطاقة الكهربائية العاملة على الفحم الحجري تسهم في انبعاث ربع كمية ثاني أكسيد الكربون التي يتم إطلاقها في الغلاف الجوي، فمحطة واحدة ذات قدرة تبلغ ألف ميغاواط من الطاقة، تنتج سنوياً ستة ملايين طن من الغاز، وهذه الكميات الكبيرة، يتم نفثها في الغلاف الجوي، ويتوقع أن تتضاعف هذه الكميات مستقبلاً، مع إنشاء مزيد من محطات توليد الكهرباء، نظراً للطلب المتزايد على الطاقة بسبب التقدم التكنولوجي والزيادة السكانية الطبيعية، أضف إلى ذلك أن عملية إنتاج الغاز الطبيعي، يتم فيها نزع ثاني أكسيد الكربون، وهذه الكميات من الغاز يتم نفثها أيضاً في الهواء للتخلص منها.

وتعتمد تقنية جمع ثاني أكسيد الكربون المنبعث من مداخن محطات توليد الطاقة أو أبراج استخلاص الغاز، على إجراء تعديلات هندسية في تلك المنشآت، حيث يتم الاستغناء عن المداخن الطويلة، وتحويلها إلى أبراج امتصاص، فالغازات المنبعثة من مدخنة محطة توليد الطاقة بالفحم الحجري، تتكون من خليط من عدة غازات، ويشكل غاز ثاني أكسيد الكربون نحو 15 بالمائة، وبقية الغازات عبارة عن بخار ماء ونيتروجين وعدد من الغازات الأخرى و بنسب متفاوتة، ويتم في هذه التقنية تمرير تلك الغازات الناتجة من عملية الاحتراق، على أبراج امتصاص توجد فيها مواد كيميائية قادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وهذه المواد الكيميائية هي الأمينات التي يمكنها أن تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل حصري، ثم يتم نقل الأمينات التي امتصت غاز ثاني أكسيد الكربون، لنزع وتجريد الغاز منها، حيث يتم تسخينها للحصول على مواد الامتصاص بشكل نقي لإعادة استخدامها من جديد، أما ثاني أكسيد الكربون، فيتم تجفيفه ويضغط ويحول إلى سائل، ثم ينقل إلى خزانات خاصة، تمهيداً لعملية حقنه في باطن الأرض، وعلى الرغم من أن عملية استخلاص الغاز الكربوني باستخدام الأمينات الأكثر استخداماً حالياً، إلا أنه خلال السنوات القليلة الماضية، استخدمت الأغشية المنفذة المصنوعة من بعض أنواع المبلمرات لإزالة الماء وثاني أكسيد الكربون وكذلك كبريتيد الهيدروجين من الغاز الطبيعي.

ينقل بعدها غاز ثاني أكسيد الكربون السائل، بوساطة أنابيب خاصة إلى أماكن التخزين، حيث يتم ضخه في التكوينات الصخرية أو الآبار وهو مسال، وهذه المستودعات تكون على عمق يتراوح ما بين 1 – 2 كيلومتر.

وبعد انتهاء عملية الحقن وعدم قدرة مكان التخزين على استيعاب مزيد من الغاز، يتم غلقه بشكل محكم وختمه وتركيب أنظمة مراقبة، للتأكد من عدم وجود أي شكل من أشكال التسرب للغاز، لضمان السلامة العامة، وعدم إلحاق أية أضرار بالبيئة المحيطة بمنطقة التخزين سواء على المدى الزمني القصير أو البعيد.

هذه العملية يمكن تطبيقها في محطات إنتاج الطاقة الكهربائية من الفحم، سواء العاملة بطريقة الحرق المباشر للفحم بخطوة واحدة في الهواء، أو في محطات توليد الطاقة من الفحم باستخدام الحرق الجزئي له بوجود الأوكسجين لتكوين الغاز الصناعي، المكوَّن من الهيدروجين وأول أكسيد الكربون، والذي يتم حرقه في الهواء لتوليد الطاقة على أكثر من مرحلة، إذ يتم احتجاز الغاز الكربوني المنبعث الذي هو في صورة أول أكسيد الكربون عن طريق ملامسته ببخار الماء، لتحويله إلى ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين، يتم بعدها إجراء عملية ترشيح للغاز الكربوني من أجل التخلص منه.

إن عملية استخلاص ثاني أكسيد الكربون وإجراء تعديلات هندسية في عملية إنتاج الطاقة من المحطات العاملة على الفحم، تزيد من التكلفة الإنتاجية ويعقدها، وهذا يتطلب ابتكار حلول فنية، كعزل الكبريت الغازي وتخزينه مع ثاني أكسيد الكربون، لتقليل نفقات معالجة الكبريت لوحده التي تتم الآن، ويبيِّن خبراء الطاقة أن تطبيق هذه التقنية في البداية، سيُحمِّل محطات توليد الطاقة أعباءً مادية إضافية جراء عملية التعديل الهندسية للمنشآت وزيادة عدد مراحل التشغيل، كذلك سيتحمل كل من منتجي الفحم ومستهلكي الطاقة أعباءً مالية، إذ ستزداد قيمة فاتورة الكهرباء التي يدفعها المستهلكون بنحو الخمس، وهذا يتطلب توزيعاً عادلاً للتكلفة الإضافية، لتتحملها كافة الأطراف بما فيها الجهات الحكومية.

من جهة أخرى، فإن عملية إنتاج غاز الهيدروجين وعملية تنقية الغاز الطبيعي المستخدم لأغراض التدفئة وتوليد الكهرباء، تولدان كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون،تقدر بنحو خمسة بالمائة من كمية ثاني أكسيد الكربون الناتج من مجمل عمليات توليد الطاقة الكهربائية في العالم، فعملية تنقية الغاز الطبيعي تتضمن أن تكون نسبة ثاني أكسيد الكربون أقل من 2 بالمائة، وهذا يتطلب إجراء عملية تنقية للغاز الطبيعي وضبط لغاز ثاني أكسيد الكربون المتكون خلال عملية التنقية.

مخاطر محتملة
تواجه عملية تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون تحديات جمة، إذ إن هذه التقنية ما زالت حديثة، وانعكاساتها السلبية على الإنسان والبيئة ما زالت مدار بحث ودراسة، فغاز ثاني أكسيد الكربون، غاز خانق وهو أثقل من الهواء، وتتجلى مخاطر عملية التخزين في نوعية المستودعات التي يتم إيداعه فيها، ففي حالة استغلال خزانات النفط والغاز الطبيعي المستنفذين، فإن عملية تخزينه في تلك الطبقات الجيولوجية تفرض إجراءات سلامة عامة، كالمراقبة المستمرة لتلك الآبار ودراستها جيولوجياً بشكل دقيق للتعرف إلى إمكانية تحرك الطبقات الجيولوجية في حال حدوث زلزال مثلاً وانشقاق في الصخور وتغيير في المسامية.

إن تخزين كميات ضخمة من غاز ثاني أكسيد الكربون السام في آبار النفط أو الغاز الطبيعي الناضبة، يجب أن يتم بعد دراسة تلك الأماكن بشكل دقيق، ففي حال حدث تسرب تدريجي، فلن تكون لذلك عواقب وخيمة آنية، إذ ستنطلق تلك الغازات وبشكل بطيء إلى الغلاف الجوي، إلا أن الأمر سيكون خطيراً عند حدوث تسرب مفاجئ وسريع للغاز، حيث إن هذا الغاز سام وهو أثقل من الهواء وسيؤثر وجوده وبكميات كبيرة في منطقة التسرب على كافة أشكال الحياة.

أما أحواض الفحم غير الصالحة، فهي آمنة إلى حد ما، حيث إن الغاز الكربوني يتم امتصاصه من قبل الفحم، كما يُعد احتجاز الكربون في طبقات البازلت وعلى أعماق سحيقة في باطن الأرض، من أكثر الطرق نجاعة، حيث إن عملية تمعدن الغاز تضمن تحييد تأثيراته الضارة.

ويؤكد المهتمون بتقنية دفن ثاني أكسيد الكربون للتخلص منه، أن عملية جمع الغاز الكربوني من مصانع إنتاج الطاقة الكهربائية ومعامل الصلب والحديد والإسمنت ومحطات تنقية ومعالجة الغاز الطبيعي ومن كافة المنشآت الصناعية الضخمة التي تنتج كميات مهولة من الغاز، ومنع وصوله إلى الغلاف الجوي، ودفنه في باطن الأرض، سيقلل الهوة بين أنصار الطاقة المتجددة، والمدافعين عن استخدام الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة، فحسبما يتوقعه الفريق الحكومي الدولي المعني بتغيير المناخ IPCC، فإن هذه التقنية في حال تم الاهتمام بها ودعمها دولياً، ستكون قادرة بحلول عام 2050م على احتجاز ما بين 20 بالمائة إلى 40 بالمائة من مجمل الانبعاثات العالمية لغاز ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن الوقود الأحفوري، وأنه بحلول عام 2100م سيكون ممكناً تخزين ما بين 200 إلى 2000 جيجا طن من هذا الغاز.

إن تقنية دفن ثاني أكسيد الكربون في باطن الأرض التي تهدف إلى إعادة هذا الغاز من المكان الذي أتى منه، تقدِّم حلاً جزئياً لمشكلة تراكم هذا الغاز في الغلاف الجوي، فخلال العقود المقبلة، يتوقع أن يستمر ازدهار تجارة النفط والغاز الطبيعي، وسوف يستمران في رفد العالم بالطاقة التي سيتزايد الطلب عليها، ولن تؤتي هذه التكنولوجيا في حال نجاحها، أُكلها ما لم يتزامن ذلك مع تطوير أساليب أكثر ذكاءً للاستخدام الأمثل للطاقة.

أضف تعليق

التعليقات