لم تلعب منظمة تشكَّلت من دول نامية دوراً بأهمية الدور الذي لعبته أوبك، ولا تزال، على مستوى العالم بأسره. فهذه المنظمة التي تأسست من خمس دول مصدِّرة للنفط سنة 1960م تضم اليوم 13 بلداً، بعد انضمام أنجولا، وعودة الإكوادور إليها خلال العام الجاري. وعلى الرغم من تباين التوجهات السياسية بين بلد وآخر من البلدان الأعضاء، فإن أوبك لم تكتفِ بالحفاظ على تماسكها، بل ظلَّت تعزِّز دورها عاماً بعد عام، حتى استقرت على ما هي عليه، صاحبة كلمة فصل في الاقتصاد العالمي ومساره.
ومواكبة لعقد القمة الثالثة لدول المنظمة خلال شهر نوفمبر الجاري، تنشر القافلة هنا ملخصاً للمحاضرة التي سبق وألقاها محافظ المملكة العربية السعودية في أوبك، الدكتور ماجد بن عبدالله المنيف، في دورة الصحافيين التي نُظِّمت أخيراً، وعرض فيها للمراحل المختلفة التي مرَّت بها المنظمة منذ نشأتها، وصولاً إلى التحديات التي تواجهها اليوم على أكثر من صعيد متعلق بإنتاج النفط وإمداد العالم بالطاقة اللازمة لتطوره ورفاهيته.
نشأة المنظمة
أنشئت منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك في مؤتمر في بغداد في سبتمبر 1960م، حضره مندوبو خمس دول هي السعودية والعراق والكويت وإيران وفنزويلا، وأعقب هذا المؤتمرُ مؤتمرَ النفط العربي الأول عام 1959م، الذي عقد في القاهرة وشاركت فيه إيران وفنزويلا مراقبين (2).
وكان اهتمام مؤتمر النفط العربي الأول حينئذ، متجهاً صوب العلاقة بين حكومات الدول المنتجة للنفط وشركات النفط العالمية العاملة في تلك الدول، في إطار نظم عقود امتياز تنقيب عن النفط وإنتاجه واستغلاله. وكانت عقوداً غير متكافئة، إذ كان الطرف الأول، الشركات، في مركز أقوى من الطرف الثاني، حكومات الدول المنتجة، سواء بسبب دعم حكوماتها التي كانت إما مستعمِرة (بكسر الميم) أو تربطها عهود حماية مع عدد من حكومات تلك الدول، أو كانت لدى الشركات معرفة بجيولوجية المناطق التي ترغب في استغلالها، أو كانت الحكومات في أمسّ الحاجة إلى المورد، على نحو جعلها تتغاضى عن شروط مجحفة.
وتميزت الحقبة التي أُبرمت خلالها عقود الامتياز، بهيمنة شركات النفط الكبرى على سوق النفط. وكان من نتيجة تلك الهيمنة تحكم الشركات صاحبة الامتياز بمقدار الإنتاج والأسعار وبالتالي بما يمكن أن تنالة حكومات الدول المنتجة من إيراد، ولكن وضع الشركات ونظم الامتياز والعلاقة مع الحكومات بدأت في التغير تدرجاً بعد الحرب العالمية الثانية.
ففي الإطار السياسي نال عدد من دول العالم، ومنها دول منتجة ومصدِّرة للنفط استقلاله. وكان دور النفط وعلاقة الحكومة بالشركة صاحبة الامتياز إحدى أبرز القضايا التي واجهتها تلك الحكومات، ونجم منها قضايا نزاع، حسم بعضها بعنف (انقلاب عام 1952م في إيران) أو بتعديل نظم الامتياز لإعطاء الحكومات حصة أكبر أو إعطاء مواطنيها دوراً أكبر في قرارات الشركات صاحبة الامتياز.
وأدت إعادة بناء أوروبا واليابان، بعد الحرب الثانية، إلى تزايد طلب النفط. وتضاعف إنتاج الشرق الأوسط وفنزويلا، من 3.3 ملايين برميل في اليوم 1950م، إلى 7.4 ملايين برميل في اليوم 1959م. وأدى نمو الطلب إلى ظهور شركات مستقلة عن الشركات الكبرى الاحتكارية، للمنافسة في بعض مراحل صناعة النفط، بشروط مالية وتقنية أفضل لحكومات الدول المنتجة. وتزامن ذلك مع تباطؤ نمو إنتاج الولايات المتحدة، بسبب شيخوخة بعض حقولها (ما عدا ألاسكا)، وتراجعها، لتحل محلها منطقة الشرق الأوسط وفنزويلا.
أدى ذلك التغير السياسي والاقتصادي إلى تخلخل علاقة الاحتكار بين الشركات الكبرى، فسارعت إلى خفض السعر في أسواق العالم للتأثير في منافساتها. ونتج من ذلك خفض إيراد الدول المنتجة، وتذمرها المتكرر من تصرف الشركات المتفرد. وكان مؤتمر النفط العربي الأول المشار إليه، وإلى حد ما المؤتمر الثاني (في أكتوبر 1960م) المجال الرحب لتعمل حكومات الدول المنتجة من خلال ثلاثة مبادئ، كانت مرتكزاً لقيام أوبك وتطورها:
أولاً إن تعديل العلاقة غير المتكافئة مع الشركات ذو أبعاد عدة، فهو عالمي وليس عربياً فقط، وهو ليس علاقة ذات جانب مالي فحسب، بل له جوانب متعلقة بالإنتاج والتسويق وغيرها.
ثانياً إن مواجهة تكتل الشركات يتطلب تكتلاً موازياً، لتقوي الحكومات مركزها في التفاوض.
ثالثاً إن مبدأ سيادة الدول يشمل أيضاً سيادتها على مواردها ومنها النفط.
كان غرض اجتماع بغداد التشاور لمواجهة خفض الشركات من طرف واحد السعر خفضاً متكرراً. ولم يكن مطروحاً إنشاء منظمة. ولكن كان للظرف السياسي آنذاك، والدور الذي لعبه رؤساء بعض الوفود المشاركة (ولا سيما عبدالله الطريقي رئيس الوفد السعودي، وبيريث ألفونسو رئيس الوفد الفنزويلي) أثر مهم في إقناع الوفود الأخرى بالتعجيل في الاتفاق. وكان لفؤاد روحاني رئيس وفد إيران دور في صوغ إعلان قيام المنظمة التي نص دستورها فيما بعد على الأهداف التالية:
1 –
تنسيق سياسة النفط وتوحيدها في الدول الأعضاء، وتعيين أفضل السبل لحماية مصالحها فرادى ومجتمعة.
2 –
إيجاد السبل والوسائل لضمان استقرار السعر في الأسواق، لإنهاء التقلب الضار.
3 –
الاهتمام بمصالح الدول المنتجة وضرورة توفير دخل مستقر لها، وضمان إمداد مستقر للدول المستهلكة، وعائد عادل لمن يستثمر في صناعة النفط.
ويدل على بعد نظر آباء المنظمة المؤسسين، أن أهدافها التي صيغت منذ ما يناهز نصف قرن، لا تزال صحيحة، على الرغم من تغير العلاقات الدولية وهيكل صناعة النفط.
ومع ان إنشاء المنظمة قوبل بالترحاب لدى شعوب الدول المنتجة، إلا أنه لم يلق اهتمام الشركات ولا المجتمع الدولي آنذاك. فقد رفضت سويسرا منح أوبك صفة منظمة دولية ذات حصانة، فيما منحتها النمسا هذه الصفة عام 1965م. ولذا اختيرت فيينا مقراً لأمانة أوبك العامة. بل ان الإشارة في اسم المنظمة إلى بلدان-Countries عوضاً عن دول-States كان إيحاءً، إذ ان الكويت التي شاركت في مؤتمر بغداد، لم تكن قد نالت استقلالها بعد، ولا قطر وأبوظبي، البلدان اللذان انضما إلى المنظمة عامي 1961 و1967م على التوالي، ولمَّا ينالا استقلالهما. وتجلى عدم الاكتراث أيضاً بإصرار الشركات على التفاوض مع الحكومات فرادى، في الموضوعات المُختلف عليها.
أجهزة المنظمة
تتخذ المنظمة قراراتها وتلعب دورها من خلال الأجهزة الأساسية التالية:
1 –
المؤتمر الوزاري: وهو أعلى سلطة في المنظمة ويتألف من وزراء الطاقة أو النفط في الدول الأعضاء، ويتخذ قراراتة الجوهرية بالإجماع، مثل قرار سقف الإنتاج أو حصة كل دولة، أو السعر المنشود أو تعيين الأمين العام.
2 –
مجلس المحافظين: هو السلطة التي تتابع مهام الأمانة العامة المالية (ومنها الموازانة السنوية وإسهام الدول الأعضاء المتساوي فيها) والإدارية وجدول أعمال المؤتمر الوزاري والعلاقة بالمنظمات والدول. ويضم ممثلي الدول الأعضاء، ويرفع توصياته أو قراراته إلى المؤتمر الوزاري.
3 –
لجنة أوبك الاقتصادية: هي الهيئة الفنية التي تُعنى بتحليل وضع السوق وتوقع المستقبل. وتضم خبراء من الدول الأعضاء، ويرأسها الأمين العام. وترفع تقريرها إلى المؤتمر الوزاري.
4 –
الأمانة العامة: تتألف من الأمين العام ومديري الإدارات والموظفين العاملين في فيينا. وترشحهم الدول الأعضاء أو يُختارون من مختلف دول العالم على أساس الكفاية.
تطور المنظمة
يمكن تقسيم مراحل تطور المنظمة إلى ست مراحل مرتبطة بالتغير الذي مرت به أو بيئة السوق، وهذه المراحل هي:
1 – مرحلة التأسيس 1960-1964م:
تركز اهتمام أوبك على بناء أجهزتها وتعيين وضعها في القانون الدولي، إذ عملت أمانتها العامة من جنيف بلا حصانة دولية. وابتدأت المنظمة بوضع الدراسات عن السوق وتعزيز دورها. وانضمَّت في تلك الأثناء إندونيسيا وقطر وليبيا. وكان انضمام الأخيرة ذا مغزى، لأنها كانت أول عضو من إفريقيا، وكان معظم الشركات العاملة في ذلك البلد مستقلة. وكانت الشركات الكبرى لا تزال تتمتع بالسيطرة على السوق ومعظم النفط المُتداول في العالم.
2 – مرحلة التمكّن 1965-1969م:
اتضح وضع المنظمة في القانون الدولي بانتقالها إلى فيينا، واعتراف اللجنة الاجتماعية والاقتصادية في الأمم المتحدة بها منظمة دولية. وأحرزت أول كسب جماعي بقبول الشركات مبدأ تنفيق الريع أي تعديل طريقة احتساب عوائد الضريبة على نحو يزيدها. وانضمت إلى المنظمة الجزائر وإمارة أبوظبي (أصبح مقعدها للإمارات العربية المتحدة عام 1974م). وابتدأ وضع الشركات الكبرى الاحتكاري في التقوض، من جرَّاء تزايد إنتاج الشركات المستقلة وتحسن قدرة الحكومات على التفاوض، وتنسيق البعد المؤسسي بين الحكومات في أوبك .
3 – مرحلة المبادرة 1970-1973م:
بدأ التفاوض الجماعي أول مرة مع الشركات، لتعديل ما كان يُسمَّى الأسعار المعلنة التي كانت تعينها الشركات وحدها، وتحسب على أساسها عائد الضريبة للحكومات. ففي هذه المرحلة فاوضت الشركات في الخليج أعضاء المنظمة، لتعديل سعر الزيوت المصدرة منها، فيما عرف باسم اتفاق طهران ، وكذلك مع الأعضاء المصدرين من موانئ المتوسط، فيما عرف باسم اتفاق طرابلس ، لتعويض الدول من خفض سعر صرف الدولار حينذاك، في ما عرف باسم اتفاق جنيف . وبدأت بعض دول أوبك من الخليج تفاوضاً جماعياً مع الشركات، لتغيير صيغ عقود امتيازها فيما عرف باسم اتفاق المشاركة من أجل إشراك الحكومات في امتلاك أصول الشركات العاملة لديها. وكان كل هذا على أساس تأميم مصالح النفط (في العراق وليبيا والجزائر مثلاً) أو التهديد به في دول أخرى، مع أخذ دول المنظمة الصدارة في تزويد العالم حاجته وتوقع تعاظم ذلك الدور، على النحو الذي أجبر الشركات على التنازل.
وحانت اللحظة الفاصلة أواخر عام 1973م، أوائل عام 1974م، لتعدل ميزان القوى تعديلاً جذرياً. فبعد ارتفاع الأسعار الفورية مع حرب أكتوبر 1973م، اجتمع مندوبو أوبك مع الشركات للاتفاق على تعديل الأسعار المعلنة. وبعد تعثر التفاوض، قررت الدول الأعضاء أن تعدل الأسعار في أوبك دون موافقة الشركات. أي ان هذه المرحلة شهدت تحول قرار التسعير من قرار تفاوض مع الشركات، إلى قرار بيد الحكومات الدول.
4 – مرحلة السيطرة 1974-1982م:
سميت هذه المرحلة الذهبية إذ أصبحت المنظمة متحكمة بقرار تسعير النفط في العالم، بتعيين سعر ثابت سمي سعر زيت الإشارة ، وكان حينئذ العربي الخفيف الذي تنتجه السعودية، وتغييره من آنٍ إلى آخر باتفاق الدول الأعضاء، إضافة إلى اتفاقها على فروق سعر بين زيت الإشارة والزيوت الأخرى، مع ترك الإنتاج لقرار كل دولة. وكان قبول السعر عند المستوى الذي تتفق عليه أوبك ممكناً لأن دول المنظمة كانت تسيطر على نحو نصف إنتاج العالم ونحو ثلاثة أرباع تجارته الخارجية، ولأن هيكل السوق جعل هذا القبول ممكناً، لكون الجزء الأكبر من النفط يباع بعقود ذات آجال طويلة، ودور السوق الفورية محدوداً.
كانت لتلك المرحلة أصداؤها العالمية، أحدها شعور الدول النامية الأخرى، بإمكان تغير قواعد النظامين التجاري والنقدي الدوليين اللذين كانا (وربما لا يزالان) يميلان لمصلحة الدول الصناعية. لذلك بدأ، بتأييد أوبك ، حوار الشمال والجنوب. أما الصدى الثاني الذي ترتب على نهوض أوبك ، فهو قيام الدول الصناعية، بمبادرة من الولايات المتحدة (ووزير خارجيتها آنذاك هنري كيسنجر) بإنشاء وكالة الطاقة الدولية ، ومقرها باريس، لتنسيق سياستها في مجال الطاقة (وعلى نحو غير مباشر التصدي لأوبك)، بتنويع مصادر الطاقة وتفريع واردات النفط وغير ذلك. أما الصدى الثالث، فكان اشتداد الحملة الإعلامية، لا سيما في الدول الصناعية، على أوبك ووصمها بالكارتل (التجمع الاحتكاري) وغير ذلك من نعوت. ولم يثمر حوار الشمال والجنوب، واستطاعت وكالة الطاقة الدولية بلوغ العديد من أهدافها، مثل تقليص الاعتماد على النفط وإنشاء احتياط استراتيجي لأعضائها.
وتميَّزت تلك المرحلة باكتمال تملك أصول شركات النفط أو تأميمها في معظم دول أوبك وتأسيس شركات نفط وطنية تملك بعضها أو كلها حكومات الدول الأعضاء، وأصبحت الشركات العالمية في الغالب مشترية للنفط الخام من الشركات الوطنية.
5 – مرحلة الانحسار 1982-1986م:
كانت هذه مرحلة حرجة في تاريخ المنظمة، إذ ان نظام تعيين الأسعار والفروق الثابتة بين الأسعار لم يثبت مع تفكك التكامل الرأسي وتنافس الدول على المشترين. وأدت الظروف السياسية (الثورة الإيرانية واندلاع الحرب العراقية الإيرانية) إلى تبني المنظمة أسعاراً مرتبطة بالأزمات والدفاع عنها. ونجحت الدول الصناعية، في تنويع مصادر الطاقة ومدد النفط. بل استطاعت الفصل بين نمو الاقتصاد ونمو طلب النفط لديها، بسبب الأسعار المرتفعة نسبياً من جهة، وسياسة الترشيد التي اعتمدتها من جهة أخرى. فانحسر طلب تلك الدول النفط من أعلى مستواه في السبعينيات، وهو 44 مليون برميل في اليوم (م ب/ي) عام 1978م، إلى أدناه في الثمانينيات عند 36 م ب/ي، عام 1983م. كذلك أدت الأسعار المرتفعة، والسياسة الضريبية والتشجيعية إلى زيادة الإنتاج من خارج أوبك من 18.7 م ب/ي عام 1974م إلى 29 م ب/ي عام 1985م.
وكان طبيعياً أن ينخفض إنتاج أوبك من أعلى مستوى في السبعينيات، وكان 31.4 م ب/ي عام 1979م، إلى أدناه في الثمانينيات وهو 16.7 م ب/ي عام 1985م. ولم تتكيَّف قرارات أوبك مع تغير الظروف وعلاقات السوق، فقد أبقت الأسعار المرتفعة الناتجة من الأزمات، ودافعت عنها بنظام حصص الإنتاج. أي انها، بخلاف المرحلة السابقة التي كانت تثبت فيها السعر، وتترك مقدار الإنتاج رهناً بطلب كل دولة، عملت في تثبيت كليهما. ولكن مع انحسار طلب العالم، وتزايد الإنتاج من خارج أوبك ، وتزايد حجم أسواق النفط الفورية والآجلة، فقدت أسعار أوبك قوتها، وتراكمت طاقة إنتاج فائضة، ولم يكن عبء تحمل ذلك عادلاً بين الأعضاء، فزادت حدة الخلاف بينها، وتضافرت العوامل في جعل الأسعار تنهار عام 1986.
6 – مرحلة التكيّف 1987-2007م:
كان وقع انهيار الأسعار عام 1986م قوياً على أوبك ، إذ أوضح حدود قدرتها على حماية الأسعار الثابتة في ظروف السوق المتغيرة، لذلك اعتمدت من 1987 حتى 2005م خطة وضع سعر منشود لمتوسط أسعار عدة زيوت، أي سلة زيوت أوبك وترك الأمر للسوق، التي تعين سعر كل زيت ووضع صيغة تعيين سقف وحصص للإنتاج لبلوغ السعر المنشود (3).
أما عن تسعير كل نوع من الزيوت فتُرك لكل دولة اتباع الطريقة التي تناسبها فربطت عدة دول، منها السعودية، سعر زيوتها بسعر زيوت مرجعية تُتَداول في أسواق النفط العالمية الفورية والآجلة، مع فروق للنوع والمسافة، تتغير بتغير أنماط العرض والطلب في كل سوق.
وكان لتكيف أوبك مع تغير وضع السوق، واتباع دولها نظام الأسعار المرنة المنافسة، تأثير في استعادتها زمام المبادرة وتزايد إنتاجها من أقل من 17 م ب/ي أواسط الثمانينيات، إلى أكثر من 30 م ب/ي عام 2006م، وعودتها إلى صدارة الهيئات المؤثرة في أساسيات السوق. ولم تقتصر تلك المرحلة على انتهاج نظام الأسعار المرنة، بل امتد ليشمل علاقة المنظمة مع المنتجين الآخرين، وكذلك الدول المستهلكة. وأعيد صوغ علاقة دولها بالشركات العالمية على أسس المصالح المشتركة.
نجحت أوبك في إيجاد أطر تعاون وتنسيق مع الدول المنتجة الكبرى غير الأعضاء، ولا سيما المكسيك وروسية والنروج وعمان وأنجولا. وكان انهيار الأسعار عام 1998م، بداية ذلك التعاون، بعدما أدركت تلك الدول أن التعاون مع أوبك لأجل استقرار السوق يعود بالنفع عليها أيضاً. واقتنعت أنجولا بجدوى الانضمام إلى المنظمة عام 2007م. وأحيت المنظمة ودولها الحوار مع الدول المستهلكة وطورت موضوعاته وأساليبه. فأنشئ منتدى الطاقة الدولي لهذا الغرض. وأدى تطور السوق وصناعة النفط وشركات النفط الوطنية في معظم دول أوبك ، إلى تطور علاقات التعاون والتحالف بين شركات النفط الوطنية والعالمية، باتفاقات شراكة بينها في مراحل الإنتاج أو التكرير.
التحديات التي تواجة أوبك
تواجه الدول المنتجة والمصدرة و أوبك تحديات عديدة. منها تحديات ذات طابع اقتصادي وسياسي، ومنها المرتبط بالسوق وعلاقاته، أو المرتبط بمجال عمل المنظمة، مثل نظام الطاقة العالمي، والنظام التجاري، والنظام البيئي، وتغير صناعة النفط والطاقة في العالم ومجال أعمالها وهياكلها والتطور التقني فيها.
أولاً: التحديات الداخلية
يدل استمرار المنظمة نحو نصف قرن، على مناعتها وقدرتها على التكيف مع الأوضاع والدفاع عن مصالح أعضائها. وأحد تحديات الأجل القصير التي تواجه المنظمة قدرتها على التعامل مع أزمات انقطاع الإمداد، لأي سبب، واستئناف هذا الإمداد بعد ذلك. وأظهرت أزمات انقطاع الإمداد الكبرى، ومعالجتها بفضل طاقة الإنتاج المتوافرة لدى بعض دول أوبك ، قيمة دور المنظمة وصدقيتها.
أما التحدي الثاني في الأجل القصير فهو قدرة المنظمة على ضمان توازن الأسواق واستقرارها. فطلب النفط يتغير في المواسم، ولا سيما في نصف الكرة الأرضية الشمالي. وخلال السنوات السبع الماضية نجحت المنظمة في التدخل في الوقت المناسب، لمنع تدهور الأسعار أو جموحها، بتعديل سقف الإنتاج. وتعد كفاية نظام الحصص وجدواه، وتوزيع الأعباء بين الدول الأعضاء أساساً في ذلك.
أما التحدي الثالث فهو قدرة المنظمة على إبقاء الأسعار بقيمتها الحقيقية، أي تعويض دولها من انخفاض سعر برميل النفط، وهو انخفاض ناتج من التضخم العالمي وانخفاض سعر الدولار، عملة التقويم والتسوية لمبيعات النفط. ففيما كان متوسط سعر برميل سلة أوبك 61 دولاراً عام 2006م، بلغ السعر بالقيمة الحقيقية (قياساً بأسعار عام 1983م مثلاً) نحو 25 دولاراً، تبعاً لتغير نسب التضخم العالمي وسعر صرف الدولار. وأما تسعير النفط وتقاضي ثمنه بعملة غير الدولار (كاليورو مثلاً) فلا يؤثر في ذاته في قوة سعر البرميل الشرائية، بل يغير طبيعة تقييم المبيعات. علماً بأن أوبك ليست معنية باختيار عملة البيع، فذلك قراره رهن بظروف كل دولة وخيارها.
ثانياً:التحديات الخارجية التي تواجه منظمة أوبك
تتعلق هذه التحديات بالعولمة وذيولها، في جميع المجالات، النظام التجاري العالمي أو النظام البيئي الكوني أو دور شركات النفط المتعددة الانتماء والتقدم التقني وبرامج الطاقة في الدول الكبرى المستهلكة وأثر العوامل السياسية في صوغ تلك البرامج وتنفيذها. ومن عوامل التغير أيضاً، انتقال زيادة طلب النفط، من الدول الصناعية إلى الدول النامية ولا سيما الصين والهند. أما التحدي الآخر فيعزى إلى تنافس المصادر البديلة للنفط (الوقود الحيوي ورمال القار وغيرها). وسنتعرض هنا باختصار لأثر تلك التحديات في دور أوبك .
– النظام البيئي الكوني
في النظام البيئي الكوني عهود دولية وإقليمية تؤثر في النفط واستهلاكه وتجارته، أهمها اتفاق الأمم المتحدة الإطاري للتغير المناخي، وما يسمى بروتوكول كيوتو . إذ يضع الاتفاق و البروتوكول مساراً لدول الملحق الأول في الاتفاق (الدول الصناعية ودول الاتحاد السوفياتي السابق) لخفض بث غازات الاحتباس الحراري. أحد أهم تلك الغازات ثاني أكسيد الكربون، الناتج من حرق أنواع الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز).
وتشير دراسات أمانة أوبك العامة وغيرها، إلى أن استهلاك النفط وأسعاره، وبالتالي عائداته، ستتضرر من جراء التزام بروتوكول كيوتو ، ويختلف الأثر باختلاف السياسة وباختلاف عدد الدول التي تلتزم. وقد أدركت أوبك ودولها باكراً أثر ذلك الموضوع البيئي وعملت على المشاركة في التفاوض الذي نتج منه البروتوكول ، وعملت بالتنسيق مع الدول النامية الأخرى، في صوغ اتفاق الأمم المتحدة الإطاري و بروتوكول كيوتو ، لتأكيد ضرورة حماية مصالح الدول النامية المصدرة للنفط، وفي هذا المجال تجنب تقييد الدول النامية المستهلكة، التي يعزى إليها معظم نمو الطلب (مثل الهند والصين).
– التطور التقني
يعد التطور التقني تحدياً في الأمد الطويل، سيؤثر في النفط ودوره وفي خيار الدول المنتجة. لقد كان متوسط الإنفـاق الحكومي على البحث والتطويـر في مجال الطاقـة، بين 1983 و2003م، في دول وكالة الطاقة الدولية، نحو 12 بليون دولار كل سنة، فنال الترشيد %7 والطاقة النووية %50 والطاقة المتجددة %6 والفحم %9 والنفط والغاز %4 فقط.
وقد أثرت الثورة التقنيـة في الحاسب الآلي واستخدامه في صناعة النفط بمراحلها المختلفة. ومنذ النصف الثاني من الثمانينيات، انتشر استخدام تقنية المسح الثلاثي والرباعي الأبعـاد، والحفر الأفقي واستخلاص النفط المدعم في مراحل الاستكشاف والتطوير والإنتاج، على نحو أثر في مقدار الاحتياط وتكاليف الإنتاج. فقد زاد احتياط العالم من نحو 700 بليون برميل عام 1985م إلى 1208 بلايين برميل عام 2006م، على الرغم من إنتاج متراكم بلغ نحو 500 بليـون برميل خلال المدة المذكورة. وأدت إعادة تقويم الاحتياط في دول أوبك إلى زيادته من نحو 473 بليون برميل عام 1985م، إلى 906 بلايين برميل عام 2006م.
ومن التحديات التي ستؤثر في أوجه استخدام النفط وأثره، تقنية تطوير أنواع الوقود الحيوي وإنتاج مركبات تسير بخلية الوقود وفروعها. فمنتجات النفط تسهم بنحو 90 أو %95 من استهلاك قطاع النقل، الذي يستحوذ بدوره على أكثر من %50 من استهلاك العالم النفط. ويتوقع له الزيادة مع نمو السكان والاقتصاد في الدول النامية. ومع ان حكومات الدول الصناعية، حاولت لأسباب متعلقة بأمن الإمداد أو البيئة، أن تكسر احتكار منتجات النفط لقطاع النقل، بفرض استخدام غاز النفط المسال أو الغاز المضغوط أو الميثانول في وسائط النقـل العـام، إلا أن التكاليف والبنية الأساسية لأنواع الوقـود الجديدة وكفايتها وقبول المستهلكين لها، حالت دون انتشارها. ومع تنامي الوعي البيئي والتطور التقني في خزن الطاقة خلال السنوات العشر الماضية وارتفاع سعر النفط، مولت شركات السيارات الكبرى وشركات النفط، أبحاثاً لإنتاج سيارة كهربائية أو سيارة هيدروجينية، أو تعمل بوقود الميثانول، أو سيارة هجينة تسير بالجازولين والبطارية.
وتتوقع وزارة الطاقة الأمريكية، أن ينجح الاستثمار في الوقود البديل في خفض طلب الجازولين في الولايات المتحدة عام 2020م بمعدل 500 ألف برميل في اليوم. أما إذا سارت الأمور على ما يُرتَقب مع التقنية المتقدمة، فإن الوقود البديل سيحصل على %11 من حصة وقود النقل بدل %5 الآن، وينخفض طلب الجازولين 2.7 مليوني برميل في اليوم.
سياسة الطاقة في الدول المستهلكة
تنطلق الدول المستهلكة الكبرى في دعمها لأبحاث التقنية والترويج لها، وفي تفاوضها في نظام التجارة العالمي ونظام البيئة العالمي، من مصالح دولها واستراتيجيتها. وقد وضعت الولايات المتحدة منذ السبعينيات خططاً وبرامج للطاقة، وكان بعضها طموحاً لتنويع المصادر والإمداد وزيادة الإنتاج المحلي وجدوى استخدام الطاقة. أما الاتحاد الأوروبي فاندفع نحو سياسة أوروبية مشتركة في مجال الطاقة ستكون ملموسة خلال السنوات القادمة. وقد قدمت المفوضية الأوروبية الورقة الخضراء التي تضع سياسة أوروبية مشتركة لضمان أمن طاقة دولها مجتمعه والوفاء بالتزام بروتوكول كيوتو .
قوانين منظمة التجارة العالمية
تتسم علاقات العولمة الحديثة بطابع مختلف عن طابع تطور صناعة النفط وتجارته منذ بداية القرن الماضي، إذ تطور النظام التجاري العالمي بإنشاء منظمة التجارة العالمية وتشعب اهتمامها. ويعتقد البعض خطأً أن تجارة النفط مستثناة من أحكام منظمة التجارة العالمية، لأن تجارة النفط لم تدرج على الجولات السبع التي عقدتها منظمة جات السابقة لقيام منظمة التجارة العالمية، وهي جولات أدت إلى خفض جمارك السلع المصنعة. لكن ليس في نظم جات ولا اتفاقات منظمة التجارة العالمية المختلفة، ما يفيد استثناء النفط ومنتجاته من أحكامها.
ويدخل الزيت الخام معفى أو برسوم جمركية منخفضة، إلى معظم دول العالم المستوردة الصافية للخام. ويُعزى انخفاض رسوم جمرك الزيت الخام لأسباب عديدة، منها رغبة الدول المستوردة في بناء صناعة تكرير محلية قادرة على الاستمرار، إضافة إلى أن كثيراً من الدول ليس لديها قطاع إنتاج تحميه بالرسوم الجمركية. وإذا كانت ترغب في الحصول على إيراد من الرسوم الجمركية، فإن ضرائب استهلاك المنتجات أعلى.
أما رسوم جمرك منتجات النفط فمنخفضة نسبياً وتراوح بين 3.5 و%5.6 في الاتحاد الأوروبي وتبلغ نحو 52.5 سنتاً لبرميل الجازولين في الولايات المتحدة. وفي المقابل، بلغت الضرائب المحلية على استهلاك برميل من منتجات النفط المكررة (ضرائب استهلاك وقيمة مضافة) نهاية عام 2006م، نحو 24 دولاراً البرميل في الولايات المتحدة و102 دولارين في دول الاتحاد الأوروبي. وغاية تلك الضرائب التي لا تتناولها حتى الآن أنظمة منظمة التجارة العالمية وقوانينها، لكونها ضرائب على الإنتاج المحلي والواردات من المنتجات، هي خفض استهلاك المنتجات من أجل خفض الواردات.
وثمة احتمال أن تؤثر قوانين منظمة التجارة في جدوى استمرار اعتماد أوبك نظام السقف والحصص. ومع ان موضوع حصص الإنتاج في أوبك لم يرد حتى الآن في التداول أو التفاوض خلال انضمام الدول الجديدة إليها، إلا أن استعداد المنظمة لذلك قانونياً، وبالتنسيق مع الدول التي تربطها بها مصالح مشتركة، قد يكون ضرورياً. ولجنة التجارة والمنافسة ضمن المنظمة تنظر في الأمر.
تواريخ وأحداث
1960
10 – 14 سبتمبر
اجتماع الدول المؤسسة الخمس (المملكة العربية السعودية والجمهورية العراقية والأمبراطورية الإيرانية وإمارة الكويت وجمهورية فنزويلة) في بغداد وإعلان تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك.
1961
انضمام دولة قطر إلى منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك
1962
انضمام الجماهيرية الاشتراكية الليبية العربية إلى منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك
1962
3 سبتمبر
اجتماع مجلس حكام منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك في مدينة جنيف السويسرية (لم تمنح سويسرة أوبك الحصانة ولا الصفة الدولية. فنقلت المنظمة أمانتها العامة سنة 1965 إلى فيينة، بعدما اعترفت بها النمسة منظمة دولية ذات حصانة)
1964
مؤتمر منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك السابع، في جاكرتة عاصمة إندونيسية.
1967
انضمام الإمارات العربية المتحدة إلى منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك
1969
انضمام الجمهورية الجزائرية إلى منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك
1971
انضمام نيجيرية إلى منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك
1973
• 16-17 مارس: مؤتمر منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك الثاني والثلاثون (الاستثنائي) في فيينة. ويذكر أن سنة 1973 شهدت حرب أكتوبر التي أدت إلى وقف تدفق النفط إلى الدول الغربية، وحدوث طفرة في أسعار النفط.
• انضمام جمهورية الإكوادور إلى منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك (انسحبت سنة 1992م، وأعربت أخيراً عن رغبتها في العودة إلى المنظمة، واستعادت مقعدها في أكتوبر 2007م).
1975
• مارس: أول اجتماع قمة للملوك والرؤساء والأمراء في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك ، يعقد في الجمهورية الجزائرية.
• انضمام جمهورية الجابون إلى منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك (انسحبت منها سنة 1994م).
1980
14 فبراير
رئيس فنزويلة لويس هيريرا كامبينس يزور مقر رئاسة منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك في فيينة.
1985
28-30 يناير
مؤتمر منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك الثالث والسبعون (الاستثنائي) في جنيف.
1999
23 مارس
مؤتمر منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك في فيينة.
2007
انضمام أنجولا إلى منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك