أن تكتب عن المرأة في عالمنا العربي وأنت رجل يعني أنك دخلت عش الدبابير من الجنسين: رجل يرفض تدخلك في شؤون (نسائه) وامرأة ترفض تعاطيك في شأن يخصّها. أي إنك ملسوع في كل الحالات ومهما كانت ظروف وملابسات ما تكتب، حتى لو كنت تنتصر للمرأة إثر قرار رسمي صدر لصالحها الشخصي والحياتي العام.
يقع هذا، من وجهة نظري، في خانة ثقافة التصنيف الشائعة والراسخة على كل نطاق، إذ طالما طُرحت مسائل فكرية وثقافية على أساس من ذكورتها وأنوثتها وليس على أساس إنسانيتها، التي يفترض أنها المنطلق الأصلي لكل من يفكر أو يكتب أو يتناول الشأن العام، سواء كان رجلاً أم امرأة.
وُجد ولا يزال، رغم الممانعة والرفض القاطع أحياناً، أدب وشعر عربي رجالي وأدب وشعر عربي نسوي. وهناك دراسات وأبحاث مطولة في الرواية والقصة والقصيدة والمقالة النسوية العربية، باعتبارها، نتاجاً أو إفرازاً متغيراً أو مختلفاً بتغير أو اختلاف الجنس.
العلة، كما أتصور، تكمن فيما يستبطنه العقل العربي من اعتبار الذكر، صاحب الحضور والحظوة المجتمعية، المصدر الأول للأفكار والنصوص والمشاريع التقدمية. وحين تُقبل المرأة في هذا البلاط فإنها تُقبل باعتبارها تابعة أو ثانوية. والدليل ظاهرة نسبة بعض نصوص النساء، في الرواية والشعر وغيرهما من صنوف الأدب، إلى مراجع ذكورية مباشرة، مثل ما قيل من أن سعدي يوسف كتب رواية أحلام مستغانمي ذاكرة الجسد وأن نزار قباني يكتب قصائد سعاد الصباح، ما يشي برسوخ الاعتقاد (الباطني) بأن المرأة لا تملك القدرة على إبداع ما تنسبه لنفسها، بالشكل الذي ظهرت به تلك الرواية أو تلك النصوص الشعرية.
سعاد الصباح نفسها قالت بغضب في حديث صحافي قبل عشر سنوات تقريباً إنها ملَّت من أسطوانة نزار قباني المشروخة وقالت وقتها: «اسألوا ديوك القبيلة الذين أطلقوا هذه الشائعة وصدقوها، فلا صوت يعلو فوق صوت الرجل الذي يخاف من ثقافة المرأة!».
يصعب فيما يبدو، حتى على المثقف العربي، فضلاً عن الإنسان العادي، أن ينظر إلى نص مكتوب دون أن يعرف جنس الكاتب ليحكم على هذا النص. وكانت نتيجة هذه الممارسة، التي لا يمكن تجريدها من التقصّد أحياناً على مستوى ما يسمى النخبة، إلى حالة عزل فكرية اجتماعية بين الجنسين في الحالتين: إرسال النص من الكاتب واستقباله من الجمهور.
لم يكن هذا الجمهور، وهو يستقبل النص، بحاجة إلى من يوصيه بممارسة التمييز الفكري والثقافي على أساس الجنس، فهو سلفاً، في غالبيته العظمى، نصير لحالة الفرز بين الجنسين على كل مستوى في حياتنا، من أكبر الأشياء إلى أصغرها. وبالتالي ليس من الحصافة أن يلام هذا الجمهور، في قسمه الذكوري، على مواقفه السلبية من نص يكتبه رجل عن المرأة المحسوبة حياتياً على رجل بعينه ليس لغيره حق التحدث عنها أو عن حقوقها الإنسانية من رجل آخر. كما لا يمكن أن تُلام امرأة تطالب بعدم تدخل الرجل الكاتب في شؤونها لأنها أيقنت، تبعاً لحالة الفرز الطويلة والضاغطة، أن ما يخصها شأن داخلي بحت باعتبارها امرأة ومن المفترض أن تكتب عنها أنثى مثلها لأنها، بحكم الجنس، الأعلم بشؤونها.
وما بين المطرقتين، مطرقة الرجل والمرأة نفسها، ستظل، باعتبارك من كتاب شؤون المرأة، محسوباً على غير عالمك؛ لأن عالم الشخص في ثقافتنا العربية هو جنسه وليس إنسانيته.