القيمة بين التأني والسرعة
غمرتني نشوة حماس وغبطة فكر، وأنا أقرأ ملف أدب وفنون في عدد مايو / يونيو 2015 من مجلة القافلة. إنه شعور بالرضا والأمل الذي ينتابني كل مرة تمر بي فكرة جميلة أو قصة ملهمة. ففي أقل من خمس دقائق، مدة قراءة هذا المقال، مرَّ في فكري كثير من الصور الذهنية والخواطر الفكرية التي أود أن أسترجع بعضاً منها وأشارككم بها في هذه السطور.
الزهد فيما نملك يبدو طبيعة بشرية. فتجربة البروفيسور جيمس مونتغومري في إمضاء أكثر من ثلاثين عاماً في دراسة ما كتب الجاحظ، لتجسِّد جزءاً من الكم الفكري الذي خلَّفه أسلافنا وحافظت عليه أجيال وأجيال. وهنا، لا أتكلم بمنطق أن الجاحظ عالِم عربي ولي ملك بشكل ما فيما كتب وأرَّخ. وإنما أكتب عنه كابن لآدم وحواء وكل ما كتب هو تراث بشري.
نحن قوم مستعجلون.. لا نقضي الوقت لننجز ولا نملك الصبر لنكافح ولا الحكمة لترتيب أولويات حياتنا. نركض من جهة إلى أخرى ومن موضوع إلى موقف، في سباق مع الآخرين لتحقيق أهداف يومية أو سنوية سرعان ما تتلاشى؛ لتحل محلها أهداف أسهل لتتحقق في وقت أقصر. وبغض النظر عن مقدار ما أنجزنا وما أخفقنا في تحقيقه من هذه الأهداف، فالخسارة الكبرى أننا انشغلنا عن العمل لأجل أهداف أسمى وأرقى قد تسهم في تطوير الفكر البشري وعمارة هذه الأرض.
وتبقى الرسالة الأهم والأوضح في هذا الملف أن إقبال عموم هذا الجيل على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا الكم الهائل من الرسائل والأخبار غير الموثَّقة والنقاشات غير الهادفة لن تساعد هذا الجيل على بناء فكر أو إثراء معرفة لتبقى السنن الكونية هي الحكم.. (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
سعد الشهراني
الخبر
عايدة عبدالكريم.. كبيرة رحلت
عند سماعه نبأ رحيلها، قال وزير الثقافة المصري الدكتور عبدالواحد النبوي: «عايدة عبدالكريم قامة وقيمة كبيرة للفن التشكيلي، خاصة والثقافة المصرية عامة. وبرحيلها نكون قد فقدنا رمزاً من رموزنا. لقد قدَّمت خلال تاريخها الفني النموذج والقدوة للفنان العاشق للفن».. والتاريخ الفني لعايدة عبدالكريم طويل جداً.. وشغل حيِّزاً عريضاً من الساحة الثقافية في مصر لأكثر من ستين سنة.
فقد ولدت الفنانة عام 1929م، وحصلت على دبلوم المعهد العالي لمعلِّمات الفنون الجميلة عام 1947م. وبعد أن تابعت دراسات عليا في واشنطن حتى عام 1955م، نالت دبلوم دراسات عليا من أكاديمية الفنون الجميلة في المجر عام 1970م. وراحت تتدرج في التدريس بكلية التربية الفنية في جامعة حلوان، حتى أصبحت رئيسة قسم النحت والخزف فيها.
ولكن التدريس لم يوقف الفنانة عن الإبداع، فقد شاركت زوجها الفنان زكريا الخناني حب الزجاج وفنون تشكيله. فالفنان زكريا هو من أعاد اكتشاف عجينة الزجاج والخزف التي كانت مستخدمة قديماً في مصر. وبفضل جهوده، راجت صناعة قوارير الزجاج الصغيرة الحجم، الرقيقة جداً والمزخرفة والملوّنة، التي أصبحت من أكبر الفنون الحِرفية في مصر، وباتت حاضرة في متاجر الحِرفيات في معظم مدن العالم.
أحب الزوجان الفنانان الزجاج بشكل خاص، وكوّنا ثنائياً مبدعاً واستمرّا بالعمل في هذا العالم الشفاف والسريع العطب.
إنجازهما الكبير: المتحف
الحلم الذي ظل يراود عايدة عبدالكريم وزوجها زكريا الخناني، كان إنشاء متحف لفن النحت الزجاجي. وبالفعل، قاما بشراء قطعة أرض في منطقة الحرانية، وشيّدا عليها مبنىً تحوَّل لاحقاً إلى متحف يضم أعمالهما، واسمه: متحف فن الزجاج والعجائن المصرية لزكريا الخناني وعايدة عبدالكريم. وهو متحف فريد من نوعه في كل البلاد العربية، ويحتوي على أكثر من ألف معروضة فنية، إضافة إلى مركز لتعليم فن الزجاج والخزف. وقد لاقى هذا المتحف تقديراً عالمياً، وأصبح ضمن برامج السيَّاح الذين يقصدون أهرامات الجيزة وسقارة. وأهدت الفنانة المتحف بكل ما فيه لوزارة الثقافة المصرية، ليظل مركزاً تعليمياً ينتج أجيالاً من المبدعين. وأوصت قبيل رحيلها باستمرار العمل في المتحف والورشة ومساعدة الفنانين والسعي إلى اكتشاف المواهب.
أيمن عبدالسميع حسين
مصر