أيها الفنانون تطلعوا شرقاً
من اللافت للنظر أن مفهوم الفن التشكيلي أصبح عندنا مرادفاً لفن رسم اللوحة ونحت المجسّمات وفق المفهوم الأوروبي لهذين الفنين في الشكل الجمالي ومضمون الخطاب.
ولكن ماذا لو تطلعنا شرقاً؟
لقد عدت مؤخراً من جولة سياحية على الصين، وكنت قد زرت الهند قبل عامين، ويمكنني أن أجزم أن في هاتين الدولتين كنوزاً من الفنون المختلفة يعجز اللسان عن وصفها، وذات تنوع يستحيل حصره من حيث المضمون والشكل الجمالي وأدوات التنفيذ، وهي مختلفة كل الاختلاف عما نعرفه عن الفنون الأوروبية.
إنني لا أدعو إلى الانغلاق عن الفنون الأوروبية، ولا إلى استيراد الفنون الآسيوية. ولكن المؤكد أنه لو تطلع الفنانون العرب إلى ما في آسيا من كنوز ومذاهب فنية، لوجدوا فيها كثيراً مما يحفّز مواطن الإلهام والتنوع والفرادة في أعمالهم، بدلاً من التصرف وكأن مقياس النجاح هو محاكاة ما هو ناجح في معارض لندن وباريس.
أحمد البسّام
الكويت
العالم كما لم نعرفه من قبل
أن يقول أحدهم إن ثورة الاتصالات بكافة تنويعاتها قد غيّرت العالم وطريقة عيش البشر فيه، فهذا من تحصيل الحاصل أو تأكيد المؤكد، فمنذ انطلاق هذه الثورة سهل التواصل بين البشر، وتحوّل العالم إلى ما يشبه بلداً واحداً بلا حدود منظورة سوى الحدود الجغرافية.
هذه فوائد وإنجازات ثورة الاتصالات التي حوّلت العالم إلى قرية كونية، وفتحت المجال واسعاً لمعرفة ثقافات ومجتمعات وعادات وتقاليد مختلفة ومتنوِّعة. لكن جيل ما بعد ثورة الاتصالات لا يعير لزمن ما قبل الاتصالات المفتوحة أي أهمية. والأمر ينطبق بشكل معكوس على أهلنا الذين لم يدخل كثيرون منهم إلى عالم الشبكة العنكبوتية والهواتف المتطورة ووسائل الاتصال المختلفة، ما خلق هوة تقنية بينهم وبين أبنائهم، حتى ليبدو أن الجيلين اللذين يعيشان معاً في الواقع يعيش كل منهما في عالم خاص به.
لكن الفرق بين الأهل والأبناء، هو أن الأخيرين ما عادوا يتمكنون من الإقامة في منزل بلا إنترنت كما كان الأولون لا يتمكنون من العيش في منزل بلا كهرباء وماء. وتتبلور المشكلة عند انقطاع شبكة الإنترنت عن المنزل، أو توقف شبكة الإرسال التلفوني عن منطقة ما لعطل ما في الشبكة. ففي حال الانقطاع هذا يصير المداومون على عالم الاتصالات ومستخدموه المدمنون وكأنهم في دوامة من التيه والضياع، ولا يستطيعون القيام بأي عمل في انتظار عودة الشبكة.
فماذا لو انقطعت وسائل التواصل الاجتماعي لعدة أيام مثلاً. ما هي ردة الفعل التي علينا توقعها من قبل المستخدمين حول العالم؟ قد تكون هذه أشبه بجائحة أو بمشكلة كبيرة، طالما أن مختلف مستويات حياتنا اليومية الضرورية والترفيهية منها باتت مرتبطة بشكل أو بآخر بشبكة الإنترنت وبوسائل الاتصال الهاتفي.
قبل عقود من الزمن، صُنعت أفلام وثائقية وروائية تحاكي نتائج انقطاع النفط أو الكهرباء. الآن في هذا الزمن بات يمكن إضافة وثائقي جديد يتعلّق بتوقف شبكة الاتصالات ونتائجها على حياة البشر. وفي حالة النفط أو في حالة الاتصالات ستكون النتيجة ذات عواقب وخيمة وغير منتظرة أو متوقعة، على رأسها الفوضى العارمة، كما ينظّر علماء كثر في مجالات العلوم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية أيضاً.
إذاً لم يعد يكفي ثورة الاتصالات القول إنها غيّرت العالم من رأسه إلى أخمص قدميه، بل إن غيابها مجدداً سيقلب العالم كما نعرفه رأساً على عقب.
ريهام بوصلاح
الجزائر
الانفتاح على التجربة ومفاعيله
ما معنى أن تكون “منفتح الذهن”؟
هل البعض فعلاً أوسع أفقاً في تفكيرهم عند تحليل المعلومات؟
أظهرت التجارب في علم نفس الشخصيات أن الأشخاص منفتحي الذهن يعالجون المعلومات بطرق مختلفة فعلاً، وأنهم قد يرون العالم من حولهم بطريقة مختلفة تماماً عن الشخص العادي. وأفضل ما يعكس مبدأ انفتاح الذهن بنظر غير المختص تلك الصفــة المسماة “الانفتاح على التجربة” أو ببساطة “الانفتاح”. فالأشخاص المنفتحون يكونون محبين للاطلاع وخلاقين ومبدعين، فهم مهتمون بالفن، ومستهلكون شرهون للموسيقى والكتب ومعارف الحضارات الأخرى.
وبرأي المنظّرين في علم صفات الشخصية فإن الانفتاح يعكس “اتساعاً وعمقاً أكثر في الوعي” وميلاً إلى “البحث المعرفي” في كل من المعارف النظرية (الأفكار والنقاشات) والمعارف المحسوسة (الصور والأصوات)؛ بمعنى آخر، ينشغل الأشخاص المنفتحون بالإدراكات والأنماط ووجهات النظر المتنوِّعة التي تعارك للحصول على مساحةٍ في خزّان معلوماتنا، بينما هي أشبه بالمتعة لعقولهم.
تبدو هذه المفاهيم المُجرَّدة وكأنها كلام أكاديمي لا يُعوَّل عليه، ولكنها راسخةٌ في بيانات ملموسة في عديد من الدراسات البحثية. فلنأخذ مثلاً الأداء المتميز للأشخاص المنفتحين في اختبارات الإبداع المسماة “مهام التفكير المختلف” divergent thinking التي تُلزم المشاركين بخلقِ عدة حلول مختلفة لمشكلةٍ بسيطة. مثل: “ما هي الاستخدامات المختلفة لقطعة قرميد يمكنك التفكير بها؟” يُولد الأشخاص الأقل انفتاحاً أفكاراً أقل وأوضح كإجابة عن هذا السؤال؛ كبناء الجدران والمنازل وبناء أشياء أخرى، ولكن تتدفق الاحتمالات عند الأشخاص الأكثر انفتاحاً؛ فالقرميد يمكن استخدامه سلاحاً أو مثبتاً للأوراق أو قائمة بديلة للأريكة المكسورة، أو يمكن تحطيمها وخلطها مع الماء وتحويلها إلى طلاء، إذ يرى الأشخاص المنفتحون احتمالاتٍ أوسع حتى في الأشياء العادية (…).
رؤية ما لا يراه الآخرون
تُظهر الدراسات أن الأشخاص المنفتحين أقل عرضةً “للبقع العمياء” النفسية التي تساعدنا في التخفيض من تعقيد العالم تدريجياً. كما يظهر البحث العلمي أن هذه السمة هي أكثر من مجرد تشبيه؛ حيث ينظر الأشخاص المنفتحون إلى الأمور على نحو مختلفٍ فعلاً فيما يتعلق بالإدراكات البصرية الأساسية.
خذ بعين الاعتبار [ظاهرة] “التجاهل غير المقصود” التي تعني إزاحة المعلومات البصرية بعيداً عن انتباهنا. لا بد من أنك مررت بذلك، حين تكون منشغلاً بأمرٍ ما بحيث لا ترى أمراً آخر يحدث أمام عينيك (اهتزاز الهاتف المحمول، المشاة المتسكِّعون على ممر الدرَّاجات، أنت المقصود بهذا). ففي دراسةٍ تقليدية يطلق عليها عادةً اسم “اختبار الغوريلا الخفي”، حيث يعرض الباحثون على عدد من المشاركين مقطع فيديو لعدد من الأشخاص وهم يتبادلون كرة السلة ذهاباً وإياباً ويطلبون منهم عدد المرات التي تبادل فيها اللاعبون ذوو الزي الأبيض الكرة متجاهلين اللاعبين ذوي الزي الأسود. وخلال عرض الفِلم، يعبر شخص في زي الغوريلا بين اللاعبين، وينظر مباشرة ذاك المخلوق ذو الشعر نحو الكاميرا ويضرب على صدره ثم يغادر. وما يثير الدهشة، أن معظم المشاركين ينفون رؤية أي أمر غير اعتيادي أو مفاجئ خلال عرض الفيديو. ومن ناحية أخرى، يكون الأشخاص المنفتحون أقل عُرضة لهذا النوع من التجاهل، فهم يرون ما يتغاضى عنه الآخرون.
وبينما يغوص علماء نفس الشخصية عميقاً في مسألة الانفتاح على التجربة، ندفع نحن بعيداً بحواجز معرفةِ هذه السمة المذهلة. هل هي ميزةٌ بأن تكون منفتحاً، أم أنّ هناك سلبياتٍ لذلك؟ هل بمقدورنا تغيير مستوى انفتاحنا؟ وإن كان ممكناً، فكيف ذلك؟ هل الانفتاح سمةٌ بشرية فريدة؟ وكيف تنشأ؟ وفي الوقت الذي تتكشف فيه الإجابات عن هذه الأسئلة، يجب علينا فهمُ ما يعني أن تكون منفتح الذهن، وكيف يرسم ذلك تجربتنا مع العالم.
لوك سميلي (محاضر في علم النفس في جامعة ملبورن، أستراليا)
ترجمة: زينة عبدالله تركاوي