تقرير القافلة

المدن الذكية

المدينة الذكية هي المكان الذي تتفاعل فيه حركة الأفراد والحكومات والشركات، وتتكامل مع التكنولوجيا الذكية بشكل منسق. ويتم ربط هذه المكوّنات المتنوِّعة بواسطة إنترنت الأشياء. ومعناها أنَّ الأشياء، أو مكونات المدينة، تصبح موصولة بالإنترنت من خلال أجهزة الاستشعار وأجهزة التموضع العالمية مثل “جي بي إس” وغيره؛ التي تحوِّل الأشياء والأفراد وحركاتهم إلى مكون رقمي تقوم أنظمة المدينة بحوسبته وتحليله وتحويله إلى معلومات مفيدة. وبما أن التكنولوجيا الحديثة متسارعة التجدد، فإن هذا النظام هو بمنزلة مسار متطور، وليس عملاً منجزاً نهائياً جامداً.

لكن هذا، على أهميته، ليس كافياً لإطلاق صفة الذكاء على أية مدينة. إنها بحاجة إلى بنية تحتية عمادها الذكاء التشاركي بين التكنولوجيا الحديثة والأفراد، أو ما يعرف بالرأسمال البشري والاجتماعي، فمشاركة سكان المدينة بإرسال مشاهداتهم وملاحظاتهم وحاجاتهم واقتراحاتهم، هو جزء حيوي من نظام المدينة الذكية. وتؤدي هذه المشاركة في صنع القرار إلى حوكمة ذكية وترشيد أفضل لاستهلاك الموارد والوصول إلى التنمية المستدامة، وذلك في سبيل تحسين نوعية الحياة في المناطق الحضرية.

واقع المدن الذكية
حالياً ثمة بعضٌ من عناصر المدن الذكية تأخذ طريقها تلقائياً إلى التنفيذ من دون إذن من أحد، فكثير منا يستخدم مثلاً خرائط غوغل لرصد حركة المرور والازدحام على الطرقات واختيار السبيل الأنسب، أو انتشار إشارات المرور الضوئية التي تتغيَّر ذاتياً لتحويل المركبات إلى المناطق الأقل ازدحاماً. وغير ذلك من الأجهزة والتطبيقات التي لا تحتاج إلى شبكة محلية ذكية أو تخطيط محلي.
ولم تعد المدن الذكية تنتمي إلى عالم الخيال العلمي، بل أصبحت واقعاً يعيشه كثير من مدن العالم، ويتسارع انتشارها كالنار في الهشيم حول الكوكب. يقول ميونيش كيترابال مدير “المدن الذكية وإنترنت الأشياء في سيسكو سيستيمز” (شركة تكنولوجيا متقدمة، متعددة الجنسيات يقع مركزها في وسط وادي السليكون في كاليفورنيا)، إن هناك حوالي 3000 إلى 5000 مدينة على هذا الطريق حالياً.
أما على صعيد المنطقة العربية فستكون جدة أولى المدن السعودية التي تستخدم أنظمة المدن الذكية، فقد وقَّعت شركة “زين” مذكرة تفاهم مع شركة “نوكيا” لتحويل جدة إلى مدينة ذكية. وستتم تجربة أنظمة التكنولوجيا الذكية خلال موسم الحج لعام 2019. ثم ينتقل التطبيق إلى كافة مدن المملكة، كما جاء في صحيفة عكاظ بتاريخ 11 مارس 2017.
في إمارة أبوظبي تأسست مدينة” مصدر” عام 2008 وهي لا تزال قيد الإنشاء. وقد أدخل إليها عديد من أنظمة التكنولوجيا الذكية خاصة في مجال الطاقة النظيفة. ويتوقع أن تصبح مدينة ذكية رائدة في المستقبل القريب. كما أن هناك عدة مدن عربية تٌعدّ خططاً لمباشرة العمل بأنظمة المدن الذكية كدبي والكويت وغيرها.

دوافع إنشاء المدن الذكية
1 – الهجرة المتزايدة من الريف إلى المدينة
بحسب إحصاءات البنك الدولي فإن %54 من سكان العالم يعيشون الآن في المدن. وبحلول عام 2045 سترتفع هذه النسبة إلى %80. كما أن المدن التي يسكنها 10 ملايين نسمة أو أكثر، ارتفعت من 10 مدن عام 1990 إلى 28 عام 2014 وسترتفع سنة 2030 إلى 41 مدينة. وهناك توقعات بأن تصل هذه النسبة إلى ما بين %80 و%100 في دول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال.
ينتج عن كل ما تقدَّم تحدٍّ كبير لبنية المدن التحتية التقليدية. والحل الوحيد هو جعلها فعالة وأكثر كفاءة وترشيداً بالأنظمة الذكية. ويعتقد كثير من الخبراء أن المدن المستقبلية إن لم تصبح ذكية فإنها ستنهار.

2 – ظاهرة تناقص ميزانيات البلديات حول العالم
حتى ولو بقيت ميزانيات البلديات على حالها بالأرقام، فإنها تنخفض في الواقع، وأينما كان في العالم، بفعل ازدياد متطلبات المدن. والحل الوحيد هو تسخير التكنولوجيا الذكية في نظام المدن لتوفير كثير من الجهد والمصاريف، إذ إن هناك علاقة إيجابية قوية بين الاتصالات الذكية والإنتاجية، فمثلاً، تستطيع أجهزة الاستشعار الذكية إيجاد تطابق بين العرض والطلب على المياه وتجنب الهدر.

3 – تأثر علاقات العمل بالعالم الرقمي
لم يعد جدول الرواتب في أي شركة هو المصدر الوحيد للدفع. يقول هالتين رئيس “غلوبال فيوتشرز غروب”، إن بامكانك ألَّا تنتمي إلى شركة معينة وفي الوقت نفسه تعمل معها بشكل مستقل كاستشاري أو محامٍ أو مبرمج وغيره. ويُتًوقع أن يتعزز هذا الاتجاه في المستقبل ويصبح هو النمط السائد. ويتطلَّب ذلك شبكات من الاتصالات الذكية وطرق جديدة للدفع.

4 – التطور المطرد للتكنولوجيا
يحتم تطور التكنولوجيا وجود هذه المدن. فمعظم شركات صناعة السيارات العملاقة مثلاً، لديها خطط لصناعة سيارات ذاتية القيادة من دون سائق. وقد أطلقت بعض المدن، مثل ليون الفرنسية، خدمة الميني باص دون سائق فعلياً في أغسطس من العام 2016، وهي الأولى عالمياً. وكل ذلك يحتاج إلى بنية تحتية ذكية.

برشلونة طليعة المدن الذكية
تُعد مدينة برشلونة الإسبانية من أولى المدن الكبيرة التي أصبحت مدينة ذكية. وأدى الاستعمال الناجح والمبتكر للأنظمة التكنولوجية الذكية إلى توفير كبير في استخدام الطاقة وتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وشكَّل هذا برهاناً بأن النجاح الاقتصادي والسياحي يمكن أن يتوافق مع البيئة النظيفة. وفي الوقت الذي أنعشت الأنظمة الذكية المتعدِّدة للمدينة الاقتصاد والصناعة والسياحة، أدت إلى تحسين نوعية الحياة للأفراد خاصة المسنين منهم، وهذا هو بالفعل معنى الاستدامة.
تقول “سيسكو سيستيمز” الشركة المتعدِّدة الجنسيات، التي عملت على “نموذج برشلونة المدينة الذكية” إنها استهدفت 12 مجالاً في المدينة مثل الطاقة، المياه، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وغيرها وتدار بواسطة 22 برنامجاً رئيساً تجعل، من جملة أشياء أخرى، إدارات المدينة المختلفة متصلة بعضها بالبعض الآخر لتقديم خدمات منسقة. كما أن لديها نظاماً لجمع المعلومات من الشبكة وتحليلها بسرعة.
وبدأت برشلونة بإطلاق تطبيق ذكي مبتكر لمواطنيها المسنين يدعى “فينكلز في سي إن”، مصمم لجعل هؤلاء على اتصال دائم بأولادهم وأفراد عائلاتهم. وينبههم إلى أوقات تناول الأدوية والاتصال، عند الضرورة، بالأطباء والمستشفيات ذات العلاقة بمشكلاتهم.

مشاركة المواطنين
تُعد مشاركة المواطنين في الأنظمة الذكية شرطاً ضرورياً لنجاحها؛ فما هو دورهم في هذا الصدد:
1 – آراء المواطنين، في دراسة إحصائية للمدن الذكية حول العالم قامت به وحدة الاستطلاع في مجلة “الإكونومست” بالتعاون مع شركة “فيليبس” تبين أن:
أ – حوالي ثلث المواطنين يتفاعلون الآن مع نظام المدينة الذكية ويرسلون المعلومات.
ب – أبدى نصف المواطنين استعدادهم للمشاركة في المستقبل.
ج – حوالي %37 من المواطنين أبدوا استعدادهم لتزويد الإدارة بمعلومات عن خصوصياتهم.
د – أظهر المواطنون استعداداً غير متوقع للمشاركة بالبرمجة، وتقديم أفكار خلَّاقة متناسبة مع خصوصيات المواقع الجغرافية وإبداع تطبيقات جديدة خاصة بهم وببيئتهم.

2 – تشجيع المواطنين، إنَّ حركة البيانات المفتوحة أمام العامة، التي تبنّاها عديد من المدن، أتاحت الحصول على حلول متطورة لكثير من التحديات قدَّمها المواطنون أنفسهم. وبموازاة ذلك، فإن إطلاق بوابات البيانات المفتوحة في مدن كثيرة، أثارت الانتباه إلى موجات من الخدمات الجديدة لم يكن بالإمكان تعيينها من دون ذلك.

3 – كيف يتواصلون؟
أ – %44 بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي
ب – %42 بواسطة البريد الإلكتروني
ج – %27 بواسطة مواقع الحكومة الرسمية
د – %24 بواسطة تطبيقات الهواتف الذكية
ه – %21 بواسطة خطوط الهاتف الساخنة
و – %18 بواسطة الكتابة

مشاركة القطاع الخاص
أظهر استطلاع “الإيكونوميست” استعداد أغلبية الشركات لمساعدة إدارات البلديات والتفاعل مع خطط بناء المدن الذكية، لكن لا بد من ملاحظة ما يلي:
1 – إحجام عن التنفيذ: على الرغم من اعتماد المدن الذكية شبه الكامل على الشركات الخاصة للتزود بكل شيء، من الشبكات على أنواعها إلى الأجهزة والخبرة وغيره، وعلى الرغم من أن هذه الأنظمة تعد واعدة من وجهة نظر الأعمال، لم يظهر الاستطلاع استعداد عديد من الشركات للانخراط في تنفيذ المشاريع. وأحد الأسباب الأساسية الممكنة لهذا الإحجام، هو أن إدارات المدن تميل إلى التعاون مع الشركات على أنها مزود للخدمات والأجهزة فقط، أكثر منها شريكاً استراتيجياً.

2 – الشراكة: يعتقد معظم المديرين أن على السلطات عمل الكثير لتشجيع الشركات على الانخراط في تنفيذ مشاريع المدن الذكية. كما يجب العمل على تطوير شراكة شبه كاملة بين الشركات والسلطات. إذ، بغياب تقاليد راسخة بهذا الخصوص، يتوجب العمل السريع على سدّ هذه الفجوة لتحفيز الحلول الإبداعية.

3 – مسار دائم: الاعتقاد بأن ليس علينا سوى اختيار الأشخاص المناسبين لإنجاز الأعمال، والانتقال بعد ذلك إلى حياتنا اليومية، أصبح فكرة متآكلة وتنتمي إلى الماضي. إن اتخاذ القرارات بخصوص التخطيط المدني الذكي يتطلَّب مشاركة فاعلة ودائمة من كافة مكوّنات المجتمع.

4 – التعارف: إنشاء برامج إرشادية وتعريفية مشتركة بين الشركات والحكومات بإمكانها تسهيل الشراكة. فبهذه الطريقة، لا تقيم السلطات علاقة مع الشركات على أساس البيع والشراء، بل علاقة استراتيجية عمادها الإبداع.

5 – التعلم بالتجربة: يمكن الشروع في البداية ببعض الجيوب داخل المدينة، لإعطائنا ما يعرف بـ “إثبات الفكرة”. فهذا يوفر الخبرة، ويمكن أن يشجع الجمهور على تأييد المشروع. أو يمكن بناء مدينة جديدة كلياً بكافة متطلباتها بما فيها البنية التحتية الذكية كما بنيت مدينة “سونغدو” في كوريا الجنوبية.

تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات
تُعد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات العنصر الرئيس في مفهوم المدينة الذكية، وتسمح بدمج النظم الحضرية المختلفة وعملياتها التشغيلية بنشاط المواطنين. ومن أكثر حلول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات انتشاراً على نطاق واسع، نظم إدارة الطاقة لمساعدة المدن على الحد من انبعاثات الكربون وذلك من خلال استخدام الطاقة بشكل أفضل، ونظم مراقبة حركة المرور، وشبكات المياه الذكية، ونظم جمع النفايات، والرعاية الصحية، وإضاءة الطرقات، ومنصات البيانات الحضرية، والتطبيقـات المتنقلة، وما إلى ذلك.

كوبنهاغن
يتركز اهتمام مدينة كوبنهاغن الدنماركية على تحسين نوعية الحياة للمواطنين. فبحوزة الأفراد مجموعة من الأدوات الذكية لإبلاغ السلطات عن أية مشكلة في أي مكان، كالحفر في الطرقات وتلوث الهواء أو الضجيج في نطاق وجودهم.
ولمعالجة الازدحام بادرت إلى تزويد السائقين بمعلومات عن مواقف السيارات الشاغرة والتوجه نحوها مباشرة دون الدوران وزيادة الازدحام. ووضع أجهزة استشعــار في حاويات النفايات للإشارة إلى الممتلئـة منها فقط.

شبكة المياه الذكية
تُعد مدينة سنغافورة أحد النماذج الناجحة للمدن الذكية، وخاصة في ما يتعلق بشبكة المياه، التي تتألَّف من:
1 – إدارة التسرب وتعزيز عمليات الشبكة بواسطة:
أ – أجهزة استشعار صوتية على أساس تسارع تدفق المياه، وأجهزة استشعار هيدروفون لالتقاط الموجات الصوتية تحت المياه
ب – أجهزة استشعار الضغط وتحليل إحصائي للضغط والتدفق

2 – مراقبة نوعية المياه بواسطة، أجهزة استشعار جودة المياه، وأجهزة أخرى لتحليلها.

3 – قراءة آلية للعدادات: ففي سينغافورة حوالي مليون ونصف المليون مشترك، ويتم التعامل مع الحسابات والفواتير بطريقة آلية على أساس هذه العدادات.

4 – تقنين المياه بواسطة:
أ – أظهرت دراسات كثيرة أنه عندما يتم تزويد المستهلكين بمعلومات فورية في الوقت الحقيقي، يتغير سلوكهم. وبالفعل أجريت اختبارات على رؤوس “دش” استحمام مجهز بصمام ثنائي باعث للضوء، وأجهزة قياس كمية الاستهلاك ومدته، وأظهرت أن %50 من المستهلكين الذين اختبروا النموذج، تجاوبــوا معه وانخفضـت نسبة استهلاكهم %9.6.
ب – وحصلت المنازل بالضبط على الكمية الصحيحة من الميـاه اللازمة. أما الزراعة الذكية فتتبع حالة التربة، والظروف الجوية والوقت من اليوم، وهكذا يتم تقليل هدر المياه إلى أدنى حدٍّ في المدينة.

إمدادات الطاقة
تشكِّل تكنولوجيات الطاقة جزءاً أساسياً من نظام المدن الذكية المستدامة. وهي تهدف إلى تحسين فاعلية الطاقة، وتوليد طاقة منخفضة الكربون، وتحديث البنية التحتية، وخلق بيئة معيشية عالية الجودة للمواطنين، وذلك في سياقات مكانية مختلفة على مستوى المباني، والمقاطعات، والمدن. ونتيجة لذلك، يمكن تقسيمها على الوجه التالي:

1 – فعالية الطاقة في المباني: التي تشمل إعادة تأهيل المباني القديمة فضلاً عن تشييد المباني الجديدة بمواصفات أفضل، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، وخدمات المباني الذكية وما إلى ذلك. وسوف تسمح أجهزة الاستشعار برفع مستوى التحكم في درجة الحرارة عند الحاجة، وتجعل الأضواء خافتة عندما لا يوجد أحد في نطاقها، وتنبّه طاقم الصيانة لأي تسرب للمياه في أقرب وقت عند حدوثها.

2 – تكامل أنظمة الطاقة: الذي يوفِّر حلولاً على نطاق أوسع لمختلف أنواع ومصادر الطاقة.

3 – توليد الطاقة النظيفة: لتشغيل المدن الذكية من مصادر متجدِّدة مثل الرياح والطاقة الشمسية، واستغلال الحرارة الجوفية في باطن الأرض، والطاقة الكهرومائية، والغاز الحيوي المنتج من النفايات وما إلى ذلك. وهذا يدفع إلى الاعتماد على المزارع العامودية التي توفر، بالإضافة إلى الطاقة النظيفة، الاكتفاء الذاتي للمدينة الذكية من المحاصيل الزراعية.

وفي دراسة لصحيفة الغارديان، تبين أن بناء مزرعة عامودية ذكية مؤلفة من 30 طابقاً يمكنه أن يولد طاقة نظيفة من توربينات الهواء على سطحه، والألواح الشمسية، والغاز الحيوي من النفايات، وغير ذلك، تساوي 56 مليون كيلو واط ساعة. لكن حاجة المبنى تحتاج فقط إلى 26 مليون كيلو واط / ساعة، لذلك فإن بإمكانه أن يبيع طاقة نظيفة إلى مؤسسات أخرى.

نظام جمع النفايات
1 – حاويات ذكية: تنتج شركة “مختبرات إيكوب” الكورية الجنوبية حاويات نفايات ذكية تعمل بالطاقة الشمسية، تسمح للمدن بمراقبة مستويات القمامة في كل حاوية وضغطها. وقد أنشأت شبكة من نحو 2500 حاوية نفايات ذكية في المدن والجامعات والمتنزهات والمطاعم في جميع أنحاء الجزيرة، وتتوقــع مضاعفة العدد كل سنة.

2 – التوجه المباشر: بدل أن تجوب شاحنات القمامة المدينة بأكملها، للتأكد من أي منها ممتلئ لنقل النفايات، كما في المدن التقليدية، فإنها في المدن الذكية تتلقى إشارات من الحاويات الذكية، وتنتقل مباشرة إليها من دون أن تفاقم مشكلة الازدحام وزيادة التلوث. وأكثر من ذلك، فقد طورت مجموعة “فولفو” بالتعاون مع عدة جامعات في السويد والولايات المتحدة روبوت بإمكانه جمع النفايات تلقائياً من حاويات الشارع ووضعها في شاحنة النفايات التي تنتظر في مكان معيَّن.

3 – مباشرة من المنازل: في مدينة سونغدو الكورية يوجد نظام هوائي ذكي لشفط النفايات بواسطة أنابيب من داخل المنازل إلى مراكز معالجة تفرز المواد تلقائياً وتعيد تدويرها، ثم تحول الفضلات إلى طاقة مستدامة.

4 – خفض التكاليف: يتوقَّع باحثون أن تتمكن التكنولوجيا الذكية من معالجة %40 من نفايات العالم الآن. وبحسب إحصاءات قامت بها شركة “إيكوب” الكورية، يمكن بواسطة أنظمة المدن الذكية خفض التكاليف التشغيلية لمعالجة النفايات بنسبة %80 في المستقبل القريب.

النقل والتنقل
يتألَّف نظام النقل الذكي من نظام مركزي وعدة أنظمة مساعدة:
1 – النظام المركزي:
ينسق حركة المرور بشكل متفاعل ومتكامل ويتلقى المعلومات من كافة الأنظمة الأخرى، ويحللها ويبـث التعليمــات الضروريـــة للمعنيين بها.

2 – نظام المعلومات:
أ – يزوِّد المتنقلين بمعلومات لاختيار الوسائط المناسبة في الوقت المناسب.
ب – يقدِّم معلومات أثناء الرحلة من شأنها تأمين السلامة والراحة والكفاءة، مثل المعلومات عن إمكانية الاصطدام العرضي، أو تشكل الضباب في مكان قريب وما شابه ذلك..
ج – يرشد المتنقلين إلى أفضل السبل للوصول إلى مقاصدهم.
د – يوفِّر تطبيقات تدل السائقين إلى مواقف السيارات المتوفرة دون الحاجة إلى التفتيش المضني.
ه – يوفر دليلاً تجارياً وسياحياً.

3 – نظم المركبات التجارية: وتتألَّف من:
أ – نظام التخليص الإلكتروني الذكي قبل المباشرة بالرحلة، مثل المستنـدات والوزن إلخ.
ب – نظام الفحص الآلي الذكي للسلامة العامة، ويشمل عدة عناصر مثل صلاحية رخص القيادة وغيرها.
ج – نظام مراقبة المركبة والسائق من قبل الشركة وإدارة المدينة.
د – نظام مراقبة تسرب المواد الملوثة أو الخطرة من المركبة.

4 – نظام النقل العام:
ويشمل:
أ – إدارة النقل العــام من تشغيــل وتخطيط آلي.
ب – خدمات الدفع الإلكتروني.
ج – تزويد الأفراد بمعلومات فورية في الوقت المناسب عن أقرب المركبات والأماكن الشاغرة.

النقل العامودي
أصبحت المصاعد التقليدية متقادمة في عصر المدن الذكية. وهناك حوالي مليارين من الناس يستعملون المصاعد كل يوم حسب قول المدير التجاري في شركة “أوتس” بيرتراند روتانيون، وهذا يوازي ربع سكان الكرة الأرضية. ويضيف أن المدن أصبحت أعلى بكثير، وتحتاج إلى التكثيف من خلال النقل الجماعي العامودي، الذي سيصبح جزءاً أساسياً من أنظمة المدن الذكية.
وستصبح المصاعد الذكية عامودية وأفقية في الوقت نفسه داخل الأبنية، وتعمل بتكنولوجيا ذكية قائمة على أساس مغناطيسي. كما ستعمل من دون أزرار وتكون جزءاً من إنترنت الأشياء، وتجمع البيانات حول المكونات والمستخدمين.

العناية الصحية
1 – العوامل الطبيعية: كثيراً من خدمات أنظمة المدن الذكية تنطوي على أجهزة استشعار تجمع معلومات وتحللها حول حرارة الجو، الضوضاء، الاهتزازات، الضغط، نوعية المياه، التلوث، وغير ذلك مما يؤثر في الصحة، وتقدِّم المشورة مثلاً لمرضى الربو عن سوء أحوال تلوث الهواء لكي يتجنبوه.

2 – الوقاية قبل العلاج: من الإيجابيات المهمة التي تقدِّمها المدن الذكية في المجال الصحي هي الانتقال من التركيز على العلاج إلى التركيز على الوقاية بتوفير المعلومات المتعلِّقة بالصحة العامة.

3 – أحوال المرضى: عديداً من أجهزة الاستشعار تراقب أجسادنا وترسل المعلومات إلى متخصصين في مراكز صحية قادرين على استخدام قواعد بيانات ضخمة لتحليل المعلومات، مدعومة من نظام ذكي يجمع شركات التكنولوجيا مع شركات الدواء والمعدّات الطبية والمستشفيات. وبناءً على المواصفات الشخصية، يمكن إرسال نتائج التحاليل إلى طابعة ثلاثية الأبعاد في المنزل لصنع الدواء المطلوب دون التدخل في الحياة الشخصية للمريض. أما إذا كانت حالته طارئة فيتم إرسال سيارة إسعاف.

الإضاءة
1 – مصابيح ذكية: تتولى كاميرات وأجهزة استشعار في المصابيح تمييز حالة الإضاءة في النهار والليل. كما يتم وضع أجهزة تمكنها من كشف الحركة على الطرقات، فعندما تكشف المارة في الليل تضاء تلقائياً وبعد فترة قصيرة تنطفئ.

2 – روبوتات للصيانة: تقود جامعة “ليدز” البريطانية مشروعاً يدعى “مدنٌ تُصلح نفسها”. ويقوم الباحثون بتطوير روبوتات صغيرة لتحديد الأعطال في أنابيب المرافق، وأضواء الشوارع والطرق وإصلاحها.

3 – روبوتات طائرة: سوف تشمل الروبوتات الأولية طائرات من دون طيار بإمكانها أن تحوم حول أضواء الشوارع لإجراء الإصلاحات، وأخرى تحط بالقرب من الحفر في الطرقات لإصلاحها.

المدن الذكية والبيئة
ترى “المبادرة العالمية للاستدامة الإلكترونية”، وهي تآلف دولي لشركات التكنولوجيا والاتصالات، في تقريرها لعام 2015 أن “تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما فيها إنترنت الأشياء، باستطاعتها توفير عشرة أضعاف ما توفِّره حالياً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030 بواسطة الأبنية الذكية، والفعالية المرتفعة في إنتاجية الصناعة والزراعة والانخفاض في معدلات السفر والترحال.

عراقيل في الطريق
1 – تغير نمط الحياة: بات تقدُّم التكنولوجيا، في معظم الأمكنة حول العالم، أسرع من قدرتنا على استيعابها والتكيف معها. وعندما يتعلّق الأمر بالتكيف مع نمط حياة جديدة، فإن عوائق جدية تقف في الطريق. على سبيل المثال، فإن مدينة سونغدو الكورية الذكية التي بنيت ذكية من الأساس، وعلى الرغم من احتضانها من قبل أمكنة نابضة بالحياة وتتمتع بثقافة ابتكارية طويلة الأمد، واجهت صعوبات حقيقية. كذلك مدينة مصدر في أبو ظبي، وعلى الرغم من دعمها من حكومة قوية وقادرة، واجهت أيضاً صعوبات لأسباب مختلفة.

2 – الانقسام الرقمي: بالرغم من هذا التقدم التقني الهائل، لا يجب أن يغيب عن بالنا ما يعرف بالا نقسام الرقمي. تقول مينرفا تاتوتكو اختصاصية التكنولوجيا في نيو يورك، “إن هناك %22 من مواطني نيويورك يفتقرون إلى شبكة الإنترنت ذات النطاق العريض في بيوتهم”، فما بالنا إذاً بكثير من مدن العالم الثالث؟!

3 – الخصوصية: لكل مدينـة خصائصها وتحتــاج إلى ابتكارات معينة. لذلك نجد كثيراً من الشركات الكبرى والصغرى متردِّدة في الانخراط في هذه المشاريع.

4 – غياب التشريعات والمعايير: لكثير من الأمور الجديدة الناتجة عن إنشاء المدن الذكية.

وفي مواجهة هذه المعوقات، يقول “أميت غارغ” مدير المشاريع المستقبلية في شركة سامسونغ، علينا بناء المدن الذكية بطريقة تراكمية، بخطوات تدريجية متفاعلة مع الأخطاء السابقة، بدلاً من إجراء تعديلات جذرية سريعة.

خاتمة
يقول كلاوس شواب مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، “إننا نقف على شفا ثورة تكنولوجية من شأنها أن تغير بشكل جوهري طريقة عيشنا وعملنا وربط بعضنا بالبعض الآخر” ويضيف، “إن هذا التحوُّل بحجمه ومداه وتعقيداته لم تشهد البشرية مثيلاً له من قبل”. ومن يدري، ربما تصبح الكرة الأرضية مدينة ذكية واحدة في المستقبل؛ ألم يطلق عليها مارشال ماكلوهان تعبير “القرية الكونية”؟.

أضف تعليق

التعليقات