حياتنا اليوم

أمراض الشتاء

بعضها مزعج .. وبعضها قاتل

  • shutterstock_105327695
  • shutterstock_41868745
  • shutterstock_74792098

يتميز موسم الشتاء عن غيره من مواسم السنة بانتشار الأوبئة والأمراض الناتجة عن تقلبات الطقس وتغيير العادات الخاصة بالملبس والغذاء، وثمة أسباب قد تساعد على انتشار الأمراض، من بينها: برودة المناخ الذي يشكّل جواً ملائماً لنمو المكروبات في الطبيعة، عكس الجو الحار الذي يقتلها. والسبب الثاني هو ضعف مناعة الجسم خلال هذه الفترة، بسبب عدم العناية بالغذاء والملابس الواقية من البرد. أما السبب الثالث فيعود لعدم اتباع قواعد النظافة العامة والنقص في الوعي الصحي لدى المرضى.
اختصاصي طب العائلة الدكتور طارق إبراهيم أبو نهيه يأخذنا في رحلة مع بعض أمراض الشتاء الأكثر انتشاراً، وكيفية الوقاية منها وعلاجها.

1 الزكام

أو ما يعرف بالرشح، أو البرد العام «common cold»، ولا يُعد الزكام مرضاً بحد ذاته، ولكنه عبارة عن مجموعة من الأعراض والمظاهر السريرية التي تنجم عن نشاط مجموعة من الفيروسات. وهي أحياء مجهرية صغيرة جداً أصغر من حجم البكتريا بكثير، وهي كغيرها من عوامل المرض تستغل نقاط الضعف في مناعة الإنسان والظروف المحيطة به، لتتكاثر بسرعة وتسبب المرض.

وهناك أكثر من مائتي فيروس يمكن أن تسبب المرض، ولكل فيروس عشرات الزمر الفيروسية المنبثقة عنه مع تغيير شكلها الدائم، ومن هنا كانت الصعوبة في إيجاد لقاحات لكل هذا الكمّ الهائل من الفيروسات التي تصافحنا جميعاً كل عام، كما أن الإصابة بأي نوع من أنواع الزكام لا تعطي مناعة ضد الإصابة بأي نوع آخر.

ومن العوامل التي تساعد على انتشار المرض:
الازدحام: فكل ازدحام في المدارس والبيوت والمستشفيات ورياض الأطفال وحتى عيادات الأطباء، «وخاصة إذا طالت مدة الانتظار، وكانت العيادات ضيقة، وغير نظيفة، وغير مهواة»، يزيد من نسبة انتقال المرض من مريض أو من أحد مرافقيه إلى آخر أو أكثر.
الفقر وسوء التغذية: وما يرافقهما من نقص المناعة، وتعرض أجسام الأطفال والكبار لنزلات البرد وغيرها من الأمراض.
التلوث: فتلوث الجو بدخان السجائر وغيره من الملوثات يزيد قابلية الإصابة.

ويمكن أن يصاب الطفل بالزكام أكثر من مرة في السنة، وقد تصل إلى ست أو ثماني مرات. وعادةً ما تنتقل هذه الأمراض من شخصٍ إلى آخر، بواسطة التلامس المباشر سواء كان باليد، الكحة، أو العطس.

أما الأعراض فهي تختلف من شخصٍ لآخر، ومن بين أهمها: سيلان الأنف، أو انسداده، «وذلك لأن الخلايا المبطنة للأنف تحاول طرد الفيروس وقتله بإفراز كمية كبيرة من المخاط السائل»، ومن الأعراض كذلك: العطس، وارتفاع درجة الحرارة، والسعال، ودموع العين، ووجود احتقان بالحلق، والإصابة بالصداع، وظهور حالة من الإعياء والتعب العام، وفقدان الشهية، وحب الخلود إلى الراحة.

ولا غرابة أن يشكو المريض من سعال جاف ليلي سببه ارتداد إفرازات الأنف إلى القصبات أثناء النوم، ويشكو بعض الأطفال من التقيؤ الذي يلي السعال أحياناً، حيث يتخلص الطفل من الإفرازات التي كان قد ابتلعها. ثم لا تلبث الأعراض أن تتراجع إلى أن تختفي خلال أيام قليلة، ولكن قد تستمر بعض الحالات لمدة أسبوع أو أسبوعين.

نصائح عامة
1 – 
غسل اليدين دائماً، خاصة بعد تنظيف الأنف مع استخدام منديل أمام الأنف أثناء السعال أو العطس، مع التخلص من المناديل المستخدمة في سلة القمامة.
2 – 
يمكن استخدام أدوية الزكام أو مضادات الاحتقان المتوافرة في الصيدليات مع اتباع النشرة الطبية الخاصة بالدواء، على الرغم من أن كثيراً من الدراسات لم تثبت فاعليتها أو تقليلها من فترة المرض.
3 – 
يمكن تناول دواء الباراسيتامول «البنادول» لعلاج ارتفاع درجة الحرارة والآلام وزيادة التعرق.
4 – 
يفضل استخدام جهاز المبخر «المرذاذ» لزيادة رطوبة الهواء وهذا يساعد على سهولة التنفس، وينصح بعدم استخدام البخار الساخن.
5 – الراحة والنوم الكافي قد يساعدان في العلاج.
6 – 
تناول الكثير من السوائل الصافية «8 أكواب في اليوم» مثل: الماء، والشاي، وعصير الفواكه، والحساء.
7 – 
عدم أخذ المضادات الحيوية لأنها لا تنفع في حالات الزكام، حيث غالباً ما يكون سبب هذه الأمراض فيروسات، والفيروس لا يمكن قتله بالمضادات الحيوية، كما أنها تقلل من المناعة ومقاومتها للأمراض، ولكن عندما يصاب المريض بالتهاب بكتيري في بعض المضاعفات الناتجة عن الزكام فإن للمضادات الحيوية دوراً في العلاج، وهو ما يحدده الطبيب المعالج.
8 – 
يجب مراجعة طبيب الأسرة، أو قسم الطوارئ إذا ظهرت أي من الأعراض التالية:
استمرار ارتفاع درجة الحرارة مع استخدام الباراسيتامول (البنادول).
التنفس المتقطع على غير المعتاد.
استمرار أعراض الزكام أكثر من 3 أسابيع.
ألم في الأذن، أو الجيوب.

مع العلم أن بعض الحالات قد تتطور إلى التهاب الأذن الوسطى، وربما الربو القصبي، وبدرجة أقل التهاب الجيوب الأنفية، ولا تكون واضحة في الزيارات المبكرة للطبيب.

وتتفاقم هذه الخطورة مع كبار السن، أو أولئك الذين يعانون من اعتلال في الرئتين، أو الأشخاص ذوي البنية الضعيفة، نظراً لسوء صحتهم العامة.

الوقاية
الالتزام بتغطية الجسم بشكل جيد أثناء الخروج إلى الهواء البارد، وخاصة منطقة الرأس، إذ يفقد الإنسان «%30» من الحرارة الداخلية للجسم عن طريق الرأس فقط. مع أهمية تغطية الأنف إن أمكن وذلك لأن الجو البارد يؤدي إلى تقلص حجم الأوعية الدموية في الأنف، وهو ما يؤدي إلى إغلاق المسامات التي تسمح للدم الدافئ بالدخول إلى أوعية الدم، والتي بدورها تزّود الجسم بكريات الدم البيضاء التي تحارب الأمراض.
تجنب مخالطة المصابين بالزكام لمدة طويلة قدر المستطاع.
تهويه البيت والغرف في حالة وجود مصاب فيه.
من العادات السيئة جداً، استعمال الفحم كوسيلة للتدفئة، فهذا الأسلوب يُعد غير صحيٍ لما ينبعث من الفحم من أبخرة، ودخان تؤدي إلى الاختناق، وخصوصاً مع عدم التهوية. أما الخروج من المكان الدافئ إلى البرودة فيؤدي إلى فرط التحسس في الشعب الهوائية.
ويجب على الأم أن تحرص في فصل الشتاء على أن تمد عائلتها وأطفالها بالأخص بالسوائل الدافئة، والعصير الطبيعي المليء بالفيتامينات مثل البرتقال، والليمون «حتى مع عدم الإحساس بالعطش في الشتاء»، وكذلك الخضراوات الطازجة لما لها من تأثير فعال على الأغشية المخاطية ومواد الأكسدة التي تسبب الالتهابات الشعبية الهوائية.

2 التهاب اللوزتين

يعد التهاب اللوزتين من الأمراض التي تترافق مع فصل الشتاء، فما هما اللوزتان؟

إنهما عقدتان لمفاويتان موجودتان في الحلق، وتشكلان خط الدفاع الأول تجاه الجراثيم والعوامل الممرضة الأخرى التي تدخل الجسم عن طريق الفم. فاللوزتان هما بوابة الحماية للجسم من جهة الفم والأنف، وهما معرضتان للالتهاب بشكل سريع.

أما التهاب اللوزتين، فهو مرض مؤلم ناتج عن إصابة اللوزتين أو كلتيهما بالبكتيريا أو الفيروسات، كما أنه يصيب الإنسان من جميع الأعمار ولكنه أكثر شيوعاً عند الأطفال ما بين الخامسة إلى الخامسة عشرة، ويسبب هذا المرض العدوى البكتيرية «الجرثومة المسؤولة هي عادة من البكتيريا العقدية» streptococci، أو العدوى الفيروسية.

الأعراض
تبدأ الأعراض لدى الأطفال فوق السنتين عادة بشكوى من الصداع وألم في البطن وتقيؤ، وتقل حركة ونشاط الطفل، كما تقل قابليته للعب، ويبدو ساكناً، ويفقد شهيته للطعام.
ترتفع درجة الحرارة وقد تصل إلى 40 درجة.
ظهور آلام في الحلق، وصعوبة في البلع، وظهور رائحة كريهة من الفم. «الكحة والعطس وانسداد الأنف غير موجود غالباً».
عند الكشف على المريض يلاحظ الطبيب تضخماً في حجم اللوزتين عند ما يقارب ثلثي المرضى. وتظهر الإفرازات الصديدية ذات اللون الأبيض المصفر على سطح اللوزتين والغشاء المخاطي المبطن للحلق أيضاً، كما تكتسب اللوزتان لوناً داكناً نتيجة الاحتقان. وتغطى اللسان إفرازات صديدية كثيفة ذات رائحة كريهة أيضاً.
تضخم في الغدد الليمفاوية العنقية وتحت الفكين، وتكون بصورة مؤلمة، ويعتقد كثير من الناس أن هذه هي اللوز، ولكنها الغدد الليمفاوية، وهي تظهر على هيئة انتفاخات، أو تورمات تحت الفكين في أعلى الرقبة.

العلاج
يعالج الالتهاب البكتيري بالمضادات الحيوية، ولابد من التنبيه إلى ضرورة إكمال المعالجة حسب المدة الموصوفة، وعدم إيقاف الدواء بمجرد انخفاض الحرارة أو تحسن الأعراض الذي يحدث بعد 2 – 3 أيام من البدء بالمعالجة. وينصح الأطباء بالغرغرة بالماء والملح لتخفيف حدة الألم، بالإضافة للأدوية التي تخفف الآلام.

وتكمن خطورة عدم علاج الالتهابات البكتيرية، إلى احتمالية المضاعفات التي قد يطول الكلام عنها بالتفصيل كخراج اللوزتين، والتهاب المفاصل، والالتهاب الكلوي، والحمى الروماتزمية.

3 الإنفلونزا

يخلط الكثير من الأشخاص بين الزكام والإنفلونزا، وهذا خطا شائع. وتُعد الإنفلونزا من أمراض البرد وهي تنجم عن الإصابة بفيروس خاص، والذي يتميز بقدرته على تغيير شكله باستمرار، ويمكنه أن ينشر المرض بسرعة بواسطة التنفس والرذاذ المتطاير في الهواء، وقد يتسبب في بعض الأحيان بحدوث الوباء حيث يصاب به عدد كبير من الأشخاص في وقت واحد، كما حدث في آسيا عام 1975م، وسميت آنذاك بالأنفلونزا الآسيوية، وذهب ضحيتها الملايين.

الأعراض
تمتد مدة حضانة المرض ما بين يوم أو يومين، تظهر بعدها أعراض المرض، والتي تتمثل في: ارتفاع في درجة الحرارة، وآلام في العضلات والمفاصل، وضعف عام، مع صداع في الرأس، وعدم شهية للأكل.

وتكون مرحلة الشفاء مفاجئة، وفي أحسن الأحوال يكون الشفاء تاماً لكن فترة الإحساس بالتعب قد تستمر لعدة أسابيع.

والأشخاص المُعرضون لمضاعفات الأنفلونزا، وتُشكل خطراً على حياتهم هم كبار السن، والأشخاص المصابون بأمراض القلب، والأشخاص المصابون بأمراض الرئة المُزمنة؛ مثل حالات الربو الشديد، والمصابون بأمراض الكلى المُزمنة مثل قصور الكلى، والأشخاص الذين لديهم قصور في عمل الجهاز المناعي، أو ذوي الأمراض المزمنة كمرض السكري.

معظم حالات الخطورة هذه يمكن منعها بأخذ تطعيم الأنفلونزا سنوياً، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين لديهم احتمال عال للإصابة بمضاعفات الأنفلونزا – السابق ذكرهم – بالإضافة للعاملين في السلك الصحي والذين هم على اتصال دائم بالمرضى؛ مثل الأطباء والممرضات والعاملين في دور رعاية المُسنين.

وطعم الأنفلونزا عبارة عن فيروس انفلونزا ميت ويُعطى عن طريق الحقن في العضل مرة كل سنة ويُفضل أخذه خلال الفترة ما بين شهر سبتمبر إلى شهر نوفمبر.

ويتم تكوين اللقاح عن طريق مراقبة نشاط فيروس الأنفلونزا عالمياً بواسطة منظمة الصحة العالمية، التي تملك 110 مراكز مراقبة للأنفلونزا في 80 دولة. هذه المراكز مجتمعة تمثل النظام العالمي لمراقبة الأنفلونزا، والذي يضمن تجميع معلومات عن الفيروس وانتشاره وفحص عينات لتحديد خصائصه. ويتم استخدام هذه المعلومات لتحديد المكونات السنوية للقاح الأنفلونزا بواسطة منظمة الصحة العالمية.

أما الجديد في علاجها فقد ظهر حديثاً علاج جديد يسمى زينا ميفير Zanamivir واسمه التجاري ريلينزا Relenza وهو يعمل على حجز إنزيم نيورامينديز داخل الخلايا المصابة فلا يزداد المرض. وهذا العقار إذا أخذ بعد بداية المرض بأقل من 48 ساعة فإنه يقلل مدة الإصابة بيومين ونصف اليوم، ولا تحدث مضاعفات وعادة ما يستخدم في أماكن انتشار المرض.

4 حكة الشتاء

يؤدي قلة الاستحمام في الشتاء إلى جفاف الجلد وتراكم القشور، فيؤدي إلى حكةٍ وحصول التهابات جلدية، كما أن لبس الصوف، والملابس الخشنة يؤدي إلى تهيج الجلد عند الذين لديهم قابلية للإصابة بالحساسية.

والجلد الجاف يكون عرضة لحدوث نوع من الإكزيما تعرف بالإكزيما الجافة، يبدو فيها الجلد وقد تشقق شقوقاً سطحية تشبه في مظهرها الأرض الزراعية المتروكة لمدة طويلة دون ري كما يصاحب التشقق احمرار بسيط في المناطق المصابة مثل الساقين والبطن والفخذين والساعدين، ويشعر المريض بالحكة قبل النوم. وقد أُطلق على الإكزيما الجافة حكة الشتاء لظهورها في هذا الفصل، حيث تتوافر العوامل المهيأة لجفاف الجلد مثل انخفاض نسبة الرطوبة وقلة العرق والإفرازات الدهنية. وقد لوحظ أيضاً حدوث الأكزيما الجافة مع استعمال المدفئة مما يساعد على خفض نسبة الرطوبة في الجو المحيط.

وينصح دائماً باستعمال الكريمات المرطبة في فصل الشتاء خاصة لكبار السن وذوى الجلد الجاف، كما ينصح أيضاً باستعمال أنواع خاصة من صابون الحمام تحتوى على نسبة عالية من الزيوت. وقد يلجأ الطبيب إلى استخدام بعض كريمات الكورتيزون إذا دعا الأمر.

كانت هذه أبرز أمراض الشتاء، مع وجود أنواعٍ أخرى تنتشر في الشتاء لا يتسع المجال لذكرها. وختاماً فإننا نعلم جميعاً «أن درهم وقاية خير من قنطار علاج»، وحري بنا أن نطبق هذه المقولة بحذافيرها كي نقي أنفسنا من متاعب المرض وعواقبه.

الجدول التالي يوضح الفرق بين الأنفلونزا والزكام «الرشح»:

الخاصية
الأنفلونزا
الزكام
الحالة المرضية
عامة
موضعية في الأنف والحلق
سرعة بدء الأعراض
بشكل مفاجئ
بشكل تدريجي
الحمى
دائماً مرتفعة
عادة معتدلة
الأعراض
صداع
عطس
ارتجاف وقشعريرة
ألم في الحلق
ألم عضلي

إحساس بجفاف الأنف والحلق

سعال

ألم في الأذن

الشدة
مجهدة
معتدلة
مدة المرض
توعك لمد أسبوع إلى أسبوعين
شفاء سريع
المضاعفات
شديدة، مثل الالتهاب الرئوي
معتدلة

أضف تعليق

التعليقات