مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
2023

هل نوبل جائزة عالميَّة حقًّا؟


أحمد عايد

تُحيط جائزة نوبل نفسها بغموض مبالغ فيه، فلا أحد يعرف الـمُرشحين إلَّا بعدَ أعوام كثيرة، ولا المعيار الذي تختار به نوبل الفائزين، ولا ما إذا كانت السِّياسة تتدخَّل في الاختيار أم لا؟ وهل للشهرة دور في الفوز أم لا؟ وهل تتدخل العلاقات الدولية في فوز أحدهم؟ وهل هناك أجندة غير معلنة وقواعد محكَّمة بين محكِّمي نوبل ومانحيها لا يعرفها القرَّاء والكُتَّاب والنَّاشرون في العالم كلِّه؟

ما إن أُعلن فوز النرويجي يون فوسه بجائزة نوبل للأدب هذا العام، حتى انهالت على وسائل التَّواصل الاجتماعي صيحات استهجانٍ، صارت معتادة في السنوات الأخيرة. مَن هو هذا الفائز الجديد الذي لا نعرفه، والذي يطرق اسمه مسامعنا للمرة الأولى؟! بعد قليلٍ ظهرت كتابات تؤكِّد أن الرجل ليس مجهولًا؛ فله روايتان مترجمتان صدرتا عن دار الكرمة بالقاهرة. وجاء في بيان لجنة الجائزة أنه فاز بها عن أعماله في المسرح، فقد كتب أكثر من 80 مسرحيَّة، ويُلقَّب بـ “إبسن” الجديد، وعن أعماله النثريَّـة التي منحت صوتًا لما لا يُمكن أن يُقال.

غموض وجدل
ما يعرفه مُتابعو الجائزة، مؤخرًا، أنها ما إن تُمنح حتى يسخط كثيرون ويفرح كثيرون. ولكن أسعد الجميع الكاتب الذي يصير مليونيرًا في غمضة عين، وكذلك النَّاشرون الذين يطبعون ملايين النُّسخ لتكتسح أسواق بيع الكتب بكلِّ اللغات، والمترجمون الذين يكتشفون الكاتب الفائز أوَّل مرَّةٍ،بينما يُصدم القرّاء أخيرًا باختيارات الفائزين في السنوات الأخيرة.

إن أمعنا النظر جيدًا في الجوائز العالميَّة الكبرى، فلن نرى جائزةً تُثير الجدل كُلَّما مُنحت مثل نوبل، ولا سيَّما في الأدب. حتى يمكننا أن نعتبر أن أوائل أكتوبر من كل عام هو موسم إثارة الجدل في الوسط الأدبي العالمي. ويرجع ذلك لأسباب عديدة، تختلف من عام لآخر، وتختلف بحسب كلِّ فريقٍ.

أسئلة لا تموت
بالعودة إلى بدايات الجائزة، سنجد علامة استفهامٍ لم تفقد حدَّتها إلى الآن: لماذا لم يحصل الروائي الروسي ليو تولستوي عليها وقد تُوفِّي سنة 1910م، أي بعد عشرة أعوامٍ من بداية منح أول جائزة نوبل في الأدب؟ وتولستوي حينئذٍ كان أحد أهم الكُتَّاب، إن لم يكن الأهم مطلقًا، وشهرته ملء السمع والبصر. ولو نظرنا إلى من حصلوا على الجائزة من 1901م إلى 1910م، فلن نجد أحدًا منهم يضاهي تولستوي من حيث قيمته الأدبية أو شهرته أو حجم إنتاجه!

وفي فرنسا، التي حصل 15 أديبًا من أدبائها على الجائزة، يُثار سؤال مُعلَّق عن عدم منحها لأحد أعظم روائييها، مارسيل بروست، وهو مؤلِّف الرواية الأيقونة “البحث عن الزمن المفقود”، فقد أهملته الجائزة وقد شهد تأسيسها، في حين مُنحت أوَّل جائزة للشاعر الفرنسي سلي برودوم، الذي قال عنه ماركيز: “لا أحد يتذكَّر له بيتًا شِعريًّا واحدًا”. وهناك سؤال آخر متكرِّر وهو عدم منح الجائزة لميلان كونديرا الذي رحل عن العالم مؤخرًا، في حين نالها ثلاثة أدباء فرنسيين آخرين من 2008م حتى العام الماضي!
وفي ثقافتنا العربيَّة، رُشِّح الدكتور طه حسين 21 مرَّةً وليس 14 مرَّةً كما يُشاع، ولم يحصل عليها.

وتظل أسئلة من هنا وهناك عن فوز الفرنسية آني إرنو العام الماضي، التي لا يرى البعض أن كتابتها لا تمثِّل في أحسن الأحوال سوى مذكِّرات جريئة، وكذلك فوز كاتب الأغاني بوب ديلان، والتَّجاهل العجيب لكاتب ألبانيا الكبير إسماعيل كاداريه.

وكان الشاعر محمود درويش قد سُئل في حوارٍ تلفزيوني قبل وفاته بأربعة أعوامٍ، هل ينتظر نوبل؟ فأجاب بـ “لا” قاطعة، وزعم بتواضعٍ عجيبٍ أنه لا يستحقها لأسبابٍ أدبيَّةٍ، بغضِّ النَّظر عن الأسباب السياسيَّة. ثم قال: “كثيرون من كُتَّاب العالم، الذين قرأتُ عنهم، كانوا يمرضون في كلِّ خريفٍ، وأنا لا أريدُ أن أمرض كلَّ خريفٍ في انتظار النتائج”.

هوية الجائزة بالأرقام
ربما لم يَدُر بخلد السِّويدي ألفريد نوبل أن يدخل اسمه كلَّ بيتٍ على وجه الأرض بينما كان يوقِّع عام 1895م، قبل وفاته بعام واحد، وصيَّته الأخيرة، التي تنصُّ على تخصيص 94% من ثروته لجائزة تُمنح للذين يُكرِّسون حياتهم لخدمة البشريَّة في مجالات الفيزياء والكيمياء والسَّلام والطِّب والأدب.

حازت نوبل اهتمام العالم، وبنص وصية مُنشئها فهي “تُمنح للشخص الأكثر استحقاقًا سواء أكان اسكندنافيًّا أم لا”، فهل كانت تلك الوصية نافذة حقًا؟

لنعتبر جائزة الأدب معيارًا. لقد بدأ منح جائزة نوبل للأدب عام 1901م بوصفها جائزة عالمية سنوية، وقد توقفت سبع مرَّاتٍ فقط، في الأعوام: 1914، 1918، 1935، 1940، 1941، 1942، 1943م. وغالبًا ما كانت تُعطى لأديب واحد، لكن حازها شخصان معًا في أربعة أعوامٍ، هي: 1904، 1917، 1966، 1974م. وتُمنح الجائزة لأديب حيٍّ يكتب أحد الأنواع الأدبيَّة المشهورة: الشِّعر والمسرح والرِّواية والقصص، أو يجمع بين أكثر من نوعٍ. لكنها مُنحت قليلًا في الفلسفة كما حدث لهنري برجسون عام 1927م وبرتراند راسل عام 1950م، وفي التاريخ كما حدث لتيودور مومزن عام 1902م، وفي الخطابة كما حدث لونستون تشرشل سنة 1953م.

يضم العالم خمس قارَّات، ويتجاوز عدد الدول 200 دولة. وتشمل قارة أوروبا قرابة 50 دولة. بإحصائيَّات بسيطة، نجد أن نوبل للأدب مُنحت لـ120 أديبًا، منهم 94 أديبًا أوروبيًّا. أي أن قارة واحدة حصلت على 78% من حصاد الجوائز، فيما حصلت أربع قارَّاتٍ تضمّ ثلاثة أرباع دول العالم على 22% من جوائز نوبل في الأدب.

وبنظرةٍ أكثر تفحُّصًا، فقد فاز من الدول الإسكندنافية الست 17 كاتبًا أولهم النرويجي بيورنستيارنه بيورنسون من النرويج (1903م)، وآخرهم مواطنه يون فوسه المتوج بالجائزة مؤخرًا (2023م). إذ تأتي السويد في المرتبة الأولى بثماني جوائز، ثم النرويج بأربع، ثم الدنمارك بثلاث، ثم فنلندا بجائزة، وآيسلندا بجائزة.

والدول الإسكندنافية التي حظيت بـ17 جائزة يبلغ تعداد سكانها الآن تقريبًا 32.5 مليون. وللمقارنة، مُنح العالم العربي جائزة وحيدة، رغم أنه يتحدث لغة تأتي في المرتبة الخامسة بين اللغات الأكثر استخدامًا على وجه الأرض، ويبلغ عدد سكّانه قرابة 450 مليونًا. بل إن مصر وحدها، التي كانت الجائزة من نصيبها، يبلغ عدد سكّانها 105 ملايين، أي أكثر من ثلاثة أضعاف بالنسبة إلى الدول الإسكندنافية.

هذه الإحصائيَّات تجعلنا نتساءل حقًّا: هل نوبل للأدب جائزة عالمية، أم أنها جائزة أوروبية أم إسكندنافيَّة؟! كيف تحصل فرنسا وحدَها على 15 جائزةً، أو تحصل السويد وعدد سكانها عشرة ملايين تقريبًا على ثماني جوائز؟ والمسألة ليست محض إحصاء، فلنا أن نتساءل عن حضور الفائزين في الذاكرة الأدبية بعد أفراح الفوز.


مقالات ذات صلة

بعد قليل أو كثير من وفاة كاتب أو مفكر، يُمكن أن تُعلن دار نشر عن إصدار كتاب جديد له، وهناك حالات كثيرة لهذا الشكل من النشر عربيًا وعالميًا، أثارت كثيرًا من التساؤلات حول جدواها الثقافية من جهة، ومشروعيتها من جهة أخرى. 

السؤال عن اندثار فعالية مثل معرض الكتاب في المستقبل القريب أو البعيد، لا يمكن أن تكون إجابته، نعم.

برز الشاعر والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي (1922-1993) كرمز لتطوير التعليم الجامعي في المغرب، حيث أطلق مفهوم “الشخصانية الإسلامية” ووجه مناهج التفكير لجيل جديد..


0 تعليقات على “هل نوبل جائزة عالميَّة حقًّا؟”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *