تسمى هذه النظرية أيضاً “باندورا”، نسبة إلى عالِم النفس الكندي – الأمريكي ألبرت باندورا، التي تفترض أن الناس يتعلمون من خلال ملاحظة وتقليد الآخرين. وتقع هذه النظرية في منزلة تتوسط نظرية علم النفس السلوكي، التي تستند إلى أن جميع السلوكيات يتم اكتسابها بالتكيف من خلال التفاعل مع البيئة، ونظرية التعلم المعرفي القائلة إن الأفراد لا يستجيبون فقط للمحفزات بل يتصرفون أيضاً بناءً على المعتقدات والأفكار والمواقف والمشاعر.
يقول باندورا: “إن معظم السلوك الإنساني يتم تعلمه من خلال النمذجة (النموذج هو الشخص الذي تتم مراقبته). فمراقبة الآخرين تجعل المرء يشكِّل فكرةً عن كيفية أداء السلوكيات الجديدة، وفي مناسبات لاحقة تعمل هذه المعلومات المشفرة في الذاكرة كدليل للعمل”. وهكذا تفسر نظرية التعلم الاجتماعية السلوك البشري على أساس التفاعل المتبادل المستمر بين التأثيرات المعرفية والسلوكية والبيئية.
فالأطفال مثلاً محاطون بنماذج مؤثرة: الآباء داخل الأسرة، ونظرائهم في المدرسة، والشخصيات على تلفزيون الأطفال، وألعاب الفيديو. وتقدّم هذه النماذج أمثلة على السلوك الواجب مراعاته وتقليده.
وهكذا يعرف باندورا شخصية أي فرد على اعتبار أنها تفاعلٌ بين ثلاثة مكوناتٍ: البيئة والسلوك والعمليات النفسية (الإحساس والإدراك والانتباه والتعلم والذاكرة) للشخص.
وقد أجرى باندورا اختباراً عام 1961 على 36 طفلاً و36 طفلة أعمارهم بين 3 و 6 سنوات في حضانة الأطفال التابعة لجامعة ستانفورد. واستنتج ما يأتي:
أولاً، من المرجح أن يهتم الطفل ويقلّد الأشخاص الذين يشبهونه. وبالتالي، فمن الأرجح أن يقلّد السلوك الذي يصوغه أشخاصٌ من الجنس نفسه؛ أي من المحتمل أكثر أن يقلّد الطفل طفلاً آخر من أن يقلّد طفلة.
ثانياً، يستجيب الأشخاص من حول الطفل للسلوك الذي يقلّده إما بالتعزيز أو العقاب. فإذا كان الطفل يقلّد سلوك النموذج ورأى استجابةً مجزية، فمن المرجِّح أن يواصل أداء هذا السلوك.
ثالثاً، يأخذ الطفل أيضاً بعين الاعتبار ما يحدث للأشخاص الآخرين عند تقرير ما إذا كان سيتم تقليد أو عدم تقليد تصرفات شخص ما. فالشخص يتعلَّم من خلال مراقبة نتائج سلوك شخص، أو نموذجٍ آخر. وعلى سبيل المثال، الأخت الصغرى التي ترى أن أختها الأكبر سناً تُكافأ مقابل سلوك معيَّن، من المرجح أن تكرّر هذا السلوك هي بنفسها.
مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو – يونيو | 2019
نظرية التعلُّم الاجتماعية
ألبرت باندورا
مقالات ذات صلة
في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.
نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]
حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]
اترك تعليقاً