من بين أجمل الأساطير في العالم أسطورة “ربيع زهر الخوخ”، التي كتبها الشاعر الصيني تاو يوان مينغ في العام 421م، وتروي حكاية صياد أبحر في نهر يشق غابة تتكوَّن بكاملها من أشجار الخوخ وتغطي أرضها براعم زهر الخوخ الجميلة. ومن دون أن يشعر، وبمحض الصدفة، وصل إلى نهاية النهر ليكتشف هناك قرية جميلة تعيش فيها مجموعة من البشر في مجتمع مثالي فريد في انسجام كامل مع الطبيعة، غير مدركين ما يدور في العالم الخارجي حولهم. ولضمان هذا العيش المثالي، التفَّت حول تلك القرية الجميلة سلسلة من الجبال العالية، تحميها من أن يصل إليها أحد أو شيء قد يعكر صفوها.
من هذه الأسطورة الساحرة استمدت الشركة الهندسية “Habitech Architects” تصميمها لمحطة معالجة مياه الصرف الصحي في مدينة تايوان، في الجزء الشمالي الغربي من تايوان. وفي محاكاة واضحة لأسطورة “ربيع زهر الخوخ” امتدت فوق المحطة هياكل من الفولاذ المتشابك على شكل جبال متفاوتة لتضفي على المحطة مظهراً أكثر ليونة ومرونة. وكان لتشابك القضبان الفولاذية وظيفة مزدوجة، بحيث توفِّر بعضاً من الظل لتحمي المياه في الداخل من حر الشمس، كما تسمح للهواء بالدخول إليها خلال الأيام الحارة. ومثل نقاء ذلك المجتمع المثالي الذي كان يعيش على أرض الأحلام في أسطورة “ربيع زهرة الخوخ”، يعمل مركز معالجة مياه الصرف الصحي في الداخل على تنقية وتطهير المياه المستعملة، فيما نمت حولها النباتات والأزهار، تحلِّق فوقها الطيور، خاصة وأن القباب المتشابكة فوقها تضمن لها البيئة المثالية من خلال دخول الشمس والهواء والأمطار إليها طول أيام السنة.
قد لا تنمو أشجار الخوخ ولن تزهر تحت تلك القبب الاصطناعية العالية، ولكن هناك بالتأكيد ينتشر عبق الربيع وتزهو الطبيعة بكامل فصولها.
فهذا المشروع يؤكد أن البنى التحتية لا يجب أن تصمم بالضرورة بطريقة مملة وغير جذَّابة، بل يمكن لتصاميمها أن تذهب إلى ما هو أبعد من وظيفتها الأساسية المباشرة لتكون من معالم الفخر الوطني، تماماً كما هو حال تلك المحطة في تايـوان التي عكست كثيراً من الشاعرية واحتضنت في داخلها تجربة بيئية فريدة.
مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2018
محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي بلمسة ثقافية
مقالات ذات صلة
على الرغم من وجود العديد من التساؤلات حول مستقبل الكتب المادية، فقد أطلقت الفنانة الإسكتلندية المفاهيمية “كاتي باترسون” في عام 2014م فكرة إنشاء “مكتبة المستقبل” كمشروع فني تطلعي يجمع بين كونه كبسولة زمنية أدبية ومشروعًا بيئيًا. كرّست “باترسون” جلّ اهتمامها بما ستتركه البشرية للأجيال القادمة؛ لذلك ابتكرت فكرة إنشاء هذه المكتبة في مدينة أوسلو النرويجية. […]
استطاعت الدول الناطقة باللغة الألمانية (ألمانيا، والنمسا، وسويسرا) أن تخلق نموذجاً في النهضة والتفوّق بالاعتماد على الأيدي العاملة المؤهلة مهنياً، وقد حقَّق هذا النموذج نجاحاً باهراً على مستوى العالم، فيما تسعى دول كثيرة داخل أوروبا وخارجها للاستفادة منه، ففي هذا البلد المزدهر اقتصادياً، يُعدُّ التدريب المهنيّ سرّاً من أسرار نجاحه، بل وربما ريادته عالمياً، فبفضله […]
من المؤكد أن للعلوم والتكنولوجيا تأثيراً عميقاً على المجتمع، لكن العكس صحيحٌ أيضاً، بحيث يشكِّل المجتمع، بصورة كبيرة، الطرق التي تتطوَّر بها العلوم والتكنولوجيا. ومع ذلك، تُظهر التجربة أنه لا يمكن دائماً للعلماء، من ناحية، وعامة الناس والحكومات والشركات، من ناحية أخرى، فهم بعضهم بعضاً بوضوح، لهذا السبب كان لا بدَّ من وجود خبراء ذوي […]
اترك تعليقاً