مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2018

جروح تحت عدسة المجهر


د. حذيفة أحمد الخراط

رسم توضيحي لطبقات الجلد المختلفة

لا أحد منا لم يُصَبْ ذات يوم بجرح -سواء كان سطحياً أم عميقاً- في جزء ما من أجزاء جسمه، في أثناء قيامه بشؤون معاشه وحياتــه اليوميــة. ومثل هذا النوع من الإصابات في حقيقته ظاهرة مألوفة، والإنسان -صغير السن كان أو كبيراً- اعتاد أمراً كهذا وخبره، ولاسيما أنه محاط من جميع الجهات بمصادر مختلفة ذات طبيعة مؤذية، تجعله عُرضة لمثل تلك الإصابات.

لقد سبر العلم الحديث أغوار فسيولوجية تَعَرُّض جلد الإنسان للجروح، وساعد على ذلك اختراع عدسة المجهــر التي أماطـت اللثام عن عالم واسع خفي، كان قبل ذلك في عالم المجهول، فإذا بالحقيقة تنجلي شيئاً فشيئاً.
وقبل أن نخوض في حديثنا حول إصابة أجسامنا بالجروح، وما يحدث في هذا النوع من الإصابات من أحداث مدهشة، تجري دون أدنى درجة إحساس منا أو شعور، يجدر بنا أن نسلِّط بعض الأضواء على بنية الجلد، وهو المسرح الذي على خشبته تُعْرض مشاهد عملية التئام الجروح، ويُعين ذلك على فهم ما سيظهر لنا لاحقاً من أحداث فسيولوجية متتابعة، تعقب تَعَرُّض الجلد للجروح المختلفة.
يتكوَّن جلد الإنسان من طبقتين تشريحيتين، تُعْرف الظاهرة منهما بالبشرة Epidermis، والأخرى بالأدمة Dermis. وتتفرَّع البشرة إلى خمس طبقات مجهرية تتوزع خلالها الخلايا في نسق دقيق. أما الأدمة فتقع تحت البشرة، وتنقسم إلى طبقتين مجهريتين، وتحوي هذه الطبقة بصيلات الشعر، والغدد العرقية والدهنية، وهي غنية بشبكة من الأوعية الدموية.

وللجروح أنواع عديدة
للجروح التي تصيب جلد الإنسان أشكال وصور متعدِّدة، ويمكننا تقسيم هذه الجروح عموماً إلى ما يعرف بالجروح المغلقة، والجروح المفتوحة، وذلك بناءً على طبيعة الإصابة، وما لحق بسطح الجلد من أذى.
وفي الجروح المغلقة Closed wounds نرى أن سطح الجلد سليم، إذ لم يلحق الأذى بنسيج الجلد الخارجي الذي يظهر للعيان، بل تتجه الإصابة هنا نحو الأنسجة السفلى التي تلي سطح الجلد نحو الداخل. ومن أمثلة هذا النوع من الجروح: الكدمة contusion، التي تنتج عن تعرض الجسم لإصابة مباشرة، تترك سطح الجلد سليماً دون أذى، إلا أنه ينتج عنها خروج سائل الدم من الأوعية الدموية التي تتمزق جرَّاء هذه الإصابة، مما يؤدي إلى تضخم المنطقة المصابة، وتلونها باللون الأزرق أو الأخضر أحياناً.
وقد يحـدث أحيانـاً أن يتمزق وعــاء دموي كبير الحجم، مما يعني تراكم الدم ضمن الأنسجة تحت الجلد السليم الذي لم يُصَب بأذى، وتعرف هذه الحالة علمياً بالتجمع الدموي Hematoma.
وثمة في المقابل جروح مفتوحة Open wounds يصاب خلالها سطح الجلد بصور متباينة، ويعتمد ذلك على شدة الإصابة، وطبيعة المصدر الذي ألحق الأذى بسطح الجلد، ومدى قوته. ومن أمثلة الجروح المفتوحة: السحجة Abrasion، وهي إصابة ناتجة عن احتكاك الجلد بسطح خشن، وتؤدي إلى إصابة طبقات الجلد السطحية، وتآكلها وانفصالها عن الطبقات التي تحتها. وتسبب هذه الجروح ألماً شديداً، إذ تنكشف فيها نهايات الأعصاب مما يجعلها عرضة للهواء أو المؤثرات الخارجية المحيطة بالجرح، وكثيراً ما يشاهد هذا النوع من الجروح في حوادث السير التي يحدث فيها احتكاك الجلد المباشر مع سطح الإسفلت، أو عقب السقوط فوق سطح خشن الملمس.
وهناك جروح مفتوحة أخرى تحدث عقب التعرض لأجسام حادة كالزجاج وسكين المطبخ والمقص مثلاً، ويتميز الجرح هنا بأن حوافه منتظمة الشكل، وهي جروح سطحية في الغالب، وتتصاحب مع حدوث النزيف، وقد يصحبها إصابة الأعصاب السطحية في مسرح الجرح.
ومن الجروح المفتوحة أيضاً ما نراه في حوادث السير، أو عقب سقوط الجسم من سطح عالٍ، مما ينتج عنه الإصابة بجرح أعمق من سابقه، وذي حواف غير منتظمة الشكل. ونسبة احتمال حدوث الالتهاب في هذه الجروح مرتفعة، وكثيراً ما تتصاحب مع ضعف التروية الدموية للنسيج المصاب.
وقد يخترق جسم حاد سطح الجلد، كالسكين، أو إبرة الخياطة، أو المسامير مثلاً، وهذا النوع من الجروح المفتوحة ذو شكل خادع، إذ إنّ مدخله الخارجي صغير، إلا أنه قد يخبئ تحته إصابة عميقة بالغة، وكثيراً ما تخدع فوهة الجرح الخارجية طبيب الطوارئ – ولا سيما إن افتقد الخبرة الكافية – الذي قد يسارع إلى خياطة الجلد مباشرة دون فحص ما قد أصيب من أنسجة داخلية.
وعضة الحيوانات أيضاً سبب آخر في إحداث الجروح المفتوحة، وينتج عنها في الغالب ظهور جرح ذي حواف غير منتظمة، وكثيراً ما يصحب هذه الجروح حدوث الالتهاب، ولا سيما إن لم تعالج بالشكل المناسب.

كيف تلتئم جروح الجلد؟
مسـرح حافـل بالأحداث
لعل سائلاً منا يسأل: ما الذي قد يصيب أجسامنا ويحدث إن لم تلتئم جراحنا؟ وما عواقب عدم التئام الجروح أو تأخره؟ ورداً على ذلك تشير المراجع العلمية إلى أن لجلد الإنسان فوائد كثيرة، تأتي في مقدِّمتها مهمة حماية الجسم من غزو الميكروبات والأحياء المجهرية الدقيقة التي تحيط به من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم. كما يقف الجلد من جهة أخرى حائلاً منيعاً أمام خروج محتويات الجسم من السوائل المهمة.
ولنا أن نتخيل ما يمكن أن يحدث لو أن جرحاً ما أصاب الجلد، فأحدث فيه فراغاً مفاجئاً أو فجوة، فتسارع حينها الميكروبات إلى غزو الجسم دون هوادة، لتحيا فيه وتتكاثر بأعداد هائلة، وهو ما يصحبه إصابة الجسم بكثير من الأمـراض ذات الطابع الالتهابي.
وفي المقابل فإن سوائل الجسم ستُفقد حتماً من خلال الجرح، ولا سيما إن كان كبيراً وعميقاً، وقد يتصاحب ذلك مع اضطراب بيئة الجسم الداخلية، وظهور بعض الأعراض ذات الدلالات المرضية الخاصة.
تؤدي إصابة الجلد بجرح ما – أياً كان سببه- إلى قدح زناد سلسلة طويلة من العمليات والتفاعلات الكيميائية والفسيولوجية المعقَّدة التي يحاول الجلد من خلالها استعادة وظيفته المهمة في حفظ الجسم، وصونه عن الأذى. وتقود تلك الأحداث في نهاية المطاف إلى التئام ما لحق بالجلد من أذى عقب جرحه.
تعني كلمة التئام (Healing): مقدرة أنسجة الجسم المصابة على الشفاء بعد تعرضها للإصابة أياً كان نوعها، وعودة تلك الأنسجة إلى سابق عهدها الذي كانت عليه قبل إصابتها.
وتنص المراجع العلمية على أن عملية التئام الجروح عموماً تمر عبر ثلاث مراحل أو أطوار.

أولاً: مرحلة توقف النزيف Hemostasis phase
تؤدي إصابة الأوعية الدموية في منطقة الجرح إلى حدوث نزيف موضعي يحدث فيه أن يخرج سائل الدم من الوعاء الذي يحتويه. وهنا تعمل الصفائح الدموية platelets جاهدة على إيقاف النزيف بغية حماية الجسم من الآثار الضارة لفقد الدم عبر تكوين ما يُعرف بالجلطة Clot، وهي نسيج دقيق الصنع، يشبه شبكة من الإسفنج التي تتجمع خلالها كريات الدم، فتغدو سدادة تغطي فوهة الجرح النازفة، مما يعني توقف الدم المنزوف.
ويحدث في هذه المرحلة أيضاً ردة فعل فسيولوجية أخرى، تضيق خلالها الأوعية الدموية، بغية التقليل من كمية الدم المفقودة عبر الوعاء الدموي النازف.
كما تتوسع هنا الأوعية الدموية المحيطة بالجرح، ويتصاحب ذلك مع تدفق مزيد من الدم نحو النسيج المصاب، وتكبر مسامات تلك الأوعية الدموية، فتعبر من خلالها وتتحرر أعداد كبيرة من الخلايا ذات الدور المهم في تنظيم عملية التئام الجرح، وتحقيق أهدافها.
ويخرج مع سائل الدم نحو ساحة الجرح أيضاً خلايا مناعية متخصصة تقوم بوظيفتها الحيوية في حماية النسيج المصاب مما قد يغزوه من الميكروبات التي تدخل عبر فوهة الجرح.

ثانياً: مرحلة التكاثر Proliferation phase
سرعان ما تنشأ في نسيج الجرح شبكة جديدة من الأوعية الدموية، وهذا يعني ضخ خلايا متخصصة في مسرح الأحداث، تسهم في تسريع مسلسل التئام الجروح.
وتنشط تحت الجلطة التي سدت الوعاء الدموي المصاب عملية فسيولوجية فريدة من نوعها، تزحف فيها ما يُعْرف بالخلايا الظهارية Epithelial cells التي تتكاثر من حواف الجرح، بغية بناء ما أصيب من أنسجة من جديد، وإعادتها – بإذن بارئها – إلى سابق عهدها قبل حدوث الإصابة.
كما تفرز خلايا أخرى تُعْرف بالخلايا الليفية Fibroblast مادة “الكولاجين” ذات الدور المهم في تعجيل مسلسل التئام الجروح، وإعادة بناء المنطقة المصابة.

ثالثاً: مرحلة النضج وإعادة الهيكلة Maturation and remodeling
تمتاز الحلقة الأخيرة من مسلسل التئام الجروح بحدوث ظاهرة فسيولوجية ذات دور رئيس في إنجاح المهمة، ويتمثل ذلك في تقلص الجرح أو انكماش نسيجه المصاب wound contraction، مما يعني صغر حجمه التدريجي، ويستمر ذلك ثلاثة أسابيع تقريباً.
ثم يحدث هنا أن تترسب مادة “الكولاجين” في نسيج الجرح، وهي مادة تشبه الإسمنت المستخدم في عمليات البناء، ومع مرور الوقت تصبح هذه المادة أكثر سماكة، وتكسب الجرح مزيداً من القوة والمتانة، ويستمر هذا الطور قرابة سنة كاملة.

عوامل مؤثرة في شفاء الجروح
يقود حضور عديد من العوامل إلى إنجاح مسار عملية التئام الجروح، ويؤدي حضور غيرها إلى إبطائه، أو حتى إلى إفشاله. وثمة في هذا المجال عوامل مؤثرة ذات صلة بصحة الجسم بشكل عام، وأخرى موضعية تخص الجرح بشكل محدد.
يؤثر عمر الإنسان في تتابع أحداث التئام جروحه، إذ إن شفاء الجروح حدث بطيء في كبار السن مقارنة مع الأطفال، ويعود سبب ذلك إلى ضعف الاستفادة من البروتين في جسم كبير السن، وهو عنصر الغذاء الأكثر أهمية في التئام الجروح، إذ يؤدي نقصه وقلة تمثيله في الجسم إلى عدم القدرة على تكوين مادة الكولاجين المهمة في شفاء الجروح.

في قسم الطوارئ يواجه الطبيب المعالج سيناريوهات عديدة محتملة، وتقع على عاتقه مهام كثيرة، كخياطة الجروح السطحية التي لم يُصَب فيها ما تحتها من أنسجة، وكإعادة تنظيف الجروح وفحصها بدقة

وللفيتامينات أثر مشابه لذلك، إذ يقود نقص فيتامين C إلى ضعف عملية نضج الكولاجين. كما يؤدي نقص فيتامين A إلى بطء عملية تكاثر خلايا الجلد التي تعيد بناء نسيجه من جديد. وللمعادن أيضاً دور بارز في إنجاح خطة التئام الجروح، ويؤدي نقصها إلى إضعاف هذه الخطة، وتأتي معادن الكالسيوم والزنك والنحاس والمغنيسيوم في رأس قائمة المعادن المهمة في هذا المجال.
وقد يصاب الإنسان بأمراض مزمنة ذات طابع مرهق لقدرات الجسم، يخلّف وراءه آثاراً ضارة، وما يهمنا هنا هو الأثر السلبي الذي تخلّفه تلك الأمراض متمثلاً في تأخر التئام الجروح، ومما يذكر من تلك الأمراض: الداء السكري، واليرقان، وفشل الكلى، وتشمع الكبد، والأورام.
ومما يوضع في قفص الاتهام أيضاً: تعاطي بعض الأدوية التي ثبت تأثيرها في إضعاف التئام الجروح، ومن ذلك أدوية الكورتيزون، والأدوية المعدَّة لعلاج السرطان.
ويؤثر في سرعة التئام الجروح من ناحية أخرى عوامل موضعية تظهر في موضع الإصابة، فزيادة التروية الدموية للنسيج المجروح مثلاً تزيد من سرعة شفائه، ومن ذلك ما نراه في جروح الوجه وفروة الرأس على سبيل المثال، إذ إن هاتين المنطقتين غنيتان بالتروية الدموية، مقارنة بأجزاء أخرى في الجسم، ويعني ذلك من الناحية العملية سرعة التئام ما يصيب الوجه والرأس من جروح بالمقارنة مع الساق والقدم على سبيل المثال.
وتَضعف التروية الدموية مع حركة النسيج المصاب الزائدة، وهو عامل موضعي آخر يؤثر سلباً في شفاء الجروح، ولذلك يوصى بإراحة مكان الجرح، وعدم تعريضه للحركة قدر المستطاع بغية تنشيط دورته الدموية، والإسراع بشفائه والتئامه.
وتعدّ الإصابة بالالتهاب العدو اللدود الأكبر لعملية التئام الجروح، وسبب ذلك -كما تقول المراجع العلمية- هو أن نمو الميكروبات وتكاثرها في نسيج الجرح يحطم مادة الكولاجين المهمة في بناء النسيج المصاب، كما أن تلك الميكروبات تستهلك الأكسجين والغذاء المتوافر في نسيج الجرح، مما يؤدي إلى إضعاف تغذيته الدموية وتأخير التئامه.
كما إن لبقاء ذرات التراب والأجسام العالقة وبقايا الخلايا الميتة في الجرح تأثيراً مباشراً في تأخر شفائه، إذ تحطم تلك الذرات والبقايا قدرة الخلايا الحية على إعادة بناء النسيج المصاب.
وأخيراً فإن الجلطة (أو الخثرة الدموية) التي قد تسدّ الوعاء الدموي تقلل من كمية ما يصل إلى الأنسجة من سائل الدم، ويترافق ذلك في العادة مع بطء شفاء ما يصيب تلك الأنسجة من جروح.

الطريقة المثلى للتعامل مع الجروح
ثمة مبادئ وأسس تسعى في تسريع عملية التئام الجروح، ووقاية جسم صاحبها من تأثيراتها السلبية.
ويأتي في مقدِّمة الخطة العلاجية غسل ما أصاب الجلد من جروح أو سحجات جيداً باستخدام الماء النظيف والصابون، بغية إزالة ما علق بها من ذرات التراب والأوساخ وبقايا الأجسام الصلبة. ويجب عقب تلك الخطوة إجراء تعقيم مبدئي للجرح باستخدام محاليل التعقيم المعروفة، ثم تغطية الموضع المصاب بقطعة من الشاش.
وتعتمد الخطوة التالية على نوع الجرح وشدة الإصابة، فالجروح الصغيرة والسحجات السطحية تتطلب عناية منزلية خاصة، عبر الاستمرار في عملية التعقيم على نحو يومي، وتغيير الضماد، إلى أن يبدأ الجرح بالالتئام التدريجي شيئاً فشيئاً.
أما الجروح العميقة والإصابات البالغة فتستدعي بذل عناية أكبر، ففي حالة الجرح النازف مثلاً يوضع شاش يليه رباط ضاغط للحد من شدة النزيف، وعلى المصاب بعدها التوجه إلى أقرب مركز صحي، وعرض حالته على طبيب الطوارئ الذي يأتي دوره في تشخيص الحالة وتقويم حدَّة الإصابة، وتقديم الإسعافات الأولية اللازمة وفق كل حالة.

للجروح الصغيرة: أولاً غسل الجرح جيداً بالماء والصابون، وثانياً إجراء تعقيم مبدئي للجرح، وثالثاً تغطية الموضع المصاب بقطعة من الشاش. أما للجروح العميقة فيتعامل معها طبيب الطوارئ من تنظيفها جيداً والخياطة وحتى إعطاء لقاحات في حالات معيِّنة

وفي قسم الطوارئ يواجه الطبيب المعالج سيناريوهات عديدة محتملة، وتقع على عاتقه مهام كثيرة، كخياطة الجروح السطحية التي لم يُصَب فيها ما تحتها من أنسجة، وكإعادة تنظيف الجروح وفحصها بدقة، بغية إزالة بقايا ما علق بها من أجسام صلبة وخلايا ميتة. كما تستدعي بعض الجروح المسارعة في إيقاف ما تنزفه من دماء، وذلك عبر التعامل الجراحي مع الوعاء الدموي المصاب بربطه أو خياطته أو بالضغط عليه بطرق خاصة حتى يقف ما يضخه من الدم.
وتستدعي بعض الجروح -ولا سيما الملوثة منها- إعطاء لقاحات وقائية، للوقاية من الإصابة بداء الكزاز ذي المضاعفات الخطيرة. وكثيراً ما يحتاج المريض إلى وصف مضاد حيوي بغية وقاية جرحه من حدوث الالتهاب الذي يعدّ العدو الأكبر الذي يعيق التئام الجروح.
وقـد يشتبــه الطبيب بإصابــة المريض بكسـر مـا، ولا سيما في حالات حوادث السير والسقوط من أسطح عاليــة، وهنـا يتم تصويــر المريض باستخدام الأشعة المناسبة، والتعامل مع الحالة بالطريقة المثلى، وذلك بوضع جبيرة تثـبّت الكسر في مكانه الطبيعي.
ومن مهام الطبيب أيضاً التعامل مع الأنسجة المصابة الأخرى، إذ قد يترافق الجرح مع إصابة ما في العضلات أو الأوتار أو الأعصاب، ليتم حينها حل المشكلة جراحياً، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من أنسجة مصابة.

وماذا بعد؟ سيناريوهات محتملة
هناك عدد من المضاعفات التي قد تصيب الجروح الملتئمة، وتُراوح حدة تلك المضاعفات بين الخفيف العابر والشديد الذي قد يترك أثره مدة طويلة.
ويعدّ تعرّض الجرح للالتهاب المضاعفة الأكثر مشاهدة وخطورة في آنٍ واحد، وتنتج عن غزو الميكروبات المجهرية لنسيج الجرح، وتكاثرها فيه بأعداد كبيرة، مما ينتج عنه تآكل الجرح وتخريب نسيجه الحي.
ومن مضاعفات الجروح أيضاً: فشل الالتئام، أو تأخر حدوثه مدة تفوق الزمن المألوف، ولذلك أسباب عديدة كحدوث الالتهاب، أو عدم معالجة الجرح بشكل مثالي.
وقد يحدث في بعض الأحيان أن تزداد سرعة التئام الجروح، فتنشط وتفوق حدها الطبيعي المتوقع، مما ينتج عنه بناء خلايا شاذة زائدة في الحجم، تظهر في صورة نسيج ملتئم يفوق حجمه حجم النسيج الطبيعي، وهي حالة جراحية تذكرها المراجع العلمية باسم “الندبة المتضخمة” Hypertrophic scar .

ختاماً فإن الحديث في مبحث التئام الجروح يطول، فقد كُتبت في هذا الشأن آلاف الصفحات العلمية، ولا يزال هذا الأمر موضع اهتمام العلماء، ومحط أنظارهم وحوارهم في حلقات البحث العلمي، وليس بالإمكان توفية حق هذا الموضوع من الشرح في صفحات محددة، إلا أن حقيقة الأمر أننا ما زلنا نكتشف يوماً بعد يوم ما يدور في أجسامنا – دون إحساس منا أو شعور- من تفاعلات فسيولوجية دقيقة تنطق بعظيم صنعة الخالق تعالى وجليل قدرته، وهو ما يدفعنا إلى سبر مزيد من أسرار الجسم البشري، ولطائف دقائقه.


مقالات ذات صلة

في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.

نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]

حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]


رد واحد على “جروح تحت عدسة المجهر”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *