مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يناير – فبراير | 2020

كتب


كتب عربية

فلسطين في مرايا الفكر والثقافة والإبداع
إعداد: مجموعة باحثين
الناشر: مؤسسة الفكر العربي، 2019م

تحت عنوان “فلسطين في مرايا الفكر والثقافة والإبداع”، أطلقت مؤسسة الفكر العربي “التقرير العربي الحادي عشر للتنمية الثقافية”، لمناسبة الذكرى السبعين لنكبة فلسطين (1948م – 2018م). وقد احتوى على سبعة محاور في جزأين حيث تناول الجزء الأول أربعة محاور؛ الأول، محور فلسطين في فكر رجالات النهضة العربية، كتب فيه كل من عبدالإله بالعزيز وكريم الحلو، عن بدايات الوعي في الفكر العربي لقضية فلسطين وأبرز الاتجاهات التي سلكها المفكرون “المتنورون” العرب، بينما جاء المحور الثاني تحت عنوان فلسطين فلسفياً وفي مدارات العلوم الإنسانية، كتب فيه عدد من المفكرين العرب من بينهم حنا عبّود الذي كتب عن مكانة موسوعة عبدالوهاب المسيري وقال فيها: “نحن أمام موسوعة كبيرة جداً، وربما أضخم موسوعة اختصاصية في اللغة العربية.. وهي تمثل المسيري مؤلفاً ملتزماً بمنهج التأليف الموسوعي”.
وجاء المحور الثالث بعنوان فلسطين: التاريخ والهويّة كتب فيه عدد من المفكرين العرب، بينهم جوني منصور الذي قدَّم “قراءة في مناهج كتابة تاريخ فلسطين المعاصر”.
وحيث إن التقرير كان شاملاً لجميع المسارات فقد خصص محوره الرابع عن الأدب والفن والإبداع، وكتب في هذا المحور عدد من النقَّاد والأدباء من بينهم صبحي حديدي، الذي تناول شخصية الشاعر الراحل محمود درويش، وقدّم دراسة حول الوجدان الجمعي والكون الملحمي في شعره، حيث قال فيها إن “درويش شغل في الوجدان العربي.. موقعاً معقداً تجاوز صفة الشاعر، لأنه صار صوت فلسطين بوصفها فردوس العرب الضائع”، بينما كتب عبده وازن عن جيل الثمانينيّات الشعري فقال: “يبدو المشهد الشعري مركباً من “بؤر” مكانية متعدِّدة، تتوزع داخل فلسطين المقطعة الأوصال، وخارجها، أي ما يسمى المنفى الذي يتعدَّد بدوره مكانياً وجغرافياً. لكن خيط الذاكرة.. يجمع بين أجزاء فلسطين.. وهو نفسه الخيط الذي يجمع أجزاء الشتات أو المنفى المترامي بين دول عربية وأخرى أجنبية”.
وتناول حمزة العليان تجربة الفنان الكاريكاتوري الراحل ناجي العلي بدراسة حيث قال عنه: “لم يكن مجرد فنان..، فهو كالمرايا العاكسة بنقائها التي جسدت الحلم الفلسطيني الضائع وأحلام المسحوقين في أوطانهم، فكانت بنقائها ولادة “حنظلة” رمز الرفض والبقاء، إلى جانب “فاطمة” و”زينب” والأرض التي التصق بها وانحاز إليها وبما تعنيه من صور للمرأة من خلال رموز فنية بقيت محفورة في عقولنا”. كما كتب في القسم الثاني أيضاً فكتور سحاب عن الموسيقى في فلسطين وقال فيها “إن الغناء والموسيقى في فلسطين، هما في ناحية مهمة منهما، فعل بقاء الأرض ومقاومة لمشروع الاقتلاع منها. ولا فرق في هذا بين أغنية تفصح في شعرها عن التمسك بالأرض، وبين أغنية تغني للحبيب مثلاً، أو أغنية كلاسيكية الملامح والشكل”.

خطاب الجنون، حفريات في الثقافة العربية
تأليف: مراد المتيوي
الناشر: كنوز المعرفة، 2019م

يناقش الباحث المغربي مراد المتيوي في هذا الكتاب مفهوم الجنون الذي يعبِّر حسب رأيه عن تناقضات المجتمع وأخطائه، ويتكوَّن من مجموعة من الأبعاد الثقافية والسلوكية. فالبحث في الجنون كما يرى، هو بحث في الثقافة التي تبني استراتيجيتها من تشابك عدد كبير من المسارات التاريخية والفلسفية والاجتماعية وغيرها من المسارات التي يتأسس عليها تطور المجتمعات.
وفي بداية كتابه الذي يتكوَّن من بابين تنتظم فيهما عشرة فصول، والذي قدَّم فيه قراءة تحليلية لخطاب الجنون في الثقافة العربية، يعترف المؤلف بصعوبة تعريف الجنون، ويرجع ذلك إلى “تحوُّل الجنون إلى معطى ثقافي واجتماعي متغير يتأثر بالطب والدين والأفكار الشعبية”. وهكذا صار الجنون مفهوماً نسبياً “ما دام لكل مجتمع مجانينه الذين يخبرون عنه”. ولهذا أيضاً “يتخذ الجنون أشكالاً متعدِّدة، ويوظف توظيفات مختلفة، ويكثر حضوره كلما تعلق الأمر بالحيرة والخروج عن المألوف”. وبسبب هذه الصعوبة في الوقوف على معنى محدَّد للجنون، حرص الكاتب على استعراض عالم الجنون والمجانين على المستويين الفكري والفلسفي. ففي الباب الأول من الكتاب، يرصد تطوُّر دلالة المفهوم في الفكر الغربي الذي احتضن الجنون وأوجد له صوتاً وموقعاً بجانب الفكر. ثم يتتبع موقع الجنون في الثقافة العربية وحضوره في المصنفات التراثية. كما يبحث في علاقة الجنون بالتصوف، ويحدِّد أشكال توظيف الجنون سواء من خلال الاحتماء به أو باعتباره أداة للنقد يتم توظيفها لأغراض محدَّدة.
أما الباب الثاني من الكتاب فيكشف عن الامتدادات الثقافية للجنون، ويبرز سلطته كحالة اجتماعية لها طبيعتها الخاصة. ويوضِّح الكاتب كيف تسلط المجنون في المقامة باعتبارها وثيقة أدبية تظهر تناقضات المجتمع، كما يحلل العلاقة الكامنة بين المجانين والصبيان خاصة، لأن الصبي يشترك مع المجنون “في غياب التكليف وتسامح المجتمع”.
ويستعرض المؤلِّف كذلك في الباب الثاني تجليات ما سمَّاه “بنية الضحك عند المجانين والحمقى”، من منطلق اكتشاف طبيعة الضحك الذي يثيره المجنون. وذلك بسبب الارتباط بين أخبار المجانين والتسلية والتهريج، وهو الأمر الذي أشارت إليه من قبل عديد من الكتب والدراسات. لكنه يبرز في الوقت نفسه كيف يكون بوسع المجنون تطويع المواقف وتحويل الآخرين إلى موضوع للضحك بدلاً من أن يكون هو موضوعاً لضحكهم. وفي هذا الإطار، يركِّز الكتاب على طبيعة حضور السخرية عند المجانين والحمقى، ويقارن بين المضحك في خطاب المجانين الذي ينهض على الكشف عن طبيعة الناس وتناقضاتهم، والمضحك في خطاب الحمقى الذي يعود لأسباب ترتبط بالأحمق نفسه الذي يتحوَّل عن قصد إلى مهرج لتحقيق الضحك.

نظرية المعرفة، مقدّمة معاصرة
تأليف: صلاح إسماعيل
الناشر: الدار المصرية اللبنانية، 2020م

يطرح هذا الكتاب عبر فصوله التسعة جملة من الأسئلة حول المعرفة: ما الذي يمكن أن نعرفه؟ وكيف نحصل على المعرفة؟ وكيف تكون اعتقاداتنا مقبولة؟ وما قيمة المعرفة؟ وما الذي يجعلها حالة جيدة؟
وفي سياق إجاباته عن تلك الأسئلة يستعرض مؤلفه الدكتور صلاح إسماعيل الأكاديمي المصري المتخصص في الدراسات اللغوية ومباحث فلسفة العقل تطوّر معاني المعرفة ومصادرها وأنواعها، ويؤكد أن المعرفة “اعتقاد وليست رأياً أو ظناً. فكل معرفة اعتقاد، وليس كل اعتقاد معرفة، لأننا ربما نعتقد بأشياء كاذبة وهذا يقتضي أن تكون المعرفة صادقة”.
ويتبين للقارئ أن المعرفة لا يمكن أن تتحقق إلا من اجتماع ثلاثة شروط ضرورية، هي: الاعتقاد والصدق وإمكانية تبرير ما اعتقدناه وصدَّقناه من ضروب المعرفة المتنوِّعة.
وكان من المنطقي أن يبحث الكاتب في هذه الشروط الثلاثة للمعرفة بشكل أكثر تفصيلاً، ويفرد لكل منها أكثر من فصل، فيناقش في الفصل الثالث مفهوم الاعتقاد ونظرياته والجدل حوله ويقارن بين النطرية العقلية التي تَعُدُّ الاعتقاد فعلاً عقلياً والنظرية السلوكية التي ترى فيه استعداداً سلوكياً. ثم ينتقل إلى الفصل الرابع ويتناول فيه بالتحليل مفهوم الصدق، وينطلق فيه من سؤال أساسي هو: كيف ننجح في معرفة الصدق وتمييز الصادق من الكاذب؟ ويستعرض في محاولة الإجابة عنه عدداً من نظريات الصدق، مثل نظرية التناظر التي تُعدُّ أكثرها قبولاً وأقربها إلى الفهم العادي، وتقول “إن الصدق يتوقف على علاقة تناظر مع الواقع، ويكون الشيء صادقاً عندما يتناظر مع الوقائع”، والنظرية العملية البرجماتية التي تذهب إلى أن المعرفة حول أفكار بعينها تتحقق حين ندرك بالتجربة العملية قدرتها على العمل بنجاح وتقديم حلول للمشكلات التي تواجهنا، وحينها نملك كما يشير المؤلف “ما يسوغ تأكيد هذه الأفكار والتمسك بها بوصفها صادقة”. أما الشرط الثالث للمعرفة الخاص بإمكانية تبريرها فتمت معالجته في الفصلين الخامس والسادس من الكتاب وفيه وقف الكاتب على ما سمَّاه نظريات “تسويغ المعرفة” وتعني حسبما يشرح “امتلاك الدليل الكافي لصدق القضية المعروفة”، وبالتالي تتحقق المعرفة بشأنها.
ويذهب الكتاب إلى أن مسألة تبرير امتلاك المعرفة عن شيء معيَّن ليست بالأمر اليسير لأن ذلك يتطلب تحليلاً شاملاً لكافة عناصر تلك المعرفة وأسسها، وهذا يتطلب ضرورة تفسير وفهم تلك العناصر المعرفية أولاً، وهو الموضوع الذي عالجه المؤلِّف في الفصول الثلاثة الأخيرة من الكتاب، حيث يتناول العلاقة بين العلم والمعرفة والمنطق من ناحية، وتأثير ذلك كله على الخصائص المعرفية للأفراد والأنظمة الاجتماعية على اختلاف أنماطها من ناحية أخرى.

الفضاء السحيق، ما وراء النظام الشمسي إلى حافة الكون وبداية الزمان
تأليف: غوفرت شلنغ
ترجمة: عمر سعيد الأيوبي
الناشر: دائـرة الثقافــة والسياحــة أبو ظبي- مشروع كلمة، 2019م

هذا الكتاب، كما يشير غلافه الأخير، هو بمثابة رحلة تُوقد خيال القارئ، وتحلِّق به عبر الكون، بدءاً من داخل نظامنا الشمسي، ولا تتوقف عند استكشاف مجرَّتنا درب التبانة، بل تمتد حتى الأطراف المترامية للكون وتنتهي عند حافة الأفق الكوني.
الكتاب من تأليف الصحافي والفلكي الهولندي غوفرت شلنغ، المتخصص في الكتابة عن الفضاء، إذ إنه يكتب بانتظام في مجلات “نيو ساينتست” و”سكاي أند تليسكوب” الأمريكيتين. وهو يستعرض في هذا الكتاب عمليات ولادة النجوم وموتها وعدداً كبيراً متنوِّعاً من المظاهر الكونية الأخرى مثل الثقوب السوداء التي يعتقد علماء الفلك اليوم أنها توجد في مركز كل مجرَّة، والمادة الداكنة والجاذبية المضادة، ونظريات الحياة خارج كوكب الأرض، والأكوان المتعدِّدة.
ويوضِّح المؤلف في مقدِّمته للكتاب أن “يوميات الكون أصبحت أكثر تعقيداً بكثير من ذي قبل. وما كان يمكن كتابة معظم محتوى هذا الكتاب قبل 25 سنة، ويرجع ذلك إلى معرفتنا المحدوة في ذلك الوقت”. ويؤكد “أن الفضاء شاسع ولا يمكن تصوُّر اتساعه”، ويضرب مثلاً على ذلك بالمركبة الفضائية Voyager 2 “فوياجر 2” التي كانت قد أطلقتها وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عام 1977م والتي بلغت حينها مسافة تقترب من 16 مليار كيلومتر عن الأرض ثم عبرت أمام المشترى وزحل عامي 1979م و1981م، ولاقت أورانوس عام 1986م ونبتون عام 1989م، وهي تتجه الآن نحو حافة النظام الشمسي، لتخرح منه إلى ما أبعد منه. فعلى الرغم من سرعتها البالغة 55 ألف كيلومتر في الساعة، فإنها تحتاج إلى عشرات الآلاف من السنين للاقتراب من نجم آخر أكثر من اقترابه من شمسنا التي تستأثر بنحو %99 من كتلة هذا النظام وتتكوَّن بأكملها تقريباً من أخف عنصرين معروفين في الطبيعة هما الهيدروجين والهليوم. ويعني هذا أن نظامنا الشمسي بما يضمُّه من تنوِّع مذهل للكواكب والأقمار والمذنبات، لا يعدو أن يكون وبحسب وصف شلنغ “أكثر من قطرة صغيرة في محيط الكون الشاسع، وهو باحتنا الخلفية التي يمكننا أن نحدق منها في المكافآت الكونية لشارعنا، وبلدتنا، وبلدنا وعالمنا”.
يضم الكتاب مئات الصور الفوتوغرافية والرسوم التوضيحية الدقيقة، التي يُصاحبها سرد تعريفي بمضمون كل صورة أو رسم حرص الكاتب على أن يجعله أقرب إلى النمط القصصي الذي يقدِّم المعلومة العلمية بشكل مشوّق لا يمل منه القارئ، كما يحوي أطلساً للنجوم يمتد على أربع عشرة صفحة وخريطة كاملة للقبة السماوية.


كتب من العالم

ما تسمعه نبتة البازلاء ولماذا تحب الأبقار المغامرة
‏Was Erbsen hören und wofür Kühe um die Wette laufen by Florianne Koechlin & Denise Battaglia
تأليف: دنيز باتاغليا، فلوريان كوشلين
الناشر: 2019 ,Lenos Verlag

يضع هذا الكتاب العالمَ الطبيعي تحت المجهر، ويتفحَّص الحيوانات والنباتات من زوايا جديدة وغير متوقّعة. إذ تعرض فيه المؤلفتان باتاغليا وكوشلين القضايا البيئية المعقَّدة من منظور الاتجاهات الحديثة في التفكير البيئي، بما في ذلك الترابط بين الكائنات الحية والحاجة إلى الحفاظ على النظم الإيكولوجية التي تعتمد عليها الحياة البشرية.
يضم الكتاب أربعة عشر فصلاً، يغطي كلٌّ منها مجالاً مختلفاً من البحث، ويتميَّز كل فصل بمقابلات أجرتها المؤلفتان مع علماء متخصِّصين من جميع أنحاء العالم. ففي الفصل الأول، أجرت المؤلفتان مقابلة مع عالمة النبات الأسترالية مونيكا غاغليانو، وتحدثتا معها حول بحثها المتعلق بنبتة البازلاء، الذي اكتشف فيه أن جذور البازلاء تنمو وتتمدَّد باتجاه صوت المياه الجارية، مما يلقي ضوءاً مهماً على الظاهرة الشائعة لجذور الأشجار التي تتمدَّد تحت الأرض وتتسبَّب بأضرار جسيمة في أنابيب المياه الجوفية. أما الحل الذي تقدِّمه غاغليانو فهو صناعة أنابيب عازلة للصوت لتجنب إيذاء جذور النباتات الحساسة التي يمكنها أن تستشعر الاهتزازات التي تسببها المياه الجارية مثل نبتة البازلاء.
كما أجرت المؤلفتان مقابلة مع عالِم بيولوجيا كان يقوم ببحث حول الأبقار في جبال الألب، واكتشف أن لتلك الحيوانات قدرة فطرية على البحث عن مجموعة متعدِّدة من الأعشاب، مما يضمن لها مصادر مستمرة ومتنوِّعة من العناصر الغذائية التي تحتاجها في أي وقت. ومن ثم يقول إن لذلك الاكتشاف تأثيراً مهماً يمكن الاستفادة منه في مجال الزراعات الصناعية، حيث تُعلف الأبقار من مصدر واحد محدَّد وهو فول الصويا والحبوب يومياً. ومن خلال تلك الاكتشافات وعبر كل صفحات الكتاب، تثير المؤلفتان أسئلة مهمة حول كيفية تعارض هندسة النظم البيئية الموجَّهة نحو تحقيق الأرباح وراحة الإنسان مع العالم الطبيعي وقدرته على الازدهار.

الفنان في الآلة: عالم الإبداع الذي يولده الذكاء الاصطناعي
‏The Artist in the Machine: The World of AI-Powered Creativity by Arthur I. Miller
تأليف: أرثر إ. ميلر
الناشر: 2019 ,The MIT Press

تقوم أجهزة الكمبيوتر الحالية بتأليف الموسيقى التي تبدو مماثلة لتلك التي وضعها أهم الموسيقيين في العالم، إن لم تتفوق عليها، وتحوّل الصور الفوتوغرافية إلى لوحات على طراز “لوحة النجوم” لفان غوخ، بل حتى بإمكانها كتابة السيناريوهات للبرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية. ولكن هل لأجهزة الكمبيوتر القدرة على الإبداع حقاً – أم أنها مجرد أدوات تستخدم من قبل الموسيقيين والفنانين والكُتَّاب؟ في هذا الكتاب، يتحدث آرثر إ. ميلر عن جوانب الإبداع المختلفة في عصر الآلات.
يحدد ميلر العوامل الرئيسة الضرورية للعملية الإبداعية، من “الحاجة إلى الاستبطان” إلى “القدرة على اكتشاف المشكلة الأساسية”، كما يقابل أشخاصاً مطلعين على أحدث ما توصَّل إليه الذكاء الاصطناعي، ويختبر أجهزة الكمبيوتر التي تحاكي الدماغ البشري والآلات التي هزمت أهم أبطال الشطرنج في العالم. ومن ثم يستكشف الأعمال الفنية التي أنتجتها أجهزة الكمبيوتر، ويستعرض الفنانين وعلماء الكمبيوتر الذين علموا أجهزة الكمبيوتر أن تتخيل، وطوَّروا روبوتات لديها القدرة على الرسم؛ ووضعوا خوارزميات لكتابة الشعر؛ وأنتجوا أول أغنية موسيقية مؤلفة من الكمبيوتر في العالم، وهي “ما وراء السياج” التي كتبها أندرويد لويد ويبر.
ويتناول الجزء الأخير من الكتاب الجوانب الباطنية والفلسفية للذكاء الاصطناعي والإبداع، مع إعطاء الاعتبار للمشكلات الكامنة في تطوير الآلات التي يمكنها أن تختزن في داخلها التجارب الحياتية المختلفة، وتصبح كائنات تشعر بالعاطفة. ومع كل ذلك يبقى السؤال: هل تستطيع أجهزة الكمبيوتر بالفعل “التفكير” بمعنى الوعي الإنساني؟ أيضاً، هل يمكننا -أو ينبغي لنا- أن نطبِّق السمات المميزة للإبداع الإنساني على أجهزة الكمبيوتر، بالنظر إلى مدى اختلاف طبيعة الأجهزة عن الطبيعة الإنسانية؟ وهذا ما يقودنا إلى الفرضية الأساسية التي يطرحها هذا الكتاب: ما هي طبيعة الذكاء الاصطناعى الخلّاق؟ وما الذي يجب أن يتوقعه الإنسان منها بالنسبة لاحتياجاته التنموية؟ فهل يبحث الانسان عن مزيد من الشيء نفسه أو عن شيء جديد تماماً؟

تناول الطعام خارج المنزل: تاريخ عالمي للمطاعم
‏Dining Out: A Global History of Restaurants by Katie Rawson, Elliott Shore
تأليف: كاتي روسون، إيليوت شور
الناشر: 2019 ,Reaktion Books

يعرض هذا الكتاب تاريخ المطاعم على مستوى العالم، ويستكشفها بوصفها مساحات تجارية ومواقع لمجموعة متنوِّعة من التجارب البشرية. ولكن على عكس عديد من الكتب التي تتناول تاريخ المطاعم التي تبدأ بفرنسا، فإن المؤلفَين الأكاديميين كاتي روسون وإيليوت شور يعودان في كتابهما إلى العصر البرونزي. إذ قبل فترة بعيدة من اندلاع الاضطرابات الاجتماعية في فرنسا التي أدت إلى ظهور المطاعم الحديثة، كان هناك ما يمكن اعتباره شكلاً من أشكال المطاعم في الصين في القرن الثاني عشر، حيث صُورت مآدب سخية للعموم ظهرت في عديد من الأعمال الفنية الصينية التي تعود إلى تلك الفترة. ويستشهد المؤلفان بمذكرات أحد المسافرين التي تعود إلى تلك الفترة أيضاً وبحديثه عن مكان ضخم تصنع فيه الفطائر الصينية ويحتوي على أكثر من 50 فرناً.
كما يتناول الكتاب موضوعات متفرقة كثيرة من عالم المطاعم، مثل تلك التي ظهرت في البيرو مع هجرة العمال الصينيين إليها وزواجهم من سيدات أعمال بيروفيات في القرن التاسع عشر، وتغيّر كيمياء المطبخ في إنجلترا في العصر الفيكتوري من خلال تعميم موقد الغاز، والجذور الطبية للمطاعم الفرنسية، وانتقال المأكولات من المزرعة إلى المائدة منذ وقت مبكّر في مطاعم تعود إلى القرن التاسع عشر في فرنسا، وكيف أن كلمة “مطعم” أو (restaurant) بالفرنسية، تعود في الأصل إلى مرق كان يباع في فرنسا في القرن الثامن عشر لمعالجة عديد من الحالات المرضية، ولكنها بحلول عام 1780م تحوّلت هذه الكلمة إلى معناها الذي نعرفه اليوم.
وأخيراً نجد في الكتاب استكشافاً لمختلف الأمور المتعلقة بالمطاعم بدءاً من هندستها المعمارية إلى التطورات التكنولوجية التي طالتها، وأساليب التوظيف والتنظيم والبقشيش ونظام الحجز والمطاعم العرقية والأطعمة البطيئة والسريعة.

لماذا نثق بالعلوم؟
‏Why Trust Science? By Naomi Oreskes
تأليف: ناعومي أوريسكوس
ترجمة: ليتون سميث
الناشر: 2019 ,Princeton University Press

هل يعرف الأطباء حقاً ما الذي يتحدّثون عنه عندما يخبروننا بأن اللقاحات آمنة؟ وهل علينا أن نصدِّق خبراء المناخ عندما يحذّروننا من مخاطر الاحتباس الحراري؟ ولماذا علينا أن نثق بالعلم؟
في الواقع، تقتصر البراهين الثابتة على الرياضيات، بينما لا يمكن إثبات أي نظرية في أي مجال علمي آخر بشكل نهائي. حتى إن الفائزين بجوائز نوبل في مجالات العلوم المختلفة قد غيروا آراءهم في كثير من الأحيان بالنسبة للنظريات التي وضعوها. ومن هنا السؤال: لماذا يجب علينا أن نثق بالعلم؟
في هذا الكتاب، تنضم المؤلفة ناعومي أوريسكوس، أستاذة الدراسات العلمية في جامعة كاليفورنيا الأمريكية، إلى مجموعة من المفكرين الذين قدّموا إسهامات مهمة ليشرحوا لنا لماذا يجب علينا أن نسلّم بما يقدِّمه لنا المجتمع العلمي من نتائج. ومن خلال تتبع تاريخ وفلسفة العلوم من أواخر القرن التاسع عشر وحتى اليوم، يوضِّح المساهمون في هذا الكتاب أنه على عكس الاعتقاد الشائع، لا يستمد العلم سلطته من المقاربات الفلسفية الرئيسة التي يتبعها، إن كانت تجريبية أو تخطيئية أو من خلال الاستقراء أو غيرها فقط، ولكن بالإضافة إلى ذلك، فإن مصداقية الادعاءات العلمية مستمدة من العملية الاجتماعية للعلم. إذ إن العلوم الجيدة هي مؤسسة جماعية تستمد موضوعيتها من الممارسات الاجتماعية للمنتمين إليها من خلال مراجعة النظراء والنقَّاد والمفكِّرين لمختلف النظريات العلمية الصادرة عن أفرادها. كما أن رفض معظم النظريات العلمية لا يكون إلا من جهات تتعارض مصالحها الاقتصادية أو معتقداتها الثابتة مع تلك النظريات. لذا، نجد أنه في معظم القضايا التي يدور حولها جدل ساخن مثل مسألة سلامة اللقاحات وتغير المناخ، ثَمَّة إجماع علمي عليها، ولكن ما ينقصها هو القبول الثقافي من جانب جهات أخرى وأصحاب مصالح وجدوا طريقة لتحديها والدعوة إلى رفضها بالمطلق.


مقارنة بين كتابين
في فهم الشيخوخة

(1)
فترة الحياة: لماذا نشيخ، ولماذا لا ينبغي لنا
تأليف: ديفيد أ. سينكلير، ماثيو د. لابلانت
الناشر: 2019 ,Atria Books
‏Lifespan: Why We Age — and Why We Don’t Have To
‏David A. Sinclair and Matthew D. LaPlante


(2)
الشيخوخة، إعادة تعريف الشيخوخة، وتغير الطب وإعادة تصور الحياة
تأليف: لويز أرونسون الناشر: 2019 ,Bloomsbury Publishing Elderhood: Redefining Ageing, Transforming Medicine, Reimagining Life by Louise Aronson

يقدِّم كتاب “فترة الحياة”، من تأليف المتخصِّص بعلم الوراثة ديفيد سينكلير، والصحافي ماثيو لابلانت، رؤية لمستقبل وشيك سيكون فيه العيش إلى سن 120 عاماً أمراً شائعاً مع كل ما يعنيه ذلك للمجتمع. أما الطبيبة لويز أرونسون، فتركّز في كتابها “الشيخوخة” على المشهد العام المحير، وغير الإنساني أحياناً، لرعاية المسنين في العصر الحالي. كما يحاول كلا الكتابين تناول تعقيدات التحوُّل الديمغرافي المقبل، حيث سيتعيَّن على بلدان عدَّة التعامل مع أعداد السكان المتزايدة للمسنين.

الشيخوخة بوصفها مرضاً
في كتاب “فترة الحياة”، وفي سلسلة متتالية من الفصول ذات العناوين البرّاقة مثل “عازف البيانو المختل عقلياً” و”حبة أفضل للابتلاع”، يكتب سينكلير ولابلانت رواية مفصلة عن وصولنا إلى نقطة الانعطاف الحاسمة التي تخطت فيها أعدد المسنين في العالم عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات. وينظران إلى الشيخوخة على أنها “مرض”. وبالتالي، إذا عولجت طبياً كما نعالج أمراض القلب أو السرطان، فإن نتائج هذه العلاجات المبتكرة ستظهر بسرعة أكبر.
كما يبحثان في اقتصاديات إطالة الحياة على كوكب الأرض المزدحم، ومحدودية الموارد وأخلاقيات العبث بالنظام الطبيعي المفترض. لكنهما يتكهنان أيضاً ببعض الآثار غير المقصودة والإيجابية لذلك، إذ إن توقع أي شخص بأنه قد يرى أحفاد أحفاده قد يجعله إنساناً يشعر بالمسؤولية أكثر في الحاضر. كما أن مسألة عيش أجيال عديدة وهي تعمل معاً جنباً إلى جنب، تجعل الجميع يشعرون أكثر بالتعاطف، أو كما يقول سينكلير “أكثر إنسانية”.

الشيخوخة وعلاجها
أما كتاب “الشيخوخة” فيأخذنا في رحلة تأملية بمقالات قصيرة حول المرضى الذين عالجتهم مؤلفة الكتاب الطبيبة أرونسون في ممارستها لعملها، مع دروسٍ مستفادة من رعاية والديها المسنين، ووجهات نظر اجتماعية وثقافية وتاريخية حول الشيخوخة.
في بداية الكتاب، تروي أرونسون ما جرى في لقاءٍ مع زميلها الطبيب جاي ميكو، الأستاذ في جامعة بيركلي الأمريكية، الذي طلب من طلابه في أحد الأيام أن يكتبوا تعبيراً عن كل ما تعني لهم كلمة “مسن”. وكانت النتيجة أن جميع الإجابات كانت تدور حول مفاهيم مثل الضعف والوهن والاعتماد على الآخرين. وتعلق أرونسون بالقول إن السبب في ذلك أننا ما زلنا نتمسك بمفهوم الجسم النفعي الذي يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، والذي ينظر إلى الجسد بوصفه مجرد آلة.
فمن وجهة نظر أرونسون، يكمن الخلل في النظام الطبي نفسه بحيث إنه يفتقر إلى فهم الاختلافات الدقيقة بين مراحل الحياة المختلفة، ويركِّز على “الأمراض والأعضاء بدلاً من الأشخاص والأرواح”. وعلى سبيل المثال، لاحظت أرونسون أن الأدوية التي لا تحتاج إلى وصفة طبية لا يتم اختبارها على كبار السن، مما يزيد من خطر استخدامها عليهم. وتطرح فكرة “الطب الشخصي” الذي يأخذ بعين الاعتبار تجارب المريض السابقة وتوقعات حالته الصحية المستقبلية.
ومن خلال هذين الكتابين يمكننا أن نسأل: هل الشيخوخة مرض يمكن القضاء عليه بالعلم، أو إنه مرحلة طبيعية متقدِّمة للحياة أصبحت مهدَّدة بالإفراط في العلاجات الطبية؟


مقالات ذات صلة

حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.

ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]

بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]


0 تعليقات على “كتب”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *