مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يناير – فبراير | 2020

في مؤتمر “فكر17″ الاقتصاد الرقمي..
مستجداته وتطبيقاته


عبدالوهاب العريض وميمونة شداد

في توجهه نحو “فكر عربي جديد”، طرح مؤتمر “فكر17″ الذي عقدته مؤسسة الفكر العربي بالشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، في شهر ديسمبر الماضي في الظهران، عدداً كبيراً من القضايا والمحاور ذات الأهمية البالغة بالنسبة إلى المستقبل العربي، أسهم في بحثها ومناقشتها مجموعة من العقول العربية المتخصصة، إضافة إلى عدد من المتخصصين من غير العرب.
ومن بين القضايا والمحاور التي كانت مدار بحث في هذا المؤتمر، تنقل القافلة إلى قرائها ملخصاً عما شهده بحث قضيتي “الاقتصاد الرقمي” والدور الذي يُعوّل على الشباب القيام به في هذا الاقتصاد.

مع التطوّر السريع الذي تعيشه المجتمعات العربية منها والغربية، أصبح الاقتصاد الرقمي سيد التعاملات على مستوى السوق. ويتوقع الخبراء نموه بفعل سرعة انتشار التقنيات الحديثة، وسهولة التعامل التي تميِّزه في ظل وجود بنية تحتية للأمن السيبراني. كما يتوقع الخبراء نمو إيرادات الإنترنت في قطاعي التكنولوجيا والاتصالات ليصل حجمها العالمي إلى 309 مليارات دولار خلال العام الجاري 2020م.ولذا، أفرد مؤتمر “فكر17” قضية الاقتصاد الرقمي جلسة خاصة أدارها الكاتب الصحافي المتخصص في تقنية المعلومات الدكتور جمال محمد غيطاس الذي عرّف محور الجلسة بقوله: “إن الاقتصاد الرقمي من الظواهر المهمة التي تعكس فكراً جديداً بالفعل في إدارة تفاصيل الحياة اليومية على مستوى الدول والشركات وكذلك على مستوى الأفراد”.

وأوضح إن آليّات الاقتصاد الرقمي جعلت البلدان تتداخل وتتمازج كما لو لم يعد بينها حدود، أو لم يعد لأيٍّ منها بداية أو نهاية، إذ يجري تداول البيانات بينها على مدار اللحظة، ثم تحليلها وتحويلها من بيانات إلى معلومات ضرورية لاتّخاذ قراراتٍ فعلية ولحظية. وإن للاقتصاد الرقمي مسارات رئيسة يدور فيها، أحدها يتعلق برؤية الحكومات وخططها الاستراتيجية، ومسار آخر يتعلق بالقطاع الخاص، ومسار ثالث يتعلق بالوضع التنظيمي والقانوني، ثم مسار يتعلق بأوضاع البنية التحتية.

الدول العربية على أعتاب
الثورة الصناعية الرابعة

ثم تحدث مستشار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية ورئيس الاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي في جامعة الدول العربية الدكتور علي خوري، الذي تناول في كلمته التحديات التي تواجه المنطقة العربية على أعتاب الثورة الصناعية الرابعة، قائلاً: “إن الثورات الصناعية الثلاث الأولى غيرت الديموغرافية الصناعية والاقتصادية والاجتماعية، وشكّلت نقطة تحول أدّت إلى ظهور اقتصاد عالمي متشابك، ومرتبط ببعضه بعضاً، ومدعّمٍ بسلسلةٍ من التكنولوجيات والابتكارات. ولكن العالم يقف اليوم على أعتاب الثورة الصناعيّة الرابعة؛ التي تدقُّ أبوابنا بقوّة وبصوت لا يمكننا تجاهله، دافعةً بمفاهيم لا تزال غير مفهومة الآثار بالنسبة لكثير من المنظمات والدول”.

وأورد خوري بعض المعطيات في حديثه مثل إن التقديرات العالمية تتوقع أن تسهم الممارسات التكنولوجية الرقمية المدفوعة بالثورة الصناعية الرابعة خلال العقد المقبل في زيادة الناتج العالمي بنسب تصل إلى %50، وتختلف هذه النسب بين الدول وفق مدى نجاحها في مشاريع التحوّل الرقمي، وإن ما نراه اليوم لا يمثِّل سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد أو (جبل التحديات).

وأضاف: “هناك ثلاثة تحديات رئيسة في المنطقة العربية، وهي: البطالة، وتنافسية الاقتصادات العربية، وإجمالي الناتج المحلّي العربي”، مؤكداً أن معدلات البطالة تصل إلى %10 ممن هم في سن العمل، أي حوالي 20 مليون مواطن عربي، ويُعدُّ ذلك بمثابة قنبلة موقوتة تهدِّد أمن واستقرار المنطقة العربية. كما أن الحلول الحالية لا تعالج هذه المشكلة. ووفقاً للبنك الدولي، فإن التكلفة السنوية لإيجاد وظيفة جديدة تتراوح ما بين 20 و30 ألف دولار! أي إننا نحتاج على الأقل إلى نصف تريليون دولار سنوياً لتوفير الوظائف للنسب الحالية.

أما على مستوى التنافسات الاقتصادية العربية، فأشار المتحدث إلى أنه وفقاً لتقرير 2019، تتراوح مراكز قدرات الدول العربية في التنافسية بين المركز 25 للإمارات والمركز 140 لليمن من أصل 141 دولة، بينما تتمركز دول الاتحاد الأوروبي في الثلث الأول من القائمة.

وفي التحدي الثالث، إجمالي الناتج المحلّي العربي، قال خوري إن الناتج المحلّي الإجمالي للدول العربية بلغ حوالي 2.7 تريليون دولار، ولكن الدول الخليجية تمتلك %61 على الأقل من إجمالي الناتج العربي، بينما تُمثّل الدول العربية الأخرى مجتمعةً ما نسبته أقلّ من %39. ولذا فإن الواقع والمصلحة يفرضان التعاون والعمل المشترك والاستثمار في مشروعات استراتيجية تستهدف جسر الفجوات الراهنة، وتعزيز القدرات الاقتصادية في المنطقة العربية.

ولفت إلى أن الرؤية العربيّة المشتركة عالجت خمسة محاور رئيسة لبناء اقتصادات رقميّة عربيّة، وهي: البنية التحتيّة، والحكومة الرقميّة، وجودة الحياة، وقطاعات الأعمال الرئيسة كالتعليم والصحّة والصناعة والزراعة والتجارة الإلكترونية، ثمّ محور دعم الابتكار والإبداع في المنطقة العربيّة. وقد تضمَّنت الخطّة 50 مبادرة ومشروعاً، تمَّت فيها مراعاة درجة النضج والترتيب التنافسي للدول العربية.

تغيُّر وسيط الاتصال
يغيِّر الاحتياجات والتصرفات

وتحدَّث في الجلسة المهندس عثمان سلطان، مؤسس شبكة “موبينيل” في مصر، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “دو للاتصالات المتكاملة” في دولة الإمارات، فبدأ كلمته بعرض صورتين من ساحة الفاتيكان تمثِّلان لحظة إعلان اسم بابا الفاتيكان الجديد، الأولى من عام 2005م، والثانية من عام 2013م، لافتاً إلى الفرق ما بينهما، وهو ظهور الحشود في الثانية ترفع الهواتف الذكية، بينما هي في الأولى تترقّب فقط.

وقال عثمان إن التغيّر ليس فقط في استحداث الأجهزة الذكية، أو البنية التحتية، بل في أنّ كل شخص أصبح محطة إعلام وتواصل منفردة بحد ذاتها. والسؤال هو: كيف وصلنا إلى ذلك؟ ويجيب قائلاً إن الأزمات الاقتصادية هي نتيجة لتغيّرات خلليّة في التدفّقات الاقتصادية. فنحن في عالم تدفقات، ومن ذلك نعتقد بأن ما نمر به هو شيء جديد، مع أنه في الواقع قديم قِدم الحضارات نفسها، وليس وليد الصدفة. فجميع الحضارات وُلدت وتطوّرت حول وسائل وقنوات نقل تمكّن الإنسان من الاتصال بأخيه الإنسان كالبحار والأنهار مثلاً؛ حيث كانت تُنقل من خلالها البضائع (المحتوى)، ثم تحوَّلت إلى وسائل وأنماط حياتية. وعلى غرار ذلك في العالم الرقمي -كما في أي حضارة- هنالك محتوى (مجلّات، كتب، أفلام، صور، موسيقى، أخبار)، يُنقل باستخدام قنوات النقل (شبكات الاتصال، والأقمار الاصطناعية، وشبكات التوزيع …).

واستطرد سلطان بالقول إن الوسيط جرّاء استحداث تقنيات جديدة تغيرت وبالتالي وفرت هذه التقنيات إمكانيَّاتٍ جديدة. والأهم أن هذه الإمكانيّات الجديدة أوجدت تصرفات بشرية جديدة، لا نتذكَّر كيف كانت حياتنا قبلها. لقد أثّرت قنوات النقل على طريقة جمع المحتوى. فشركة “آبل” دمّرت نموذج عالم الموسيقى؛ ليس من خلال منتجاتها “آيبود” أو “آيفون” وإنما من خلال نموذج “آيكيومن” الذي جمع الموسيقى في نموذج عمل مختلف كلياً. الأهم من ذلك؛ معادلات الشاشات الثلاثة التي كانت في حياتنا: الهاتف النقّال، والحاسب الآلي، والتلفاز، والتي أصبحت اليوم مجتمعة في جهاز واحد؛ حيث يغذّي المستخدمون هذه المنظومة.

وختم كلمته بالتأكيد على أهمية الانفتاح على الفلك الرقمي، ووجوب الانتقال من ثقافة الإجابات الصحيحة إلى ثقافة الأسئلة الصحيحة، وذلك في نُظُمنا التعليمية تحديداً. كما أننا لا يجب أن نتصرف من منطلق الخوف من الدخول إلى هذا الفلك الرقمي، ولا من منطلق الجشع، بل يجب أن نفتح أعيننا وعقولنا على الحقائق، وأن نفتح قلوبنا لنتعاون ونتبنى ذلك.

محتوى الاقتصاد الرقمي في المملكة
بين الحاضر وطموحات رؤية 2030

وتناول كبير الاستشاريين في وزارة الاتصالات بالمملكة العربية السعودية، الدكتور هشام بن عباس، المحتوى الرقمي في المملكة، والدول العربية. فكشف عن أن المحتوى المحلي في الاقتصاد الرقمي بالنسبة للمملكة لا يتجاوز %17، أي إن %83 من الاستثمارات في الاقتصاد الرقمي هي من خارج الدولة، سواء أكانت عن طريق استيراد البرمجيات، أو الأجهزة أو عن طريق الخدمات التقنية. إضافة إلى أن %42 فقط من الكوادر في المملكة هي كوادر وطنية، أما البقية -وهي أكثر من النصف- كوادر أجنبية من مختلف دول العالم، وهذا يشكّل تحدياً آخر يواجه الاقتصاد الرقمي السعودي.

وقال بن عباس إن المملكة وضعت استراتيجية جديدة للاتصالات وتقنية المعلومات تتمثل في وضع الاقتصاد الرقمي كأحد أهمّ مستهدفات رؤية المملكة 2030، كما يتوقّع خلال السنوات القادمة أن تكون هنالك نقلة كبيرة جداً تغيِّر نماذج الأعمال الحالية.

وفيما يخصّ الاقتصاد التشاركي ذكر بن عباس أن هذا النموذج للأعمال الذي يُعدُّ الأحدث في وقتنا الحالي سيواجه أيضاً بعض التحديثات في المستقبل، وقد تختفي هذه المنصّات الوسيطة بإطلاق تقنيات جديدة، مثل: تقنية “بلوكتشاين” الواعدة، التي قد تُحرّر نماذج الأعمال من وجود الوسيط، فلا تبقى هناك حاجة للمنصّات التي تستخدم نموذج الاقتصاد التشاركي مثل “أوبر” وغيرها، ويصبح التواصل بشكل مباشر بين طالب الخدمة ومقدّمها.

أما على المستوى العربي، فقد ذكر بن عباس أهم التحديات، وهي:

1.
استقطاب الشركات العالمية الرائدة وتوطين عملها، لتستثمر في العالم العربي، وليس استقطابها من خلال شراء منتجاتها. وذلك عن طريق تحفيزها لإقامة مراكز بحث وتطوير في بلداننا العربية.

2.
تحفيز إنشاء شركات وطنية في مجال تقنية المعلومات، بحيث تكون قائمة بذاتها وليست مظلة للشركات الأجنبية.

3.
تحفيز الشركات الصغيرة والمتوسّطة وإشراكها في عجلة التطوّر التقني.

4.
تطوير الكوادر الوطنية التي لا تزال قليلة العدد نسبياً.

وتمنى المتحدث أن تكون إحدى توصيات المؤتمر إنشاء هيئات في كل بلد من البلدان العربية ترتبط ببعضها بعضاً، “فكما نهتم بأمن المعلومات على مستوى جميع القطاعات ينبغي أن نهتم كذلك بالابتكارات على مستوى جميع القطاعات، تقنياً وإنتاجياً”.

توسّع التجارة الرقمية
إلى خدمات تتجاوز البيع والشراء

وكان عرض الفوارق ما بين الاقتصاد الرقمي والاقتصاد التقليدي أبرز ما جاء في كلمة المتحدث الرابع في تلك الجلسة أستاذ الذكاء الاصطناعي في جامعة أم القرى الدكتور عدنان البار، الذي أشار في البدء إلى أن الاقتصاد الرقمي أصبح في السنوات الأخيرة عابراً للدول والقارّات ويصعب التحكّم به، ولا يمكن إخضاعه للتشريعات والقوانين التقليدية التي تسنّها الدول عادةً لضبط العمليات الاقتصادية والعمليات التجارية.

وعدّد البار أهم ما يُميّز الاقتصاد الرقمي عن التقليدي، فيما يلي:

  • الأسواق: عادةً ما تكون مستقرّة بالنسبة للاقتصاد التقليدي، أما في الاقتصاد الرقمي، فهناك ما يُعرف بـ “الحركية المستمرّة”، أي تقدّم أصناف وتراجع أخرى بشكل متواصل. إضافة إلى ظهور العملات الإلكترونية وما أحدثته كذلك من طفرة في التبادل التجاري.
  • حدود المنافسة: تكون في الاقتصاد التقليدي على مستوى الوطن أو القطر (قوميّة)، لكنها في الاقتصاد الرقمي عالمية، لذلك فإنّ الدخول في الاقتصاد الرقمي يتطلَّب منَّا أن نفكّر عالمياً.
  • البنية: في الاقتصاد التقليدي تقوم هيكلية البنية في جوهرها على التصنيع وإتاحة المنتجات والخدمات، بينما في الاقتصاد الرقمي هي قائمة في جوهرها على تبادل الخدمات المعلوماتية، وإن كان هناك جزء من الاقتصاد الرقمي قائم على تبادل السّلع.
  • مصدر القيمة: في الاقتصاد التقليدي تُعدُّ المواد الخام رأس المال الطبيعي، أما في الاقتصاد الرقمي فإن مصدر القيمة هو اقتصاد المعرفة، ورأس المال الإنساني والبشري والاجتماعي، هو الذي ينتج السلع الرقمية التي يمكن أن تُسوّق عبر منصّات رقمية متنوِّعة.
  • تنظيم الإنتاج: في الاقتصاد التقليدي يكون الإنتاج عادة كبيراً، أما في الاقتصاد الرقمي فيكون مرِناً، مثل شركة أمازون، حيث لا تطبع أي كتاب ولا تخزّنه في مستودعاتها، وإنما تكون الطباعة حسب الطلب. إذ تستطيع إدارة الشركة من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي التنبّؤ بحجم الطلب على كتاب معيّن فتستعدّ بطباعته من خلال المطابع المتعاقدة معها، ثم يُشحن مباشرةً للمستفيد من دون المرور بأي عمليات تخزين أو غيرها، وهي نقلة نوعية في عالم الاقتصاد.
  • المحرّك التقني: المحرك الرئيس في الاقتصاد التقليدي هو الآلة وثورة المحرّكات، أما في الاقتصاد الرقمي فالمحرّك الأساسي هو المعلوماتية، والرقمية، والتقنية.
  • الميزة التنافسية: في الاقتصاد التقليدي فهي خفض التكلفة من خلال الموازنة، أما في الاقتصاد الرّقمي فإنها في الابتكار والجودة والقدرة على التكيّف، وتجربة المستخدم.
  • أهمية الأبحاث والابتكار: في الاقتصاد التقليدي هي بين المنخفضة والمتوسّطة، بينما في الاقتصاد الرقمي مرتفعة وكبيرة.
  • العلاقات مع الشركات الأخرى: في الاقتصاد التقليدي يكون الأداء منفرداً، بينما في الاقتصاد الرقمي غالباً ما تتعاون الجهات. وأضاف البار أن المفهوم الأساسي للتجارة الإلكترونية هو بيع وشراء السلع عبر منصَّات إلكترونية. أما الآن فقد توسّعت هذه التجارة لتشمل خدمات رقمية؛ ليس فيها سِلع وتُباع وتُشترى عبر الإنترنت. وشدَّد على أننا لسنا في عصر الانغلاق والتحجيم، فلا بد من أن ننفتح ونُمكّن الشباب، وأن نعيد التفكير في البنية التشريعية وبنية التجارة في دولنا لنتمكّن من اللحاق بالرّكب، فالبنية التحتية للتقنية تحتاج إلى دعم كبير جداً في كثير من بلداننا العربية، ولا بد من بناء شراكاتٍ ما بين المعرفة وما بين رأس المال العربي، لإنتاج منصات رقمية تستطيع أن تُنافس عالمياً.

وختم بقوله لا أتوقّع أن تستطيع دولة من دولنا بمفردها منافسة مراكز التجارة الإلكترونية العالمية مثل: علي بابا وأمازون، ولكن عدة دول مجتمعة ستستطيع أن تُنافس إذا وجدت الإرادة والرغبة في ذلك.

ملاحظات أبداها الحضور
وعقّب بعض الحاضرين على موضوع “الاقتصاد الرقمي”، نقتطف منها عدداً من أبرز الملاحظات.

فقد رأى وليد أحمد أن ثّمَّة فجوة كبيرة بين مؤسسات التعليم العالي والجامعات في العالم العربي والاقتصاد الرقمي ككل من ناحية، واحتياجات قطاع الصناعة والأعمال من ناحية أخرى. فالمؤسسات البحثية في الجامعات العربية لا تعطي الثورة الصناعية الرابعة والرقمنة حقّها من الانتباه.

وعدَّد الدكتور عبدالله البريدي ثلاثة تحدّياتٍ ستوجدها التقنية، وهي: أولاً، البلاهة، وعلينا أن نستعد للإجابة عن سؤال: كيف سنُدير “البلاهة”؟ فنوعية المهارات والمعارف بدأت تُصبح أكثر سطحية في التعليم للأجيال الحالية، وستصبح أكثر سطحية وهشاشةً لدى الأجيال القادمة. وثانياً تغير الحياة والسلوكيات؛ فنحن أمام حياة افتراضية تغير السلوكيات والعادات إزاء ممارسات يفترض أن يُعاد النظر فيها في الدول العربية. وثالثاً، تفشي البطالة، فالأتمتة تعني تسريح مزيد من الناس، مما سيخلق مزيداً من المشكلات السياسية والاجتماعية، وليس صحيحاً أن التقنية ستخلق من الوظائف بقدر الوظائف التي سيتم الاستغناء عنها في المستقبل.

وطالب الدكتور عبدالله الدحلان الاهتمام بالتعليم الذي هو الأساس، ثم تأتي بعد ذلك المهارة. فلكي نتماشى مع مستجدات الاقتصاد الرقمي لا بد وأن يكون هنالك دعم للمؤسسات الحكومية والأهلية، وإنشاء كليات جديدة، تُحوّل التخصصات الموجودة فيها من تخصصات تقليدية إلى تخصصات يحتاجها سوق العمل المحلي والدولي.

وحذّر وليد الهلال من سوء استعمال الذكاء الاصطناعي قائلاً: “نحن لا نزال في المرحلة الأولى من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك أسيء استغلاله. نحن بحاجة لتأسيس مراكز الذكاء الاصطناعي حتى نستعدّ منذ الآن لمواءمة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته مع فكرنا وعقيدتنا وديننا”.

وتوقف نزار عزيز محمود أمام رقمنة التعليم، قائلاً إن “العائق الرئيس أمام ذلك يتمثل في الهيئة التعليمية وإدارات المؤسسات التعليمية والجامعية”.

الشباب والاقتصاد الرقمي
“نحن لا نفكِّر كموظفين”!

وبموازاة الجلسة الخاصة بالاقتصاد الرقمي، تضمَّن مؤتمر “فكر 17” عدداً من ورش العمل الخاصة بالشباب وتطلعاتهم، وكان من أبرزها ما جاء في سياق استشراف دور الشباب في تعزيز الاقتصاد الرقمي. وفي هذا الإطار، تحدثت هدى فلاتة من مشروع “الروبوت المساعد” في المملكة، عن الصعوبات التي تواجه المشاريع في بداياتها، وقالت قلّةً منا تعمل على ابتكار حلول وتنفيذ مبادرات لحل المشكلات، ففي بداية العمل يطغى تقليد البرامج التي تعمل في المجال نفسه. ورأت أن للتقليد سلبياته وإيجابياته، ففي الجانب الإيجابي، إنه يلبِّي احتياج العملاء لمثل هذه المشاريع، أما الجانب السلبي فيتمثل في التنافس غير الشريف ما بين الشركات، ومحاولة كل شركة السيطرة أو إلغاء الشركة الأخرى.

أما التحدي الثاني بالنسبة للمتحدثة فلاتة، فهو عدم تعاون الجهات الحكومية مع الشباب، كروّاد أعمال لا يفكِّرون بطريقة الموظفين، وقالت: “نحن صانعو الفرص، ونحن نخلق سوقاً جديداً، ولسنا كالموظف الذي يبحث عن فرصة عمل معيَّنة ليقدِّم عليها، ويحصل على معاشه في نهاية الشهر بناءً على مهارة معيّنة يمتلكها”.

وحول التحدِّي الثالث قالت فلاتة إنه يأتي من خلال الانتقادات والنظرات السلبية” التي تواجه روَّاد الأعمال الشباب، إذ كثيراً ما يبدأ المجتمع باستذكار قصص المشاريع التي فشلت، وهذه النظرة السلبية وعدم التحلي بالإيجابية هي تحدٍّ كبير بالنسبة لروّاد الأعمال؛ لأننا نخلق سوقاً جديداً، وأقل ما يمكننا أن نطلبه من المجتمع هو أن يشجعنا وأن يرى الوجه الإيجابي لهذا السوق.

مقهى الشباب
طموح وتجارب وتوصيات بناءة


في إطار اهتمام مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء” بالشباب والتركيز على سماع أرائهم ومعرفة تطلعاتهم، عقد بالشراكة مع مؤتمر “فكر 17” عدداً من جلسات النقاش في مكتبة المركز تحت اسم “مقهى الشباب”، أدارها الأستاذ طارق الخواجي، وطُرِح فيها عدد من القضايا الشبابية في مجالات مختلفة، وعرض خلالها المشاركون تجاربهم، وقدَّموا حزمة من التوصيات الجديرة بالأخذ بعين الاعتبار.

نحو تعليم إثرائي
فقد تولَّى أنمار خالد، منسّق ومدرّب في شبكة تثقيف الأقران الدولية في العراق، طرح عدّة توصيات، تتلخص في إنشاء وتصميم “مجلس الشباب العربي للتعلم الإثرائي”، بدعم من مركز إثراء وأرامكو السعودية ومؤسسة الفكر العربي وبقية الشركاء المعنيين بقضايا الفكر العربي الجديد، على أن يعمل المجلس على خمسة صعد، وهي: التبادلات الشبابية والتدريبات المتخصصة، وتبادل الممارسات المجتمعية الجيدة والشراكات الاستراتيجية طويلة الأمد، ومشاريع حوار الشباب ودعم إصلاحات السياسات الشبابية العربية، ودعم تبادل الطلاب بين جامعات العالم العربي، وتعزيز التطوع والخدمة المجتمعية.

رعاية الأطفال اللاجئين
أما المهندس السوري عماد العبدالله فقد عايَش في السويد مآسي اللاجئين السوريين، واتجه نحو العمل التطوعي لرعاية الأطفال اللاجئين ودعمهم نفسياً، فأسس فريقاً تطوعياً لخدمة هذا المشروع حصد عدداً من الجوائز، وتُوجت تجربته بتكريمه من ملك السويد الذي سلمه “جائزة البنائين الجدد” لعام 2018م.

ومن واقع تجربته الشخصية، ابتكر عماد مشروعاً لمساعدة الأطفال اللاجئين الذين يصابون بأمراض نفسية، ونجح في ابتكار أداة إسعاف أولية تصل إلى هؤلاء، ويقول إن هذا الحل المبتكر الذي يمزج بين علم النفس والقصص والتكنولوجيا نجح بالقياس، وبدأنا نطبقه على الأطفال السويديين والأوربيين. “وأفتخر بأننا الآن بدأنا نتعاون مع دول مثل كندا وبريطانيا وأستراليا، التي بدأت تطبق أدواتنا في بعض مدارسها”.

صندوق عربي لتحفيز البحث العلمي
واقترحت المستشارة في المجلس الاستشاري الشبابي للأمم المتحدة ناريمان دخيل من تونس، تأسيس “الصندوق العربي لتحفيز البحث العلمي والمبادرات العلمية المبتكرة”. وكذلك تفعيل مبادرة لإطلاق مؤتمر عربي علمي يعنى بالعلماء العرب ويجمع مبادراتهم العلمية للاستفادة منها.

كل شيء في سبيل التعليم
تحدَّث عبدالرحمن الزغول من الأردن، الحاصل على جائزة مؤسسة الفكر العربي عن فرع الإبداع المجتمعيّ لعام 2016م عن المشاريع الريادية وتأثيراتها العالمية، ودور الشباب في مواجهة التحديات، وعرض فكرته الفائزة بالجائزة، التي حوَّلها إلى نشاط غير ربحي في عدّة مشاريع يديرها شباب من الأردن، منها: (الخبز من أجل التعليم)، (والورق من أجل التعليم)، و(البلاستيك من أجل التعليم).

وتمنَّى الزغول على مؤسسة الفكر العربي استحداث جائزة للشباب الريادي. وإنشاء منصة تحتضن الحاصلين على جائزة الإبداع العربي.

تجربة وقفية مرجعية
كما استعرضت سلافة بترجي الرئيس التنفيذيّ في شركة “دروب” الوقفيّة السعودية، تجربتها، التي لخصتها بالقول إنها أسهمت في تحويل هذا النموذج الذي يعود عمره إلى 40 سنة إلى نموذج يُقتدى به، ويكون مرجعاً لجهات في مؤسسات المجتمع المدني أو عائلات تريد أن تضع استثماراً في أوقاف معيَّنة، أو أشخاص مؤمنين بخدمة الإنسان يتطلعون إلى نموذج مرجعي يستفيدون منه حتى يتكرَّر ويصبح علماً ينتفع به.

عيّنة مما يقدر عليه الشباب
وفي كلمة ألقاها ماهر الحسنية من مشروع “الروبوت البرمجي للتطبيقات في مجال الأعمال المختلفة”، ظهرت عيِّنة عما يقدر على تنفيذه روَّاد الأعمال من الشباب، ومنها مشروع يجري العمل عليه حالياً لاستحداث منتج سمُّوه “شاتبوت” (Chatbot) أو محرّك المحادثة الذكي، وكلمة (Chatbot) مشتقة كلمتي (Chat) أي محادثة، و(Robot).

ومما ذكره الحسنية أنه عند التفكير بالروبوتات، غالباً ما يخطر في بالنا مجسم آلي يقوم بعمل ما، ولكن كلمة (روبوت) هي أعمق من ذلك، فهي تشمل أي نوع من أنواع العمل الآلي الذي نستطيع العمل به. وفي حالة “شاتبوت”، فهو عبارة عن برنامج يمكننا التحدث معه بشكل سلس، ويمكننا وضعه على المواقع الإلكترونية، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكننا كذلك وضعه على تطبيقات الهواتف الذكية، ومن خلاله يستطيع المستخدم أن يتصل بأية جهة يريد بكل سهولة، من خلال رسالة نصية أو صوتية. كما أن الذكاء الاصطناعي في “شاتبوت”، يحلل كل المدخلات والـبيانات التي تم إدخالها إلى البرنامج، ويحدّد اللغة، ويفهم المحتوى الذي أدخله المستخدم، وماهية الطلب أو السؤال، ثم يعطي الجواب بشكل مباشر وفوري! وبذلك يحقق أمرين أساسيين، أحدهما قيام المستخدم بالاتصال بالجهة التي يريد التواصل معها بشكل سريع، وكذلك تلبية حاجة المؤسسة لأن تكون موجودة بشكل متواصل لمدة 24 ساعة و365 يوماً في السنة، للإجابة على المستخدم والتواصل معه.

وأضاف حسنية بأنه في إطار مشروع “فيغ” (FIG)، جرى تطوير إمكانية تحليل اللغة العربية وفهمها، ليس فقط اللغة العربية الواضحة أو الفصحى، وإنما انتقلنا إلى ما هو أعمق من ذلك، ألا وهو اللهجات العربية؛ لأنه في كل دولة من الدول العربية تختلف اللهجة، وكذلك في الدولة الواحدة توجد عدَّة لهجات مختلفة، فكان الأساس في “فيغ” مواجهة هذه المسألة، وتقديم الحلول المناسبة لها.

وحول أهمية الشركات الناشئة تحدَّث حسنية عن تجربتهم فقال عندما بدأنا بمشروع “فيغ”، لم تكن الفكرة فقط “شاتبوت”، بل كنا قد بدأنا بفكرة أخرى، ولكننا استطعنا تصحيح مسار عملنا. وهذه إحدى ميزات الشركات الناشئة، حيث بمقدورها القيام بعمل اختبارات، وبمقدورها أيضاً تصحيح المسار وتعديل استراتيجية العمل الذي تقوم به. أما في الشركات الكبيرة، فطريقة العمل تكون أبطأ قبل أن تطلق منتجاً جديداً بالسوق.

تصوير- زكي غوّاص


مقالات ذات صلة

حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.

ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]

بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]


0 تعليقات على “في مؤتمر “فكر17″ الاقتصاد الرقمي..”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *