مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يناير – فبراير | 2020

فجرٌ عربيٌّ جديد


أ.د. هنري العَويط
المدير العامّ لمؤسّسة الفكر العربيّ

جرياً على عادتها في ختام مؤتمراتها السنويّة، وزّعت مؤسسة الفكر العربيّ استمارة على المشاركين في مؤتمر “فكر17” الذي عقدته بالشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافيّ العالميّ، إثراء بين الثاني والخامس من ديسمبر 2019م، بعنوان “نحو فكرٍ عربيٍّ جديد”، بهدف تقييم هذه الفعاليّة من جوانبها المختلفة. وبانتظار الانتهاء من تحليل معطيات الاستبيان، يمكننا، بناءً على الشهادات التي أدلى بها من أُجريت معهم مقابلات بهذا الخصوص، أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر اثنتين من أبرز السمات التي ميّزت المؤتمر:

• اعتماده منهجيّة مركّبة، تقوم على تضمين البرنامج ثلاث جلسات عامة وسبع جلسات متخصّصة متوازية، وعلى المزاوجة بين أسلوب المحاضرات وصيغة الندوات الحوارية التفاعلية، وعلى الجمع بين الطرح النظري وعرض التجارب والممارسات العملية.
• معالجته موضوع تجديد الفكر العربي في أبعاده الثلاثة:
– البُعد الوطني المحلي، من خلال الإضاءة على رؤية المملكة 2030.
– البُعد العربي الأشمل من خلال الكلمة التي ألقاها السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، والرؤى التي عرضها متحدّثون ينتمون إلى أقطار العالم العربي في مشرقه ومغربه.
– والبُعد الدولي الذي شكّل بصورة عامّة الخلفية المرجعية لجلسات المؤتمر كلها، وتجلّى في جلسته العامة الأولى بعنوان: “العالَم اليوم… العالَم غداً: التحوّلات والتحدّيات والرؤى”.
وغنيٌّ عن البيان أنه يتعذر قياس الأثر الذي أحدثه المؤتمر أو سيُحدثه لاحقاً، ولكنّنا نستطيع أن نشير إلى عينة من النتائج الإيجابيّة التي أسفر عنها.

  1. اعتبر المشاركون أنّ اختيار موضوع المؤتمر ومحاور جلساته، في هذا التوقيت بالذات، كان قراراً ملائماً. ففي خضمّ التحولات العميقة والمتسارعة التي يشهدها العالم حالياً على مختلف الصُّعد في إطار الثورة الصناعية الرابعة، وفي غمرة التحديات الجسام التي تواجهها المنطقة العربية، يحسن بنا إعمال الفكر والإعلاء من شأنه، بوصفه أداة التنوير وقاطرة التطوير ورافعة التنمية. ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى استجابة الدعوة التي أطلقها رئيس مؤسّسة الفكر العربي، صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وذلك باعتماد “فكرٍ جديد لنهجٍ جديد”. فإنّ تبنّينا فكراً عربيّاً جديداً ينهل من تراثنا، وينبع من واقعنا، ويحاكي معاناتنا وتطلعاتنا، ويعزِّز حوارنا مع الآخر وانفتاحنا السمح على القضايا الإنسانية الكبرى، قمينٌ بأن يؤهلنا لصياغة رؤىً ومقارباتٍ مُبتكرَة وخلاقة تساعدنا في التعامل بطريقة رشيدة وفعالة مع الوقائع المستجدة وغير المعهودة، وما ترتبه علينا من تداعيات وتبعات ومسؤوليات غير مسبوقة.
  2. وفضلاً عما برز في المؤتمر من إجماع على ضرورة تجديد الفكر العربي، تمّ فيه أيضاً التشديد على أن النجاح في هذه المهمة يقتضي الانخراط في مشروع طموح، عام وجماعي، يشمل شتّى الحقول والمجالات كافة، الثقافية منها والتربوية، السياسية والاقتصادية، العلمية والتكنولوجية، ويشارك العربُ كلهم في تنفيذه، دولاً وشعوباً، حكّاماً ومواطنين، أفراداً ومؤسّسات، في القطاعين الرسمي والخاص. ولئن عُني معدّو برنامج المؤتمر بدعوة ممثلين عن مختلف القطاعات والفئات، بمن فيهم النساء وهيئات المجتمع الأهلي والمدني، إلى تحديد أدوارهم وطبيعة إسهاماتهم في مشروع تجديد الفكر العربي، وإلى عرض مبادراتهم وتجاربهم الناجحة على هذا الصعيد، فإنهم حرصوا على عقد ورش تدريب وحلقات نقاش خاصة بالشباب، على مدى يومين، بهدف الإضاءة على دورهم الطليعي والأساسي في مشروع تجديد الفكر العربي، لأنّهم ملهموه وروَّاده والمستفيدون الرئيسون منه، وذلك باعتبارهم وعدَ الغد المرجو وقادَتَهُ، وأملَ المستقبل الموعود وبُناتَه.
  3. أعطى المؤتمر الدليل الحسي الملموس على أهميّة التعاون وجدواه، مثبتاً صحة مبدأ “التكامل العربي” الذي رفعته “مؤسّسة الفكر العربي” شعاراً وتبنّته هدفاً واعتمدته نهجاً وسياسة. فلقد كان للشراكة المميزة والبنّاءة بين المؤسّسة و”مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) في تنظيم المؤتمر الأثر الحاسم في إنجاحه. وهذا التعاون الذي توّج تاريخاً مديداً من الدعم الذي تخصّ به أرامكو السعودية مشاريع مؤسّستنا ونشاطاتها، مدعوٌّ إلى أن يترسخ ويتعزز ويتوسع مداه، تحقيقاً لأهدافنا المشتركة في خدمة الفكر والتربية والثقافة والتنمية في مجتمعاتنا.
    إن مشروع تجديد الفكر العربي مسيرةٌ طويلة ومتجدِّدة باستمرار. لا يدّعي مؤتمر “فكر17” أنّه أعطى إشارة الانطلاق للبدء بها، ولكنه شكل بالتأكيد إحدى محطاتها المفصلية، وأطلق دعوة ملحّة إلى الانخراط فيها. حسبه أنّه أتاح لنخبة من أصحاب القرار، وممثلي القطاعات المعنية، والمثقفين، فرصة التلاقي للتأمل الموضوعي المعمّق والرصين في أوضاعنا الراهنة، ولإثارة الوعي بجسامة التحديات التي تواجهنا، وللتحفيز على الاضطلاع بما ترتبه علينا من مسؤوليات، ولرسم خريطة الطريق لمسيرةِ التجديد المنشودة.
    فعسى أن يسهم المؤتمر في تسريع ولادة فكر عربيّ جديد يؤذن ويبشّر ببزوغ فجر عربي جديد!

مقالات ذات صلة

حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.

ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]

بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]


0 تعليقات على “فكرٌ عربيٌّ جديد”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *