إعادة الاختراع
يناقش موضوع هذا الكتاب مفهوم “إعادة الاختراع”، الذي يتعلق بممارسات يجري من خلالها تشكيل الحياة اليومية للأفراد مثل: أنظمة الحمية والجراحات التجميلية لتحسين الجسد، وجلسات العلاج النفسي عبر الإنترنت، وتعزيز التسوق والامتلاك غير المحدود؛ ويمتد ليشمل التغيرات المستمرة التي تقودها الشركات متعددة الجنسيات مثل تبنِّي التوجه نحو تخفيض العمالة بسبب التحول للخدمات الرقمية وما يحدثه ذلك من تأثيرات مجتمعية لافتة.
الكتاب من تأليف العميد المشارك بجامعة جنوب أستراليا، أنثوني إليوت. وينقسم إلى مقدمة تشرح صعود مفهوم إعادة الاختراع، يعقبها سبعة فصول تستعرض ما أسماه المؤلف اختراع الأجساد، والأشخاص والمهن والشركات والأماكن؛ وتوضح شبكات إعادة الاختراع وواقعها في عصر الذكاء الاصطناعي. وينتهي مضمون هذا العمل بخاتمة بعنوان “هيمنة إعادة الاختراع”، ولعلها أبرز ما جاء فيه؛ لأنها توضح خلاصة الطرح الرئيس له بشكل تفصيلي.
يشير المؤلف إلى أن ثقافة إعادة الاختراع لا تعرف حدودًا؛ لأنها تتجاوز نفسها باستمرار، وأصبحت واسعة الانتشار وذاتية الدفع، وجزءًا من نظام الحياة الاجتماعية على نحو لا مفر منه في ظل صعود العولمة والاقتصاد الإلكتروني العالمي، وباندماجها في النزعة الاستهلاكية المتزايدة.
ويعني مفهوم إعادة الاختراع، بحسب الكاتب، كل محاولة نبتعد بها عن الأفكار الموروثة أو التقليدية حول ما يُعد الطرق المناسبة لفعل الأشياء أو الطرق التقليدية للعيش؛ كالمحاولات المستمرة لإعادة اختراع الجسد بعد هيمنة أوهام تتعلق بضرورة التخلص من البدانة الحقيقية أو المفترضة، التي تؤدي إلى قلق النساء والرجال من أن تكون أنظمتهم الغذائية سببًا لبدانتهم؛ إذ يسعى مجتمع إعادة الاختراع، عبر استخدام وسائل الإعلام المتاحة على مدار اليوم، إلى إذلال الأجساد البدينة. ومن ثمَّ، يبدأ بتقديم قائمة لا حصر لها من الحلول التجارية لمواجهة البدانة بتهديداتها ومخاطرها التي يعلنها على الدوام.
ووفقًا للكتاب، يعيد مفهوم إعادة الاختراع تدوير الزمن الذي انقضى، فهو يؤسس لحظة الحاضر على تجارب ورغبات مهجورة من الماضي، ويعيد إنتاج الأشياء التي نعتز بها في شكل “نسخ جديدة”؛ وذلك بالاعتماد على تقنيات الإنترنت والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، وأجهزة التعقب القابلة للارتداء والتكنولوجيا الرقمية بشكل عام.
ويُلخص أنثوني إليوت السمات الأساس لنموذج إعادة الاختراع بعد أن قدّم عديدًا من النماذج التطبيقية عنه، في مجموعة من النقاط منها أن المفهوم وثيق الصلة بالعولمة، فالرغبة في إعادة الاختراع تنسجم مع التحولات المؤسسية التي يحركها الاقتصاد الرقمي على مستوى العالم ككل. كما أن هذا المفهوم يعتمد على الروابط الاجتماعية والعاطفية، وعلى التطورات التقنية والعلمية المتنوعة؛ بغرض إحداث تغيير في الممارسات والأفكار السائدة في جوانب الحياة المختلفة، وتحويلها نحو إشباع رغبات جديدة من خلال التقمص والمحاكاة وتقليد الآخرين، والدفع بعدد غير محدود من الاختيارات المرتبطة بالسلع والخدمات والمنتجات الاستهلاكية. وكما يوضح الكاتب، يكمن الدافع وراء البحث عن الجديد في الاعتقاد بأنه من الممكن دومًا تحسين كل الأفعال المرتبطة بإعادة الاختراع بحيث تشمل مناحي الحياة على المستويين الشخصي والمؤسسي، وهذا ما سيؤدي إلى تغيير المجتمع وهوية أفراده في نهاية المطاف.
الصورة والإنسان .. بين الديمومة والاختزال
كتاب “الصورة والإنسان.. بين الديمومة والاختزال” هو في أصله دراسة بحثية نالت بها مؤلِّفته نجوى صبح درجة الماجستير في الفلسفة من الجامعة اللبنانية، ويناقش عبر ثلاثة فصول: الصورة كظاهرة تاريخية اجتماعية، وتطوراتها التكنولوجية والعلمية، والميزات الإبداعية للصور الرقمية.
تشير الكاتبة إلى أن هيمنة البصري على الوعي الإنساني منذ بداية تشكله، مثّلت دافعًا لدراسة الصورة ووظائفها وتأثيراتها في عالمنا المعاصر؛ فلا مجال لفهم الإنسان من دون البحث في الصور التي يتعرض لها والتي تدفعه إلى إنتاج أخرى تشبهها بشكل أو بآخر، أو تحاول تجاوزها. وتوضح أن الانتقال إلى الحداثة لم يتَميَّز باستبدال صورة حديثة بصورة العالم القديمة فقط، بل بتحويل العالم نفسه إلى صورة. لذلك فإن فهم الصورة، وتحديدًا الرقمية التي اختزلت المسافات والوقت والمعلومات والأمكنة، والتي تحمل في الوقت ذاته معنى الاستمرار والديمومة، يظل وسيلة أساسًا لفهم هذا العالم؛ فقد باتت حاضرة بشكل دائم، ووجودها لا يمكن الاستغناء عنه؛ لأنه صار ملازمًا لوجود الإنسان نفسه.
سيتعرف القارئ عبر فصول الكتاب على مجموعة من معاني الصورة كما ظهرت في كتابات كثير من الفلاسفة والمفكرين والفيزيائيين مثل: غاستون باشلار وديفيد بوهم وجون بودريار وريجيس دوبريه. وكذلك عند المتصوفة، كما تجلّى ذلك في كتابات ابن عربي الذي أعاد، بحسب المؤلِّفة، الأهمية إلى الخيال والصورة، وكان يرى أن “المعرفة الحقيقية للإنسان لا يمكن أن تتم إلا من خلال الصورة”.
ويناقش الكتاب وظائف الصورة في الحضارات المختلفة وفي التعبير عن ثقافة الأفراد وطرائق عيشهم، وكيف أدّت أولًا دور “الوسيط السحري” بين الإنسان البدائي وقوى الطبيعة التي خاف منها وعجز عن تفسيرها؛ فسجلها على هيئة صور ونقوش. فلم تكن الصور بهذا المعنى غاية في ذاتها، ولكن وسيلة للحماية، ومواجهة الخوف من الموت.
ويعرض الكتاب كيف تطورت الصورة بمرور العصور وصارت مجالًا فنيًّا وإبداعيًّا مستقلًّا يعبر عن حالة أو موقف فكري أو نفسي محدد تجسد عبر مختلف الفنون التشكيلية، كان الهدف منه قبل أي شيء تحقيق متعة المشاهد.
كما يبحث الكتاب في مفاهيم الصورة في الفيزياء المعاصرة في علاقتها مع الوجود، انطلاقًا من فرضيات تجريبية أنتجت حديثًا تقنية التصوير التجسيمي أو “الهولوغرام”، التي “تستطيع بث صورة متحركة بأبعاد ثلاثية لأشخاص يتكلمون ويتحركون، ولو كانوا غير موجودين”.
وتناقش نجوى صبح في كتابها ما يمكن وصفه بإساءة استغلال الصورة في واقع يغرق في “طوفان بصري” بما يعنيه من “سيطرة اللّحظي والمؤقّت والعابر”، ويحدث هذا حين تُستخدم الصور لاستثارة الحاجات وربطها بالسلع الاستهلاكية غير الضرورية التي تعرضها المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل دائم من ناحية، وعندما تؤدي الصورة دور المغوي الذي يثير رغبات غير محمودة من نرجسية ومن تلذذ برؤية الآخرين والتلصص عليهم من ناحية أخرى.
الملكية الفكرية.. والحماية القانونية لحق المؤلف
أراد القاضي والأكاديمي العراقي هادي عزيز علي، إدخال القارئ سريعًا في مضمون كتابه “الملكية الفكرية والحماية القانونية لحق المؤلِّف”، عبر فقرة أوردها في مستهله اقتبسها من مقدمة ابن خلدون تشرح جماع المقاصد التي ينبغي اعتمادها ومراعاتها عند التأليف، والتي يجب أن تبتعد عن انتحال أي كاتب لما تقدم لغيره من مؤلَّفات، أو نسبته لنفسه بتبديل الألفاظ وتقديم المتأخِّر وعكسه أو الحذف، وسوى ذلك من حيل.
فما أوجزه العلَّامة العربي يكشف في فقرة واحدة عن معنى الملكية الفكرية التي تضمن لأي مؤلِّف عدم الاعتداء على إبداعه الفكري بأي شكل، وهو الموضوع الرئيس الذي يتناوله هذا الكتاب بشكل تفصيلي عبر خمسة مباحث تستعرض كافة الجوانب القانونية المرتبطة بحق الملكية الفكرية والطبيعة القانونية لحق المؤلِّف وكيفية حمايتها، وتناقش حقوقه المجاورة وتقارن بين المدارس التشريعية المختلفة المعنية بحق الملكية الفكرية.
ويطرح الكتاب عديدًا من الأسئلة ترتبط بموضوعه، منها: ما الملكية الفكرية؟ هل هي الملكية نفسها التي تناولتها القوانين المدنية في دول العالم؟ وهل للملكية الفكرية مفهوم آخر غير المفهوم القانوني؟ وفي محاولة للإجابة عنها استعرض المؤلِّف آراء المعارضين للملكية الفكرية، وأبرز حججهم المتمثلة في عدم إمكانية تعيين حدود الملكية الفكرية كما هي منصوص عليها في القوانين لأنها ملكية مُتخيَّلة، وفي عدم سيطرة أي مؤلِّف على الأفكار التي تضمنها عمل له بعد أن يصبح في متناول الجمهور، وهو الأمر الذي يتناقض مع الأحكام العامة للملكية. وحتى إذا قيل إن الحماية الفكرية للعلوم والمعرفة واجبة، فهذا من شأنه أن يُفضي إلى تقييد تطور الأعمال الجديدة وحركة الترجمة، ويقيد أيضًا تداول الكتب. وهكذا “خلصوا إلى نتيجة مفادها أن الملكية الفكرية سوف تؤدي إلى تدمير الوضع الفكري، ما يتطلب عدم السماح لها بالتداول، لأن المنفعة التي يحصل عليها المؤلِّف والناشر (الموصومان بالأنانية) تكون على حساب النفع العام المعرفي، لأن المعرفة بطبيعتها يجب أن تكون متاحة للجميع؛ لأنها من الحق العام ويجب الوصول إليها بكامل الحرية كالماء والهواء”.
أوضح الكاتب كذلك آراء أنصار الملكية الفكرية، منها عدم اعتبار الأفكار من الأشياء غير المادية، لأنها ذات وجود مادي ملموس ما دامت “سُكِبتْ في مخطوطة”، وصدرت في نسخ عِدّة؛ مما يترتب عليه آثار قانونية مثلما يصنع الجهد البدني الأشياء المادية القابلة للتملك، وهي تُعدّ بهذا المعنى “حقًّا دائمًا” لا يزول بعدم الاستعمال.
أمَّا ما يخص حق المؤلِّف، فسيتعرف القارئ على عناصر هذا الحق، ومنها الحق الأدبي الذي يحمي الشخصية الفكرية لأي مبدع وما يرتبط به من حق النشر ونسبة المؤلَّف لصاحبه، وسلطة سحب المُصَنَّف من التداول وذلك لأسباب يقدرها المؤلِّف بنفسه. ويوضح الكتاب كذلك جوانب الحماية التي يكفلها القانون للمؤلِّف على المستوى الشخصي المرتبط بالمؤلِّف نفسه بصفته مُنتِجًا مُبدعًا لمصنَّف يتميز بالابتكار والأصالة، وعلى المستوى الموضوعي المرتبط بمضمون المصنَّف نفسه، سواء كان فنيًا أو أدبيًا أو علميًا، مهما كان نوعه أو طريقة التعبير عنه.
الحوار في الرواية السعودية
تؤكد الباحثة د. هند الطويلعي حضور الرواية السعودية بمستويات مختلفة على الصعيدين المحلّي والعربي، ومكانتها الملحوظة فيهما حتى بات تَتَبُّعها بالدراسة والنقد ضرورة؛ ولهذا السبب سعت في هذا الكتاب إلى دراسة الحوار في الروايات السعودية باعتباره أحد مكونات البناء الإبداعي لهذا النوع الأدبي بين عامي 1410ھـ و1439ھـ، وهي الفترة التي شهدت كثافة في مستوى الإنتاج، كما تشير في المقدمة، ولا سيّما في ظل ندرة الدراسات التي تتجاوز المنهج الإنشائي الذي يسعى فقط لاستجلاء سمات الحوار وخصائصه.
ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول تناقش أنواع الحوار ووظائفه الوصفية والسردية والحجاجيّة، وتعدد أصواته الاجتماعية والفكرية، ولغاته ولهجاته. كما تحلل أنماط التفاعل ومقاماته بين المتحاورين.
وحرصت الباحثة على تنويع مادة دراستها لتشمل أعمالًا لعديد من الروائيين السعوديين، منهم: غازي القصيبي وعبده خال ومحمد حسن علوان وعبدالله ثابت ويوسف المحيميد وعزيز محمد. ورصدت طبيعة الحوار الروائي وبنيته في كتابات مبدعات المملكة من خلال كتابات أميمة الخميس وليلى الجهني وأثير النشمي وبدرية البشر.
ومن خلال هذه الأعمال، رصدت الباحثة من منظور مقارن وظائف الحوار الروائي: الوصفية والتفسيرية والإخبارية والرمزية، وكيف ترتبط بأهداف شخصيات الرواية وما تريد أن تنقله للقارئ، وميَّزت بين أنواعه. فهناك الحوار الداخلي الذي يُعبّر عما يجول داخل الشخصية من هواجس وأحاسيس وذكريات، ومن ثَمَّ يتحرر من سلطة الراوي ويتميز بالذاتيّة. ويوجد الحوار الخارجي الذي يلجأ إليه “البطل” للتعبير عن مواقف متنوعة تتعلق بتطور الحبكة، وهو الذي تتناوب فيه شخصيتان أو أكثر الحديث في إطار المشهد الروائي وتتعدد أنماط التفاعل بينهما على إثره، وقد يكون هذا النوع من الحوار جدليًّا أو متكافئًا.
وانتهى هذا العمل البحثي إلى مجموعة من النتائج، أبرزها كثرة الحوار الداخلي في الروايات المدروسة التي يُعاني أبطالها أزمات نفسية أو اجتماعية؛ فيكون الطريقة لكشف أفكارها التي “حُبست بسبب الخوف من الأسرة، أو الخوف من المجتمع، أو خشية سوء الفهم من الآخرين”، وغلبة الحوار الخارجي الحجاجيّ الذي يُعبّر عن حالات متباينة من الصراع تمر بها الشخصيات الروائية؛ فيتأكد عبره عدم التآلف بينها.
وأوضحت الدراسة تعدد وظائف الحوار داخل الرواية السعودية، منها وظيفة الوصف الذي يُعبّر عن رؤية الشخصيات بعضها تجاه بعض أو تجاه المكان، أو لوصف حالاتها الشعورية، “فيسند الراوي الحوار إلى الشخصيات لتتحمل مسؤولية ذلك الوصف المتعلق برؤية تكتسب خصوصيتها من خصوصية الشخصية في الرواية”.
ومن ضمن ما توصلت إليه الباحثة، أن استخدام اللغة العامية المحلية أو العربية، لا يدل على ضعف فني إن كان مقصودًا للتعبير عن واقع اجتماعي معين أو ثقافة محددة، أو كان علامة انفتاح على الآخر، أو حين يُوظَّف بهدف تسجيل بعض اللهجات غير الشائعة. وأوضحت أن الحوارات في بعض الأعمال الروائية المبحوثة تزدحم بأفعال الأمر، وقد تنتهي إلى سجال يزيد التوتر بين شخصياتها، وقد ينهيها بشكل مبتور؛ ومن ثَمَّ، فهي تخضع لمقام التنافر بسبب معاناة أبطالها.
اترك تعليقاً