للعام الثالث على التوالي، ازدادت معدَّلات سوء التغذية في أنحاء مختلفة من العالم. فقد ارتفع عدد الذين يواجهون حرماناً مزمناً من كفايتهم من الطعام، من 804 ملايين في العام 2016م إلى نحو 821 مليون نسمة في العام 2017م، حسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة الدولية (FAO) “الفاو” الذي صدر في سبتمبر 2018م. بذلك بلغت نسبة من يعانون سوء التغذية من مجموع البشر في العالم، خلال العام الماضي %10.9 من تعداد سكان الكرة الأرضية. الأمر الذي يشكِّل واحدة من أكبر القضايا المقلقة في العالم، خاصة على ضوء الزيادة السكانية المتوقعة خلال السنوات القليلة المقبلة.
يُتوقَّع أن يزداد عدد سكان الكرة الأرضية من 7.6 مليار نسمة حالياً، إلى 9.7 مليار في العام 2050م. ولن يحتاج هؤلاء فقط إلى أن يأكلوا، بل أن يأكلوا بأفضل مما هو حاصل الآن، وبما يكفيهم من طعام يومهم. لكن سوء التغذية الذي يصيب اليوم أكثر من 800 مليون إنسان مرشّــح لأن يتفاقــم رغم الجهــود المبذولــة عالميــاً لإيجاد حلول مستدامة أو جزئية انطلاقاً من مكوّنات معادلة الغذاء.
معادلة أزمة الغذاء
لهذه المعادلة عدة مكوّنات:
- أولاً: مستوى العيش، من الدخل والتنظيم الاجتماعي اللذين يحدّدان مستوى استهلاك الطعام.
- ثانياً: التكنولوجيا المستخدمة في إنتاج الطعام، وهي التي تحدِّد مدى ما يلحقه النشاط البشري من ضرر في البيئة، أو مدى محافظته عليها، ومقدار النفايات التي تنتج عن قدر معيّن من الاستهلاك، والفقر الذي يحول دون الاستعانة بالتكنولوجيا المناسبة التي قد تبطئ أو توقف تفاقم وضع البيئة، الناجم من إنتاج الطعام.
- ثالثاً: عدم المساواة في امتلاك الأرض الزراعيّة، فمعظم الأراضي المزروعة في العالم هي ملكيات كبيرة، فيما يضطر الفقراء من المزارعين، وهم الكثرة الغالبة، إلى العيش على مساحة مزروعة صغيرة، أو في مناطق هامشية.
- رابعاً: النمو السكاني، فأياً كانت التكنولوجيا المستخدمة ومستوى الاستهلاك وإنتاج النفايات والفقر وعدم المساواة، فإن عدد السكان كلما تزايد، تعاظم الأثر في البيئة، وبالتالي ازداد ثقل التأثير في القدرة على إنتاج الطعام. وبنتيجة كل هذه العوامل، تتأثر أسعار الغذاء، الذي يحول دون حصول الفقراء في دول العالم على كفايتهم من الطعام.
العامِلَان الأساسيّان اللذان يستوقفان الخبراء والمنظمات الدولية في استشراف مستقبل حال التغذية هما: النمو السكاني، والاحتباس الحراري.
إن تقسيم الأراضي الزراعية يؤثر في إنتاج الطعام، وهو نتيجة مباشرة لنمو تعداد البشر السريع في العالم، لا سيما في كثير من البلدان الفقيرة. وفي المزارع الصغيرة التي لا تقوى على توفير مستوى ملائم من العيش للعائلة، تحوّلت الزراعة إلى نشاط جانبي يقوم به بعض أفراد العائلة (غالباً النساء والأولاد) الذين يبقون في المنزل، فيما يهاجر رب العائلة للعمل في المدينة أو خارج بلاده لقاء أجر أفضل من عوائد الزراعة. وفي أحيان أخرى يبيع الفقراء أراضيهم الزراعية لمزارعين أيسر حالاً، فتزداد نسبة عدم المساواة بين العاملين في الزراعة.
إلا أن العامِلَيْن الأساسيّين اللذين يستوقفان الخبراء والمنظمات الدولية في استشراف مستقبل حال التغذية هما: النمو السكاني، والاحتباس الحراري.
أرقام الجوع في العالم
تبيّن الإحصاءات والدراسات في “الفاو” وفي التقارير الدولية الأخرى، أن الأحوال تتفاقم في ثلاث قارات بشكل خاص:
- في إفريقيا، حيث يعاني من سوء التغذية نحو %21 من مجموع سكان القارة، أي ما يزيد على 256 مليون نسمة.
- في أمريكا الجنوبية، حيث ارتفعت نسبة سوء التغذية من %4.7 في العام 2014م، إلى %5.0 في العام 2017م.
- في آسيا، حيث يبدو أن سرعة انخفاض نسبة سوء التغذية تتباطأ بقوة. فنسبة سوء التغذية في القارة بلغت في العام 2017م نحو %11.4، وهذا يعني أكثر من 515 مليون نسمة.
وتضيف “الفاو” أنه إذا لم تتعزّز الجهود وتُبذل على عجل، من أجل معالجة هذه الأزمة المتفاقمة، فإن العالم سيفشل في تحقيق أهداف التطوير المستدام التي تهدف الأمم المتحدة إلى تحقيقها في العام 2030م.
تعريف سوء التغذية
يشمل سوء التغذية في جميع أشكاله نقص التغذية (الهزال والتقزّم ونقص الوزن)، ونقص الفيتامينات أو المعادن، وفرط الوزن، والسُّمنة، والأمراض غير السارية المرتبطة بالنظام الغذائي.
www.who.int
قياس سوء التغذية
يسمّى الافتقار إلى ما يكفي من طعام: سوء التغذية، وإذا استمر سمّي: سوء التغذية المزمن، وقد يصل في تفاقمه إلى أن يسمّى: المجاعة. ومن مفارقات عدم المساواة في هذا العالم، أن السُّمنة صارت وباءً منتشراً يبحث هو الآخر عن حلول.
وفي موضوع الجوع في العالم، تنشر “الفاو” ومنظمات دولية أخرى، منذ عام 1999م تقريراً سنوياً شاملاً عنوانه: حال انعدام الأمن الغذائي (SOFI). وقدّر التقرير السنوي الأخير الذي صدر في سبتمبر 2018م، أن عدد الذين يعانون من سوء التغذية عام 2017م عاد إلى الارتفاع، بعدما سجّل انخفاضاً بين عامي 2003 و2013م.
أما كيف يقاس هذا الرقم، فبثلاثة معايير:
- تقديرات غير مباشرة من خلال الإحصاء.
- الاستقصاء لدى السكّان في البلدان المختلفة.
- القياس المباشر لوزن عيّنات إحصائية من الرجال والنساء والأطفال.
بؤر سوء التغذية
عند مقارنة الأرقام بين العامين 2004 و2017م، نجد أن عدد سيئي التغذية في أوغندا ازداد 3 مرات (من 6.9 إلى 17.2 مليون)، وزاد على الضعفين في نيجيريا (من 9.1 إلى 21.5 مليون). كذلك ساءت الأحوال في مدغشقر ومالاوي. أما في الشرق الأوسط، فزادت الأرقام 7 مرات في لبنان، و3 مرات في الأردن، بسبب تدفق اللاجئين عليهما. والعراق من البلدان التي تعاني أيضاً. أما الأداء الأفضل في تقليص مساحة الجـوع، فكــان في الصين (من 204.7 إلى 123.5 مليون)، والهند (من 253.9 إلى 195.9 مليون) وإندونيسيا (من 41.9 إلى 20.2 مليون).
نحو 151 مليون طفل تحت سن الخامسة في العالم، يعانون من ضعف في نموهم من جرّاء سوء التغذية.
ومع أن إحصاءات العالم تشير إلى أن فرداً من كل عشرة في العالم يعاني عدم كفاية في الغذاء، إلَّا أن هذه النسبة تقفز في جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية إلى فرد من كل ثلاثة أفراد (346 مليوناً).
ولا بد من الإشارة إلى أن الإحصاءات عموماً لا تتضمَّن تقديرات لسوء التغذية في البلدان الغنيّة، غير أن بعض معلومات المنظمات الأهلية تشير إلى وجود هذه المعضلة في البلدان المتقدّمة أيضاً. إذ يعاني 15 مليوناً من سوء التغذية في هذه البلدان، من بينهم 3 ملايين في الولايات المتحدة، و2.7 مليون في المملكة المتحدة، و0.8 مليون في ألمانيا، و0.9 مليون في فرنسا، و0.6 مليون في إيطاليا. وتعتقد منظمة الأغذية والزراعة الدولية أن هناك عشرات الملايين يعانون من سوء التغذية المزمن في البلاد المتقدّمة، لا سيما في السنوات الأخيرة.
الأطفال والنساء
ولا تتوزّع مشكلة الجوع توزّعاً عادلاً حسب الأعمار أو الجنس. ذلك أن الأرقام تؤكد المعطيات التالية:
- نحو 151 مليون طفل تحت سن الخامسة (%22 من المجموع) في العالم، يعانون من ضعف في نموهم من جرّاء سوء التغذية. وقد انخفض عددهم بنسبة %9 بين 2012م و2017م، بوتيرة أكبر في آسيا، وانخفاض أبطأ في إفريقيا.
- أكثر من 50 مليون طفل في العالم دون الخامسة، يخسرون وزنهم (الوزن بالمقارنة مع الطول)، من قلة الطعام. نصفهم تقريباً يعيشون في آسيا الجنوبية وربعهم في إفريقيا جنوب الصحراء. وهناك رابط مباشر بالطبع بين هذه المشكلة والفقر.
- انتشار فقر الدم “الأنيميا” عند النساء، فأكثر من 613 مليون امرأة بين الخامسة عشرة والتاسعة والأربعين (أي ثلث المجموع) مصابات بفقر الدم، وأعلى النسب موجودة في إفريقيا وآسيا.
الموت جوعاً
لا تتوافر للمنظمات الدولية معلومات موثوقة حول أرقام الوَفَيَات من جرّاء سوء التغذية. ولكن التقديرات تشير إلى أن ما بين 5 و9 ملايين شخص يموتون جوعاً في العالم سنوياً. فمنظمة الصحّة العالمية، التي تنشر إحصاءات عن أسباب الوَفَيَات في العالم، لا توفر سوى أرقام عن الوَفَيَات في سن الطفولة وسوء تغذية الأمهات، وهي تبلغ 3.9 مليون وفاة (أي %35 من مجموع الوَفَيَات السنوية في العالم) للأطفال دون الخامسة. وفي العام 2018م، قدرت منظمة اليونيسيف، صندوق الطوارئ للأطفال، أن 3 ملايين طفل يموتون من سوء التغذية كل سنة، لكنها لم تشر إلى مصدر أو طريقة تقدير هذا الرقم.
بعض آثار الاحتباس الحراري المرتقبة
• في الزراعة:
للاحتباس الحراري علاقة مباشرة بحال الزراعة وسوء التغذية في العالم، من عدة وجوه: فالاحترار المناخي المعتدل وزيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو قد يساعدان بعض المزروعات لتنمو أسرع. لكن الاحترار الزائد، والفيضانات، والجفاف، قد تقلص المحاصيل. ففي الحالات المعتدلة من ارتفاع الحرارة، لا بد من توافر شروط ملائمة ليستفيد الزرع: مثل السماد المناسب، ووفرة مياه الري، وغيرهما. أما عدم استقرار المواسم، فيشكِّل معضلة تواجه المزارعين في عملهم.
وتُعَدّ الزراعة في الولايات المتحدة عنصراً أساسياً في ميزان الغذاء وشحّه في العالم، نظراً إلى أنها أهم الدول المصدّرة للأغذية في السوق العالمية. فالمزارع الأمريكية تنتج نحو %25 من الحبوب في العالم، مثل القمح والذرة والأرز. وقد يتأثر الإنتاج من جراء وتيرة تكرار الظروف المناخية القاسية وشدتها، تأثراً محسوساً. فالأصناف المزروعات المختلفة درجة حرارة مثالية لنموّها، وتتوقف كمية المحاصيل على هذه الحرارة وتقلُّبها. كما أن زيادة ثاني أكسيد الكربون، كما أثبتت الدراسات، تُنقص البروتين والنتروجين في الحبوب مثل الصويا.
كما أن تقلبات المناخ والحرارة الشديدة والأمطار الغزيرة، الشتاء القارس أو الصيف المبكّر تؤثر كلها وبشدة على نوعية المحاصيل الزراعية وكمياتها.
• في تربية الماشية
قد تتعرّض قطعان الماشية للخطر، تعرّضاً مباشراً من جرّاء اشتداد الحرارة، وتعرّضاً غير مباشر من انخفاض جودة غذائها، من الأعشاب والحبوب. والحرارة الشديدة الارتفاع التي يمكن أن تنشأ من الاحتباس الحراري تزيد من احتمال مرض الماشية، وتخفض نسبة خصوبتها في التوالد، وحتى تقلّص إنتاجها من الحليب.
فالجفاف يلحق بالمراعي أضراراً فادحة، إذ يقلِّل كمية العلف الجيد المتاح. وقد تصاب بعض المناطق بجفاف مزمن، مثلما يحدث في شرق إفريقيا مثلاً، فتجف مصادر الماء من جهة، وتنخفض مقادير الحبوب والعشب للرعي. لكن ثمَّة مشكلة أخرى قد لا تظهر للعيان، إذ إن الحرارة المرتفعة تحفز انتشار الطفيليات والأمراض التي تصيب الماشية. ومع أن الأدوية القاتلة للطفيليات تُستَخدَم لشفاء الماشية منها، إلا أن هذه الوسيلة تزيد في الوقت نفسه احتمال تلويث طعام البشر بهذه الأدوية، أو حتى نشوء فصائل طفيليات مقاومة للدواء.
وفيما يعزّز ازدياد ثاني أكسيد الكربون في الجو إنتاج المراعي، إلا أنه يخفض جودة أعشابها من الناحية الغذائيّة للماشية. ولذا تحتاج القطعان إلى أن ترعى أكثر لتحصل على الفائدة الغذائية نفسها.
• في الأغذية البحرية
تواجه مصائد الأسماك في البحار والمحيطات، ومزارعها في مختلف البلدان، ضغوطاً تتلخّص في الإفراط في الصيد، وفي تلوّث المياه، حتى في البحار. ولا شك في أن الاحتباس الحراري يفاقم هذه الضغوط والمشكلات. إذ تشير دراسات بيئية في الولايات المتحدة مثلاً، إلى أن المصائد التي كانت تتحرّك قبالة السواحل الشرقية للولايات المتحدة، في المحيط الأطلسي، انتقلت إلى الشمال، من أواخر الستينيّات من القرن الماضي. فكثير من أصناف السمك لا تحتمل ارتفاع حرارة المياه، فتبحث عن بيئة بحرية أبرد. غير أن هذا الانتقال، قد يضع هذه الأصناف في تنافس مع أصناف أخرى، وبذلك قد تتقلَّص الموارد من تلك الأسماك.
ولاحظ باحثون في علوم البحار ظهور أمراض عزوها إلى المناخ المتبدّل، مثل ارتفاع الحرارة في البحر، وازدياد الملوحة في مصبات الأنهر، اللذين سبَّبا مرضاً طفيلياً انتشر في المحار. كذلك لاحظ الباحثون أن تبدّل الحرارة والمواسم تؤثّر سلباً بالتوالد وحركة الهجرة السمكيّة. فزيادة الحرارة في المناطق الشماليّة من المحيطات تؤثّر في دورة حياة السّلمون، وتزيد احتمالات مرضه. وقد لوحظ انخفاض كبير في تجمعات السّلمون البحرية.
ومشكلة البحار والمحيطات لا تقتصر على ارتفاع حرارتها فقط، بل إن ثمَّة مشكلة خطيرة أيضاً هي ازدياد حموضتها، بسبب ثاني أكسيد الكربون في الجو. وهذه الحموضة تضر بالأسماك وبأصدافها وقواقعها، مع تناقص الكالسيوم في المياه البحرية. كذلك تلحق الحموضة ضرراً مؤكداً في النظم البيئيّة الحساسة التي تعتمد عليها أسماك للعيش.
تأثير النظم التجاريّة
حتى تسعينيّات القرن العشرين، كانت الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة “الجات”، تُلزم الدول الموقَّعة ألَّا تفرض تعريفات جمركية على الواردات، وألا تدعم الصادرات، حتى لا “تشوّه” عمل ميزان السوق، وتعيق حرية التجارة في العالم. لكن منظمة التجارة العالمية التي ورثت “الغات”، لاحظت في مؤتمرها عام 1995م، أن بعض الدول كان يفرض “حصصاً” تحدّ بموجبها كمية ما تستورده من بضاعة أجنبية، فوسّعت نطاق التزامات أعضائها في هذا الشأن، لإزالة كل معوقات التجارة الحرة.
فقد التزمت معظم الدول النامية بهذه القيود، بضغط من الدول الصناعية، على الرغم من حاجتها إلى حماية الزراعة والصناعة الناشئة فيها من منافسة سلع الدول الأغنى. إلا أن بعض الدول الصناعية واظبت في الوقت نفسه على دعم زراعتها هي، من أجل تعزيز صادراتها في منافسة غير عادلة، وهذا ما أدى إلى نشوب “حرب” زراعية بين الطرفين. وفي النهاية، ظل الدعم الزراعي قائماً في الدول الغنية، ونتج من ذلك أن الدول الفقيرة التي التزمت قيود التجارة العالمية، أصيبت بكساد واسع النطاق وتقلّص خطير في قطاعها الزراعي، في وجه منافسة المنتجات الزراعية المدعومة في البلاد الغنية. وبذلك تمكّنت دول الشمال، من التحكم إلى حد بعيد بسوق الغذاء في العالم، وفرضت أسعارهـا على دول الجنوب، وهي أسعار لا تكف عن الارتفاع، سنة بعد سنة.
عشر سنوات من ارتفاع الأسعار
وقد تطوّرت الأسعار في الولايات المتحدة، المنتج الأكبر للغذاء في العالم، في السنوات العشر الماضية على النحو التالي:
2008م: ارتفعت أسعار الغذاء %6.4 بحسب المؤشر الأمريكي لأسعار المستهلك، وكانت النسبة هي الكبرى منذ عام 1984م. وكان تأثير الأزمة المالية شديداً، وتمثّل بهروب المستثمرين بأموالهم من قطاعات إلى أخرى. نتيجة لذلك نشبت اضطرابات في عديد من الدول الفقيرة.
2011م: ارتفعت الأسعار بنسبة %4.8، ويقول بعض الخبراء إن هذا الأمر أسهم في نشوب ما سمي “الربيع العربي”. وفي أرقام البنك الدولي أن سعر القمح تضاعف أكثر من مرتين في تلك السنة. وأدى جفاف في جنوب الولايات المتحدة إلى ارتفاع سعر الدجاج والبيض.
2012م: ارتفعت أسعار الأغذية %2.5، ولا سيما لحم البقر والدواجن والفاكهة، فيما انخفضت أسعار البيض والخضار. وأعربت وزارة الزراعة الأمريكية عن قلقها بشأن انخفاض إنتاج أمريكا الجنوبية من الصويا على نحو أدَّى إلى رفع سعرها.
2013م: ارتفعت الأسعار %0.9. فزاد سعر لحم البقر %2.0، وأدَّى الجفاف في العام السابق إلى ذبح المواشي في هذا العام، تجنباً لدفع سعر علفها المرتفع. وأدَّى الجفاف أيضاً إلى خفض نتاج الحبوب. ويذكر أن جفاف عام 2012م، استغرق أشهراً أدّى إلى ارتفاع الأسعار. وكانت أكبر نسبة هي ارتفاع أسعار الخضار الطازجة %4.7.
2014م: ارتفعت أسعار الغذاء %2.4. وأدَّى الجفاف في الغرب الأوسط الأمريكي إلى زيادة سعر لحم البقر %12.1، مع أن الخبراء توقَّعوا زيادة نسبتها %28. وعانت صناعة لحوم البقر من الجفاف، منذ 2012م. وكان الجفاف الأسوأ في كاليفورنيا قد رفع سعر الفاكهة %4.8.
2015م: ارتفعت الأسعار %1.9 عموماً، لكن سعر لحم البقر زاد %7.2، بسبب جفاف في تكساس وأوكلاهوما، فيما زاد سعر البيض %17.8، بفعل إنفلونزا الطيور.
2016م: كان يُتَوقَّع ارتفاع أسعار الغذاء بين 1 و%2، لكنها انخفضت %1.3، وتحسن سعر الدولار الأمريكي %25، فانخفضت أسعار الأغذية المستوردة إلى الداخل الأمريكي، وانخفض سعر البيض %21.1 عن سعره المرتفع سنة 2015م.
2017م: زادت أسعار الأغذية بنسبة %8.2، وهي أعلى نسبة منذ 2014م. وكانت وزارة الزراعة الأمريكية تتوقع ارتفاعاً نسبته %1 فقط. لكن الدولار أصيب بالضعف، فارتفعت أسعار المستوردات الغذائية. وتمكَّن المنتجون الأمريكيون من زيادة تصديرهم، فرفعوا السعر.
المزروعات المعدّلة جينياً:
أملٌ خاب!
في مواجهة ذلك، توجّهت الأنظار إلى المزروعات المعدّلة جينياً، لإنتاج الطعام. وظن علماء الزراعة في الغرب أنهم عثروا على “المعادلة السحرية” لحل مشكلة سوء التغذية في العالم، حين طوّروا أساليب تعديل المزروعات جينياً، لتصبح أفضل مقاومة للآفات الزراعية، ولتزيد إنتاجها من الثمار والحبوب. لكن يبدو أن آمال العالم اليوم خابت في هذه النافذة التي بدت بضع سنوات مفتوحة على أمل إنهاء الجوع.
فما سبب خيبة الأمل هذه؟
التعديل الجيني هو زرع جينات من نبتة معيّنة في جينوم نبتة أخرى. فمثلاً حين تكون نبتة أولى معيّنة حسّاسة حيال فيروس معيّن يسبب لها آفة، ونبتة ثانية لا تتأثر بهذا الفيروس بفضل بروتينة ما، عندئذ يعمل الخبراء الزراعيون في استخلاص هذه البروتينة من النبتة الثانية لزرعها في الأولى، فتكسب هذه المناعة نفسها حيال الفيروس الضار.
بهذه الطريقة استطاع مهندسو الزراعة في الولايات المتحدة في الثمانينيات أن ينتجوا طماطم معدّلة الجينات، تستطيع حتى وهي ناضجة، أن تظل نضرة عند نقلها أو بقائها أياماً على أرفف البقّالين. وحاز المحصول الجديد موافقة سلطة حماية البيئة الأمريكية. لكن أحد الأطباء اكتشف بسرعة في التسعينيّات، أن جرذان الاختبار التي تناولت هذه الثمار المعدّلة، أصيبت بتقرّح في المعدة وماتت. ولذا أدَّى إعراض الجمهور عن شراء هذا الصنف من الطماطم إلى توقفه.
مثال آخر، هو البطاطس المعدّلة، التي اعتقد الجميع أنها ستكون نجاحاً مدوّياً للزراعة المعدّلة ولمعالجة سوء التغذية. لكن مؤسسة التغذية الأمريكية نشرت عام 1998م دراسة مفادها أن حيوانات التجارب أظهرت خللاً عضوياً بعد تناولها هذه البطاطس المعدَّلة. وفي عام 1999م كان المزارعون بذروا البطاطا المعدَّلة في 50 ألف آكر (الآكر نحو 4 آلاف متر مربع)، في الحقول الأمريكية، لكن هذا توقف عام 2001م.
التعديل الجيني هو زرع جينات من نبتة معيَّنة في جينوم نبتة أخرى.
غير أن الأمر لم يتوقف عند المحاولة والإقلاع عنها، بل ظهرت حتى مخاطر هذا الأسلوب في تطوير الزراعة. ففي الولايات الآن %88 من الذُّرة المزروعة معدّلة جينياً. في البدء أخذ المزارعون في عام 1998م يبذرون الذرة المعدّلة، وما إن اكتشف الخبراء أنها تُقَرّح خلايا معدَّة اليسروع (يرقانة الفراشة)، وتسبب حساسية لدى البشر، حتى كان الوقت قد فات لتدارك الأمر، إذ إن الجينات المعدّلة كانت قد تفشّت في زراعة عدة أنواع من الذرة، ولم يعد يمكن حصرها والقضاء عليها. وحينئذ لجأت السلطات إلى حصر استخدامها لإطعام الحيوانات وللوقود. وبذلك خسرت معركة محاربة الجـوع في العالــم إحدى معاركها.
وفي عام 2011م دفعت إحدى الشركات العاملة في هذا الميدان 750 مليون دولار أمريكي تعويضاً لألوف المزارعين الذين خسروا حصادهم من الأرز المعدّل بعد اكتشاف مخاطر تناوله عند البشر. وكانت تلك، خسـارة معركة أخرى.
وفي عام 2002م، عرضت شركة أخرى على المزارعين الأمريكيين قمحاً معدّلا يقاوم الحشائش الضارة، إلَّا أن المزارعين لم يُبدوا اهتماماً بالعرض، وخافوا على زرعهم غير المعدّل من أن يتلوّث. وهكذا تصاعدت مواقف معارضة هذا النمط من تحسين الزراعة، لا في الولايات المتحدة فقط بل في العالم، خوفاً من تسرّب الجينات المعدّلة إلى مزارعهم. وكان التعديل الجيني سبباً في خلافات تجارية بين الولايات المتحدة وعدد من الدول، لا سيما في أوروبا.
مقترحات اتفاق كوبنهاغن لمكافحة سوء التغذية
خلال السنوات القليلة الماضية، وضع اتفاق كوبنهاغن (Copenhagen Consensus) قائمة بأفضل السبل لمكافحة سوء التغذية في العالم. ومنذ مؤتمره الأول، نشر مقترحات لأرخص الحلول لمواجهة جوانب من أزمة سوء التغذيـة في العالم. ويُذكَر أن منظمة الاتفاق المذكور تضم بعض أهم الاقتصاديّين والعلماء الحائزين جوائز نوبل، وأنها قدّمت بعض أفضل المقترحات لحل هذه المعضلات، التي تهدّد مئات الملايين من البشر.
ومن المقترحات، هذه الحلول الخمســة التي تبدو زهيــدة الثمن، وفي إمكان البلدان الفقيرة أن تعتمدها:• المغذيات المكمِّلة
يقول الباحثون، إنه يمكن سد نقص فيتامين أ لمئات الملايين من البشر، في سن الطفولة، والقضاء على نقص مادة الأيودين، والتقليص الحاسم لانتشار أنيميا الأمهات، في أثناء الحمل. ففي كل سنة، تُسجَّل 115,000 وفاة في العالم، بسبب نقص الحديد الناجم عن سوء التغذية. وترمي مبادرة التحالف العالمي لتحسين التغذية (GAIN: Global Alliance for Improved Nutrition) إلى القضاء على نقص المغذيات المكمِّلة بنسبة تراوح بين 20 و30 في المئة لدى 50 مليون طفل. وتنوي المبادرة توزيع مساحيق المغذيات والمكمّلات الغذائية الدهنيّة.• القضاء على الدود
أوصى اتفاق كوبنهاغن كذلك بالقضاء على الدود لتقليص سوء التغذية. فالدود في الأمعاء من أكثر أسباب سوء التغذية انتشاراً في العالم النامي. وثمة نحو 2,3 مليار طفل وبالغ مصابين بهذه الآفة، أي قرابة نصف سكان الدول الأشد فقراً في العالم. ومعلوم أن الدود يمتص المغذيات الأساسيّة التي يأكلها الطفل، فيسبّب سوء التغذية. والدود يضرّ حتى بصحة البالغين، لكن عواقبه عند الأطفال قد تكون جديّة للغاية. فبالإضافة إلى إضعاف الطفل، قد يحول الالتهاب وسوء التغذية دون نمو الطفل وحتى دون تعلُّمه. أما القضاء على الدود فأمر زهيد، ويمكن أن يقضي على نسبة جيّدة من حالات سوء التغذية في البلدان الفقيرة.• دعم الأغذية
دعم الأغذية هو إضافة فيتامينات أساسية ومعادن إلى الطعام، وهذه استراتيجيّة مهمّة لمحاربة سوء التغذية. وثمن هذه الوسيلة لتقليص انتشار سوء التغذية لا يتجاوز بضع سنتات للشخص الواحد في السنة، بزيادة الأيودين إلى الملح، وقد يصل الثمن إلى 0,25 دولار للفيتامينات المركّبة والمعادن. وقدّر اتفاق كوبنهاغن عام 2008م أن تكلفة توفير المغذيات المكمِّلة في شكل أيودين في الملح، وبرشامات فيتامين أ، وطحين معزَّز بالحديد، لجميع ضحايا سوء التغذية في العالم، لا تزيد على 347 مليون دولار في السنة. وتُقَدَّر الفائدة من هذا الاستثمار بنحو 5 مليارات دولار، بفعل تقليص عدد الوَفَيَات والتوفير في نفقات العناية الطبية.• التقوية البيولوجية
لا يملك كثير من سكان البلدان الفقيرة في العالم أن يأكلوا وجبات منوّعة غنيّة بالمغذيات، فالأطعمة الغنيّة بالمغذيات مثل الخضار والفاكهة والألبان والأجبان واللحوم، غالية الثمن، لذلك يعتمد الفقراء على بعض الأطعمة النشوية الغنيّة بالطاقة، لكن الفقيرة بالمغذيات. وبزيادة المحتوى من المغذيات في هذه النشويات، يمكن حل مشكلة النقص هذه.• أبحاث زيادة المحاصيل
أوصى اتفاق كوبنهاغن بزيادة الموازنات السنوية للاستثمار العام في الأبحاث الزراعيّة والتطوير، للمساعدة في تخفيض عدد ضحايا سوء التغذية، وتقليص المجاعة في العالم، لدى أكثر من 200 مليون نسمة. ويقول الباحثون، إن مثل هذه الجهود قد تخفض عدد الجوعى في العام 2050م بنسبة %63، بالمقارنة مع عددهم في العام 2010م، مع أخذ نمو عدد البشر في الحسبان. فزيادة المحاصيل في مزارع العالم تؤدي إلى خفض أسعار الأغذية لفقراء البلدان النامية. ومع أن المَزَارع في بلدان العالم تنتج اليوم ما يكفي لإطعام الجميع، إلَّا أن هذا الطعام الكافي لا يصل إلى كل المحتاجين. فثلث الطعام الذي ينتجه العالم (أي 1,3 مليار طن) لا يُستهلَك، وهو فرصة ضائعة لحل مشكلة الغذاء لدى واحد من كل 8 أشخاص. وإضافة إلى هذه الخسارة الفادحة، فإن إنتاج هذا المقدار من الطعام المهدور تطلب موارد ثمينة، إذ يقدّر مقدار الماء المستعمل لإنتاجه بما يتدفّق كل عام من ماء عذب في نهر الفولغا الروسي. كما أن إنتاج هذا الطعام أدّى إلى بث 3,3 مليار طن من غازات الدفيئة في الجو، بما فيها من أثر ضار على المناخ، وبالتالي على إنتاج الطعام.
اترك تعليقاً