أين الغرابة في أن تتناول أية مجلة ثقافية متنوّعة بيئتها الحاضنة من حينٍ إلى آخر؟ لا غرابة على الإطلاق. ولكن في رؤية القافلة لوطنها ما يستحق التوقف أمامه لأكثر من سبب.
فالمجلة التي ولِدت قبل سبعين عامًا موجهة بشكل خاص إلى عدد من موظفي أرامكو العرب بغية تزويدهم بألف باء ثقافة الصناعة البترولية، وتحولت لاحقًا إلى أحد أعلى المنابر الثقافية العربية، لم يغمض لها جفن عن هويتها الوطنية وانتمائها، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من عناوين عريضة وتفاصيل صغيرة، بدءًا من تسليط الضوء باعتزاز على معلم بارز من معالم التراث العمراني الوطني، وانتهاءً بوضع صفحاتها في خدمة مواطن موهوب في مجال ما، أملًا في أن يصبح نتاجه جزءًا أصيلًا من المخزون الثقافي الوطني.
ولمناسبة مرور سبعين سنة على صدور العدد الأول من القافلة، تعتز هيئة التحرير بإعداد هذا التقرير حول الصورة التي ظهرت بها المملكة على صفحاتها. وقد يكون من الأصحّ القول “الصور”، لأن تعامل القافلة مع وطنها وأخباره وإنجازاته، كان يتطوّر ويتبدّل بتطوّر إمكاناتها، وأيضًا بتطور العمل الإعلامي والصحافي، فضلًا عن مسيرة الألف ميل التي اجتازتها المملكة خلال هذه السنوات السبعين.
ونظرًا لاستحالة إجراء مسح شامل لكافة أوجه حضور المملكة على صفحات القافلة، نكتفي بعيّنة محدودة تُعبِّر باختصار عن ولاء المجلة لوطنها واعتزازها به وببنيه، وبالتميّز المهني في تناول الشأن الوطني.
بدءًا من أواخر المطاف، نشير إلى أن العدد الخاص الذي أصدرته القافلة لمناسبة اليوم الوطني خلال العام الماضي 2022م، لم يكن غير اختزال مكثّف لما كان عليه تعامل هذه المجلة مع وطنها منذ صدور عددها الأول قبل سبعين عامًا وحتى اليوم. فرغم أن صفحات كثيرة، كالتي خُصِصت لمواضيع مثل تعداد المواقع التراثية السعودية المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي والأزياء الوطنية السعودية وقصة الراية السعودية وغيرها، كُتبت من خلال سرد لحقائق مجرّدة، فإنها لم تُخفِ أبدًا الشحنة العاطفية ومشاعر الاعتزاز التي تقف وراءها. ولكن، لنعد إلى البداية…
لا نعرف على وجه الدقة والجزم ما كانت عليه طموحات فريق العمل لـ “قافلة الزيت” قبل 70 عامًا، بقيادة رئيس تحريرها الأول الأستاذ حافظ البارودي، رحمه الله. فالمعروف والشائع أن الشركة قررت إنتاج هذه المجلة لتثقيف موظفيها السعوديين والعرب في مجال صناعة الزيت الوليدة والجديدة عليهم. وهذا صحيح، تؤكده محتويات الأعداد الأولى من المجلة، التي غلبت عليها المواضيع المتعلقة بصناعة الزيت وأخبار الموظفين، وبعض صفحات التسلية للترغيب في القراءة. ولكن ثمة ما تضمنه العدد الأول من “قافلة الزيت”، ويشي بوجود طموحات مستترة تنتظر توفّر الإمكانات لتنفيذها. فمباشرة بعد افتتاحية رئيس التحرير، كان هناك مقال صغير حول التعليم وأهمية برنامج لمحو الأمية، ومقالة أخرى عن مرض الملاريا، وثالثة حول النجارة في منطقة الأحساء. وفي هذا ما يُشير إلى وجود تطلعات خجولة للخروج بصفحات هذه المجلة إلى رحاب أوسع من تلك التي كانت تتيحها الإمكانات البشرية والمادية التي كانت في حدّها الأدنى آنذاك. وهذا ما حصل بالفعل.
يبلغ عدد الذين أسهموا في القافلة خلال هذه السنوات السبعين أكثر من 3000 شخص. ولأن الاسم الواحد يتألف عادة من كلمتين، يكون مجموع أسمائهم أكثر من 6000 كلمة، أي أكثر من كل المجال المتاح لهذا التقرير. نسوق هذه الملاحظة لتفسير غياب معظم أسماء الأعلام، إلا من توفاهم الله، أو حيث كان لا مفر من ذلك، تلافيًا لإثارة أي حساسيات، أو اتهام بإغفال الحقوق الأدبية لأي أحد، فاقتضى التنويه.
من نطاق الشركة إلى رحاب المملكة
عصر الاستطلاعات المصوّرة الكبرى
في عدد شعبان 1376هـ، ولم يكن قد مرّ على صدور “قافلة الزيت” أكثر من أربع سنوات، نشر رئيس التحرير، الأستاذ شكيب الأموي، مقالة من صفحتين تتضمنان صورة واحدة لخريطة المملكة، وعرضًا عامًا جمع فيه جغرافية المملكة ومساحتها وحدودها وأحوال السكان والمناخ… واعدًا بالعودة إلى تناول هذه المواضيع بإسهاب أكبر في الأعداد اللاحقة.
قبل ذلك، وخلال السنة التالية للصدور، كانت “قافلة الزيت” قد تناولت على صفحاتها الأولى أخبار العمران الجديد في بعض المدن، وأولها الخُبر ومن ثم جدة. فتحتَ عناوين بسيطة مثل “النشاط العمراني في الخُبر” أو “ماذا يجري على الساحل الآخر”، عرضت المجلة مجموعة صور لأبنية جديدة أو قيد الإنشاء مكتفية بالتعليق عليها. وفي عدد يوليو من العام التالي، جاء دور النشاط العمراني في الرياض تحت عنوان “حركة وبركة” فقط.
ولكن مقالة الأموي رغم بساطتها الشديدة، كانت فاتحة صغيرة لعصر الاستطلاعات الوطنية الكبرى في تاريخ القافلة، التي بدأت باستطلاعات قصيرة كانت أقرب إلى المقالات، ولكن بأقلام كبيرة، مثل الشيخ حمد الجاسر الذي كتب عن “الرياض قديمًا وحديثًا” (محرم 1376هـ)، وعبدالقدوس الأنصاري الذي كتب عن عسير (جمادى الأولى 1385هـ)، ومن ثم بلغت ذروة نضـوجها المهني في العقد الثاني من عمر القافلة، واستمرت نحو أربعة عقود لاحقة.
لم يترك محررو القافلة ناحية من نواحي المملكة إلا وزاروها: مكة المكرمة والمدينة المنوّرة طبعًا، مرّات ومرّات، ونجران كما حائل، والقطيف كما جدة والرياض، والأحساء كما جزر فَرَسان… وغالبًا ما كانت القافلة خلال هذه السنوات تعود إلى المكان نفسه مرة بعد أخرى لمواكبة ما طرأ عليه من تطور، ولتتناوله بمزيد من التوسع والتفاصيل. فبعدما كتب الأنصاري أربع صفحات عن عسير، على سبيل المثال، تناول محمد بن هيف بن سليم المنطقة نفسها بعد 20 سنة تقريبًا باستطلاع من 50 صفحة نُشر على أربع حلقات، وتضمن 107 صور فوتوغرافية لما في عسير من معالم تاريخية وجغرافية والحياة الحديثة فيها.
ومن المرجّح أن توفّر المزيد من الإمكانات والكفاءات العاملة في المجلة أتاح التوسّع في تناول المناطق السعودية بجغرافيتها وتاريخها وأعلامها والحياة المعاصرة فيها على الصعيدين التربوي والاقتصادي، حتى أصبح ذلك سمة شبه ثابتة في معظمها. والملاحظة الواردة آنفًا حول استطلاعات عسير، تنطبق أيضًا على مجموعة الاستطلاعات التي أُجريت حول المدينة المنوّرة. فقد بلغ حجم الاستطلاع المنشور حول المدينة المنوّرة في محرم 1396هـ خمسة أضعاف ذلك الذي ظهر قبله بأربعة عشر عامًا حول المدينة نفسها. أما الرياض، فتبدو في الاستطلاع المنشور في أكتوبر 1999م، مدينة لا تمتّ بصلة للرياض التي تحدث عنها الشيخ حمد الجاسر قبل أقل من نصف قرن، بفعل النهضة التي غيّرت البلاد من حال إلى حال.
أين تكمن أهمية هذه الاستطلاعات؟
ظهرت هذه الاستطلاعات المصوّرة خلال زمن لم يكن فيه مفهوم السياحة الداخلية معروفًا بعد، ولا كانت وسائل تحقيقها من مواصلات متوفرة بسهولة. كما أن وسائل الاتصال المرئية كانت محدودة جدًا، ولا تفي بحاجة المواطنين إلى التعرّف على ربوع بلادهم. وبسبب اتساع رقعة المملكة جغرافيًا، كان من شبه المؤكد أن كثيرًا من مناطق المملكة كانت مجهولة تمامًا عند كثيرين من أبناء مناطق أخرى. فأدّت هذه الاستطلاعات دورًا بارزًا في تعريف قرّائها على أرجاء وطنهم التي لم يزوروها؛ لا بل حثّتهم بشكل غير مباشر على زيارتها.
وبالإضافة إلى ما حوته هذه الاستطلاعات من حقائق وأرقام ووصف أمين للواقع، فإن التدقيق في أي منها يُظهر أنه كُتِب بحب وشغف، حتى إن معظمها، كي لا نقول كلها، كان يتضمن أبياتًا من الشعر تتغنى بمحاسن هذه المنطقة أو تلك. وكان الطابع العاطفي يطغى على كل ما عداه في بعض الاستطلاعات، وخاصة تلك التي تتسم بطابع وطني كبير، كما ظهر على سبيل المثال في الاستطلاع الذي كتبه سليمان نصر الله حول الدرعية في عام 1972م، وتضمن فيضًا من الحقائق التاريخية والوثائق؛ إذ بدأ التعريف بالدرعية من خلال ديباجة أدبية ذات شحنة عاطفية كبيرة، وخصص القسم الأول من الاستطلاع لما قيل شعرًا في الدرعية عبر التاريخ. ولذا لم يكن مستغربًا أن يقتصر عنوان هذا الاستطلاع على “الدرعية.. قلعة الأمجاد”.
ووفقًا لتقديرات أُطلقت خلال احتفال القافلة بيوبيلها الذهبي قبل عشرين سنة، فإن مجموع الاستطلاعات المصوّرة التي تناولت مناطق المملكة وأبرز معالمها الحضارية آنذاك، بلغ ما بين ثمانية آلاف وتسعة آلاف صفحة!
ورغم أن تلك الاستطلاعات كانت تظهر تحت عناوين تؤطرها جغرافيًا، فقد أتت متميزة بطابع ثقـافي متغلغل في متنها، إذ حرص كثير منها على ذكر أعلام المنطقة في الأدب والشعر والفكر والتراث المادي للمنطقة.
العاطفة الوطنية شعرًا
أحيانًا، يقول بيت أو بيتان من الشعر ما يفيض من عاطفة الكاتب ويقصّر السرد في التعبير عنه. ولذا، حفلت الاستطلاعات الكلاسيكية حول مناطق المملكة بالكثير من المقتطفات الشعرية الدالّة على هذه العاطفة.
ففي استطلاع عنيزة، لم يتمكن الكاتب من تلافي استحضار بيت لامرئ القيس يقول:
تراءت لنا يومًا بسفح عنيزة وقد حان منها رحلةٌ وقلوصُ
وأيضًا ذكرُ جرير للمنطقة نفسها في البيت القائل:
إن الفؤاد مع الذين تحملوا لم ينظروا بعنيزة إشراقَا
ومن استطلاع حول الجبيل، ردد المستطلع مع الشاعر منصور علي منصور وصفه لهذه المدينة:
يُحيط بها النخيل وقد تعالى تلوح قُطوفه رُطبًا جنيَّا
يلطّفها نسيمُ البحر صيفًا وتلبسُ من لآلئه حُليَّا
أفاض كنوزَه فيها وألقى لها من صيده لحمًا طريّا
ومباشرة تحت عنوان تحقيق عن يُنبع، نقرأ بيتين يقولان:
سقى الله الحجازَ ويُنبعَيهِ وما حويَا من الخير المَهولِ
فيُنبع بحرِهم نفعُ البرايا ويُنبع نخلِهم مثوى القُفولِ
وكذلك الأمر بالنسبة لنجران:
هل زرتَ نجرانَ حيّا الله نجرانَا وجادها الغيث هطّالًا وهتّانَا
ترى بها الحسنَ يبدو أينما وقعت عيناكَ والزهرَ نمّامًا وفتّانَا
أما حائل، حاضرة شمّر، فكان من نصيبها بيتان على لسان أهلها من شعر ابنها حاتم الطائي:
أوقِد فإن الليلَ ليلٌ قرُّ والريحُ يا موقدِ ريحٌ صِرُّ
علَّ يرى نارك من يمرُّ إن جَلبَت ضيفًا فأنت حرُّ
وقِس على المنوال نفسه معظم ما ورد حول مناطق المملكة في تلك الاستطلاعات.
من الإضاءة على التراث الروحي والمادي
إلى رسم الخط البياني للنهضة الوطنية
لم ترتبك القافلة يومًا في التعامل مع التاريخ الروحي والمادي والمعنوي رغم اتساع فضائه في المملكة والجزيرة العربية عمومًا، وامتداده من العصر الحجري القديم إلى القرن العشرين. فحفلت صفحاتها بتقارير واستطلاعات ومقالات تتناول هذا التراث بجوانبه المادية والإنسانية، مع تركيز بارز على عصر الدعوة الإسلامية وما قبله وبعده بقليل، مثل مجموعة المقالات التي كتبها عبدالقدوس الأنصاري في ستينيات القرن الماضي حول تلك الفترة.
وفي هذا المجال، تجدر الإشارة إلى أن أحد أطول التقاليد عمرًا في المجلة الصادرة في بلاد الحرمين الشريفين كان وقوفها الموسمي المتكرّر أمام مناسبتي صوم شهر رمضان المبارك وموسم الحج، لتخص المناسبة بموضوع يحتل غلافها، أو بمقالات ذات مضامين مختلفة تتراوح بين ما هو ديني بحت بأقلام علماء ومفكرين بارزين، ومنها ما هو صحافي الطابع أقرب إلى أن يكون تحية إلى المدينتين المقدستين، سواءً أكان استطلاعًا مصورًا مثل “صفحات مشرقة من تاريخ المساجد وعمارتها في مكة والمدينة” (رمضان 1396هـ)، أم ملفًا فوتوغرافيًا حول الحج كما هو الحال في عدد يناير- فبراير 2004م.
أما بخصوص التراث المادي والمعنوي، فيمكن للقارئ أن يجد على صفحات المجلة ما يتراوح بين مقالة عامة عن الثموديين واللحيانيين تحت عنوان “الآثار في شمال المملكة العربية السعودية” (محرم 1386هـ)، واستطلاع حول قصر المصمك في الرياض، وصولًا إلى التاريخ المصوّر للطوابع البريدية والعملات السعودية حتى النصف الأول من القرن العشرين. فضلًا عن مقالات الفنون الحرفية والصناعات التقليدية الدالة على الانتماء الوطني مثل “المجوهرات السعودية.. كنوز عريقة تحرّك الحنين إلى الماضي” (مايو – يونيو 2019م)، و”السدو، أسلوب تفكير وهندسة وعمارة” (مارس – أبريل 2021م) وغير ذلك الكثير.
وما بين هذا وذاك، كانت تطل على صفحات المجلة في أحيان كثيرة شخصيات سعودية قامت بأدوار تاريخية لا تُنسى، وأسهمت في إيصال الوطن إلى ما هو عليه، مثل سلسلة المقالات التي ظهرت في أواخر ثمانينيات القرن الميلادي الماضي، وعرضت سير عدد من مشاهير القادة العسكريين السعوديين، تحت عنوان “نماذج من القيادة العسكرية في بلادنا”.
ولكن استطلاعات القافلة لم تنحصر في تلك الفترة على مناطق المملكة وآثارها، بل تعدتها إلى مواضيع حيوية وآنية، فتوقفت المجلة أمام ثمار النهضة الوطنية، ولم تترك شاردة ولا واردة إلا وثقتها بكثير من مشاعر الاعتزاز، من إنعاش الحرف التقليدية الصغيرة إلى المدينتين الصناعيتين العملاقتين في الجبيل وينبع. وبتسلسل مضامين هذه الفئة من التقارير والاستطلاعات، يمكن للقارئ أن يرسم الخط البياني للنهضة الوطنية السعودية خلال هذه العقود السبعة. وتكفي لذلك، على سبيل الاستشهاد، مقارنة الاستطلاع حول افتتاح مبنى مطار الظهران في عدد محرم 1382هـ، بذلك الذي يغطي افتتاح مطار الملك فهد الدولي في الدمّام في عدد شعبان 1420هـ.
وتتضح الصورة أكثر في تناول المجلة للتعليم والصروح التعليمية الكبرى. فبعد المقالة التي لم تشغل أكثر من نصف صفحة حول برنامج محو الأمية في العدد الأول من “قافلة الزيت”، ومن خلال مرافقة المجلة لقطاع التعليم الجامعي في المملكة، استوقفنا عدد محرم 1378هـ بصورة لجامعة الملك سعود تتصدر مقالة عن “النهضة التعليمية في الرياض”. وكانت الجامعة لا تشغل آنذاك أكثر من مبنى متواضع تابع لبلدية الرياض.
وبعد عدد من الاستطلاعات حول كل الجامعات السعودية ذات الأبنية الفخمة التي بُنيت لاحقًا، مثل جامعة أم القرى وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، نصل إلى القافلة في عدد سبتمبر-أكتوبر 2009م، لنرى أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) كانت موضوع ملف العدد في خروج عن المألوف في ملفات القافلة التي تقع دائمًا في 16 صفحة؛ إذ جاء الملف هذه المرة في 32 صفحة ليحيط بأكبر قدر ممكن من المعلومات حول هذا الصرح الجامعي الجديد. وفي قراءة متأنية لأغلفة الاستطلاعات الثلاثة المذكورة آنفًا، نلاحظ أن الأبنية الفخمة والحديثة غابت عنها لتحل محلها صور الطلّاب. فالأبنية على أهميتها، تبقى في نظر القافلة أقل شأنًا من الوعد والمستقبل، الذي يمثّله الطالب هنا، والمواطن السعودي بشكل عام.
أما على مستوى ما شهدته المملكة من صروح ثقافية وبحثية كبرى، فيمكن لمن يراجع أرشيف القافلة أن يجد على صفحاتها، عددًا ومضمونًا، ما يصلح لرسم خط بياني لهذا القطاع، انطلاقًا من مقالة بعنوان “أضواء على المكتبات العامة في المملكة” (أكتوبر 1961م)، الذي تألف من 4 صفحات احتل التذمر والشكوى أكثر من نصفها، ومرورًا بتقرير من 10 صفحات (أغسطس 1988م) حول “مركز أبحاث الحج لخدمة الحجيج والحفاظ على التراث الحضاري في مكة المكرمة والمدينة المنوّرة”، وصولًا إلى عدد يناير–فبراير 2017م، الذي تضمن تغطية شاملة في ملف من 16 صفحة لأحدث ما شُيّد من صروح ثقافية وأضخمها ليس على مستوى المنطقة الشرقية أو المملكة فحسب، بل على مستوى العالم العربي، ألا وهو مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء). ولماذا لم تستمر هذه الاستطلاعات الكلاسيكية المصوّرة حول المناطق السعودية حتى يومنا هذا؟ لماذا بدأت تتقطع في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، ومن ثم اختفت ليحلّ محلها شكل أو عدة أشكال أخرى من التعامل مع المملكة وشؤونها ومنجزاتها وتطورها وحتى أعلامها؟ ستضطرنا الإجابة عن هذا السؤال هنا إلى القفز فوق بعض أوجه حضور المملكة في القافلة، على أن نعود إليها لاحقًا.
احتضان المواطن المبدع
ظاهريًا، قد يبدو تناول ما زخرت به صفحات القافلة من أدب وشعر وقصص قصيرة ودراسات نقدية خروجًا عن الإطار المحدد لهذه المقالة. ولكن التمعّن فيما ضمته تلك الصفحات، وما كانت عليه قيمته وقت ظهوره، يمكن أن نستنتج منه أن هذه المجلة كان لها فهم عميق لقيمة “المواطَنة”. فقد فتحت القافلة صفحاتها باكرًا جدًا للمبدعين من المواطنين، خاصة أن النهضة الأدبية الحديثة كانت قد انطلقت، ومجالات ظهورها وانتزاع الاعتراف بقيمتها ضيقة جدًا. صحيح أنها استضافت على صفحاتها عددًا من ألمع الأسماء العربية، ولكن أكثرهم حضورًا كانوا من السعوديين. حتى يمكن القول إن معظم الشعراء الذين ظهروا بشكل شبه دائم على صفحات المجلة عدة سنوات كانوا من السعوديين، مثل: أحمد قنديل وحسن عبدالله القرشي وطاهر زمخشري. والأخير هو صاحب أول ديوان شعر سعودي معاصر صدر عام 1946م. فحتى أواسط القرن الماضي، لم يجد الشعر السعودي سبيلًا إلى الظهور والذيوع إلا من خلال مجاميع الاختيارات. فأخذت “قافلة الزيت” على عاتقها مهمة سد النقص في هذا المجال.
وإضافة إلى الأسماء اللامعة آنذاك، فتحت قافلة الزيت صفحاتها لأصحاب المواهب الشابة. ومن الأسماء التي ظهرت عدة مرّات كان هناك الشاب غازي القصيبي، الذي نشر قصائده على صفحات المجلة ما بين عامي 1964م و1967م، وكان ذلك من بواكير إنتاج الشاعر والروائي والسفير والوزير، الذي لمع اسمه لاحقًا في دنيا الأدب والوطن. فكان للمجلة سبق التنبؤ بموهبته الأدبية الفذة.
وفي أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، خصصت القافلة بابًا ثابتًا لتعريف العالم العربي بأدباء المملكة. ورغم أن هذا الباب الذي حمل اسم “أدباء من المملكة العربية السعودية” لم يدم طويلًا، فقد تمكن من خلال بعض الأعداد من التعريف على نطاق واسع بـ”محمد ماليباري قصاصًا”، و”حمد الحجي شاعر العذاب والرفض”، و”محمد سعيد العامودي شيخ الصحافة الإسلامية”، بعد التعريف في شعبان 1408هـ بالإمام عبدالله بن سعود في باب “نماذج من القيادات الفكرية في بلادنا”.
وفي مجال القصة القصيرة التي عاشت عقودًا على صفحاتها، أبرزت القافلة مواهب عدد كبير من الأدباء السعوديين من أمثال: محمود عيسى المشهدي، ولقمان يونس المتمكن من فن القصة القصيرة، والناقد الاجتماعي الساخر غالب حمزة أبو الفرج وغيرهم.
تحوّلات تاريخية فرضت نفسها
فتغيّرت القوالب ولم يتغيّر المضمون
خلال السنوات الخمسين الأولى من عمر القافلة، كانت المجلة تتطور ببطء، فزادت عددَ صفحاتها شيئًا فشيئًا، وحلّت الصور الملوّنة محل الصور بالأسود والأبيض. حتى اسمها تغيّر من “قافلة الزيت” إلى “القافلة” فقط. ولكن لم تكن القافلة وحدها ما تغيّر في المملكة والعالم خلال تلك الفترة. فبعدما كانت المجلة الثقافية الأولى التي تصدر في الجزيرة العربية، ولم يكن هناك منابر مشابهة تشاركها حمل أعباء مهماتها الضخمة، باتت هناك مجلات ثقافية عديدة في المملكة ودول الجوار الخليجي، وكثُرت الاستطلاعات المصوّرة على غرار ما كانت القافلة رائدة فيه. كما أن نهضة كافة أوجه الحياة في المملكة، وتسارع المنجزات الحضارية الكبرى، مضافة إلى تطور متطلبات القارئ في الألفية الجديدة عما كانت عليه في النصف الثاني من القرن الماضي؛ حتّم على أرامكو السعودية أن تعيد تجديد شباب القافلة، من خلال إعادة صياغة شخصيتها التحريرية وتجديد أبوابها وإخراجها، لتواكب التحولات التاريخية التي طرأت والمستمرة بتسارع يحبس الأنفاس. وفي مارس-أبريل عام 2003م، صدر العدد الأول من القافلة في حلّتها الجديدة.
جديد حلّتها في الألفية الجديدة
أبسط التحولات التي طرأت على القافلة في عملية تطويرها هذه كان القرار بالاستغناء عما هو موجود أو شائع أو يمكن تناوله بإسهاب تقليدي في الدوريات والمنابر الثقافية الأخرى، وذلك لصالح شكل جديد من التناول تنفرد به عن غيرها من المجلات في التعامل مع الموضوع الواحد. أما أكثر هذه التحوّلات تعقيدًا، فتمثّل في الموازنة بين الحفاظ على ما منح هذه المجلة مكانتها وشخصيتها التاريخية، وبين احتياجات القارئ الجديد الذي صار يعرف الكثير، ولكنه بات يطرح أسئلة أكثر، ويحتاج إلى سماع خطاب مختلف شكلًا ومضمونًا عن ذاك الذي كان والده أو جده يسمعه. فكيف تمكنت القافلة من متابعة المهمة نفسها في نطاق مهني مختلف؟
من أبرز ما صنع شخصية القافلة التاريخية وتقاسم صفحاتها كان هناك: صناعة الزيت، الالتزام بالقيم والتقاليد الإسلامية والاجتماعية، الانفتاح على أصحاب المواهب الشابة واحتضانهم، الاحتفاء بالمناسبات الدينية والوطنية، وتغذية الثقافة العامة عند القارئ في شتى مجالات الحياة. وهذا ما استمرت القافلة في الأخذ به، وإن كان ذلك وفق معالجات مختلفة.
أما التحوّلات والمستجدات التي فرضت على القافلة الأخذ بها، فكان التطور الكبير الذي طرأ على المستوى الاجتماعي، ومن أبرز ملامحه: ارتفاع المستوى العلمي والثقافي عند المواطن إلى أضعاف ما كان عليه قبل نصف قرن، وظهور قضايا مستجدة تتطلب وضعها موضع البحث، وانتشار وسائل نقل المعارف الحديثة.
صناعة الزيت: من تثقيف أفراد
إلى نسيج الثقافة الوطنية العامة
مع تقديرنا لكل الصناعات، صغيرها وكبيرها، تتميّز صناعة الزيت في المملكة بوزن وطني يكاد يكون وجوديًا. ومَن يدقق في تاريخ القافلة، يلاحظ أن الهدف التثقيفي خدمةً لموظفي الشركة، والذي كان أقرب إلى التعليم الابتدائي–النفطي في أعداد الأشهر الأولى، لم يعش طويلًا. فقد أصبحت الاستطلاعات والتقارير حول صناعة الزيت منذ السبعينيات على مستوى من العمق يخاطب حتى المحترفين من أصحاب المهنة، ويثير اعتزاز المواطن العادي غير المعني مباشرة بهذه الصناعة. وإلى جانب ذلك، كانت أرامكو السعودية قد أصدرت أكثر من دورية متخصصة موجهة إلى أصحاب المهنة. وهذا ما حتّم على القافلة أن تعمل وفق رؤية جديدة لأهمية صناعة الزيت بحيث تخاطب المجتمع بأسره، وليس فقط العاملين فيها.
ولأن المجتمع ككل كان قد وسّع اهتمامه من دائرة صناعة الزيت إلى الغاز الطبيعي ثم مصادر الطاقة المختلفة، التي تعاظم حضورها والحديث عنها في العالم كما في المملكة، وجدنا القافلة في حلّتها الجديدة تتعامل مع قطاعات الطاقة ككل في القسم المخصص لذلك، والذي أضافت إليه الاقتصاد. ومقياسها في ذلك هو اختيار ما هو جديد ووازن على مستوى المملكة واقتصادها ومكانتها العالمية في هذه الصناعة، وأيضًا ما يثير اهتمام القارئ العام.
“مشاريع الطاقة العملاقة وكيف تُبنى” (انطلاقًا من بناء معمل حرض)، و”نماذج ناجحة للتكامل بين مصافي البترول وإنتاج البتروكيماويات” (مارس–أبريل 2013م)، و”ناقلات النفط العملاقة” (سبتمبر–أكتوبر 2012م)، وما شابه ذلك من عناوين… هذا هو ما طغى على مواضيع الزيت في القافلة خلال الألفية الجديدة. وأيضًا، لأن جيل الشباب فاته الكثير من معارف الآباء، لم تجد القافلة حرجًا في إطلاعه على الأساسيات فيها مع التركيز على ما استجد من معطيات بشأنها.
وماذا لو أخذنا مهرجان الجنادرية مثلًا آخر؟
في عدد شهر صفر من عام 1408هـ (أكتوبر 1987م)، احتل مهرجان الجنادرية غلاف العدد، وتصدّر مواضيعها من خلال مقالة من ثلاث صفحات، ومجموعة كبيرة من صور المسؤولين الرسميين وبعض جوانب المهرجان. ولأن هذا ما صار لاحقًا متبعًا في معظم وسائل الإعلام المكتوبة بما في ذلك الصحف اليومية العديدة، ارتأت القافلة في صيغتها المحدّثة أن تتناول هذا المهرجان في شكل مختلف. وفي العدد الأول من هذه الصيغة الذي صدر في مارس-أبريل 2003م، خصصت “الملف المصوّر” الذي يتوسط العدد لهذا المهرجان، واكتفت بنشر مجموعة من 14 لقطة من مهرجان الجنادرية بعدسة أحد روّاد فن التصوير الفوتوغرافي في المملكة، ألا وهو صالح العزّاز رحمه الله. فضربت عصفورين بحجر واحد: استحضار المهرجان على صفحاتها بشكل تكريمي، والتعريف بفنان سعودي كرّمه المهرجان.
و”الملف المصوّر” هذا هو ابتكار “قافلي” حقق الغاية من إنشائه. ولإدراك جدواه، علينا أن نعود إلى تاريخ إطلاقه قبل عشرين عامًا، عندما كان التصوير الفوتوغرافي أسير عقبات كثيرة، والسعوديون المحترفون فيه يُعدّون على أصابع اليد. وقد أسهم هذا الباب في إطلاق عدد ملحوظ منهم إلى دنيا الاحتراف، وحفّز أكثر منهم على ذلك.
دعم الموهوبين والمبدعين
من شخصية الشهر إلى الصور الشخصية
ولعل ما يوضح صورة القافلة كمرآة تعكس التحولات الاجتماعية، التي طرأت خلال هذه السنوات السبعين، هو باب صغير كان موجودًا في “قافلة الزيت” في العقد الأول من عمرها بعنوان “شخصية الشهر”، وكان مخصصًا لعرض سِيَر بعض الموظفين السعوديين الناجحين في الشركة على صفحة واحدة. وفي العقد التالي، استبدلت المجلة شخصية الشهر بـ “رياضي الشهر”. وكانت الغاية من ذلك مجرد التحفيز على الالتزام بقيم العمل، أو ممارسة الرياضة.
وفي الألفية الجديدة، استعادت القافلة هذا الباب تحت اسم “صورة شخصية”، لتعرض نبذة عن شخصية ناجحة وتُعرّف القارئ العام بها، ولكن ربما من باب الاعتزاز بهؤلاء المواطنين الناجحين والتعريف بهم، أكثر من الدعوة إلى التشبه بهم. من أولئك كان المهندس سامي نوّار لعمله على ترميم الآثار المباني القديمة في جدة (يوليو-أغسطس 2004م)، وإبراهيم بادي الذي كان أول مسرحي سعودي يحصل على جائزة عالمية (نوفمبر-ديسمبر 2004م)، والمعمارية عزّة الدغيثر (مارس-أبريل 2003م)، والباحث الأكاديمي عبدالعزيز المانع تحت أضواء جائزة الملك فيصل (أغسطس 2009م)، وغيرهم العشرات.
وفي هذا الإطار، لم يفت القافلة تكريم أعلام الثقافة على المستوى الوطني في مقالات توثيقية تستعرض مآثرهم، مثل ابن مشرف الذي كان شاعر الإمام فيصل (أكتوبر 1983م)، والأديب والدبلوماسي حسن عبدالله القرشي لمناسبة وفاته (يوليو – أغسطس 2004م)، وغيرهما.
أما على مستوى توقير الإبداع ودعم الموهوبين والتعريف بهم، فقد ترسّخ على صفحات القافلة في الألفية الجديدة بابان ثابتان: أولهما خاص بالفن التشكيلي عمل بشكل رئيس على إبراز المواهب الوطنية في هذا المجال، واللافت فيه كان نصيب الفنانات الإناث اللواتي بتن يشكلن نسبة ملحوظة من ذوي الأسماء المرموقة في هذا المجال. والثاني كان للسينما السعودية الوليدة. وعكس هذا البابان الاندفاعة الكبيرة التي شهدتها الفنون في المملكة خلال العقدين المنصرمين.
بالعين والعدسة
من هنا وهناك في ربوع المملكة
بالنسبة للقارئ السعودي الشاب في الألفية الجديدة، لم يعد من الضروري استحضار ما قاله الشعراء في هذه المنطقة أو تلك كي تربطه القافلة عاطفيًا بها. فقد صار يعرفها، وكل ما يتعلق بهذه المناطق من معلومات وبيانات صار متوفرًا له على جهاز الهاتف المحمول. وهذا ما دفع القافلة إلى التخلي عن استطلاع المناطق بالأسلوب الكلاسيكي، لصالح استطلاع جانبٍ ضيق (غالبًا بيئي الطابع)، بشكل يركز على إبراز جمالاته بالصورة المصاحبة لنبذة عنه، وذلك في باب أسمته “عين وعدسة” استضاف موهوبين في التصوير عرّفوا القراء على ما في ربوع المملكة من معالم طبيعية وحياة برية تستحق الزيارة والمشاهدة، من غابة رغدان في الباحة حيث العرعر والأساطير (نوفمبر-ديسمبر 2017م)، إلى طيور منطقة تبوك حيث التنوع الحيوي بين البحر والصحراء والجبل (سبتمبر-أكتوبر 2020م)، مرورًا بما تحت الماء في جزيرة جبل الليث (يناير-فبراير 2019م).
العاطفة لا تشلّ العقل
قضايا.. قضايا.. قضايا
ولأن عاطفة القافلة تجاه وطنها لم تشلّ عقلها، بقيت تتطلع بعين فاحصة إلى مجتمعها وما يواجه من قضايا تستدعي طرحها على بساط البحث. ولذا، وإن تناولت في العقود الأولى من عمرها بعض هذه القضايا من حين إلى آخر، فإنها عززت طرح هذه القضايا على اختلاف مضامينها في باب ثابت كثيرًا ما فاض بطابعه على الأبواب الأخرى.
بعض هذه القضايا كان محليًا مثل: “المسكن السعودي وكيف يُصبح ميسرًا للأسر الشابة”، فقد كانت قضية مطروحة اجتماعيًا، وطرحتها القافلة على صفحاتها في عام 2006م. ولأن التغني بحسنات التعليم تجاوزه الزمن، تطلّعت القافلة صوب بعض المشاكل التي تواجه هذا القطاع، فتناولت “التقصير الدراسي من ثلاثة جوانب”، وتحدث في هذا الشأن ثلاثة اختصاصيين في التربية (سبتمبر–أكتوبر 2004م). كما عرضت “مؤشرات البحث العلمي في المملكة” من خلال تقرير من سبع صفحات (يوليو-أغسطس 2016م. وقس على ذلك ما أشبهه من مواضيع وشؤون متعدِّدة. وبعض هذه القضايا كان عالمي الأبعاد ولكن على تماس واضح مع المجتمع السعودي، مثل ظاهرة القيادات الشابة في العالم (يناير–فبراير 2006م)، أو “التعليم عن بُعد” وما شابه ذلك.
وفي بعض الأحيان، كانت القضية المطروحة من الضخامة بحيث لا تتسع لها صفحات هذ القسم، فكان عرضها مرحبًا به في ملف العدد، كما هو حال “رؤية المملكة 2030″، التي تطلب عرضها باختصار 16 صفحة (يناير-فبراير 2018م)، شملت أبرز ما في هذه الرؤية الوطنية الكبرى من عناوين فرعية، مثل: قطاع السياحة والترفيه، ومشروع مدينة نيوم، ومشروع مدينة القدية الترفيهية، ومسك والإبحار إلى المستقبل، والاقتصاد الإبداعي، والطاقة، ومستقبل الاقتصاد، وبرامج التحوّل الوطني، وغير ذلك الكثير مما بات معروفًا اليوم للجميع.
“أجل نحن الحجاز ونحن نجدُ”
ختامًا، علينا أن نعترف بحقيقة أننا بدأنا هذا التقرير ليكون حول التراث الوطني السعودي بعيون القافلة، فإذا بنا “نشطح” نحو رسم صورة المملكة ككل كما رأتها القافلة. وهل نُلام على ذلك؟ ثم، أين تقع الحدود الفاصلة ما بين التراث والحاضر إن كان هذا التراث لا يزال حيًا؟ وأيهما أهمّ من الآخر: الموقع الأثري أم الصرح الجامعي؟ فن العمارة التقليدية، أم ما يخرج من مختبرات الأبحاث اليوم؟ الأمر ليس مهمًا، المهم هو أن القافلة لم ترَ يومًا فرقًا بين هذا وذاك، بل تكاملًا يصوغ هوية وطنها. وفي التعامل مع وطنها، وتحت كل عنوان وبين كل سطر وآخر، ومع الحفاظ على أعلى درجات الأمانة للحقيقة والواقع، ثمة عاطفة معلنة تارة ومستترة تارة أخرى، عاطفة تُشع اعتزازًا وفخرًا بهذا الانتماء، ولسان حالها يردد ما قاله لاحقًا ذلك الشاعر الشاب الذي استضافته قبل أكثر من ستين سنة.
مجلتنا القافلة او “قافلة الزيت” عمرها اكبر مني بسبع سنوات، فمنذ ان وعيت على هذه الارض المباركة وانا اطلع على هذا النبراس واوصي العاملين في ارامكو بأن يحضروا لي المجلة الغراء حال صدورها ، ثم دارت رحى الحياة فأصبحت أمين مكتبة وكنت حريصًا ان تتواجد هذه الشعلة ضمن الدوريات التي نقتنيها ، كما كنت حريصًا على ان اطلع على كل الاعداد المحفوظة في الأرشيف الالكتروني .
اشكر كل القائمين على اصدار المجلة ، ورحم الله من وارهم التراب فلن ننسى فضلهم.
مجلة قافلة الزيت صدر العددالاول منها عام1953, وكانت منارة علم وثقافة لمواطني بلدي السعودية ، عرفتنا على ثقافة بلدان عربيه في وقت كان التواصل بيننا وبينهم محدوداً ، وأطلعتنا على طبيعة مدن بلادنا المختلفة التي كان الوصول اليها صعباً، وتلك من مساهمات أرامكو الحميدة في نشر الثقافة والعلم بالبلاد ، اضافة لصحيفة Arabian Sun باللغة الإنجليزية والتي تخصصت بنشر اخبارمجتمع أرامكو للاجانب .