مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس - أبريل | 2020

أكثر من رسالة


أدب الطفل السعودي في القصة والمسرح

حظي أدب الأطفال في المملكة باهتمام لا يزال يزداد يوماً بعد يوم، وما زالت الدراسات والبحوث حوله تتنامى، والإنتاج يتنوَّع بتنوّع حاجات الطفولة.
فقد كانت انطلاقة أدب الأطفـال في المملكـة بظهور مجلة الروضة التي أصدرها الشاعر طاهر زمخشري عام 1959م، تلاها ظهور ملاحق الأطفال ضمن الأعداد الصادرة عن الصحف اليومية، ثم صدرت مجلات خاصة بالأطفال، وألف كثيرون قصصاً للصغار.
إن ما يقدَّم للأطفال في المملكة العربية السعودية من نتاج قصصي متسارع العطاء ومواكب للمستجدات حري بأن يحفِّز المربين على أن يستلهموا منه كثيراً في مجال التربية والتعليم، فبهذا التكامل ينهض المجتمع.
وتركِّز رؤية المملكة 2030 في برنامج جودة الحياة على كثير من المبادرات التي تعزِّز القراءة لدى النشء، كمبادرة إعداد وإقامة دورات القراءة في المدارس بين الطلاب. ويهدف هذا الجهد إلى تحويل المملكة من دولة مستهلكة للمعرفة إلى دولة منتجة لها، كما أن من ضمن أهداف الرؤية إنشاء مكتبات ثابتة ومتنقلة ومخازن عبر الإنترنت لبيع واستعارة الكتب، وإنشاء مكتبات عامة.

الكتابة للمسرح لا تزال خجولة
ومع تنوُّع ما يقدَّم للطفل من أدب نجد الكتابة لمسرح الطفل ما زالت خجولة بسبب وجود بعض المعوقات، كصعوبة طباعة المسرحيات التي تُعدُّ طويلة نوعاً ما ليقرأها طفل. لذا تفضِّل دور النشر غالباً طباعة القصص على طباعة المسرحيات لعدم الإقبال على شرائها. وبالتالي، فإن كُتّاب الأطفال في الوطن العربي بشكل عام يميلون لكتابة الشعر والقصص على كتابة المسرحيات للأطفال لضمان من ينشر لهم، بالإضافة إلى صعوبة العمل على تدريب الأطفال على التمثيل والحاجة إلى تكوين فرق عمل مسرحية نشطة. وذلك يرجع لتداخل الفنون بشتى أنواعها في المسرح من إخراج وهندسة صوتية وموسيقى وإضاءة وأزياء. فالمسرح هو ذلك الفن الذي يجمع على خشبته كل الفنون، وقد تنبه المربون لأهميته البالغة في تنمية مهارات النشء وبناء شخصياتهم، فإن كانت القصص تنمي جوانب اجتماعية وأخلاقية وتقدِّم ثراءً لغوياً للطفل ومساحة خيالية وجمالية وأخرى تعليمية فإن المسرح بالإضافة إلى كل ذلك يتفرد بأهداف تربوية عميقة، لا تعوض عنها أي من الأنواع الأدبية الأخرى.
فالمسرح لعبة، واللَّعب جزء من عالم الطفل ووسيلته للتكيف مع مجتمعه. ويسهم المسرح في حل كثير من المشكلات والتخلص من بعض الصفات كالخجل، وتنمية صفات أخرى تنمِّي الشخصية كالثقة بالنفس والقيادة.
فحتى مع وجود هذا الكم الهائل من برامج الأطفال على التلفاز والأجهزة اللوحية التي تحقق أهدافاً ترفيهية وتعليمية، يبقى المسرح ضرورة مُلِّحة. لأنه في صميمه ليس وسيطاً تعليمياً وترفيهياً فحسب وإنما يمتاز بذلك التفاعل الاجتماعي المهم والجوهري في مرحلة الطفولـة الذي تفتقـده الوسائط الأخرى.
إننا نلاحظ تقدُّماً واهتماماً متزايداً لمسرح الأطفال في المملكة عموماً، وفي المنطقة الشرقية بشكل خاص. فتستمر جمعية الثقافة والفنون في رعاية المواهب، وتشجِّع الفرق، وتقيم المهرجانات لمسرح الطفل.
ويُعد الكاتب عبدالله آل عبدالمحسن من روَّاد مسرح الطفل في المملكة والخليج. وقد بذل جهداً في سبيل بناء مسرحٍ للطفل وتثبيته وأراد له نمواً وحضوراً أكبر على الساحة الإقليمية والخليجية. ومن الكُتّاب الذين أعطوا الحياة المسرحية جل إبداعهم الكاتب المسرحي علي المصطفى الذي أسهم في كتابة برامج الأطفال، وألّف نحو 25 برنامجاً. ومن أبرز المسرحيين أيضاً الكاتب بكر الشدي، الذي يُعدُّ أحد رواد الحركة المسرحية السعودية، وكانت له برامج للأطفال ومنها “سلامتك” والبرنامج الخليجي الشهير “افتح يا سمسم”، وكذلك الكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي والكاتب المسرحي عباس الحايك وغيرهم.
ويتجلى اهتمام المملكة العربية السعودية بمسرح الطفل في مبادرات رؤية 2030 باعتبار افتتاح المسارح من أبرز المبادرات في برنامج جودة الحياة، حيث يشمل نطاق العمل بناء أو تجديد مسارح وقاعة فعاليات كبرى. ونحن جميعاً ككتاب نتطلع إلى تحقيق هذه الرؤية الطموحة. وفي نهاية المطاف نتمنى عطاءً لا محدوداً ونتاجاً ثرياً يغذِّي عقول أطفالنا وينمِّي ذوقهم وخيالهم، ويحمل هم ثقافتنا العربية وقيم ديننا الإسلامي ويبتعد عن سطوة الشخصيات التجارية التي تصدّر للأطفال، وتستحوذ عليهم وتحاصرهم في جميع ملابسهم وأدواتهم وأجهزتهم من دون أن تقدِّم لهم قيمة ثقافية.
نتمنى أدباً راقياً بأجنحة من خيال ومعانٍ عميقة لأطفالنا في المملكة والعالم العربي والعالم ككل.

إيمان محمد الحمد


“الوجه” في مخيلة شعراء البصيـرة.. البردوني نموذجاً

القافلة انعكاس لاسمها، سير حثيث يعبر مناطق الزمن ليعزِّز صلاتها الوثيقة بقرَّائها الذين ارتبط غذاء عقولهم بثرائها الصادر عن ذاكرة مهنية موغلة في الاحتراف الصحافي النوعي الذي جعل ملفاتها تتسم بواحدية الفكرة، ووفرة التعدُّد الموضوعي.
وجاء ملف “الوجه” في عدد يناير- فبراير بما يحلو للعرب تشبيهه، مكتملاً كالبدر في لحظة التجلي. إذ قدَّمته الكاتبة كموضوع محوري في عوالم الإبداع الإنساني عبر مسار تاريخ الأدب والفن والفلسفة والعلم والطب، والتقنية، لافتة الأنظار والعقول إلى قضية حضوره على مسرح التعامل الحياتي كنافذة يطل منها المرء على الآخر والعكس..
غير أن زوايا موضوعية في الملف لم تأخذ حقها، كالبعد الوظيفي للوجه في القرآن الكريم والمثل الشعبي. إذ يتجلى الوجه في السياق القرآني من الناحية الملموسة بصرياً كلوحة بيانية لأعمال المرء، كما وصف الله النبي، صلى الله عليه وسلّم، والذين أمنوا معه، بقوله تعالى: ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ (الفتح 29). ومن الناحية المعنوية ما يعبِّر عن غبطة وفرحة أصحاب الأعمال الصالحة بفوزهم: ﴿وجوه يومئذ مسفرة، ضاحكة مستبشرة﴾ (عبس 38-39)، واكفهرار وجوه العصاة والمجرمين كتعبير عن الخسران: ﴿ووجوه يومئذٍ عليها غَبَرَة، ترهقها قترة، أولئك هم الكفرة الفجرة﴾ (عبس40-41-42).
أما في المثل الشعبي السائر يقال: “الوجه مصباح البدن”، أي إنه سراج يتوهج ليدل على نوايا صاحبه وطيبه ولؤمه وصحته وسقمه. فإذا حَسُن الوجه وطاب، فكل الجسد يأخذ حظه من ذلك والعكس.. ومثلما توجد إمكانية في تزييف الوجوه بصرياً، فثمة إمكانية لزيف الجواهر، على نسق من المفارقات التي لا تجعل جمال الشكل هو جوهر المرء مهما بلغ به من بهاء، إذا لم يصدق الفعل سمات النَّضَارة.
كما أن زاوية موضوعية أخرى لم تأخذ حقها، أو لم تُدْرك، وهي رؤية شعراء البصيرة (العميان) لوجوههم التي يحملونها ولا يعرفونها، وتصورهم للوجه الآخر كقضية محورية في مقام الحديث عن حضور الوجه في الشعر العربي. إذ إن عطاءهم يشتمل على صور متخيلة بلغة تصويرية دقيقة البيان تجعل من وجودها خيطاً يسرج العقل في دهشة نفاذ البصيرة، كبديل لمأساة فقدان نعمة البصر. فالشاعر اليمني عبدالله البردوني (1929-1999م) مثلاً فقد بصره وكان في الرابعة من طفولته بسبب وباء الجدري، فرافقته هذه المأساة طول حياته الزاخرة بالإبداع. ففي ديوانه “وجوه دخانية في مرايا الليل” يطارد الشاعر في قصيدة بالعنوان نفسه وجه حلمه في مفازات الليل وبما يعكس عيشه السرمدي في الظلام:
أيها الليل !!.. أنادي إنـما
    هل أنادي؟ لا .. أظن الصوت وهمي
إنه صوتي … ويبدو غيره
    حين أصغي باحثــاً عن وجـه حلمــي

وفي ديوانه “السفر إلى الأيام الخضر”، يتجلى البردوني في قصيدته “غريبان وكانا هما الوطن” شاعراً بصيراً جابت مخيلته الآفاق راسمة صوراً عجز المبصرون أن يتخيلونها، لكنه بَرْوَزَها ببيان مشرئب بالسهل الممتنع معبراً عن الذاكرة الجمعية اليمنية القلقة المجبولة على مكابدات الهجرة والضرب في مناكب الأرض، إذ يطل من ناصية مهاجر يتهجى العابرين لعله يجد فيهم يمنياً واصلاً من الوطن الأم:
من ذلك الوجه …؟ يبدو أنه (جَنَدِي)
    لا … بل (يريمي) سأدعو، جدّ مبتعد

ويسترسل مخمناً انتماء الوجه لأي من مناطق اليمن المترامية، مفضياً لتخمين شمل جغرافيا اليمن عبر أهم الصفات المشتركة بين أبنائها:
عرفته يمنيًّا في تلفّته
    خوفٌ … وعيناه تاريخٌ من الرَّمَـدِ

وفي قصيدته الشهيرة: “أبو تمام وعروبة اليوم” التي ألقاها في مهرجان الشعر العربي بالموصل في العراق عام 1971م الذي أقيم تخليداً للذكرى الألف لوفاة الشاعر العربي الكبير حبيب بن أوس الطائي المكنى بـ”أبي تمام” يوغل البردوني في وصف تفاصيل وجهه الموشى بزمن الهزال والشيب المبكر، متسائلاً في خطابه الموجَّه افتراضاً لأبي تمام، عن سر تعجب الأخير من وجهه المجدور:
(حـبيب) هـذا صـداك اليوم أنشــده
    لـكن لـماذا تـرى وجـهـي وتكتئــب؟
مـاذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟
    إنـي ولـدت عجوزاً.. كيف تعتجبُ؟!
والـيوم أذوي وطـيش الـفـن يعزفني
    والأربـعـون عـلى خـــدّي تـلتهـــبُ
كـذا إذا ابـيض إيـنـــاع الـحيــاة على
    وجـه الأديـب أضــاء الفكـرُ والأدبُ

محمد محمد إبراهيم
كاتب من اليمن


مقالات ذات صلة

为阿拉伯国家最著名的文化杂志之

رأت ما نشره الكاتب أحمد السعداوي في مجلة القافلة، في العدد الماضي (العدد 700)، تحت عنوان “الرواية.. فن التواضع”، إذ استعرض رأي “جون برين” بخصوص كتابة الرواية الأولى التي أشار إلى أنها تبدو أشبه بالتنويعات على السيرة الذاتية.

ذا أردت أن تقرأ بفاعلية، فاقرأ كتبًا مُعمّرة، أي تلك الكتب القديمة المُتخمة بالدروس الحياتية طويلة المدى؛ كتبًا قديمة ذات قيمة عالية، مليئة بـ “الزبدة” والطاقة الكامنة للمعلومة، ذلك لأنها استمرت طوال السنين وقودًا لتقدم البشرية.


0 تعليقات على “أكثر من رسالة”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *