مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس - أبريل | 2020

كتب


كتب عربية

الأسلوبية موسيقياً
تأليف: نصير شمة
الناشر: دائـــرة الثقافـــة والسياحـــة أبو ظبي، مشروع كلمة، 2019م

تتعدَّد أهداف هذا الكتاب كما يشير مؤلفه الفنان نصير شمة، في مقدِّمته. ومنها أنه يضع الموسيقى العربية على خريطة الثقافة والفكر النقدي، من خلال مواصلة البحث في هذا الموضوع وتطويره كونه إبداعاً يحتاج إلى تنظير حقيقي يغوص في العمق، ولا يكتفي بملامسة السطح الجمالي للعمل الموسيقي. وهو يسعى كذلك إلى الوصول إلى القارئ المختص وغير المختص، ويلفت أنظار المتخصِّصين في مجال الموسيقى لفهم الأسلوبية موسيقياً وتطبيقها عند الحاجة.
وينطلق شمة في بحثه من فرضيات أساسية من بينها “إن تحديد أسلوب أي منتج موسيقي من شأنه أن يكون عملاً ناجحاً من حيث الشكل والمضمون” وإن بوسع القارئ والناقد تحليل هذا الأسلوب وفقاً لقواعد الأسلوبية المعتمدة في العمل نفسه. ويفترض كذلك أن كثيراً من الأعمال الموسيقية العربية والعالمية تتداخل في ما بينها مما يجعلها تفتقد السمة الأسلوبية، وتعدّ غير متكاملة لأنها بمثابة تجميع هجين وتناص غير مقصود لأعمال متفرِّقة.
ويفهم القارئ على مدار فصول الكتاب الثمانية العلاقة بين الموسيقى والشعر وحالة التقارب بينهما. كما يدرك معنى “الأسلوبية” في العمل الموسيقي باعتبارها تفاعلاً بين العقل والحواس ونتاجاً اجتماعياً وسياسياً وليس فنياً فحسب، وهذا ما ينعكس مثلاً في موسيقى الجاز.
ويزخر الكتاب بنماذج إبداعية تطبيقية درسها المؤلف لأنها شكَّلت إنجازات فنية عالية صنعت أسلوبية خاصة بها وشكَّلت تياراً كبيراً مستقلاً، كالرحابنة وفيروز الذين أسسوا، كما يكتب، تياراً كاملاً في الموسيقى، اجتذب كثيرين إلى بريق دائرته، لكنه ظل يقف متميزاً وبهوية أسلوبية لم يستطع حتى أكثر مقلديها جدارة أن يتمايز داخلها بصنع أسلوبيته الخاصة أو المشابهة لها.
كما يتناول المؤلف بعض النماذج الفردية التي صنعت ما سمَّاه “أسلوبية الفرد داخل المجموعة”، مثل تلك التي تتحقق في فرق الأوركسترا، حين يتمايز عازف معيَّن داخل أوركسترا كبيرة تجعـل أسلوبه يبرز بشكل واضح، مع أنه يؤدي النوتة المكتوبة أمامه التي يؤديها مختلف أعضاء الأوركسترا في اللحظة نفسها. ويقف بتفصيل أكثر عند بعض المبدعين الموسيقيين شرقاً وغرباً، مثل زكريا أحمد، ومحمد القصبجي، ومحمد عبدالوهاب، وناظم الغزالي، وفريدريك شوبان، وحرص على تحليل الهوية الأسلوبية لمنتجهم الفني من عينة من أعمالهم.

الاستشراق الألماني والمستشرقون في المراجع العربية
تأليف: علي بن إبراهيم النملة
الناشر: بيسان، 2019م

ينشغل الباحث السعودي علي بن إبراهيم النَّملة بقضايا الاستشراق بشكل عام منذ نحو أربعين سنة، ويمكن اعتبار هذا الكتاب الذي يضم رصداً بيبليوجرافياً للمراجع والكتابات العربية التي عنيت بالاستشراق الألماني تحديداً، تتمة لكتاب سبق أن أصدره بعنوان “الاستشراق الألماني بين التميّز والتحيّز” درس فيه بالتحليل تطوّر الفكر الاستشراقي الألماني الذي اهتم بمسائل التراث العربي والإسلامي من مختلف الجوانب.
ويوضِّح المؤلف في تمهيده للكتاب أنه انجذب إلى الاستشراق الألماني لتميزه من بين المدارس الاستشراقية الأخرى المعروفة في عالم الاستشراق، وإنه بحكم تخصصه في مجال المكتبات والمعلومات كان قد سيطر عليه ولا يزال هاجس الرصد والوصف البيبليوجرافي أو “الوراقي”، بحسب المصطلح الذي حرص على استخدامه كمرادف لهذا النوع من الوصف، حتى وصل إلى الاقتناع بأهمية وضع قائمة ببيانات الكتب والدوريات والدراسات التي تيسر له جمعها أو الاطلاع عليها حول الاستشراق الألماني، وإصدارها في عمل مستقل.
ويؤكد الكاتب على أن جهده، في تجميع هذه البيانات ليس شاملاً. فهو يبقى جهداً فردياً غير حصري، لا يرقى إلى الإحاطة الكاملة بجميع ما نشر في هذا المجال لأن ذلك “من أعمال المؤسسات والمراكز البحثية”. وهو يصف عمله هنا بأنه “رصد تقليدي في بدايته” لما أسهم به الكُتَّاب العرب والمسلمون، والكُتَّاب غير المسلمين من المستشرقين في ما له علاقة بالاستشراق الألماني دراسةً وترجمة. وإن مثل هذه المبادرات تبقى مهمة رغم تطوُّر وسائل البحث الإلكترونية، لأنها تحفظ حقوق الملكية الفكرية. كما يظل مثل هذا الرصد عملاً فنياً، لأنه يهدف إلى سرعة الوصول إلى المعلومة الكاملة عن المادة العلمية.
ويعرض الكتاب على مدى 316 صفحة قائمة بيليوجرافية توزعت على ثلاثة أقسام. يهتم الأول منها بالاستشراق الألماني نفسه، وما تعرَّض له من نقد في المراجع العربية، أو من حديث عنه من دون وجهة نظر نقدية، وبرزت فيه الكتابات الاستشراقية نفسها. ويركِّز القسم الثاني من القائمة على المستشرقين الألمان نفسهم على اختلاف توجهاتهم، وما قيل عنهم من مدح أو قدح. وأشار المؤلف إلى أنه التزم ما استطاع الموضوعية في هذا الرصد “من دون السعي إلى تغليب الهوى والانتقائية”. أما الجزء الأخير من القائمة فيختلف عما سبقه بتركيزه على المشهورين من المستشرقين الألمان، والإسهامات التي كتبت عنه بأقلام عربية وغير عربية.

الفلاسفة والعلم
تأليف: مجموعة من الأكاديميين، تحت إشراف بيير فاغنير
ترجمة: د.يوسف تيبس
الناشر: هيئة البحرين للثقافة والآثار، 2019م

ينطلق هذا الكتاب من مجموعة أسئلة رئيسة حدَّدها في مقدِّمته المشرف على تحريره بيير فاغنير، أستاذ الفلسفة في جامعة باريس 1 بالسوربون، ومنها: ماذا يجب أن ننتظر من الفيلسوف؟ ماذا يمكنه أن يعلِّمنا بخصوص العلم؟ وما موقفه منه؟ وما هي مهمته؟ ما جدوى نشاطه: هل هو تأسيس العلم؟ أم نقده؟ أم التعليق عليه؟ أم الاحتفاء به؟ أم يبين حدوده أو مناهجه أم موضوعاته؟ أم يقوّم آثاره؟.
تتمثل غاية هذا العمل في توضيح تنوُّع الأجوبة عن هذه الأسئلة من خلال فحص بعض الأمثلة. فهو لا يهدف إذاً إلى فحص مشكلات فلسفية مختارة من بين تلك التي تثيرها العلوم أو يحدثها العلم، ولا تقويم الحلول التي أمكن تقديمها إليها أو التي يمكن تقديمها، بل “يبحث بالأحرى في الطرق المتنوِّعة التي بها استطاع فلاسفة وعلماء ومجموعات من الكتّـاب أو مدارس الفكـر أن يتصـوروا العلـم وأن يعيدوا تمثله”.
وفي سياق الإجابة عن هذه الأسئلة، ومن خلال عشرين فصلاً تقع في 751 صفحة، يتوسع مؤلفو الكتاب وهم مجموعة من الأكاديميين الفرنسين المتخصصين في الفلسفة في معالجة أربع إشكاليات كبرى تطرحها العلاقة بين العلم والفلسفة. وأفردوا لكل منها باباً مستقلاً. ويوضح محرر الكتاب أن فصول الكتاب جاءت متباينة من حيث الطول والأسلوب، لكنها تجتمع على جعل قراءتها غير مستعصية على القارئ الذي لم يكتسب ثقافة فلسفية واسعة من قبل.
تتعلق أولى الإشكاليات التي بحث فيها الكتاب بتعريف العلم من وجهة نظر الفلاسفة بدءاً بأفلاطون وحتى الفلاسفة المحدثين. ويفهم القارئ أن سبب التنوُّع في المشكلات التي أثارها الفلاسفة في شأن العلم وتنوُّع الحلول التي قدَّموها، يعود في الأساس إلى التنوُّع في ما بينهم في استعمال مفهوم “العلم” نفسه والمعنى الذي يعطى له. ثم يبحث الكتاب في إشكالية نقد العلم وحدوده فيناقش أفكار النزعة التجريبية والنزعة الشكية الإنجليزية التي ترتاب في أي معتقد يتعلق بظاهرة لا يمكن اختبارها بشكل تجريبي. ثم يناقش العلاقة بين العلم والنزعة الطبيعية. ويحلل أخيراً بشكل متعمق العلاقة بين العلم والتاريخ والمجتمع عبر دراسة أفكار عدد من التيارات والمذاهب الفلسفية النقدية مثل مجموعة الأفكار التي طرحها فلاسفة مدرسة فرانكفورت والتي ترى أن العلم يرتبط ببعض التحيزات والمصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أي إنه لا يُعدُّ مستقلاً بشكل كامل.

المتخيل المشترك، الرواية العالمية الجديدة
تأليف: محمد معتصم
الناشر: فضاءات للنشر والتوزيع، 2020م

يناقش هذا الكتاب عدداً من قضايا الإبداع الروائي وأسس التخييل الأدبي بالتطبيق على مفهوم الرواية العالمية الحديثة. فيوضح مؤلفه الناقد المغربي محمد معتصم أنه لكي تكون الرواية عالمية، لا بدّ من أن تكون هي وصاحبها قد حققا المقروئية الواسعة، وما يعنيه ذلك من ضرورة ترجمتها إلى عدد من اللغات الحية، وأن يكون كاتبها نفسه قد عُرف بين الناس في عصره كروائي، وأن يشهد له النقاد كذلك بالإبداعية في الموضوعات التي يعالجها، وأن يرقى بمحليته إلى درجة تصل بها إلى نموذج أصيل يمكن تعميمه.
ومن ضمن المعايير التي حددها الكاتب أيضاً لكي يتسم العمل الروائي “بالعالمية”، أن تكون مؤلفات صاحبها “إنسانية يجد فيها القارئ أياً كان ذاته أو جزءاً منها”، أي أن تكون قضاياه نفسية واجتماعية، وأن تتضمَّن الرواية موقفاً شخصياً وإنسانياً من الحياة ومن العصر، وأن تعالج قضية فكرية أو ظاهرة إبداعية وثقافية في طور التشكل، وأن تقدِّم أخيراً اقتراحات خلاقة يكون مؤلفها سباقاً إليها.
ويؤكد محمد معتصم على أن “الرواية العالمية” قبل هذا كله هي “توصيف نقدي لظاهرة، وهي مشتقة من لفظة “عالم”، أي روايات من دول مختلفة ولغات متنوِّعة متعدِّدة. والغاية من هذا الاختلاف والتنوُّع والتعدُّد الوقوف على التقاطعات المفصلية التي تشترك فيها كل الروايات”. وهكذا نتبين من التحليل الذي يقدِّمه المؤلف لعدد من الروايات العالمية أنها تشترك جميعاً في ما أطلق عليه “المتخيل”، وهو حسب تعريفه الخلفية التي ينسج عليها الكاتب، ويروي السارد الأحداث والوقائع وعلاقات الشخصيات الروائية أو الشخوص الواقعية التي تدور حولها الحبكة، ويتحدّد وفقها فضاء العمل، أي زمانه ومكانه. وبواسطة هذا “المتخيل” يمكن تأويل الرواية ككل، وقراءة مكوناتها الداخلية ومقاصد كاتبها.
ويشير الكاتب إلى أنه لكي تكتسب الرواية القدرة على الاستمرار وتخترق حدود الإطار المحلي الذي أنتجت فيه وتنتقل إلى رحاب العالمية فإنها تحتاج إلى “خلق متخيل مشترك بين مختلف الثقافات والشعوب والأزمنة والحقب التاريخية”.
وعلى مدى 255 صفحة، يعالج المؤلف أربعة أنواع من هذا “المتخيل المشترك” وهي: المتخيل التاريخي، والمتخيل الديني، والعقدي، والمتخيل الأدبي، والمتخيل الذاتي، بالتطبيق على عدد من الروايات التي ينطبق عليها وصف “العالمية”، كما تم تحديده في هذا العمل.


كتب من العالم

لغة غير محدودة: العلم وراء قوتنا الأكثر إبداعاً
Language Unlimited: The Science Behind Our Most Creative Power
by David Adger
تأليف: ديفيد أدجر
الناشر: 2019 ,Oxford University Press

يتميَّز البشر دون سواهم من المخلوقات بقدرتهم على ابتكار وفهم اللغات. فاللغات توفِّر لهم بنية لأفكارهم تسمح لهم بالتخطيط والتواصل وتوليد أفكار جديدة. ولكن، على الرغم من أن التجارب البشرية الحياتية محدودة واللغات المستخدمة مخازن محدودة للكلمات، فإن نطاق اللغات غير محدود على الإطلاق. وعلى سبيل المثال، إذا كتب شخص جملة جديدة وبحث عنها في محرك غوغل، هناك احتمال كبير بألاَّ يظهر ما هو مماثل لها أبداً بين مليارات الجمل الأخرى على الإنترنت. في هذا الكتاب يحاول ديفيد أدجر، أستاذ اللغة في جامعة كوين ماري البريطانية، الإجابة عن السؤالين التاليين: من أين يأتي إبداعنا اللغوي؟ وكيف يمكن للبشر أن يُخرجوا نطاق اللغة اللانهائي هذا من ذواتهم المحدودة؟
بالاعتماد على مجموعة من الأبحاث في علم الأعصاب وعلم النفس واللغويات، يأخذ أدجر القارئ في رحلة لاستكشاف البنية الخفية وراء كل ما نقوله أو نستخدمه كلغة إشارة، إذ إنه في تلك البنية الخفية يكمن السر وراء لا محدودية اللغة.
ولكي يستكشف هذه البنية الخفية، يحاول أدجر فهم الطريقة التي استطاع بها بعض الأطفال الصم من ابتكار لغتهم الخاصة، وكيف يمكن للغات جديدة أن تبرز باستخدام هياكل موجودة في لغات يتحدث بها سكان قارات بعيدة. ويؤكد أدجر أن هناك أكثر من 7000 لغة في العالم، ولكنها مبنية على أساس القوانين العلمية العميقة نفسها، وعلى أساس هذه القوانين يمكن للبشر دائماً ابتكار لغات جديدة. ومن ثم نتعرَّف معه على السبب الذي يجعل أدمغتنا تعاني بشدة عندما نحاول تعلُّم لغات غير ممكنة. وأخيراً يعرض أدجر للطرق غير الإنسانية لابتكار اللغات مثل تلك التي اعتمدها الذكاء الاصطناعي في ابتكار المساعدات الصوتية مثل أليكسا وسيري.

اختراع الشمال: التاريخ القصير للاتجاه
Die Erfindung des Nordens. Kulturgeschichte einer Himmelsrichtung by Bernd Brunner
تأليف: بيرند برونر
الناشر: 2019 ,Galiani Berlin 

يتناول هذا الكتاب تاريخ ومكانة “الشمال” كأحد الاتجاهات الرئيسة الأربعة المميَّزة، وكمصدر دائم للإلهام لأجيال من المغامرين والشعراء والكُتَّاب والموسيقيين والسياسيين. ويتتبع التاريخ الأيديولوجي لمفهوم الشمال عبر القرون حتى يومنا هذا، مع عديد من الإشارات إلى المستكشفين والكُتَّاب الذين كتبوا عن رحلاتهم إلى الشمال، كما يقدِّم لمحة عامة عن المفاهيم التاريخية المختلفة لهذا الاتجاه المحدَّد. إذ لطالما اعتُبر الشمال على أنه أرض محرّمة ومؤلفة من الجليد والعدم ومرتبطة بجحافل الفايكينغ البربرية والمناظر الطبيعية غير المضيافة التي تتحدَّى البشرية. وهذا ما أدى إلى تحوّله إلى مصدر غني للأساطير والقصص الخيالية والوجهة التي تمثل التحدي الأكبر لأي مغامر.
لكن مفهوم الشمال تغيَّر منذ حوالي القرن الثامن عشر، عندما برز الاهتمام بقراءة الأساطير الشمالية، وتم تسليط الضوء على قصائد “إيدا” الشعرية وقصائد “أوسيان” الملحمية الرومنسية التي قيل عنها إنها تأثرت بـ “القوة البدائية الخالصة للشمال”، وإنها النظير الشمالي للكتابات اليونانية القديمة.
وخلال القرن التاسع عشر أصبحت الرحلات الاستكشافية إلى غرينلاند وأيسلندا والقطب الشمالي رائجة على نطاق واسع. ولا تزال الجاذبية الثقافية للشمال مستمرة حتى يومنا هذا، إذ أصبحت الدول الإسكندنافية من روَّاد المجتمعات الحديثة. كما أن الإحساس المزدوج المتعلق بالشمال لا يزال حاضراً. فمن ناحية، هناك صورة البطل الإسكندنافي التقليدي الطويل والقوي والأشقر، وهناك مملكة الشمال التي يتحدث عنها المسلسل التلفزيوني الشهير “صراع العروش”، وهناك روايات الكاتب نيل غيمان الخيالية التي تتحدث عن الميثولوجيا الإسكندنافية الشمالية؛ ومن ناحية أخرى، هناك النظرة إلى الدول الإسكندنافية كمكان للرقي والتمدن ابتكر المفهوم الفلسفي للسعادة المعروف بالـ “هيج” وثقافة المفروشات المريحة والعملية “إيكيا”!

مستعمل: رحلات في السوق الخيري العالمي الجديد
Secondhand: Travels in the New Global Garage Sale by Adam Minter
تأليف: آدم مينتر
الناشر: 2019 ,Bloomsbury Publishing

كلما قمنا بإعادة تنظيم محتويات خزائننا وبيوتنا ومكاتبنا وأماكن عملنا واجهنا أشياءً لم نَعُد نحتاجها أو نريدها، فنعمد إلى التخلص منها، وعادة ما نوهِبُها إلى الجمعيات الخيرية. ولكننا هل نسأل أنفسنا عندما نقوم بذلك عن مصير هذه الأشياء؟ لا شك في أنها في بعض الأحيان تذهب إلى مناطق أخرى في البلد نفسه الذي نعيش فيه، وفي أحيان أخرى يكون مصيرها في مناطق تبعد مسافات طويلة عبر العالم، وغالباً ما تستقر في حوزة أشخاص يجدون قيمة في ما كنا قد تخلينا عنه.
يقول مؤلف هذا الكتاب الصحافي آدم مينتر إن الناس بطبيعتهم يضعون قيمة معنوية على أشياء لا قيمة لها. كما أنه مع دخول العصر الصناعي وتفكك الروابط التقليدية في وجه التصنيع والتحضر، أصبحت العلامات التجارية والأشياء المادية وسيلةً لتعريف أنفسنا وتحديد هوياتنا. ونتيجة لذلك، ازدادت مقتنياتنا المادية بشكل كبير. وبما لأنه لا يمكننا أن نقتنيها جميعها في كل الأوقات، كان لا بد لنا من أن نتخلَّص من بعضها من وقت إلى آخر.
في هذا الكتاب يتناول مينتر عالَم إعادة تصنيع الأشياء المستخدمة الذي تصل فيه التعاملات التجارية إلى مليارات الدولارات. ويوضح متاجر التوفير في جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية والمتاجر التي تبيع الأشياء العتيقة الأصلية في مدينة طوكيو، وأسواق البضائع المستعملة في جنوب شرق آسيا وشركات السلع المستعملة في غانا وغيرها كثير. وعلى طول الطريق، يلتقي المؤلف بأشخاص يتعاملون مع المد المتصاعد من الأشياء المهملة ويستفيدون منها، ويطرح سؤالاً مُلحّاً: في هذا العالم المعاصر الذي لا يسعى إلاَّ وراء كل جديد ولمّاع هل هناك حد لذلك؟
يقدِّم الكتاب تاريخاً للأشياء التي استخدمناها وتخلِّينا عنها، ويطرح مسألة التفكير في سبب استمرارنا في شراء المزيد، ويكشف أيضاً عن الممارسات الحديثة في التسويق ونماذج التصاميم الفاشلة والتحيزات العنصرية التي تدفع بالأشياء المستخدمة إلى مكبات النفايات بدلاً من المنازل الجديدة.

اُطبخ، تذوَّق، تعلم: كيف غيَّر تطوُّر العلوم فن الطبخ
Cook, Taste, Learn: How the Evolution of Science Transformed the Art of Cooking by Guy Crosby
تأليف: غي كروسبي
الناشر: 2019 ,Columbia University Press

يُعدُّ طهي الطعام أحد أبرز الأنشطة الإنسانية اليومية. ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالمذاق الجيِّد ولا بالطهي كمجرد فن ومهارة، فالطبخ هو مزيج من الكيمياء والفيزياء وعلوم الغذاء. يذهب هذا الكتاب مع عالِمِ الغذاء والمؤلِّف غي كروسبي في التقدُّم العلمي بكل أشكاله الذي أثّر في تطوّر تقنية الطهي، من القدرة على التحكم بالنار منذ ظهور الأفران الطينية، إلى الأفران بشكلها الحديث والتقدُّم الزراعي، وأيضاً تأثير النظرية الذرية على وسائل الطبخ من خلال تفسير العلم لما يحدث على المستـوى الجزيئي عندما نطبق الحرارة على الطعام، وكيفية تكوين المواد الهلامية، وتغيّر محتويات المواد الغذائية في بعض الحبوب عند طهيها وحقائق علمية عديدة لها علاقة بطرق تحضير الطعام.
وفي هذا الكتاب يقدِّم كروسبي جولة شاملة على تاريخ فن الطهي والعلوم الكامنة وراءه. ويتتبع تطوّر الطهي منذ أصوله الأولى، فيروي الابتكارات التي كشفت أسرار الصحة والأطعمة اللذيذة. ويشدِّد على أنه يجب على كل الطهاة في العالم أن يتعلموا كيفية تطبيق علوم الطهي لتحقيق مزيد من التقدُّم في هذا المجال، لا سيما وأن إمكانات علم الطهي غير مستغلة إلى حدها الأقصى حتى الآن. ويؤكد الكاتب أن هذه الزيادة في الاهتمام بعلوم الطهي لن تمكننا من تحسين الطعم والاستمتاع اليومي بما نتناوله فقط، بل ستساعد أيضاً في تحسين الجودة الغذائية من خلال التقليل من فقد العناصر الغذائية الأساسية وتعزيز العناصر الغذائية المفيدة مثل مضادات الأكسدة الوقائية. وكل ذلك سيسهم في التخفيض من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب وعديد من أشكال السرطان ويحقِّق قفزات نوعية في إطالة العمر بإذن الله.


مقارنة بين كتابين
التغير المناخي: تحدي البشرية الأكبر

(1)
الأرض غير الصالحة للسكن: الحياة بعد الاحترار
تأليف: ديفيد والاس-ويلز
الناشر: 2019 ,Tim Duggan Books
The Uninhabitable Eart:
Life After Warming by David Wallace-Wells


(2)
فقد الأرض: تاريخ المناخ
تأليف: ناثانييل ريتش
الناشر: 2019 ,MCD
Losing Earth: A Climate History by Nathaniel Rich

رغم أن التغيُّر المناخي يشكِّل تحدياً عملياً، لكنه يطرح أيضاً مشكلة على مستوى الخيال. فالمشكلة تكمن في أنه لا يمكن مواجهة التغيّر المناخي من خلال النموذج القائم حالياً والمعتمد على تأمين المصالح المجتمعية والسياسية. فعندما تطالب التحركات بمعالجة مشكلة التغير المناخي، فهي تنادي ضمناً بالتحرُّك لمصلحة أشخاص غير موجودين حالياً، إذ إنهم لم يولدوا بعد، وكذلك لمصلحة أشخاص هم الأقل حضوراً وتمثيلاً على المشهد العالمي، لأنهم عادة ما يكونون من سكان مناطق الكرة الأرضية الجنوبية التي هي الأكثر تضرراً من تغير المناخ. ولذا، يقول ديفيد والاس-ويلز في كتابه الذي صدر حديثاً بعنوان “الأرض غير الصالحة للسكن: الحياة بعد الاحترار: “يتعيَّن علينا أن نتخيل هؤلاء الأشخاص، ونطالب بحقوقهم، ونتخذ إجراءات غير مسبوقة على مستوى المجتمع على هذا الأساس، ونغيِّر اقتصاداتنا بالنظر إلى احتياجاتهم، وهذا شيء لم تفعله البشرية من قبل”.
ويؤكد والاس-ويلز أنه حتى لو نجحت جهود مواجهة مشكلة التغير المناخي في الإبقاء على درجتين مئويتين من ارتفاع درجات الحرارة، فإننا نواجه عالماً “ستبدأ فيه الصفائح الجليدية في الانهيار وسيتم تخفيض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 13 في المئة، كما سيعاني فيه نحو 400 مليون شخص آخر من ندرة المياه، وستصبح فيه المدن الكبرى في المنطقة الاستوائية من الكوكب غير صالحة للسكن، وحتى في خطوط العرض الشمالية ستؤدي موجات الحر إلى القضاء على آلاف البشر في كل صيف”.
ولكن، لا مكان للتشاؤم. لأن التشاؤم سيكون كارثة أخلاقية تؤدي إلى اليأس الذي سيدفعنا إلى التقاعس عن العمل وإلى عالم مستقبلي سنشهد فيه، حسب المذيع البريطاني المتخصص بالتاريخ الطبيعي ديفيد أتينبورو “انهياراً لحضاراتنا وانقراضاً لأجزاء كبيرة من العالم الطبيعي”.
ومن أجل ذلك، ولتجنب أكثر السيناريوهات المستقبلية فظاعة، يجب أن نبقى إيجابيين. والحل ليس مستحيلاً، إذ إن وسائل مواجهة المشكلة ممكنة ومتاحة، وكما يقول ديفيد والاس-ويلز: “لدينا جميع الأدوات التي نحتاجها اليوم لوقف كل شيء.. إلا أننا لا نقوم بما هو كافٍ”.
وهذا ما يؤكد عليه الكاتب الصحافي في صحيفة نيويورك تايمز، ناثانييل ريتش، في كتابه “فقد الأرض: تاريخ المناخ”، فيقول إن المأساة هي أننا لم نكتشف حجم وخطورة مشكلة التغير المناخي الآن، بل إننا عرفنا ذلك منذ سنوات ولم نفعل شيئاً”. فحسب قوله، إن “معظم النقاشات التي جرت في عام 2019م حول تغير المناخ كان قد جرى ما هو مماثل لها في عام 1979م”. ولكن ريتش لاحظ أنه منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، لم يُعمل أي شيء أساسي لإبطاء تغير المناخ، حتى إن هدف إبقاء متوسط الاحترار الإجمالي على درجتين مئويتين فقط لم يعد ممكناً، وإن احتمال التوصل إليه بات ضئيلاً جداً، وهذا يعني انقراض الشعاب المرجانية وارتفاع مستويات سطح البحر وازدياد الفيضانات الساحلية ومجموعة من المشكلات الأخرى”.
ويحاول ريتش تحديد أسباب الفشل في التصرف ويقول إن القضية التي كافح من أجلها العلماء معقَّدة، ونماذج الاحتمالات غير متسقة، كما أن الكارثة المحتملة بدت بعيدة الأمد. فكانت النتيجة أن المعركة ضد تغير المناخ فقدت الزخم عند نقطة حرجة”.
وقد تكون الصرخة التي يطلقها هذان الكتابان في محلها وبتوقيتهــا المناسـب، لأن المؤشرات تدل على أن مخاطر تغيّر المناخ التي يظنهـا البعض بعيـدة لـم تعد كذلك.


مقالات ذات صلة

حينما وصل إلى علمي توقف مجلة “القافلة”، استشعرت أن لبنة ثقافية انهارت. فهذه المجلة أحد الأسس التي دلتني أو دفعتني إلى غواية الكتابة، كما فعلت بالكثيرين.

ثَمَّة في تاريخ الأوطان والدول والمجتمعات، محطات لا يمكن تجاوزها أو المرور عليها دون التوقف عندها والاستلهام من أمجادها والامتنان لرجالاتها الذين صنعوها. إن استحضار واستذكار أحداث تاريخية لها قيمتها وطنياً، هو من الأمور المطلوبة والمحفِّزة لمزيد من الاعتزاز والفخر والانتماء لدولة تأصل تاريخها لقرون، دولة امتدت جذورها وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان […]

بات تطوير سوق العمل وتغيير معادلاته أمراً حتميّاً يتعيّن دعمه من كافة صانعي القرار، وقد كشف تقرير دولي للوظائف عن أن هناك ثماني مهن تُدرِّب عليها كليات ومعاهد تقنية دون الجامعية في السعودية، دخلت في ترتيب الوظائف الأعلى دخلاً.. فما مستقبل التخصصات التقنية والمهنية في المملكة؟ وهل هناك تلبية لحاجة السوق المحلية إليها؟ وماذا عن […]


0 تعليقات على “كتب”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *