إذا أردت أن تقرأ بفاعلية، فاقرأ كتبًا مُعمّرة، أي تلك الكتب القديمة المُتخمة بالدروس الحياتية طويلة المدى؛ كتبًا قديمة ذات قيمة عالية، مليئة بـ “الزبدة” والطاقة الكامنة للمعلومة، ذلك لأنها استمرت طوال السنين وقودًا لتقدم البشرية.
وأنت تقرأ، فكّر كذلك بإجابة عن هذا السؤال: كلنا نعرف كيف نقرأ، لكن هل نعرف كيف نهضم المعلومات ونفلسفها؟ أي نضعها في سياق حياتنا اليومية، ومشاكلنا الصعبة والسهلة. إن القراءة هي ممارسة لحصد المعرفة مع ثمارها الجمة، وهي احتفاء بممارسة أبدية لمحاولات النمو المطّرد.
إن القراءة الفاعلة هي في التساؤل “لماذا؟” أكثر مما هي في السؤال “ماذا؟”، ومنها تستخلص الدروس لحياتك. أتعلم أن الحمقى يتعلمون من تجاربهم، والأذكياء يتعلمون من تجارب الآخرين؟ هذا ما قاله بسمارك، رجل ألمانيا الحديدي. القراءة ذات الفاعلية العالية هي ارتباط وتفاعل مع المادة بين أيدينا.
لا تهمل المقدمات
أنت تقرأ لتنمو، لتصبح شخصًا أفضل يركز أكثر على السؤال “لماذا حصل ما حصل؟”، ويتتبع أطراف الأسئلة ورؤوسها، ثم ذيولها حتى يتعرف على المفيد في أجوبتها. القراءة ليست مجرد حصولك على شيء، الأمر أوسع من هذا. النصيحة المحضة تقول إن المقدمات مهمة، لا تقفز فوقها. المقدمات ستساعدك على فتح كل حصون السياق المنيعة. كن فعَّالا مع النص. تساءل: لماذا هذا؟ هل هذا صحيح؟ لا تكن مثل أحصنة تجرّ عربة، كن أنت العربة والحصان معًا. أي درس تتعلمه هنا، يصب في الربط بين ما تعرفه وما تتعرف عليه الآن.
إحدى الوسائل العملية الضرورية للقراءة بفاعلية تتعلق بالتركيز على القراءة لوقت محدد، مثلًا: لربع ساعة أو لنصف ساعة بالتناوب وبينهما راحة لخمس دقائق. إن التسرّع في القراءة فكرة غير جيدة، القراءة البطيئة خيار أكثر حكمة. المهم هنا أن تقرأ كتابًا ممتازًا ببطء خير من قراءة عشرة كتب بسرعة. إن هناك طريقة واحدة لتقرأ كتبًا كثيرة، وهي قراءة كتب متعددة ببطء. الأمر مرتبط بإتقان هذه المهارة عبر المران الطويل.
عند أي صفحة تقرر؟
إحدى القواعد الطريفة في قراءة الكتب، هي أن تقرأ أي كتاب حتى صفحة معينة محددة. هذه الصفحة تستطيع تحديدها عبر تطبيق المعادلة الرياضية التالية: اطرح عمرك من الرقم مائة، والناتج هو رقم الصفحة الذي يجدر بك أن تلزم نفسك بقراءتها، ثم تقرر هل يعجبك الكتاب أم لا. لو كان عمرك 39، فالصفحة التي نعنيها هنا هي 100-39=61. انتبه هنا أننا نكبر ويقل الوقت المتاح لنا حتى نقرر أي الكتب يعجبنا وأيها يجب أن نكمله؟ يجب علينا أن نقرر بسرعة. هذا يعني أننا يجب أن نكون دقيقين في الاختيار، وأن نكون انتقائيين أكثر مع تقدم العمر، وهذا يستوجب بناء خبرة وتجربة.
بالقراءة المسترسلة، أنت تنخرط في دورة مفتوحة من التعلم والنمو. وعندما تعيد قراءة ما قرأت بعد سنوات، ستجد الفرص العديدة لصنع الفارق. وفي معظم الأوقات، فإن القراءة أفضل من صحبة بعض البشر؛ لأن الكتب المعمّرة مليئة بالحكمة والقيمة وستجعلك تبحث عن أشياء مهمة في حياتك، وستمدك حتى بعلاقات أفضل، وتمكنك من أن تقفز للأمام سنوات عديدة.
إن بين السكينة والقراءة علاقات وثيقة، ويجدر بك أن تبدأ بقراءة الكتب على نمط عشوائي تتبع فيه اهتمامك وغريزتك الفطرية للمعرفة. وعندما تقرأ، اقرأ كتبًا ورقية، اكتب عليها واثنِ أطراف صفحاتها، كأنها علامات مرورك من هنا. وعندما تنتهي اصطفِ منها ملاحظاتك التي تريدها في ورق موحد واحفظها في مكان ما.
رتّب الأوراق بعد ذلك بناءً على أنماط. مع الوقت ستتكون لديك أنماط عديدة منها. هذه كنوز القراءة التي ستستثمرها كيفما تريد. وقد تنشر كتابًا تتركه للأجيال المقبلة. وبالمناسبة، فإن التفاعل مع الكتاب الورقي أمر ممتاز جدًّا، وهذا لا يكون مع الكتاب الرقمي. الكتاب الرقمي ينتمي إلى عالم لا يزال وفق قوانينه الحاضرة عبارة عن ثقب أسود. يجدر بالكتاب أن يكون فيزيائيًا لا ميتافيزيائيًا، أن تذكر ملمسه وصفته ووزنه في يدك، وتذكر كيف كنت تنغمر به لتشكل معه وعيًا واحدًا تقريبًا، هكذا هو الكتاب.
اترك تعليقاً