أدب وفنون

دراما 2015

تستعيد شبابها

page 63موسم آخر للمبدعين العرب في عالم الدراما، الذين اعتادوا تقديم أعمالهم في شهر رمضان الكريم، حتى بات عُرفاً سنوياً عند المنتجين والجمهور الذي يتابع هذه الأعمال لغايات مختلفة، منهم الباحث عن التسلية والضحك، ومنهم من يرغب بمشاهدة المآسي ليعيد تدويرها كحقيقة ثابتة، وجزء آخر تجذبه الأعمال ذات الطابع البطولي أو التراثي الفنتازي، وآخرون تأخذهم الرومانسية الخارجة عن المألوف مهما كان شكلها ومسارها.

الجمهور متسيّد المسلسلات
page 64 aيدخل المنتجون في سباق لمئات الأعمال الدرامية، آملين أن تحقق مسلسلاتهم نجاحاً يعيد إليهم بعضاً من أموالهم المرهونة عند ذوق أصحاب المحطات بالدرجة الأولى، وعند الجمهور الذي لا رقابة حقيقية على ذوقه أو ماذا يريد فعلاً. لكن هذا لا يمنع تفرّد بعض الشاشات بأكبر نسب مشاهدة، أو تحقيق بعض الأعمال نجاحاً على حساب أخرى، وإن كانت الدراسات العلمية لا تعطي جواباً محدداً ولا تعرض أسباباً منطقية خلف نجاح أو فشل عمل معيَّن.

تقوم المحطات بعملية ترويج لبرامجها، وكل شاشة حسب قدراتها، لجعل مسلسلها الأكثر مشاهدة من خلال التشويق وإبراز مشاهد مؤثرة تشي بأن هناك مسلسلاً ذا قيمة فنية يحتوي على أفكار جديدة وطرق معالجة درامية غاية في الدقة والاحترافية. لكن هذا لا يمنع من انجذاب المشاهدين إلى محطات لم تكن بالحسبان، وغالباً ما تكون هذه المحطات أكثرها غرقاً بالمحلية.

لكن جيل الشباب المصري الجديد خرج من هذه المعادلة وقرر المنافسة الفعلية محلياً في مصر وعربياً

المراقبون لسير الأعمال الدرامية لاحظوا هذا العام بعض التحولات في الصناعة الدرامية المصرية، حيث أخفي عدد من الوجوه التي دأبت على المشاركة كل عام في مسلسل كُتب خصيصاً لها، وغالباً ما كانت هذه الأعمال تسعى لتلميع هذه الوجوه وصبغها بتصرفات (ملائكية) بعيدة عن الخطأ، وتلعب دائماً دوراً إصلاحياً في المجتمع. لكن جيل الشباب المصري الجديد خرج من هذه المعادلة، وقرر المنافسة الفعلية محلياً في مصر وعربياً مع باقي الأعمال التي تشكِّل خطراً فعلياً على سمعة الدراما المصرية، وهي التي احتلت الشاشات العربية سنوات طويلة بأعمال ذات قيمة وأخرى كانت تحمل صفات تجارية لا قيمة فنية لها.

أسماء الممثلين أولاً
أطلَّ عادل إمام هذا العام مترهلاً بحكم الزمن، لكنَّ لهذا الرجل تاريخاً طويلاً مع الجمهور الذي أحبه من خلال بعض أعماله الكوميدية التي كرسته نجماً طوال سنين، وأخرجته من معادلة المحاسبة التي يخضع لها بعض الفنانين بعد عرض نتاجهم، فظل إمام بعيداً عن النقد اللاذع محمياً بجماهيرية منقطعة النظير.

page 64 bومن الوجوه النسائية، كانت غادة عبدالرازق تحاول أن تلحق بقطار الصورة والعمل الجدي، الذي يظهر إمكانيتها كممثلة محترفة لا تتكل على جمال حضورها على الشاشة من خلال ما تلبس أو كيفية تصويرها كسيدة جميلة أنيقة وثرية. وهذا سبب كافٍ لفشل الممثل، حين لا يستطيع أن يقنع الجمهور بأنه شخص آخر يتذكرون اسمه كما حصل في الأعمال التي رسخت في ذاكرة المشاهد العربي سابقاً.

استحقت الفنانة نيللي كريم الثناء على مشاركتها في مسلسل «تحت السيطرة» الذي أكد على قدرات هذه الممثلة كما في أعمالها السابقة التي حملتها إلى ثقة الجمهور.. فهي فنانة محترفة تلبس شخصياتها بجرأة وحرفية دونما ابتذال أو استعراض.

ومسلسل «بين السرايات» لم يحظ بمشاهدة عالية رغم أنه كان من الأعمال التي تستحق المتابعة، خاصة أن المخرج سامح عبدالعزيز أشرف عليه بحرص وحرفية شديدة كما هي عادته.

page 65الهادف اجتماعياً في الخليج
وتجلَّى البحث عن قضايا اجتماعية تمس المواطن الخليجي في بعض الأعمال المحلية، التي سعت أن تسجل حضوراً مع منافساتها المصرية والسورية بمسلسلات وجدت لها جمهوراً واسعاً في منطقة الخليج، وفي بعض البلاد العربية التي تتابع نجوم هذه الدراما المرتبطة بالعائلة الخليجية والعربية مراعية حرمة الشهر الكريم، مما يحولها إلى دراما اجتماعية هادفة بامتياز.

سجل مسلسل «أمنا رويحة الجنة» مع الفنانة سعاد العبدالله حضوراً جيداً على الرغم من الطابع التقليدي الذي عانى منه هذا العمل، إلى جانب مسلسل «ذاكرة من ورق»، الذي بحث في حياة الشباب المهاجرين للدراسة بعيداً عن مجتمعهم الخليجي المحافظ، وهي فكرة تحمل كثيراً من الطروحات الجريئة.

كما تربع الممثل السعودي ناصر القصبي على عرش الكوميديا الهادفة من تجربته الجديدة بعيداً عن شريكه التقليدي عبدالله السدحان ضمن برنامج «سلفي» الذي تناول قضايا وصفت بالجريئة مما تسبب له ببعض الانتقادات والمضايقات حسبما يُروى.

ولم تغفل الدراما السورية هذا العام ما يدور في سوريا، ولم تجمل هذه الدراما المأساة التي يعاني منها المواطن السوري، فكانت بعض الأعمال بمنزلة توثيق وصل حد الحقيقة المؤلمة لما يعاني منه المهجر والإنسان السوري، الذي يسعى جاهداً للخروج من الجحيم ملتمساً رحمة البحار وغلاظة الغربة وتداعياتها على إنسانيته. ظهر هذا المواطن في أكثر من عمل، كان أكثرها حقيقة في نص إياد أبو الشامات وإخراج رامي حنا «غداً نلتقي» إلى جانب فريق من الفنانين المحترفين: عبدالمنعم عمايري وكاريس بشار ومكسيم خليل…

تقوم المحطات بعملية ترويج لبرامجها وكل شاشة حسب قدراتها لجعل مسلسلها الأكثر مشاهدة من خلال التشويق وإبراز مشاهد مؤثرة

وفيما تابع السوريون مآسيهم في مسلسل آخر «عودة الياسمين» إلى جانب بعض المسلسلات التي حاولت أن تقحم شعارات لخدمات سياسية وافتعال استعراضات لمواجهة الاستعمار التركي والفرنسي بطريقة غير مقنعة في كثير من الأحيان، فيما تبقى المنافسة بين «العرابين» المأخوذة عن نص الفِلم العالمي The» Godfather» الثلاثية الهوليوودية التاريخية (العراب) للكاتب العالمي ماريو بوزو، التي ربح فيها عراب جمال سليمان وحاتم علي بالضربة القاضية على عراب سلوم حداد والمخرج المثنى صبح وعاصي الحلاني الذي دخل تجربة الدراما وكأنه لم يدخلها. فيما سجل جمال سليمان حضوراً مميزاً في شخصية أبو عليا، واحدة من الشخصيات (المافياوية) التي ازدهرت في زمن التحولات السورية.

كعادتها دخلت الدراما اللبنانية إلى الشاشات من خلال مشاركات بعض نجومها إلى جانب الممثلين السوريين، محققة خرقاً لا بأس به في مسلسل «تشيلو» للمخرج سامر برقاوي بطولة تيم حسن وندين نجيم ويوسف الخال في قصة مقتبسة عن فِلم هوليودي. فيما أعاد النجم عابد فهد تجربة كان حقق بها نجاحاً منذ عامين إلى جانب النجمة اللبنانية سيرين عبد النور، وإن استغلت ثنائية هذا العام لترويج ماغي أبو غصن زوجة المنتج.

ويبقى هذا النشاط الدرامي محط اهتمام طالما أراد أن يكون شريكاً في هموم الناس، يعمل على تسليتهم أو يدفعهم نحو نسيان ثقل الحياة التي تبدو اليوم أثقل من أي وقت مضى.

أضف تعليق

التعليقات