في عددها لشهر جمادى الآخرة 1390هـ (أغسطس – سبتمبر 1970م)، نشرت القافلة استطلاعاً مصوراً حول مدينة الخُبَر بقلم نسيم مدانات، استعرضت فيه أحوال المدينة الفتيَّة آنذاك. وفيما يأتي مقتطفات منه:
الخُبَر (بضم الخاء وفتح الباء) مدينة فتية تربض على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، مناخها شبيه بمناخ معظم بلدان الخليج العربي، فهو شديد الرطوبة تهبّ فيه الرياح الخفيفة طوال العام تقريباً، ويعتدل الجو ويصبح لطيفاً في الفترة الممتدَّة من سبتمبر إلى مايو.
تسميتها ونشأتها
لم يرد ذكر في أي من المراجع حول تسمية مدينة الخبر بهذا الاسم، غير أن البعض يرجِّح أن لهذه التسمية علاقة بكلمة «خبرة» وجمعها «خبور» وهي منقع الماء في الجبل والمكان الذي تلتقي فيه مياه السيول والأمطار وتتجمع، كما أنها أيضاً شجرة السدر والأراك وما حولهما من العشب، والثابت أن بعضاً من أبناء الدواسر الذين نزحوا من البحرين عام 1342هـ (1923م) قد جاءوا إلى الخبر واستقروا فيها، وإذَّاك لم تكن الخبر سوى مجموعة من بيوت الشعر والأكواخ المبنيَّة من الجريد، أقيمت بالقرب من البحر، حيث لجأ أصحابها إلى البحث عن قوتهم في مياه الخليج يصطادون الأسماك ويغوصون بحثاً عن اللؤلؤ الثمين.
وظلت هذه الحال عقداً أو عقدين من الزمن.. حتى كان يناير عام 1935م، أي في الوقت الذي كانت فيه أعمال التنقيب عن الزيت لا تزال جارية في هذا الجزء من المملكة العربية السعودية.. في ذلك الوقت وقع الاختيار على الخبر لبناء أول رصيف من صخور البحر والحجارة فيها يكفي لاستيعاب المراكب الصغيرة التي كانت تنقل المواد والأغذية والمعدات الأخرى من البحرين إلى مخيَّم التنقيب الصغير الذي كان مقاماً في منطقة جبل الظهران.
كان بناء الرصيف الصخري والمرافق القريبة منه أول عملية إنشاء تُجرى في الخبر.. إذ بعد ذلك بقليل أخذت بعض المباني البسيطة المصنوعة من الصخور البحرية والجص وبعض الأخشاب في الظهور إلى جانب الأكواخ.. وكانت مياه الشرب تُجلب على ظهور الدواب من بئر في «الثقبة» التي تبعد عن الخبر بنحو أربعة كيلومترات.
وفي الخامس عشر من صفر 1361هـ (1942م) أصدر المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود أمراً بإنشاء بلدية الخبر بفرعيها الدمام والظهران، وكان أول رئيس لها آنذاك السيد لطفي ناجي الحداد.
وقد جاء إنشاء البلدية إيذاناً بالانطلاق في مسيرة عمرانية متواصلة شملت مختلف الجوانب.
وافتتحت أول مدرسة ابتدائية للبنين في الخبر عام 1361هـ (1942م)، وكان اسمها آنذاك «معاذ بن جبل»، وكانت تضم 74 طالباً تجمعهم ثلاثة فصول. أما أول مدرسة لتعليم البنات فقد افتتحت رسمياً عام 1381هـ (1961م).
وتُعدُّ الصناعة في الخبر وليداً ما زال يحبو إذا ما قيست بالحركة التجارية النشطة.. بيد أن هناك صناعات محدودة كصناعة الغازات الصناعية، وصناعة الألبان والبوظة، ومناديل الورق (الكلينكس) وصناعة المرطبات والمياه الغازية..
وتُعدُّ الخبر من الناحية الصحية مركزاً بالغ الأهمية إذ يقوم فيها عدد من المستشفيات الحديثة المجهَّزة بأحدث المعدات الطبية ومن أكبرها مستشفى السلامة ومستشفى الشرق. ويبلغ مجموع أسرَّة هذين المستشفيين حوالي 280 سريراً.
المجتمع والنشاط الأدبي والرياضي
مجتمع الخبر هو مجتمع الجاليات الوافدة، إذا استثنينا القليل من العائلات التي كانت تقطن المكان قبل اتساع المدينة ودخولها مرحلة التطور السريع، وهذا المجتمع يحفل بروافد السكان الذين قدِموا من مختلف أنحاء المملكة ومن البلدان المجاورة والغربية للعمل في شتَّى ميادين الأعمال. وشوارع الخبر معرض نادر.. تطالعك فيها مختلف الوجوه والأزياء.. فمن اللباس العربي المعروف إلى الزي الباكستاني والهندي، فالأزياء الغربية المتعدِّدة الأشكال والألوان. ومن اللغات بالإضافة إلى العربية
بلهجاتها المتعدِّدة يصافح سمعك وأنت تتجوَّل في شوارعها خليط متعدِّد من اللغات الإنجليزية والإيطالية والهندية والفرنسية والهولندية وغيرها.. كل هذه الأزياء واللكنات واللغات تعكس أبعاد المجتمع الذي تعيشه مدينة الخبر الفتية الناشئة، إلا أنه وعلى الرغم من هذا التنافر العجيب في تكوينه مجتمع يمتاز بالجد والعمل، طابعه السرعة وحُب الإنتاج، يدرك كل فرد فيه أنه وُجد هنا ليعمل ويسهم في عملية بناء له فيها دور أساسي.
ولحداثة عهد الخبر أثر في عدم وجود ماضٍ ثقافي أو أدبي لها.. بيد أن أفواج القادمين إلى المجتمع الجديد حملت بين ثناياها بذور حركة أدبية ورياضية ساعد على نموها وازدهارها وجود عديد من المكتبات ودور الطباعة والصحافة، وانتشار المدارس ودور العلم. ومن بين الأعلام الأدبية التي ظهرت في مدينة الخبر أحمد الراشد المبارك، وهو شاعر وكاتب وصاحب دراسات وبحوث تاريخية، وسعد البواردي وهو صاحب مجلة «الإشعاع» التي كانت تصدر في الخبر.. وغيرهما كثيرون.