قول في مقال

هذه المجلَّة ومحرِّرها

كتب رئيس تحرير إحدى أبرز المجلات العالمية مقالاً وداعياً يشكو فيه حرمانه من ظهور اسمه فيها، وذلك عملاً بسياسة المجلة التي لا تضع على مختلف موادها أياً من أسماء هيئة التحرير. وقال في مطلع المقال:

«تحرم هذه المجلة رئيس تحريرها، وبشكل مزرٍ، من كل زينة شخصية توفّرها لأقرانه في العادة مهنة الصحافة. فيحزُّ في النفس مثلاً أن تخلو كل هذه الصفحات من شيء اسمه «رسالة محرر» أسبوعية، يوجهها رئيس التحرير لقرّائه، وتعلوها صورة ملمّعة ومشرقة له. صحيح أنه ضمن النشرة الرقمية (أونلاين) هناك رسالة محرر، ولكنها صادرة عن مكتبه وليس عنه. وهكذا تمضي طوال سنوات خدمتك كرئيس تحرير في اختفاء شبه تام ومُحزن، لا يعوِّضك عنه سوى أنك حظيت بأجمل منصب في الصحافة. يُستثنى من كل هذا ذكر اسمك مرّة واحدة يوم تعيينك، ومرة ثانية في هذا المقال الوداعي الذي يحاول أن يُلمّ بمعالم الدنيا التي مرَّت عبر مكتبك خلال تلك السنين».

وبطبيعة الحال يتساءل القارئ بدوره: لماذا تصر مجلة بمثل مكانة الإيكونوميست على هذه السياسة فتتقشَّف بذكر أسماء محرريها؟ ولماذا تتخلَّى عما تفعله قريناتها من المجلات العالمية بتحويل نخبة من محرريها المجيدين والمشوقين إلى نجوم يتمتعون بشعبية واسعة ويجتذبون مزيداً من القرّاء؟

من المعترف به دون شك أن هذه المجلة تُعد بشكل أو بآخر من أرقى الصحف العالمية، إذ تتسم مواضيعها بسعة اطلاع فائقة وشمولية في التناول وعمق في التحليل، ونادراً ما تحتاج إلى قراءة إضافية عن موضوع تتناوله المجلّة، كبر أم صغر، إلَّا من باب القراءة في وجهات نظر أخرى.

واللافت فيها أن مستوى وأسلوب التناول هو واحد عبر صفحات المجلَّة من الغلاف إلى الغلاف. لكن على الرغم من ذلك، لا يشعر القارئ أن هناك كاتباً واحداً يكتب جميع المقالات بتاتاً. فأنت أمام حالة أخرى، الذكاء في صياغة العناوين من خصائصها، وأسلوب بداية المواضيع كذلك.

لكن على الرغم من كل هذا فليست هناك أي سمة من سمات الأسلوب الشخصي، كالذي يُعرف به كثير من كتَّاب الصحافة على أنواعها. مما يدفع القارئ المحتار إلى أن يستنتج أنه بغض النظر عمن يكون قد كتب الصيغة الأولى من أي مقال، فإن المقالات جميعها تمر عبر مطابخ وأفران تحرير المجلة، فتُعاد صياغتها وتُزال منها الشوائب والبقايا، فتطحن وتُصهر وتُخبز وتخرج بحلّتها الأخيرة في حلة ترتقي إلى تراث صحفي عريق تستكمل إلمام المقال بالموضوع من جميع جوانبه، كما ترضي إدارة التحرير.

وهكذا فإن صحّ هذا التصوّر، لا يكون أي مقال ملك أحد إلَّا المجلة كلّها، لا ملك كاتبها الأول ولا مَنْ مرَّ به المقال من مراكز البحث أو كبار المحررين. وينتهي الأمر إلى ما يمكن افتراضه أن المؤسسة تقول للمحرر مهما كان منصبه إن «كاتب المقال ليس أنت» بل صيغة تحرير المجلّة.. وأن ما من مقال يظهر كما ظهر في آخر حلله إلَّا لأنه كُتب في «الإيكونوميست» ولها.

طبعاً ليست هذه المجلة الوحيدة التي تستطيع أن تدعي لنفسها أسلوباً عاماً في الكتابة يميّزها، من غير أن يحول ذلك دون ظهور أسماء محررين وأصحاب أقلام في بعض زواياها، وحيث لا بد من ملاحظة تباين في المستوى وفي أسلوب التناول، وفي بعض الأحيان قد يصل إلى حد الفرق الكبير.

يبدو أن هذا هو المطلوب تفاديه، تريد المجلة أن تكون مسؤولة عن كل كلمة تظهر على صفحاتها.. إلا رسائل القرَّاء التي تبدو لمن يقرأها أنها دخلت أيضاً أتون تحرير المجلَّة.

أضف تعليق

التعليقات