لغويات

دور ألعاب الفيديو في تعلم اللغات

تتنوع الأحكام على ألعاب الفيديو بتنوع تأثيراتها على مستخدميها، ومنطلقاتها عديدة وتشمل علم النفس والتطور الذهني واللغوي والاعتبارات التربوية والثقافية المحلية وغير ذلك كثير. ولكن ثمة جانب من جوانب تأثيرات هذه الألعاب لا يزال في الظل، وإن كان بعض الآباء يلحظونه من خلال تعاطي أبنائهم مع هذه الألعاب، ألا وهو دورها في تعليم اللغات، من خلال ما قد يظهر على ألسنة هؤلاء من مفردات آتية من عالم الفيديو.

عندما يدور الحديث عن ألعاب الفيديو، فإن أول ما قد يتبادر إلى ذهن العديد الآثارُ السلبية التي تتناقلها الصحافة أو الإعلام عموماً، أو حتى ما نتحدث به على المستوى الشخصي عندما نذكر هذه الألعاب. فتجد من يذكر أنها مضيعة للوقت، مثلاً، أو سبباً لعزل الأفراد عن مهارات معيشية مهمة، وغير ذلك مما نعتقد أنها آثار سلبية لهذه الألعاب، التي هي محل خلاف.

غير أن أحد أهم الجوانب التي نغفلها هو أن ألعاب الفيديو انتشرت بشكل كبير ولم تعد محصورة على سن معيَّنة أو حتى على أجهزة معيَّنة. وبالتالي، هنالك إمكانية للاستفادة منها، خاصة وأن الوصول إلى ألعاب الفيديو أصبح ممكناً عن طريق أنظمة وأجهزة متعددة، إذ لم تعد حكراً على أجهزة الألعاب فقط، بل يمكن الآن الوصول إليها حتى عن طريق الهواتف الشخصية.

توضح إحدى الدراسات التي نشرت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007م بأن %63 من السكان يستخدمون ألعاب الفيديو. هذا العدد كبير طبعاً، ومن المؤكد أنه ازداد منذ ذلك الوقت، ليس فقط في الولايات المتحدة بل وحتى في بلداننا العربية وبشكل خاص بعد انتشار الهواتف الذكية. ودفع هذا الانتشار لألعاب الفيديو عديداً من الباحثين لدراسة الجوانب التعليمية لألعاب الفيديو التي ما زالت أرضاً خصبة لمزيد من البحث والدراسة.

واحد من هذه الجوانب الإيجابية هو تعلم اللغات عن طريق ألعاب الفيديو. والتعلم هنا يمكن أن يتم بثلاث طرق: الأولى، وهي استخدام ألعاب مخصصة للتعلم مثل الألعاب التي تهدف إلى تنمية مهارة محددة كالقراءة، وهذه نادرة. الطريقة الثانية هي استخدام ألعاب مصممة لأغراض تجارية بحتة وتركز على جانب المتعة في اللعب، وأي تعلم يحصل من خلالها هو عارض ولا يمكن التحكم به، وأغلب الألعاب تقع ضمن هذه الفئة. والطريقة الثالثة تعتمد على الألعاب المصممة تجارياً كالفئة الثانية التي لم تصمم لجانب تعليمي، بل تستخدم ضمن منهج محدد للاستفادة من الجوانب اللغوية بها وهي سهلة الاستخدام. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ماذا يمكن لألعاب الفيديو أن تنمّي لغوياً؟

المهارات التي تشملها
هنالك عديد من الفوائد لاستخدام ألعاب الفيديو في تنمية تعلم اللغات، فهي تغطي مهارات عديدة كالقراءة أو الكتابة أو حتى جوانب ثقافية أو تداولية للّغة. ومثالاً على ذلك، قيام باحثين بدراسة لعبة فيديو مخصصة لتعليم الكلمات، وهذه تدخل ضمن إطار الألعاب ذات الهدف التعليمي المباشر، عكس الألعاب المنتشرة بهدف ترفيهي أساسي. وتوضح إحدى نتائج هذا البحث أن فترة شهرين من اللعب بهذه اللعبة تساوت مع مكتسبات لغوية عادة ما يحصل عليها متعلمو اللغات في فترة ما بين سنة إلى سنتين. بالإضافة إلى ذلك، توجد ميزة لألعاب الفيديو قلّما يستطيع المدرِّسون توفيرها من خلال فصول التعليم التقليدية، ألا وهي جعلُ المتعلم يعيش ويتفاعل مع البيئة التي يتعلم من خلالها، كتعلم كيفية استخدام اللغة كما يستخدمها متحدثوها الأصليون في مجتمعاتهم، مثل التحدث بها في الأسواق، وفي الاجتماعات التجارية أو حتى في المنزل.

تحلّ هذه المشكلة ألعابُ الفيديو بإضافة محتوى يستطيع من خلاله المتعلم غمس نفسه به وكأنه جزء من اللعبة أو القصة بل وتدفعه أحياناً كثيرة إلى تقمص دور بعض شخصياتها.

حتى الكتابة..
كثير من الألعاب الآن، وخصوصاً مع انتشار الإنترنت، يحتوي على جانب تفاعلي مع مستخدمي هذه الألعاب من متحدثي اللغة من ثقافات مختلفة. هذا يضيف البُعد الاجتماعي للألعاب، جاعلاً من التعلم اللغوي الافتراضي قريباً جداً من تعلم اللغة في المجتمعات التي تتحدث بها. وتوصلت مجموعة من الدراسات إلى أن هذه النوعية من الألعاب لها دور كبير في اكتساب اللغات لاحتوائها على الجانب الثقافي والاجتماعي التفاعلي وهو جانب مهم لتعلم أي لغة. إضافة إلى ذلك، يساعد عديد من ألعاب الفيديو على تنمية مهارة الكتابة باللغة الأجنبية سواءً من خلال الألعاب مباشرة أو حتى من خلال الكتابة عنها. ومثال ذلك كتابة مدونات أو دليل للعبة أو مقالات أو من خلال النقاشات حولها، إضافة إلى الكتابة من خلال غرف المحادثة التي يوفرها كثيرٌ من الألعاب للمتبارين. وتساعد هذه الميزة متعلمي اللغة على الكتابة لجمهور كبير من غير أن يشعروا بالحرج أو الضغط النفسي الذي يواجهه متعلم اللغة عند الكتابة لفصل أو جمهور ناقد.

جانب آخر متوفر في أغلب الألعاب أيضاً هو تطوير مهارة القراءة من غير أن يكون ذلك هو الهدف الأساسي للعبة. إذ يحتاج المستخدم إلى أن يقرأ القصص أو الحوارات داخل اللعبة ويحاول استيعابها سواءً من خلال النص مباشرة أو من خلال الدلائل الأخرى في اللعبة، مثل الرسومات والشخصيات وتسلسل القصة ومقاطع الفيديو. وهذه ميزة رائعة لأن الشخص عندما يلعب يسعى لتحقيق هدفٍ داخل اللعبة وهو تجاوز مراحلها المختلفة، واستكشافها دون أن يعلم أنه في الوقت نفسه يطوِّر مهارات لغوية عديدة. ويحاول الباحثون في هذا المجال كسر فكرة أن اللعب والتعلم في مجال اللغات لا يجتمعان، في وقت تؤيد هذه الفكرة جميع الدلائل المبدئية للأبحاث. ولهذا نقول: فكّر جيداً قبل أن تخبر أحدهم بأنه يلعب ولا يخصص وقتاً للتعلم!

أضف تعليق

التعليقات

يزيد القباع

كلام جميل يا دكتور .. الله ينفع بك وبعلمك موفق دائماً .

عامر الوافي

مقال جميل جداً وممتاز ومنسق بشكل رائع, اشكر الدكتور بدر على طرحه لهذا الموضوع واللذي يوصل فكرة عن احد الطرق اللي انا شخصياً استفدت منها كثيراٌ ولازلت استفيد منها الى هذا اليوم.

عادل العمري

لمحة مميزه و موجزه عن كيفية توجيه ما كان يعرف بالترفيه البحت إلى ترفيه مدمج بالتعليم. أعجبني ما كتبت د.بدر و في إنتظار المزيد.