يعتقد البعض للوهلة الأولى أن هناك تناقضاً أو تعارضاً بين توجهات الشركات البترولية فيما يتعلق بإنتاج الوقود التقليدي من جهة، ودعم الاستثمارات البحثية للطاقة المتجدِّدة من جهة أخرى. غير أنه وعلى أرض الواقع فإن عدداً من الشركات البترولية حول العالم تقوم بدور فاعل بدعم تطوير تقنيات جديدة للطاقة المتجدِّدة وحتى المساهمة في إنشاء شركات للطاقة لتنويع مصادر الطاقة المتوافرة لديها. ويمكن أن تستفيد الصناعة البترولية وقطاع الطاقة المتجددة من العمل سوياً خاصة مع سهولة تركيب أجهزة الطاقة الشمسية في الأماكن التي يصعب إيصال الكهرباء أو نقل وقود الديزل إليها.
لا يزال الوقود الأحفوري من نفط وغاز وفحم يمثِّل أهم مصادر الطاقة الرئيسة في العالم، حيث يستحوذ على %81 من إجمالي مصادر الطاقة الأولية، تليه مصادر الطاقة المتجددة بنسبة %13 والطاقة النووية بنسبة %5، وذلك بحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة للعام 2014م. وفي السنوات السابقة، شهد العالم ارتفاعاً غير مسبوق في الطلب على الطاقة بكافة أنواعها لتلبية احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالنمو السكاني والتوسع الصناعي. وعلى الرغم مما تشهده السوق العالمية للبترول حالياً من تذبذب في الأسعار نتيجة عدد من العوامل، وفي مقدمتها الركود الاقتصادي، فمن المؤكد أن يستمر الوقود الأحفوري في الاضطلاع بدور ريادي بين مصادر الطاقة الأخرى على مدى العقود المقبلة نظراً لتوفر الاحتياطات وقدرة الشركات البترولية على تلبية الاحتياجات العالمية. ويُعد ارتفاع الطلب على الطاقة من التحديات الرئيسة التي يواجهها العالم من حيث استدامتها والحد من تأثيراتها البيئية. ونظراً للاعتبارات البيئية والاقتصادية وحفظاً لمصادر الطاقة الأحفورية النفيسة، يتجه العالم إلى تطوير مصادر الطاقة المستدامة، الشمسية والرياح وغيرها. ويسعى كثير من الدول حول العالم إلى خفض استهلاك الوقود الأحفوري وزيادة التنوع في منظومة الطاقة لديها بإضافة مصادر جديدة من الطاقة المتجددة. ولذلك تبذل عديد من شركات البترول العالمية والوطنية جهوداً للمحافظة على الطاقة الأحفورية الناضبة وزيادة كفاءة استخدامها. وخلال العقدين الماضيين، استثمرت هذه الشركات مبالغ ضخمة في البحث والتطوير في مجال تقنيات جديدة لمصادر طاقة بديلة ترفد الوقود الأحفوري، حتى إن بعض الشركات البترولية دخل في تحالفات لإنشاء شركات للطاقة المتجددة غير الناضبة.
الاستثمارات البحثية في الطاقة المتجدِّدة
أشار استطلاع أجرته شركة «باتيل» الأمريكية ونشرته مجلة البحث والتطوير، إلى أن حجم الإنفاق العالمي على البحث والتطوير في كافة القطاعات بلغ أكثر من 1.6 تريليون دولار في العام 2013م. واستحوذت الولايات المتحدة الأمريكية على %31 من إجمالي الإنفاق (465 مليار دولار). ويشير إحصاء باتيل إلى أن القطاع الصناعي هو المصدر الرئيس لتمويل وتنفيذ البحوث تليه القطاعات الحكومية والجامعات التي تركِّز على مشاريع بحث أساسية ممولة بمعظمها من مصادر حكومية.
ويشمل قطاع الطاقة في هذا الاستطلاع الشركات العاملة في مجال تطوير تقنيات إنتاج الكهرباء ونقلها وتخزينها، والوقود المنتج من حقول النفط والغاز التقليدية، والطاقة المتجددة وتوربينات الرياح أو الألواح الشمسية، والوقود الحيوي والتقنيات الجديدة لاستخلاص النفط والغاز الصخري. وتجدر الإشارة إلى أن الاتجاهات البحثية لصناعة الطاقة تتأثر بصورة كبيرة بالسياسات الحكومية التي تشمل تقديم الدعم والحوافز والإجراءات المتعلقة بتغير المناخ والاعتبارات الاستراتيجية الاقتصادية. وتمثل تكاليف الإنتاج والمواد والبحث والتطوير دوراً مهماً في تحديد توجهات صناعة الطاقة ونموها. كما نشير إلى أن كثافة الأبحاث (معدل الإنفاق على البحث بالنسبة للمبيعات) في الطاقة المتجددة تفوق %4، بينما لا تتعدى في الصناعة البترولية %1 نظراً لضآلة الابتكارات والتقنيات الجديدة.
وفي المقابل بلغ حجم الاستثمارات العالمية في نشاطات البحث والتطوير لتقنيات الطاقة المتجددة بكافة أنواعها 9.3 مليار دولار في 2013م بحسب تقرير بلومبيرغ عن الاتجاهات العالمية للاستثمار في الطاقة المتجددة. ويشير الجدول رقم 1 إلى حجم الاستثمارات البحثية على الطاقة المتجددة وحصتها في مزيج الطاقة الأولية حول العالم. فقد استحوذت أبحاث الطاقة الشمسية على نسبة %50 من التمويل، تلتها طاقة الرياح والوقود الحيوي. وحالياً تتركز النشاطات البحثية العالمية في هذه المجالات على خفض تكاليف التقنيات وزيادة كفاءتها في توليد الطاقة الكهربائية.
ومنذ العام 2000م، أنفقت الشركات البترولية الكبرى حوالي 71 مليار دولار على أبحاث الحد من انبعاثات الكربون وتطوير الطاقة المتجددة. كما حققت شيفرون المركز الأول في إنتاج الطاقة المتجددة مقارنة بالشركات البترولية الأخرى. وبالنسبة لجهود المملكة العربية السعودية في مجال الطاقة النظيفة، نشير إلى دعم أرامكو السعودية لبحوث التقنيات النظيفة للبترول بما في ذلك فصل وتخزين الكربون وإعادة استخدامه. ولقد زادت أرامكو السعودية حجم الإنفاق على أعمال البحث والتطوير بنسبة خمسة أضعاف، كما زاد عدد الباحثين في هذا القطاع بنسبة ثلاثة أضعاف. وتستعرض الفقرات التالية الاتجاهات البحثية لتقنيات الطاقة المتجددة وتطبيقاتها في الصناعة البترولية، والاستثمارات العالمية في توليد الكهرباء بالطاقة المتجددة.
الطاقة الشمسية
تُعد الطاقة الشمسية من أفضل التقنيات المتقدمة للطاقة المتجددة في استغلال الإشعاعات الشمسية وتحويلها إلى طاقة كهربائية. وتتركز الأبحاث التي تلقى دعماً وتحفيزاً متزايداً من الحكومات في تطوير تقنيات لإنتاج الخلايـا الضوئية عبر تفاعلات كيميائية وفيزيائية، بالإضافة إلى إيجاد تركيبة فعَّالة من عنصر السيليكون النقي أو مركبات من المواد النانوية الأخرى من أشباه الموصلات.
وخلال عام 2013م بلغ الإنفاق العالمي للبحث والتطوير على تقنيات الطاقة الشمسية 4.7 مليار دولار متخطية بذلك كافة التقنيات الأخرى من الطاقة المتجددة. وتضاعف الإنفاق الحكومي الصيني على أبحاث الطاقة الشمسية خلال العقد الماضي ليصل حالياً إلى مليار دولار متفوقاً على إنفاق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الأبحاث الأساسية في الصين ينفذها عديد من الجامعات ومعاهد البحث المتخصصة.
وتتوقع «الجمعية الأوروبية للصناعة الكهروضوئية الشمسية» أن تتضاعف القدرة الإنتاجية العالمية من الطاقة الشمسية إلى حوالي 200 جيجاوات في السنوات الثلاث المقبلة، نظراً للنمو الكبير الذي تشهده الأسواق في أوروبا والصين والولايات المتحدة ومنطقة الخليج العربي. وشجعت الأوضاع المميزة للطاقة الشمسية مصنِّعي المعدات الشمسية وخاصة في الولايات المتحدة وسويسرا بالحفاظ على الإنفاق البحثي لتحسين المنتجات، لتلبية الطلبيات الجديدة من الصين. وتستثمر الشركات العاملة بالطاقة الشمسية مبالغ طائلة في البحث والتطوير والتطبيق التجاري بهدف خفض التكلفة النهائية للخلايا الشمسية وتعزيز كفاءتها وتبسيط طرق الإنتاج. وخلال العام 2013م، أنفقت شركة المواد التطبيقية الأمريكية 1.3 مليار دولار على البحث والتطوير على الرغم من أن الطاقة الشمسية تشكِّل نسبة صغيرة من أعمالها. ويواصل المصنِّعون الإنفاق على الابتكار للوصول إلى وحدات أفضل وأرخص، خاصة فيما يتعلق بتطوير رقائق سيليكونية أرق وخلايا ضوئية أكثر كفاءة. ويتم حالياً تنفيذ أبحاث لتطوير تقنية مجدية اقتصادياً لاستخدام الطاقة الشمسية في تحلية المياه المالحة مما يخفض كثيراً من استهلاك الوقود التقليدي من غاز ومشتقات بترولية.
وفي الولايات المتحدة يعمل عدد من شركات الطاقة الشمسية مع الصناعة البترولية فريقاً واحداً، لتوفير الألواح الشمسية والخلايا الفولتضوئية المخصصة لتوليد الطاقة في المواقع النائية لإنتاج النفط والغاز، بهدف تقليل تكاليف الوقود، وبالتالي الاستغناء عن استخدام مولدات الديزل أو خطوط نقل الكهرباء. وقامت شركة «سولار كاست» بتطوير ألواح شمسية محمولة مع بطاريات قابلة لإعادة الشحن لاستخدامها في تخزين الكهرباء من قبل الشركات البترولية في مواقع التنقيب عن الغاز الطبيعي. وأضحى استخدام تطبيقات الطاقة الشمسية في مواقع الحفر أكثر شيوعاً باستخدام أنظمة الطاقة الشمسية في مواقع الآبار لضخ الغاز أو لتزويد الأجهزة ونظم التحكم بالكهرباء وفي تشغيل المعدات الإلكترونية المثبتة على كل بئر عندما يتم تشغيل الآبار للإنتاج.
طاقة الرياح
بلغ الإنفاق البحثي على تطوير تقنيات لطاقة الرياح 1.7 مليار دولار في 2013م. غير أنه وفقاً لتحليل أجرته وكالة الطاقة الدولية يبقى هذا التمويل متدنياً نظراً للاحتياجات المرتفعة للبحث والتطوير في هذا القطاع. وتستثمر الشركات والجهات الحكومية مبالغ ضخمة في أبحاث تقنيات طاقة الرياح لخفض التكاليف وخاصة في الرياح البحرية. ولدى شركة «كربون تراست» في المملكة المتحدة برنامج مسرّع لطاقة الرياح البحرية بميزانية قدرها 40 مليون جنيه إسترليني للبحث وتطوير التقنية. وفي كثير من مناطق العالم بما فيها أوروبا، تُعد طاقة الرياح البرية من أهم المصادر المنافسة لتوليد الكهرباء.
ويتم حالياً العمل على تطوير تصاميم مبتكرة للتخلص من استخدام الأساسات، للحد من التكلفة واستبدالها بالتوربينات العائمة التي تطفو على سطح البحر مثل تقنية منصات إنتاج النفط والغاز في الحقول البحرية. وفي هذا الإطار تنفذ شركة «ستات أويل» النرويجية للزيت والغاز مشروع الرياح لتطوير مفهوم التوربين العائم. وحصلت على عقد لإقامة مزرعة تجريبية لطاقة الرياح بقيمة 120 مليون دولار قبالة ساحل ولاية ماين الأمريكية. وهناك مشاريع بحث أخرى لتصاميم مختلفة لدعم أبراج التوربينات على سطح البحر تهدف إلى خفض التكاليف بتمويل شركات أوروبية مثل شركة «ريبسول» الإسبانية للطاقة وعدد آخر من الشركات الفرنسية والبرتغالية والبريطانية والأمريكية.
طاقة الكتلة الحيوية
وعلى الرغم من أن الوقود الحيوي المستخدم كمواد إضافية في الجازولين والديزل لا يزال يواجه تحديات للوصول إلى مستويات إنتاجية منافسة اقتصادياً، فإن البعض لا يزال ينظر إلى هذه التقنية باعتبارها مجالاً لإجراء مزيد من البحث والتطوير. وخلال العقدين الماضيين، تركزت أبحاث الوقود الحيوي بصورة رئيسة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث السوق الأكبر لاستهلاك وقود النقل، وخاصة الإيثانول الحيوي المشتق من الذُرة وقصب السكر والسليولوز العشبي، إضافة إلى الديزل الحيوي المشتق من الزيوت النباتية. وبلغ حجم الإنفاق العالمي على البحث والتطوير في هذا القطاع 1.5 مليار دولار في عام 2013م. وتلزم الوكالة الأمريكية لحماية البيئة مصافي البترول بمزج الوقود الحيوي في الجازولين والديزل بنسب محددة قبل توزيعه على المستهلكين. وفي عام 2014م، بلغ الإنتاج العالمي للإيثانول الحيوي 24 مليار جالون أنتجت الولايات المتحدة %55 منه والبرازيل %33. وبالنسبة للديزل الحيوي بلغ الإنتاج العالمي 7 مليارات جالون، أنتج الاتحاد الأوروبي %75 والولايات المتحدة %13.
وتتركز الأبحاث الحالية، التي تمولها بعض الشركات البترولية على التفاعلات الإنزيمية لإنتاج الجيل الثاني من وقود الإيثانول الحيوي الذي طال انتظاره بإجراء تجارب مخبرية لتخمر المواد النباتية غير الصالحة للأكل مثل حطب الذرة والعشب ورقائق الخشب. وعلى سبيل المثال، استخدمت شركة «أبينجوا» وهي أكبر شركة للوقود الحيوي في إسبانيا عملية جديدة لإنتاج الإيثانول من النفايات البلدية الصلبة في مصنع تجريبي في وسط إسبانيا. كما تحالفت شركة «بويت» أكبر منتج أمريكي للإيثانول المشتق من أكواز الذرة مع شركة «رويال DSM» في مشروع مشترك لبناء مصنع بتكلفة 275 مليون دولار في ولاية أيوا لإنتاج 25 مليون جالون من الإيثانول. وافتتحت شركة «بيتا» للطاقة المتجددة مصنعاً لإنتاج الإيثانول من محاصيل الكتلة الحيوية في إيطاليا. وتحتاج عملية التخمر الإنزيمي لمزيد من الأبحاث لخفض تكاليف الإنتاج إلى مستويات تنافسية.
وبدلاً من استخدام المحاصيل الزراعية الغذائية مثل الذرة وفول الصويا، تدعم بعض الشركات البترولية وخاصة «إكسون موبيل» أبحاثاً لاستخلاص الجيل الثاني من الديزل الحيوي ووقود الطائرات (الكيروسين) من معالجة الطحالب النباتية البحرية بواسطة تفاعلات أسترة المواد الدهنية المستخلصة من هذه الطحالب. وتجري الآن تجارب في عدد من المختبرات حول العالم لتحديد النوعية الأمثل من الطحالب الخضراء وتقليل تكاليف الإنتاج.
الطاقة الحرارية الأرضية
تتوافر الطاقة الحرارية في جوف الأرض بصورة مباشرة، ولا تحتاج إلى عمليات تحويل مثل الطاقات المتجددة الأخرى. وتتم الاستفادة من هذه الحرارة إما عن طريق إنتاج البخار أو المياه الساخنة لتدفئة المباني أو في توليد الكهرباء.
تُعد شركة «شيفرون» أكبر منتج للطاقة الحرارية الأرضية في العالم. إذ بلغ إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير 0.3 مليار دولار في العام 2013م. وتُستخدم هذه التقنية البسيطة في عدد من الدول التي تتمتع بخاصية ارتفاع درجة الحرارة الجوفية والقريبة من مناطق الزلازل والبراكين وخاصة في الفلبين وكاليفورنيا في الولايات المتحدة وإيسلندا وألمانيا والصين وإندونيسيا. وتوفر الطاقة الأرضية مصدراً متجدداً ودائماً لتوليد الكهرباء والحرارة تستفيد منها المنازل والشركات. وتعتمد هذه التقنية على المضخات المستهلكة للطاقة في سحب المياه الساخنة من جوف الأرض، حيث تصل درجات الحرارة إلى أكثر من 250 درجة مئوية بحسب الموقع والعمق. وفي بعض البلدان تشكِّل المياه الجوفية ينابيع ساخنة وعيوناً حين تصل إلى سطح الأرض. وللتغلب على أي هبوط أو انخفاض في الأرض نتيجة سحب المياه أو البخار، ينبغي إعادة حقن المياه للحفاظ على ضغط الماء ومستوى البئر تحت الأرض. ويركز الباحثون حالياً على دراسات الحفر لطبقات أعمق وأسخن في جوف الأرض لاستخلاص مزيد من الحرارة الأرضية والحفاظ على آبار الإنتاج المتدفقة لسنوات عديدة.
توليد الكهرباء بالطاقة المتجدِّدة
أدت المخرجات البحثية خلال السنوات الثمان الماضية إلى تراجع كبير في تكلفة توليد الكهرباء في عدد من تقنيات الطاقة المتجددة إلى مستوى مكافئ من تكلفة الوقود الأحفوري في مناطق مختلفة حول العالم، وذلك حسب التقرير السنوي لعام 2014م لـ «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» (إيرينا) ومقرها مدينة أبو ظبي. وأصدرت عديد من الدول قوانين ومعايير تتعلق باستخدام الطاقة المتجدِّدة في توليد الكهرباء بحيث يتوجب توليد جزء محدَّد من الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة. وزادت حصة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء من %5 في 2007م إلى %8.5 في 2013م. وعلى سبيل المثال تسهم الطاقة المتجددة بحوالي %13 من إجمالي توليد الكهرباء في الولايات المتحدة، نصف الكمية تزودها الطاقة الهيدرومائية ومعظم النصف الآخر يأتي من طاقة الرياح وجزء بسيط من الطاقة الشمسية والكتلة الحيوية والحرارة الجوفية. ولقد حدَّدت ولاية كاليفورنيا العام 2010م لتصل نسبة الطاقة المتجددة في منظومة توليد الكهرباء لديها إلى %33. أما في ألمانيا التي أوقفت عمل مفاعلاتها الذرية، فإن حوالي %30 من الكهرباء يتم إنتاجها من الطاقة المتجددة (%10 وقود حيوي والباقي طاقة شمسية ورياح). وكما يشير الجدول رقم 2 بلغ إجمالي الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة 214 مليار دولار في عام 2013، منها %43 في الدول النامية و%53 للطاقة المتجددة. وحصدت تقنيات الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء %90 من إجمالي الاستثمارات أو ما يعادل 192 مليار دولار، منها %48 للطاقة الشمسية و %38 لطاقة الرياح. وبلغت قدرة التوليد بالطاقة المتجددة 81 جيجاواط من أصل 176 جيجاواط تمت إضافتها في 2013م حول العالم، أي ما يعادل %46 من الإجمالي. وبحسب تقرير بلومبيرغ عن الطاقة المتجددة، ساهمت محطات توليد الكهرباء بالطاقة المتجددة بمنع انبعاث حوالي 1220 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون في العام 2013م.
الطاقة المتجدِّدة في المملكة
بالنسبة لجهود المملكة في مجال الطاقة المتجددة، نشير إلى كلمة معالي وزير البترول والثروة المعدنية، المهندس علي النعيمي خلال الاجتماع الوزاري الخامس للطاقة النظيفة (سيئول، 2014) والتي حدَّد فيها خمسة مجالات تتيح للمملكة استخدام تقنيات الطاقة النظيفة للمحافظة على أنواع الوقود الأحفوري ذات القيمة العالية، وتأتي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كواحدة من هذه المجالات الخمسة والتي تشمل كذلك كفاءة استهلاك الطاقة واستخلاص الكربون والتحول إلى استخدام الغاز والأبحاث والتطوير في مجال الطاقة النظيفة. ولقد أنشأت المملكة مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجدِّدة للعمل على تنويع منظومة الطاقة المحلية، ولتشجيع استخدام مصادر طاقة بديلة ومتجددة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه المالحة. ويؤدي هذا التوجه إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري (نفط وغاز) وتقليل الانبعاثات الغازية وتوفير كميات كبيرة من المشتقات البترولية المعدة للتصدير مما يطيل أمدها في المستقبل. وبحسب خطة مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة يتوقع أن تنخفض حصة الوقود الأحفوري في توليد الكهرباء بالمملكة إلى %45 بحلول عام 2040م، بحيث تصل مساهمة الطاقة الشمسية إلى %31 والطاقة الذرية %13 وطاقة الرياح %7 والكتلة الحيوية %2 والحرارة الأرضية %1. وفي هذا السياق، نشير إلى الجهود البحثية الكبيرة التي بذلتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة والجهات المتعاونة في نجاح المشروع البحثي لتحلية المياه بالطاقة الشمسية. وتم مؤخراً إبرام عقد لتصميم وتنفيذ محطة لتحلية المياه بطاقة 60 ألف متر مكعب من المياه المحلاة يومياً إضافة إلى بناء محطة الطاقة الشمسية بسعة 20 ميغاوات من الطاقة الكهربائية لتزويد محطة التحلية في مدينة الخفجي.
ملاحظات ختامية
أشار هذا العرض السريع إلى المساهمة الكبيرة لنشاطات البحث والتطوير في خفض تكاليف تقنيات الطاقة المتجددة التي أصبحت جزءاً من منظومة توليد الكهرباء ووقود النقل في بعض البلدان. وانخفضت تكلفة توليد الكهرباء من الألواح الشمسية بنحو %50 خلال السنوات السبع الماضية. غير أنه لا بد من الإشارة إلى أن الانخفاض المطوّل لأسعار الوقود الأحفوري سيكون له بعض التأثير على أداء الطاقة المتجددة، ويمكن أن يؤدي إلى «تغيير قواعد اللعبة» فيما يتعلق بتمويل الشركات البترولية لأبحاث الطاقة المتجددة على المدى الطويل. كما يمكن أن يؤدي هذا الانخفاض إلى تغيير «التوازن» القائم بين مختلف مصادر الطاقة وأن تنأى الشركات البترولية بنفسها بهدف التركيز على عملها الأساسي في ظل ارتفاع تكاليف التنقيب والإنتاج.