منذ أزمان لا نعرفها، وجد الإنسان في أعشاب البر دواء لأدوائه. وبنت شعوب بكاملها تراثاً غنياً جداً من الحكمة الشعبية التي تعرف أي عشبة تعالج أي مرض. بل ان الفراعنة والبابليين، ثم اليونان والعرب، تركوا لنا علوم طب مؤسسة على معرفة خصائص النبات والأعشاب. من ذلك كتب لابن سينا وغيره. ولا تزال شعوب كاملة في إفريقيا، تُجل «السحرة» وتُنزلهم منزلة عالية في مراتب المجتمع، لأنهم يتقنون فن المعالجة بالأعشاب.
وفي العصور الحديثة رأى الطب الحديث أن يستخف بحكمة الأقدمين ويُقبل على ما نعرف من تسخيف لطب الأعشاب، حتى ظهرت علوم البيئة والطبيعة، فاسترد الطب الشعبي والمعالجة بالأعشاب بعضاً من سمعتهما، بل ربما الكثير منها. وأخذت شركات صنع الدواء في الغرب تعلن فخورة أن دواءها كذا، خال من الكيمياء، وأنه من الأعشاب الطبيعية «مئة بالمئة».
وظننا أن الأمور ستقف عند هذا الحد، وأن الحيوانات الذكية، مثل الشامبانزي، تشاركنا في التعالج بالأعشاب. إذ ان المعروف أن القرد المصاب بالدود في أمعائه، يُقبل على أكل العشب الشوكي، وبذلك يتخلص من الدود.
لكن العلماء اكتشفوا أخيراً، أن المسألة أعم وأوسع كثيراً مما نظن، حين وجدوا أن اليُسروع الصوفي، وهو نوع من الدود الدباب غير المعروف بالذكاء في دنيا الحيوان، يتداوى أيضاً بالأعشاب. إذ حين يمرض اليُسروع من جراء إصابته بيرقة طفيلية، تراه يُقبل على أكل النبات الوافر بالقلويات، مرتين أكثر مما يأكل منه في المعتاد. وفي هذه القلويات سموم تقتل اليرقات وتعالج اليُسروع.
ولاحظ علماء الطبيعة، أن الدود الذي يأكل النباتات القلوية المناسبة، يطول عمره 20 في المئة أكثر من الدود الذي يُحرَم من التزود بالقلويات.