حياتنا اليوم

سعيد سعيد..
وصناعة الروبوت في المنطقة الشرقية

تكاد سيرة سعيد عاطف سعيد أن تكون صورة نموذجية للدور الذي يمكن للأسرة المحبة للعلم أن تلعبه في حياة أبنائها.
فالفتى الذي فتح عينيه باكراً جداً على عالم الكمبيوتر وهو في المرحلة الابتدائية، أصبح اليوم كما يظهر من صورته الشخصية التي تعرضها منال أحمد، راعي صناعة الروبوتات والطامح إلى نشر ثقافتها حتى خارج حدود المملكة.

ولد سعيد عاطف سعيد في 23 ديسمبر عام 1973م بمدينة الخبر. وكانت أسرته تقدِّر التعليم وتهتم بتطوير قدرات أفرادها. فكان سعيد في الصف السادس الابتدائي عندما أهداه والده جهاز كمبيوتر حمله إليه من اليابان.

تمكن سعيد من التعامل مع هذا الجهاز الغريب بسرعة، بعدما ألمَّ بأبجدياته. وعلى الرغم من أن ذاكرة هذا الجهاز لم تكن تتجاوز 32 كيلوبايت، فقد استطاع الفتى سعيد أن يتعلَّم البرمجة بواسطته، وأن يبرمج عليه ألعاباً يصفها اليوم بالبدائية.

تغيير الاختصاص ولأي سبب؟
في العام 1991م، كان سعيد ينوي دراسة الطب، فالتحق بنظام الابتعاث بأرامكو السعودية. غير أنه فوجئ بأن هذا النظام لا يسمح بابتعاث طلبة الطب إلى أمريكا طالما أن بإمكانهم دراسته في جامعة الملك فيصل، وإنما هو للراغبين بدراسة الهندسة. ولأن سعيد كان يرغب في الدراسة بأمريكا أكثر من أي شيء آخر، فقد قرر تغيير تخصصه، والتوجه إلى دراسة الهندسة الكهربائية «ليس حباً فيها، وإنما فقط للدراسة في أمريكا»، على حد قوله، مضيفاً أن هذا السبب كان غاية في السذاجة.

الروبوت الأول
يفوز بكأس العالم
في العام 2000م، وأثناء دراسته لنيل شهادة الماجستير في مجال الهندسة الكهربائية في جامعة كورنيل بنيويورك، نشرت الجامعة إعلاناً عن مسابقة للاشتراك في بطولة العالم لكرة القدم للرجل الآلي. واقترح المشرف على رسالة سعيد أن يشترك تلميذه في المسابقة كجزء من مشروع التخرج.

قُبِل سعيد في الفريق المكون من أكثر من 20 طالباً يدرسون في مراحل واختصاصات مختلفة في الجامعة. وكان على هذا الفريق تصميم رجل آلي للمشاركة في البطولة العالمية «روبوكوب». وفي هذا الصدد، يقول سعيد: «شرح لنا المشرف كيفية تصميم جهاز مركب «روبوت»، فقسمنا أنفسنا إلى مجموعات حسب التخصص:كمبيوتر، هندسة، تصميم شرائح إلكترونية، تصميم إدخال المعلومات ..الخ. وكنت المسؤول عن الهندسة الكهربائية, وعن بناء جهاز التحكم بالروبوت تحديداً, ومن ثم انتقلت لأصبح مدير المشروع. وبفضل من الله، أنجزنا العمل، من لا شيء إلى رجل آلي قادر على إنجاز المهمة. وسافر الفريق إلى أستراليا حيث فاز بكأس العالم. ومنذ آنذاك تحولت علاقة سعيد بالروبوت من الدراسة المجردة إلى حالة عشق.

تشجيع الأسرة مجدداً
خلال دورة نظَّمتها أرامكو السعودية حول لغة برمجة معيَّنة، دار حديث حول عدم استغلال القوة الكامنة في أجهزة الكمبيوتر مقارنة باستخدامها للإنترنت. فذكر سعيد كيف أنه تعلَّم أسس البرمجة على الكمبيوتر الذي أهداه إياه والده في صغره, وذكر كيف كان يبرمج عليه ألعاباً كان يصممها بنفسه. فطرح السؤال: «لماذا لا يتم توجيه الأطفال وإطلاعهم على قدرات الكمبيوتر ليتمكنوا من الاستفادة منه حتى أقصى حد ممكن؟».

لمعت في ذهن سعيد فكرة إنشاء مركز للطلاب يعلمهم البرمجة في سن مبكرة. وحمل الفكرة إلى منزل والده: «كانت العائلة مجتمعة. قصصت عليهم القصة وطرحت أمامهم فكرتي، فأثنى الجميع عليها، وقالوا لي اذهب غداً واشترِ ستة أجهزة كمبيوتر.. هيا!… هيا».

وفعلاً، اختار سعيد مكاناً لا تتجاوز مساحته 30 متراً مربعاً في مجمع سكني بسيط، لتبدأ رحلة مركز المواهب بدورة لطلاب المرحلة الابتدائية في تصميم موقع على شبكة الإنترنت, حضرها ابن شقيقة سعيد وابن الجيران فقط.

المركز الصغير ينمو
الإقبال الضعيف على المركز عند إطلاقه لم يحبط سعيد أبداً. بل استمر في بذل جهوده. وتدريجاً راح عدد الطلاب يرتفع بازدياد حماسة الأهالي للفكرة وللمشروع. فازداد عدد الدورات أيضاً.

ويذكر سعيد من الذين دعموا المركز الأستاذة سارة رحيمي من أرامكو السعودية, والأستاذة أريج سعيد التي راحت تقدِّم الدورات نفسها التي يقدِّمها المركز، ولكن لأطفال أصغر سناً تراوحت أعمارهم بين 5 و7 سنوات.

تنوعت دورات المركز لتشمل تخصصات مختلفة. ولما أراد سعيد أن يضيف إليها صناعة الروبوت، تنبَّه إلى أن هذه الصناعة تجمع فعلياً عدة تخصصات. فاستحدث دورة جديدة باسم «برمجة الروبوتات»، مما استلزم إضافة دورات جديدة في الميكانيكا والكهرباء.

أول رجل آلي سعودي
أثناء قيامه ببحث على شبكة الإنترنت، اطلع سعيد صدفة على دوري «فيرست ليغو» ببريطانيا، فقرر المشاركة فيه, وشكَّل لهذه الغاية فريقاً من 10 أشخاص (من زملائه في أرامكو السعودية). وحيث لم يكن هناك أي دوري عربي في هذا المجال عام 2005م، فقد فكر في إقامة مثل هذه المسابقة في المملكة. وفي ذلك العام، انضم فريق من 6 أشخاص إلى مركز المواهب، لدراسة أسس تصنيع الرجل الآلي. وشاركوا لأول مرة، وكأول بلد عربي في مسابقة «الروبوكوب» للأشبال في اليابان.

أما في العام التالي، فقد أقام المركز أول بطولة محلية لدوري «الروبوكوب», شاركت فيه ستة فرق محلية كانت كلها قد خضعت لدورات تدريبية في مركز المواهب. وقد صور التلفزيون الألماني هذه البطولة. وسافر فريق المركز لاحقاً إلى ألمانيا للمشاركة في بطولة كانت تقام هناك.

التفرغ للمركز
في أحد الاجتماعات التي قامت بتنسيقها جمعية الخليج للتعليم المؤسسي؛ دار حوار طويل حول التعليم شارك فيه مثقفون ومهتمون بالتدريس، وكان من بينهم سعيد الذي يقول: «قررت حينئذ تحويل المركز الصغير إلى مركز أكبر وأكثر فاعلية. وفي صيف عام 2007م، وفي موسم الدورات، انضم الأستاذ عمرو صالح المدني للمركز، وقررنا سوياً الاستقالة من وظائفنا والتفرغ كلية للمركز وتطويره».

تتركز أهداف المركز في نشر ثقافة الروبوت من خلال عدة محاور من أهمها: رعاية المسابقات العالمية الخاصة بالروبوت كـ «الفيرست ليغو» و«الروبوكوب», بالإضافة إلى تزويد المدارس الراغبة بمناهج الهندسة الميكانيكية والكهربائية. فالمناهج التي يقدِّمها المركز هي من تصميم العاملين فيه بالاعتماد على الأبحاث المتعلقة بالهندسة الكهربائية والميكانيكية والمنشورة في الإنترنت والكتب الجامعية التي يتم تبسيطها وقولبتها لتتناسب مع طلاب المرحلة الابتدائية.

يبدأ المركز عمله في الثامنة صباحاً, «وعندما يعود الجميع إلى بيوتهم, نعود أنا وعمرو إلى المركز بعد أخذ راحة ساعة زمان وقد نبقى حتى العاشرة مساءً, فلا يوجد أجمل من منظر الطلاب يوم الخميس وهم يفضلون البقاء في المركز على اللعب مع أقرانهم».

من ناحية أخرى، تقدم الأستاذة نعم يماني دورات تابعة للمركز يمكن لأي شخص الحصول عليها من موقع «اليوتيوب» على شبكة الإنترنت كخطوة أولى. فطموح الأستاذ سعيد لا يتوقف على تحقيق الاكتفاء الذاتي بتقديم هذه المعرفة ونشرها على مستوى المملكة ولأبنائها فقط؛ بل يطمح إلى أن يكون المركز نواة لتصدير هذه المعرفة خارجياً بجودة لا تقل عن جودة المنتج الألماني، وبدرجة انتشار لا تقل عن درجة انتشار المنتج الصيني.

أضف تعليق

التعليقات