قصة مبتكر
قصة ابتكار
كارل زايس
عربـة الإطفاء
كارل زايس هو واحد من آخر جيل من عمالقة المبتكرين والمخترعين الذين درسوا علوماً كثيرة، ومن ثم ركَّزوا جهودهم على حقل معيَّن ليتركوا عليه بصمات من الإبداع يعجز اللاحقون عن تجاوزها. ولد كارل في ألمانيا في شهر سبتمبر من العام 1816م، والتحق أولاً بمدرسة لتدريس قواعد اللغة، ومن ثم بمعهد الدكتور فريدريك كورنر، مزوِّد البلاط باحتياجاته من الأدوات الميكانيكية. وبعد ذلك تابع كارل بعض المحاضرات في علم الرياضيات، ومن ثم علم المعادن وأخيراً علم البصريات في جامعة مدينة جينا الألمانية. بعد تخرجه بسنوات سبع افتتح كارل زايس مشغلاً صغيراً لصناعة العدسات الزجاجية. ولما لم يحقق إنتاج العدسات ما يتوخاه كارل من نجاح، بدأ من العام 1847م، بصناعة «الميكروسكوب». وكان أول ابتكار له، تبسيطاً للميكروسكوب التقليدي، يعمل بعدسة واحدة، وبالتالي كان موجهاً إلى الاستعمال في عمليات التشريح فقط. باع كارل في العام الأول 23 جهازاً، ولما أحس بضرورة الانصراف إلى تحدٍ جديد، بدأ العمل على إنتاج الميكروسكوب المزدوج، وأطلق النموذج الأول منه المعروف باسم «ستاندا» عام 1857م. وخلال 4 سنوات فقط، انتزع كارل زايس اعتراف المراجع العلمية بأن الميكروسكوبات التي يصنعها هي من أفضل الأدوات العلمية التي تنتجها ألمانيا. فحاز في العام 1861م الميدالية الذهبية في أحد المعارض الألمانية الشهيرة. وفي العام 1866م تمكن مصنعه من بيع الميكروسكوب رقم 1000. وسلك زايس منعطفاً بالغ الأهمية عام 1872م، عندما ضم إلى محترفه عالم الفيزياء أرنست أبي، الذي راح يعمل معه على تطوير نظرية يفترض بها أن تسمح بإنتاج عدسات تتلافى تشويه أطراف الصورة. وأصبحت النظرية قابلة للتطبيق عام 1886م عندما انضم عالم الكيمياء أوتو شوت إلى الفريق. وسمحت العدسة الجديدة بإنتاج أنماط جديدة من الميكروسكوبات متطورة أكثر من السابق بكثير. توفي كارل زايس في ديسمبر من العام 1881م. وبعد وفاته بقليل انسحب ابنه الذي كان انضم إليه في العمل قبل ذلك بوقت قليل. ولكن المصنع لم يقفل، بل تحوَّل إلى شركة، راحت تطوِّر صناعة العدسات الزجاجية لمختلف الأغراض، بدءاً من أجهزة التكبير والتقريب وصولاً إلى آلات التصوير الفوتوغرافي. حتى حظي اسم الشركة بشهرة عالمية ترسَّخت طوال القرن العشرين، واستمرت حتى يومنا هذا. إذ يكفي أن يشار في أية أداة بصرية أن العدسة من صنع «زايس» لكي يتأكد المرء أنه أمام أداة تتميز برقيِّ المستوىحتى أقصى حد.. وفي هذه السمعة العطرة شيء من الوفاء المستحق لرجل كرَّس معظم سنوات عمره لتطوير العدسات وصناعتها، فمنح العالم عيوناً قادرة على رؤية ما تعجز العين العادية عن رؤيته بدءاً بالجراثيم الصغيرة، وصولاً إلى المجرات العملاقة في الكون الفسيح.
يعود نشاط الإطفاء تاريخياً إلى الحضارات اليونانية القديمة والرومانية ومن ثم البريطانية. لكن التكنولوجيا الأولى جاءت من البحر المتوسط، وتحديداً من مصر القديمة. ففي حوالي القرن الثالث قبل الميلاد، قام المخترع الإسكندراني ستيسبس بتركيب أولى مضخة عملية سميت «سيفو». تتألف هذه المضخة من زوجين من الأسطوانات الغارقة في المياه، ومكابس يدوية تضخ المياه من خزان عبر أنبوب طويل. كانت هذه المضخة فعالة في إطفاء النيران عند سحبها قرب الحريق، ولكن كان من المستحيل استعمالها لإطفاء النيران داخل الأبنية بسبب عدم وجود الخراطيم حينئذ. وأيضاً، كان نفاد المياه من الخزان يعني التوقف حتى إعادة تعبئته يدوياً مرة أخرى، مما سبب في الغالب خسائر كبيرة في المباني. استمرت هذه التكنولوجيا فترة من الوقت في اليونان وروما ثم اختفت. ولم يعاد اكتشافها لفترة قاربت الألفي سنة. في تلك الأثناء، قام مخترع إسكندراني آخر يدعى «هيرون» أو «هيرو» بتصميم مضخة اعتمدت على العديد من عناصر المضخة الأولى، لكنها جهزت بفوهة توجه صوب النيران بمجرد تشغيلها. استمر هذا النموذج مستعملاً في القليل من المدن الأوروبية الكبيرة، حتى فجر الثورة الصناعية في نهاية القرن الثامن عشر. بينما ظلت أغلبية المدن تعتمد على الدلو في إطفاء الحرائق. مع خروج أوروبا من القرون الوسطى، بدأت بعض الأمم في تجربة تقنيات جديدة. ففي القرن السادس عشر، اعتمدت مدينة أوغسبيرغ الألمانية أسلوب محاقن المياه، ولكن التعقيدات التي صاحبت التصميم لم تساعد على انتشارها. إلى أن جاء الألماني انتوني بلانتر سنة 1518م بأول تصميم لآلة إطفاء مبسطة مُنح بسببها حق المواطنة في مدينة أوغسبيرغ. ولاحقاً، تطورت المضخة على يد الفرنسي بيرولت لتصل إلى مدى أبعد، مما سهل مهمة رجال الإطفاء في الوصول إلى النيران بكفاءة، دون الحاجة إلى الاقتراب منها. كان التطور الأبرز هو اختراع الخرطوم على يد الهولندييَن جان ونيكولاس فان دير هيدن سنة 1672م. وكان حينئذ من الجلد، مما شكَّل إضافة أخرى، وسهَّل عملية السيطرة على الحرائق التي بدأت تنتشر مع زيادة السكان وتكدسهم في المدن. وأيضاً، قام الاثنان بإضافة مضخة يمكنها سحب المياه من أي مصدر آخر عند نفاد الخزان الملحق بالعربة. وبحلول عام 1721م، قام المخترع البريطاني ريتشارد نيوشام بتطوير أولى مضخة تدار بواسطة رجلين فقط عن طريق عتلة تحرك جيئةٍ وذهاباً، فيتحرك مكبس ضاخاً الماء إلى صنبور نحاسي يدفعه حتى ارتفاع أربعين متراً، بمعدل مائة غالون في الدقيقة. اشتهر هذا النموذج، وفي غضون سنوات عشر وصل إلى أمريكا حيث طلبت منه مدينة نيويورك مضختين سنة 1731م. في عام 1828م قام البريطاني جون بريثوايت بتطوير مضخة تعمل بطاقة البخار. ثم أخيراً جاء اختراع المضخات التي تعمل بالوقود، وأحيلت الخيول إلى التقاعد. ومنذ ذلك الوقت، تغيرت عربات الإطفاء من آلات بسيطة تجرها الخيول إلى عربات مجهزة بأحدث المعدات، ولكن مهمتها بقيت كما كانت ولم تتغيَّر.