إلى أي حد يجب أن يُحكِم مدير مؤسسة ما قَبْضَتَه وبشكل مباشر على الموظفين؟ وإلى أي حد يجب أن يغوص في تفاصيل أداء الموظف وتوجيهه؟ وما حجم هامش حرية التصرف الذي يتمتع به الموظف ضمن توجيهات الإدارة. المؤسسات التقليدية التي قامت منذ عصر الثورة الصناعية تعطي أجوبة واضحة وحاسمة عن هذه الأسئلة. ولكن تطور طبيعة العمل المؤسساتي واعتماده أكثر فأكثر على الابتكار والمبادرات الفردية بدأ يعطي أجوبة مناقضة لأجوبة المؤسسات التقليدية. ليلى أمل تحدثنا عن التحولات التي بدأت تطرأ على العمل الإداري في المؤسسات الحديثة، استناداً إلى أمثلة أثبتت نجاحها وجدوى هذه التحولات التي صارت تعرف اليوم باسم «الإدارة عن بُعد».
حين نشأت مؤسسات الأعمال بصورتها الحديثة، استعارت من المؤسسات العسكرية الكثير من فلسفتها، فاعتمدت في إدارتها الأسلوب الذي يطلق عليه خبراء الأعمال «الأمر والتحكم».
فأعلى الأشخاص منصباً في المؤسسة هو من يرسم خططها، ويحدد أدوار الموظفين المختلفة، والطريقة التي عليهم أن يؤدوها بها. ويقوم الموظف بتنفيذ هذه الأوامر الموضوعة مسبقاً، ويكون أساس الحكم على عمله هو دقته وانضباطه في عملية التنفيذ، والتزامه الحرفي بما كُلِّف به جملة وتفصيلاً.
وقد سار الأمر بهذه الطريقة طوال الفترة التي ساد فيها الاقتصاد الصناعي، وكلما زادت قوة المؤسسات الصناعية، زاد اقتناع مديريها بفاعلية أسلوب الإدارة الذي يتبعونه. وسواء أكان هذا الأسلوب بالفعل واحداً من عوامل النجاح في تلك المؤسسات، أو أنه كان ملائماً لطبيعتها وظروفها فقط، ففي الحالتين كان هو النظام السائد الذي لم يفكر أحد بالحاجة إلى تغييره، أو حتى إمكانية هذا التغيير.
ومع التغير في طبيعة المؤسسات الذي صاحب التحول التدريجي من الاقتصاد الصناعي، إلى ما بات يعرف باقتصاد المعرفة، أصبح الحال مختلفاً تماماً. فالمهام المطلوبة في هذه المؤسسات لا تعتمد على العمل اليدوي والبدني، وإنما تتعلق بالتفكير والتحليل والابتكار وحل المشكلات، وهي مهام تحتاج لبيئة مختلفة عن البيئة الأولى، ولأسلوب إدارة مختلف عن الأسلوب الذي ساد قبلها.
فأسلوب الأمر والتحكم، لم يعد ملائماً ولا فعالاً في ظل الاقتصاد الجديد. وبدأت الإدارات تعترف بأن التحكم المباشر في سير أمور العمل من يوم إلى يوم، ليس في يدها هي، بقدر ما هو في أيدي موظفيها. فالمؤسسات الآن أصبحت كيانات متعددة الأجزاء، وقد تمتد أيضاً لتشغل عدة مواقع جغرافية بدلاً من موقع واحد، في البلد نفسه، أو عبر الحدود. ولن يستطيع المدير أن يكون موجوداً في كل الأماكن في الوقت نفسه! وحتى مع المؤسسات الأبسط في تركيبها، فإن طبيعة العمل «المعرفية»، وطبيعة المهام التي ازداد تركيبها وتعقيدها، تجعل من التدخل الدائم من قبل المدير بطريقة «افعل ولا تفعل» شيئاً يحد من فاعلية العمل، ويبطئ معدلات الإنجاز العام فيه.
يقول خبراء الأعمال إن اقتصاد اليوم لا تناسبه الإدارة المتحكمة، وإنما الإدارة عن بُعد.. بحيث يخلق المدير بيئة عمل مناسبة، تسمح بأن يحدد الناتج الصحيح والمطلوب، ثم يترك كل واحد من موظفيه يشق طريقه الخاص نحو هذا الناتج. فأقصر طريق بين نقطتين، كما تقول الطبيعة في كل مظاهرها ومشاهدتها، ليس هو الخط المستقيم، ولكنه الطريق ذو المقاومة الأقل. ولذلك، فإن أكثر الطرق كفاءة وفاعلية لتحويل معارف الموظف وخبراته ومواهبه إلى أداء يخدم المؤسسة، هو أن يجد طريقه الأقل مقاومة الذي يمكن أن يسير فيه للوصول إلى النتائج المطلوبة. وهو الطريق الذي تدعمه كفاءاته، ومواهبه الخاصة، ونقاط تميزه، وأيضاً شخصيته، وطريقة تعامله مع المعرفة، ومع المهام، وأيضاً مع البشر. وحين يتبع كل موظف طريقه الخاص الأقل مقاومة، سيكون قد وصل لصيغته الأكثر تأثيراً وفاعلية من أية قوالب محددة يتبعها بصعوبة، وبكثير من التعثر والمقاومة.
والإدارة عن بُعد مهمة مركَّبة وطويلة المدى، وتتطلب من القدرات الإدارية أكثر بكثير مما يتطلبه الأسلوب القديم. إذ تقع على كاهل المدير مهمة خلق بيئة عمل جديدة، تتميز بتحقيق توازن دقيق بين تحديد الأطر والمعايير بدقة لا تقبل التهاون، وترك المساحات داخل هذه الأطر حرة للتصرف والقرار، ومفتوحة للمشاركة والرأي والمبادرة. ولهذا أصبح من المهم أن نتعرف إلى الأدوات اللازمة لإحداث مثل هذا التغيير، والوصول مع تطبيقه، إلى مستويات جديدة من الفاعلية والكفاءة في أداء الموظفين، وأداء المؤسسة ككل.
اختيار الأشخاص المناسبين
ووضع كل منهم في المكان المناسب
في كتابه الشهير «من جيد إلى عظيم»، يقول جيم كولينز الأستاذ بكلية إدارة الأعمال بجامعة ستانفورد الأمريكية، إن الحافز الحقيقي للأداء الجيد عند الموظف هو الأداء الجيد نفسه. بشرط أن يكون الموظف المناسب، ويقوم بالعمل المناسب.
وغالباً ما تتبع الشركات أسلوباً خاطئاً في تصورها لمسألة الانضباط في بيئة العمل. فهي تفترض أن الموظف يحتاج دائماً إلى اتباع سياسات معقدة كي يظل منضبطاً في عمله، ويقوم بالمهام التي عليه أن يقوم بها. وفي كثير من الأحيان فإن المدير يرى موظفيه وكأنهم «مراهقون» كسالى ومشاغبون، ويحتاجون إلى نظام صارم من الضبط والربط. فتلجأ الإدارة لمزيد من القواعد، ومزيد من القوانين. وتتعامل مع موظفيها بمزيد من الحذر وكثير من الشكوك.
وأساس المشكلة أن المدير قد قام بتعيين الأشخاص غير المناسبين.. في كفاءاتهم العملية من جهة، وفي مدى قدرتهم على تنسيق هذه الكفاءات، مع ثقافة الشركة ورؤيتها لأسلوب عملها وأهدافها ورسالتها. والحقيقة أن الأسلوب الصارم في الإدارة يضاعف الضرر الذي يقع على المؤسسة في هذه الحالة، وليس العكس. إذ إنه كلما ضاقت حلقات التحكم من قِبَل المدير لزيادة الانضباط، دفع ذلك الموظفين المناسبين لمغادرة المؤسسة لأنهم أكثر المتضررين. ونتيجة لذلك، تزداد نسبة الموظفين غير المناسبين، الأمر الذي يدفع إلى ممارسة مزيد من الضغوط لتحقيق الانضباط، فقط لتغادر مجموعة أخرى من الموظفين المناسبين، وهكذا.
وبدلاً من أن يضع المدير جهده في عمليات لا نهاية لها من الضبط والربط، عليه أن يصرف هذا الجهد في عملية اختيار الموظف المناسب من الأساس. ليس الجهد المطلوب من قِبَل المدير هو فقط قراءة السيرة المهنية، والتدقيق في سنوات العمل وحجم المهام التي تولاها الموظف سابقاً. فالسيرة المهنية هي ملخص عام لما فعله هذا الموظف من قبل، لكن المعرفة الحقيقية التي يحتاجها المدير عن الموظف المتقدم هي من يكون، وليس فقط ماذا فعل. ولأية درجة تتوافق نقاط قوته مع احتياجات المؤسسة، ولأية درجة تتماشى قواعده الأخلاقية ونظرته للحياة، مع ثقافة المؤسسة ورؤيتها وأهدافها.
من المهم أن يعرف المديرون أن إحكام قبضتهم الحديدية، لا يزيد إلا شكوكهم، ولا يقوي سوى جو عدم الثقة في المؤسسة. وفي المقابل فإنه يسلبها المرونة، وسرعة الاستجابة، ويؤثر سلباً على سمعتها في عالم الأعمال كمؤسسة بناءة للكفاءات، ومكان جيد للعمل والحياة.
من التعقيد إلى الوضوح
من حكم موقعه على رأس المؤسسة، فإن المدير يتعامل مع كل المعطيات والمتغيرات على ساحة العمل، ومتطلبات السوق، والمعادلات المعقدة التي تشرح ذلك، والتي يبنى على أساسها هيكل المؤسسة وأطرها. لكن كيف يمكن أن ينقل الصورة المعقدة المتشعبة التي يراها، إلى عيون موظفيه، بحيث تتوجه جهودهم في الاتجاهات اللازمة لخدمة المؤسسة، وتمكنها من تحقيق نتائج إيجابية طويلة المدى؟
إن دور المدير هو أن يصل بكل التعقيد الذي يتعامل معه، إلى رؤية واضحة جداً ومباشرة جداً، ينقلها إلى كل الموظفين بالمؤسسة، تكون دليلاً يلجأ إليه كل منهم ليعرف ماذا يفعل هنا بالضبط، وما أولويات عمله، وعلى أي أساس يقرر ما يفعله في كل صباح يأتي فيه إلى عمله، ويجلس إلى مكتبه.
تُعد خطوط طيران «ساوثويست» الأمريكية من أنجح شركات الطيران وأكثرها ربحية. ويقول هيرب كيليهر (المدير التنفيذي للشركة): «أستطيع أن أعلمكم السر في إدارة هذه الشركة في ثلاثين ثانية. وهي كالتالي: إننا أقل خطوط الطيران تكلفة. وحالما تفهمون هذه الحقيقة، فبإمكانكم اتخاذ أي قرار يخص مستقبل الشركة، كما أفعل أنا».
ويستكمل كيليهر توضيح فكرته بسؤال: لو فكر أحد موظفي قسم التسويق في تقديم وجبة خفيفة إضافية خلال إحدى الرحلات، بعد أن عرف من استطلاع للرأي أجراه بين الركاب أنه سيروق لهم لو قدمت الشركة وجبة خفيفة خلال هذه الرحلة.. ومع معرفة أن تنفيذ ذلك سيكون شيئاً لطيفاً للزبائن، وأداة ترويج جديدة للشركة.. فهل يُعد هذا الاقتراح ناجحاً ومناسباً وقابلاً للتنفيذ؟ الأمر بسيط. ما على الموظف إلا أن يسأل نفسه: هل سيجعلنا تقديم هذه الوجبة أقل خطوط الطيران تكلفة؟ لأنه إذا لم يكن كذلك، فليس من صالح الشركة أن تفعل.
بهذه الطريقة تكون الصورة الواضحة البسيطة والقوية للمؤسسة أمام عيون موظفيها، أداة فعالة في أيديهم توجه تفكيرهم وعملهم وقراراتهم ومبادراتهم من يوم إلى آخر. وتختلف المؤسسات في طريقة رسم هذه الصورة، وطريقة نقلها إلى موظفيها، لكن هناك عنصرين أساسيين يجب أن تعتني بهما، لكي تضمن نجاحها في هذه المهمة. وهما: ما هي نقطة تميز المؤسسة؟ و لمن تقدَّم خدماتها؟.
ما هي نقطة تميز المؤسسة؟
في كتابه «المدير الفعَّال» يقول بيتر دراكر الأب الروحي لعلوم الإدارة الحديثة: «المؤسسة الفعالة هي التي تجمع نقاط قوتها معاً، وتجعل نقاط ضعفها غير مؤثرة». فالمؤسسة القوية هي ليست المؤسسة التي تحقق الأهداف في جميع الشباك الممكنة، ولكنها تلك التي تختار الشبكة المناسبة وتحقق فيها أكبر قدر من الأهداف. لقد أصبحت تويوتا أكبر شركات السيارات نجاحاً في العالم، لأنها قررت أن تنتج أكثر السيارات التي يمكن الاعتماد عليها، وليس بالضرورة أكثر السيارات جمالاً أو رفاهية، ولا أعلاها أداءً. ولو كانت فرقت جهودها لمطاردة كل هذه الصفات، لما كانت قد حققت ما وصلت إليه من نجاح.
ولا تكمن أهمية تحديد نقاط ومجالات تميز الشركة، في تأثيره على توجيه مواردها ووقتها فحسب، لكن وضوح هذا الأمر أمام كل موظفيها يخدمها على مدى أبعد. إذ إنه يمثل نقطة الارتكاز التي تضمن للشركة تفوقها على منافسيها، وأيضاً السبب الذي تشرح الشركة لموظفيها به أحقيتهم بهذا التفوق. فأمام المنافسة العالية والتغير الدائم اللذين يسودان عالم الأعمال اليوم، يتساءل الموظفون عن مدى صدقية ما تدعيه الشركة من مكانة ونجاح، سواء في الوقت الحالي، أو في المستقبل. هناك منافسون أقوياء.. لماذا سوف نهزمهم؟ هناك صعوبات كثيرة على الطريق.. لماذا سوف نتغلب عليها؟ ما هي ميزتنا، وما الذي سيجعلنا نسبق الآخرين؟ وكلما وجد الموظفون إجابات واضحة عن هذه الأسئلة، ارتفعت ثقتهم في النجاح، وزادت درجة اهتمامهم وجديتهم، وزادت قدرتهم على حل المشكلات وتخطي العقبات.
لمن تقدِّم المؤسسة خدماتها؟
تأسست شركة «بيست باي» الأمريكية في العام 1966م، كمتجر عادي للإلكترونيات، لكنها منذ أواخر السبعينيات، استطاعت أن تتحوَّل إلى مؤسسة عالية النجاح والربحية، ويرجع باحثو الإدارة والأعمال هذا التحول، إلى الاستراتيجية التي وضعها مديرها التنفيذي الجديد في ذلك الوقت، براد أندرسون، والتي كان محورها هو السؤال: إلى من تقدم مؤسستنا خدماتها بالضبط.
بعد دراسة الأمر، توصل مسؤلو «بيست باي» إلى الإجابة عن السؤال. وهو أن المؤسسة تقدِّم خدماتها لهؤلاء الذين يرغبون في استخدام التكنولوجيا في مجالات حياتهم وعملهم، لكنهم لا يعرفون بالضبط كيف، ويحتاجون من يساعدهم على اتخاذ قرارات الشراء.
قام براد أندرسون بإعلان الاستراتيجية الجديدة التي ستتبناها المؤسسة، بناءً على ما وصلت إليه، لكل موظفيه، ليرسم لهم بوضوح طريق المؤسسة في الأعوام القادمة. فبدلاً من أن يكون دور موظفي المبيعات هو ببساطة البيع، سيكون دورهم تعليم العملاء. وغيَّرت الشركة طريقة عملها في كل شيء، كي تخدم هذه الصورة. فركَّزت أكثر على اختيار المنتجات المعروضة، ثم قامت بتدريب موظفي المبيعات تدريباً مكثفاً، بحيث يكون كل منهم قادراً على شرح وتوضيح الفروق بين المنتجات المختلفة من كل نوع، ومطابقة مواصفات الأجهزة لحاجات المشتري وطبيعة استخدامه. وألغت نظام «العمولات»، بحيث توجه هؤلاء الموظفين نحو عملية المساعدة، بأكثر من عملية البيع. ووضعت الشركة ثقتها في موظفي القمصان الزرقاء كما سمتهم، وهم موظفو البيع، أو موظفو الخطوط الأمامية في متاجر الشركة، ثم تركت لهم مساحة العمل مع العملاء، وانتظرت تراقب تأثير الخطة الجديدة على مبيعات الشركة وربحيتها.
وقد أثمر الأمر كثيراً، وتصاعد نمو الشركة بصورة هائلة حتى أصبح عدد متاجرها 600 متجر في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وتصدرت تجارة الإلكترونيات متفوقة على منافسيها. وفي المقابلة الصحفية التي أجرتها معه مجلة «فوربز» المختصة بالأعمال، حول شركته ونجاحها الكبير بعد أن منحتها المجلة لقب «شركة العام»، أوضح براد أندرسون كيف أن طريقة العمل الجديدة، جعلت من موظفي القمصان الزرقاء آلة للإنجاز والإبداع. وكيف أنهم أخذوا الخطة الأساسية، وزادوا عليها عشرات الابتكارات والتحسينات والمبادرات، التي قدَّموها هم للإدارة بحكم قربهم المباشر من العملاء. فقد أمدتهم هذه الصورة الواضحة عن هؤلاء الذين يقدِّمون لهم خدماتهم، بأداة فعالة لاتخاذ القرارات في الاتجاه الصحيح الذي تطلبه الشركة. ونتيجة للثقة التي تولدها هذه القرارات الصحيحة، ازداد لديهم حس الإبداع والمبادرة. وارتفعت فعالية قراراتهم وحكمهم، بعد أن أزاحت الإدارة عوائق التردد والتخبط من أمامهم، وأعطتهم وسيلة فورية ليحددوا بأنفسهم ما إذا كانوا قد نجحوا في أداء المهام المطلوبة منهم، أم لا.
دعم التعلم
والنظرة الإيجابية للأخطاء
وهناك ارتباط وثيق بين منحنى التعلم الخاص بالموظفين، وبين تطور العمل والأداء العام الخاص بالمؤسسة. وإذا كان لكل موظف قائمة رئيسة ثابتة من المهام، فإن المدير الناجح هو من ينظر إلى هذه القائمة، ويعيد تشكيلها مع الوقت، بحيث يظل منحنى التعلم الخاص بالموظف في صعود، من خلال إعطائه مهام جديدة، تنمِّي من قدرة الموظف على العمل، وتكسبه المزيد من الخبرات مع مرور الوقت. مهام تخاطب الموظف وقدراته بمستوى أعلى، مع توفير المعرفة اللازمة للنجاح فيها. هذا القدر المعقول من «التحدى»، يصل بقدرات الموظف إلى أعلى حد لها، ويعزز قدرته وثقته في القيام بمهام عمله، الأمر الذي يرفع من كفاءة أدائه.
ولكي تكون بيئة العمل مرحبة بالتعلم، يجب أن تتخذ موقفاً إيجابياً من الأخطاء. فالثقافة السائدة في مؤسسات الأعمال، تقول إن الأخطاء لا يجب أبداً أن تحدث. ولذلك تقابل عند حدوثها باللوم والعقاب، وعادة ما يتعمد المدير إشاعة جو من الحرج لصاحب هذا الخطأ، ليذكره دائماً بألا يكرره مرة أخرى.
لكن الواقع يقول إنه من دون حد معيَّن من أخذ المجازفات المعقولة في بيئة العمل، لا يمكن أن نكتشف أفكاراً جديدة وحلولاً أفضل للمشكلات. وحين نحذف الخوف من الوقوع في الخطأ من المعادلة، يستطيع الموظف أن يتقدَّم لأخذ مجازفات محسوبة، يكون فيها مسؤولاً عن حكمه وفعله، بغير أن يكون خائفاً من نتائج سلبية تقع على حياته المهنية.
المدير الناجح هو من يحرص على إنشاء ثقافة تعتبر الأخطاء غير المقصودة أو المتعمدة فرصاً للتعلم. ويساعد من خلالها موظفيه على تقييم الأخطاء عند حدوثها، وتقييم تبعاتها، ثم الوصول إلى تصور جديد عن الحل الأفضل ليتم تطبيقه في المرات القادمة. فحين يسأل المدير موظفه: ماذا تعلَّمت من هذا الموقف؟ فإنه يعطي له الفرصة والمساحة اللازمة للنمو والتقدم.
في مؤسسات اليوم التي أصبحت قيمة العمل فيها مرتبطة بالتفكير والابتكار وحل المشكلات، فإن المدير الناجح هو من يلتزم بواجبه الحقيقي نحو مؤسسته وموظفيه، ليخلق بيئة عمل مساندة لما يريده من نتائج وإنجازات. فيختار موظفيه بعناية، وبكثير من النظر، ويجتهد كي يضع كلاً منهم في مكانه المناسب بالضبط. ثم يوضح لهم بقوة ملامح الطريق، وعلاماته الرئيسة، ويُفسح المجال أمامهم للتعلم والتقدم، والمشاركة الإيجابية. ففي ظل الأطر التي ضبطها بوضوح وجدية، تستطيع التفاصيل أن تعتني بنفسها بصورة أفضل، ويستطيع هو أن «يأمن» إلى أن كل موظف سيقدم أفضل ما لديه من جهد وقدرة على الإنجاز.
وإن كان هذا الطريق هو الأصعب، إلا أنه الأكثر فاعلية.. والأكثر واقعية كذلك.