الرحلة معا

تشريح الظواهر المعاصرة

ليس جديداً القول إننا نعيش في عالم معقَّد، مكتظ، ومزدحم تتنافس فيه الظواهر والموجات الحياتية والعلمية والاجتماعية يوماً بعد آخر، بل إننا، وتحت وطأة تراكمها وسرعتها، نصحو أحياناً تحت وطأة شعور حاسم، أنها في حقيقة الأمر تسيِّرنا وتقود حياتنا، وإننا -على الأرجح- لا نملك زمام السيطرة عليها وتوجيهها، أو إيقافها، فضلاً عن الإضافة الإبداعية إليها.

إذا كنا حقاً لسنا من صنَّاع العلم ومسوِّقيه في العالم. فليس أقل من أن نبسط مفاهيمه، وأن ننشر فلسفته في أوساط أجيالنا الجديدة، وبين مختلف الشرائح القارئة، وهي من كل الأعمار، والأجناس.

سؤال العلم إذن في حياتنا جارح، والإجابات عنه باهظة بالضرورة..!

اجتهدت «القافلة» في كل أزمانها لكي تكون أمينة مع روح عصرها، أي أن تتمثل أفضل ما فيه علماً وأدباً وفكراً واستكشافاً، وأن تقدِّمه لقارئ متعطش لآخر منجزات المعرفة والعلم. نجحت غالباً في إيصال هذه الرسالة، وتراجعت أحياناً، وغلَّبت أحياناً جانباً ثقافياً على آخر لكنها لم تفقد روح المبادرة، ولم تيأس من جعل طاقة العلم والتقنية جناحي حركتها واندماجها في العصر ومتطلباته.

حين أراجع، على نحو عشوائي، ثلة من أعداد نقلتها الأخيرة (التي بدأت عام 2003م)، أكتشف جانباً قليلاً ما اكترثت له الصحافة العربية، وهو قراءة وسبر آخر المستجدات التقنية والثقافية التي ترتبط بحياة كل الناس، ليس كأخبار عابرة، بل كمسائل حياتية ونفسية وسلوكية وصحية تمس حركتهم اليومية، وعلاقاتهم ببعضهم وبالآخرين، وتنتج جملة من العلاقات الإنسانية الجديدة والأفكار، والمفاهيم.

أقرأ إطلالات جميلة عن عالم الوجبات السريعة، وعن ظاهرة الشباب المصورين، وعن ماهية البورصة، وعن ظاهرة الهايبرماركت، وعن بعبع البيئة (أكياس البلاستيك)، وعن حرائق الغابات، وعن أثر الهدر والبذخ على البيئة، وعن معدل الأعمار في عصرنا، وما هو قرص (الأسبرين)؟، وما أهمية السكرتارية الإدارية، وما هي حسنات الأمراض؟ إضافة إلى غوص في الأحجار الكريمة، واللغة الجديدة للشباب والمراهقين، ولماذا تفلس شركات الطيران؟ وما دلالات ظاهرة «هاري بوتر»؟. ولن أسرد أكثر من ذلك، وما أردت قوله هنا هو أهمية أن تكون المطبوعة قريبة من روح وتفاصيل عصرها، ووجوه ناسها.

يتذكر الكثيرون، الذين عاصروا «القافلة» أو اختلطوا بتاريخها العريق، تلك الوجوه الحنطية أو السمراء لآباء وأجداد عمَّروا بسواعدهم وطاقاتهم رمال هذه الصحراء.

لقد حلّوا على أغلفتها، وأصبحوا وشوماً لا تُنسى، أحدهم يقف على سطح شاحنته وقد لوحته الشمس، وآخر يثبِّت أبراج الحفر في عمق الصحراء، وثالث يمدّ الأنابيب عبر الكثبان مستعيناً بمعدات متواضعة، ووجه يعمل فوق إحدى ناقلات النفط، ووجوه أخرى تكتسي بالبِشر بعد أن وقَّعت اتفاقيات لتملك بيوتها، أو سواعد تؤدي عملها في إحدى الورش الصناعية، أو آخرون يتلقون جرعات التطعيم ضد أحد الأمراض المستعصية…

وجوه كثيرة لن أوفِّيها حقها هنا، لكننا نتذكرها لأنها انغرست في وجداننا عبر رواية قصصها ونشر صورها في مطبوعات الشركة المتنوعة، الأسبوعية والفصلية. وإذا كنا نتذكر تلك الوجوه الآن كسحنات شاهدة على مراحل مفصلية من تاريخ الشركة، فإن هذا لا يقلل من ضروب المعاناة والعذابات التي مرَّ بها أولئك الناس خلال ذلك الزمن الصعب، وهي ضروب من الألم لا يمكن لمطبوعة، محدودة الصفحات، أن تلمّ بها وتفصل شجونها، وإن اجتهدت بكل طاقتها لتدوين ذلك التاريخ وحفظ تلك الوجوه من النسيان.

إنني أرتاد، كما تفعلون، المكتبات ومراكز التسويق التجارية بحثاً عن كل جديد معرفي، وأتوقف أمام عشرات الصحف والمجلات التي ترتدي أغلفة برَّاقة عن الأزياء، ونجوم السينما والتلفزيون، ووجبات الأطعمة، والشؤون السياسية والاقتصادية، والآداب والثقافات، بل والصقور والخيول، والديكور الداخلي، والكمبيوتر والإنترنت …الخ. لكننا قليلاً ما نعثر على مطبوعات تدرس ظواهر حياتنا اليومية، وتأثيراتها على سلوكياتنا وأفكارنا ومعاني وجودنا، وعلى أجيالنا القادمة.

هكذا إذن تحاول «القافلة» أن تبني علاقة جديدة مع قارئها ترتكز على قراءة تحليلية للأنماط الحياتية، والاندفاعات التقنية، والمستجدات المعاصرة التي تلقى في طريق حياتنا كل يوم.

إننا نعيش في زمن حداثي وتجديدي ومتسرع. زمن تلتقي فيه المعارف والفنون، التي كانت نخبوية، بمستقبلين شعبيين، والعكس يحدث أحياناً، فالصرعات الفنية والاجتماعية التي تنطلق من قاع المجتمعات سرعان ما تتحوَّل إلى ظواهر جماهيرية تستقطب نخب المجتمع في الإدارة والمال والتسويق، بل وتقتحم ذائقتهم ومفاهيمهم وتصوغها من جديد.

إذا كنا جميعاً مستهلكين بالضرورة لكل ما تفيض به منتجات العالم علينا شرقاً وغرباً، وهي منتجات وأدوات وأفكار تغزو وتعيد تشكيل حياتنا ولغتنا ومعارفنا، فإننا في أمس الحاجة إلى فهم وقراءة تلك الظواهر والمنتجات، وإدراك آثارها الواضحة على مجمل توجهاتنا.

في هذا السياق فإن هذه المجلة لن تتوقف عن تزويد قارئها بما يحتاجه عن المعارف والكشوفات، وإلقاء المزيد من الضوء على مخرجات العلم والآداب والفنون الجديدة، وشرح انعكاساتها على القيم وأنماط التلقي والسلوك في مجتمعاتنا وخاصة في أوساط أجيالنا الشابة.

بذلك نكون أكثر قرباً من قارئنا …

أضف تعليق

التعليقات