قصة مبتكر
قصة ابتكار
شارلز ريتشارد درو
الكرســي المتحـرِّك
لولا بنك الدم لتوفي الملايين من البشر من أمراض وجروح كان بالإمكان علاجها بسهولة عندما تتوافر كميات كافية من الدم. ابتكر فكرة «بنك الدم» شارلز ريتشارد درو، المولود في ولاية واشنطن الأمريكية عام 1904م. حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة امهيرست في 1926م وتخصص في الرياضات البدنية، وعلى شهادة الماجستير في الجراحة من جامعة ماكجيل الكندية في مونتريال عام 1933م. كان مولعاً بأبحاث الدم فعمل في جامعة مونتريال الحكومية. وفي 1935م، أصبح أستاذاً في علم الأمراض في جامعة هاورد للطب، ثم عمل بعدها في مستشفى كولومبيا في نيويورك، حيث كان يشرف على قسم بلازما الدم، أحد أقسام مؤسسة نقل الدم لمدينة نيويورك. وأثناء أبحاثه وجد أن فصل خلايا الدم الحمراء السائلة عن البلازما الصلبة القريبة منها وتجميد الاثنين بمعزل عن بعضهما من شأنه المحافظة على الدم وإعادة تجميعه في تاريخ لاحق للاستفادة منه. ونشر بحثه هذا في مقالة بعنوان «دم محفوظ في البنك»، والتي تحدثت عن كيفية حفظ الدم في بنك لاستعماله فيما بعد. أحدثت طريقته هذه في تخزين بلازما الدم ثورة هائلة في مهنة الطب برمتها وأنقذ بذلك حياة الملايين في مختلف أرجاء العالم.
وكان أول أمريكي من أصل إفريقي يحصل على الدكتوراة في العلوم الطبية من جامعة كولومبيا عام 1940م، وآنذاك كانت الحرب العالمية الثانية في أولها، وكان خبراء الدم الأمريكان يبحثون في طرق تساعد في إيصال الدم إلى ساحات الحرب، فاقترح درو مشروعه (دم لبريطانيا)، وبذلك أنقذ حياة عديد من الجنود الجرحى. وعقب نجاحه الباهر، تمت تسميته مديراً لبنك الدم التابع للصليب الأحمر الأمريكي ومساعداً لمجلس البحوث الوطني الأمريكي ومسؤولاً عن جمع الدم في الجيش الأمريكي والبحرية. وكان أول من وقف علانية ضد عزل الدم وفقاً للمتبرع والعِرق، لأنه يعلم تماماً أنه لا يوجد تفريق عنصري في مسألة الدم. وبعد أن درب كوادره في برنامج بنك الدم استقال من البرنامج اعتراضاً على دعوى الآخرين على ضرورة تفريق الدم وعلى فكرة (الدم من العرق نفسه) وقبِل بمنصب أقل كرئيس لقسم الجراحة في جامعة هاورد. أصبحت أبحاثه في الدم في بريطانيا والصليب الأحمر الأمريكي حجر الأساس لكل بحوث الدم التي تجري اليوم.
توفي درو في حادث سيارة مروع عام 1950م وهو في الـ 46 من عمره. وكان قد حصل على ميدالية سبينجارن عام 1944م، وبعد وفاته مُنح ميدالية الخدمة المتميزة من الجمعية الطبية الوطنية عام 1950م، وفي 1980م، صدر طابع أمريكي تكريماً له.
يرجع تاريخ هذا الابتكار إلى العصر الحجري، عندما اكتشفت العجلات والكراسي، وأول نسخة بدائية منه ابتكرها الإغريق في عام 350 قبل الميلاد، عندما أضافوا العجلات لكرسي متحرك لحمل الأطفال. وفي القرن الثالث، استخدم الصينيون عربات مدولبة لنقل المعاقين والمرضى، ولم يختلف هذا الابتكار كثيراً عن نظيره اليوم. لم يكن هنالك إجماع حول المبتكر الحقيقي للكرسي المتحرك للكبار، فمنهم مَن يقول إن ابتكاره يعود إلى الألماني ستيفن فارفلير، عام 1655م، وهو صانع ساعات ثري أصيب بشلل سفلي، وهو لا يزال في 22 من عمره، وقد صنع لنفسه كرسياً بثلاث عجلات يدفعها بنفسه، بينما يرجع الآخرون فضل اكتشافه إلى جون داوسون من مدينة باث الإنجليزية في عام 1783م، وسمّى كرسيه المتحرك الحديث «باث» وهو مزوّد بعجلتين كبيرتين خلفيتين واثنتين أماميتين أصغر حجماً، وقد تصّدر قائمة المبيعات في بريطانيا آنذاك. لقد أدخلت عديد من التعديلات على كرسي باث لجعله أكثر راحة، فقد استمر المبتكرون بإضافة معدات أخرى عليه كالعجلات المطاطية المجوفة، وإطارات الدفع لتسهيل دفعها من قبل الشخص الجالس عليه.
وفي التسعينيات من القرن الماضي، استعملت أول «عجلات برمقية» في الكراسي المتحركة في 1916م، وتم تصنيع أول كرسي متحرك يعمل بالماكنة في لندن. مرّ هذا الابتكار بسلسلة طويلة من التطويرات التي لم تتوقف إلى اليوم، ففي 1932م، صنع المهندس هاري جينينجز أول كرسي متحرك قابل للطي لصديقه المقعد هيربرت إيفرست. وتعاون الصديقان في تأسيس شركة باسميهما استطاعت أن تُغني سوق الكراسي المتحركة بعديد من التصاميم ولسنوات عدة، ولكنها اضطرت إلى مواجهة المحاكم البريطانية لغلاء أسعار منتجاتها. وفي 1968م، ابتكر آلان ثييم من ولاية ميشجان الأمريكية الدراجة المتحركة وبناها في منزله لمساعدة أحد أقربائه وهو مصاب بتصلبات جسدية متعددة، وأحدث هذا الابتكار ثورة هائلة في صناعة الدراجات بعد ذلك.
ومن المدهش أن المبتكر ديين كامير، الذي اخترع الدراجة العمودية المتطورة ذات العجلتين (Segway) هو أيضاً مَن ابتكر أحدث كرسي متحرك في العالم اليوم وهو الـ«آي بوت» (iBot). يستطيع هذا الكرسي العجيب والغريب الشكل أن يتسلق درجات السلالم، وبفضل شكله الفريد من نوعه، يستطيع أن يرتفع عن الأرض ليكون الجالس عليه بنفس مستوى نظر الشخص الواقف لتسهيل التواصل الاجتماعي والحديث بين الجالس والواقف، ولكن بسبب سعره المغالى به (26 ألف دولار أمريكي للكرسي) خرج هذا الكرسي العجيب من تنافس السوق لانخفاض الطلب عليه.
وبفضل تقدم العلوم والتكنولوجيا، تطورت الكراسي المتحركة وظهر منها عديد ما يناسب مختلف الرياضيات الحديثة كالكرة الطائرة والسلة للمعاقين وحتى كرة الطائرة الساحلية من خلال ابتكار كراسي متحركة خاصة (JoB) تستطيع السير والحركة على الرمال من غير أن تغوص فيها!
يعد الكرسي المتحرك من أكثر المخترعات التي لا تزال في طور التطوير فهناك المئات من الابتكارات لمساعدة المعاقين تقدم سنوياً للموافقة عليها في الولايات المتحدة فقط، وكلها تسعى إلى تعزيز روح الحرية والانطلاق والاستقلالية لدى المقعدين عن الحركة.
|