حياتنا اليوم

زوايا من نور

لعلّ أشد ما يحتاج إليه الإنسان بين الفينة والأخرى، هو أن يقف في زاوية النور ويمنح لذاته «هدنة» وينتقل إلى خاصية التأمل في القصص الإنسانية، وما تحمله من تجارب شديدة الثراء عن إرادة الإنسان عبر الزمان والمكان، والتقوّت برسائل الحُب والأمل والإيمان والعزيمة، والسلام … التي تشع من هذه القصص.

هذه القصص تنبه الوعي إلى ما غفل عنه العقل من رؤيته لزوايا مختلفة من الحياة، نظراً لانغماسه في الهزائم اليومية التي تحاصره كل يوم، واستسلامه لفخ الرتابة، والوقوع في الأمان العاطفي النمطي الذي يخشى معه تغيير عاداته و يفتقر للمغامرة.

في حين أن الحياة فعل مغامرة واكتشاف، وتحمل في جوهرها قانون الحركة. الحياة رواية والإنسان بطلها والأحداث حبكتها الإبداعية، وكثيرة هي القصص الإنسانية التي زخرت بها الكتب على مدار التاريخ، وكانت بحق معلماً نورانياً للبشرية، ثم جادت علينا تكنولوجيا العصر بطبق افتراضي لا ينضب من هذه القصص.

أما أجمل القصص الإنسانية فتلك التي نصنعها بأيدينا أو التي تصل إلينا من آخرين بمحض الصدفة، قصص لا تهدف إلى الشهرة، ومع ذلك تؤرخ في الروح عبرة، لأنها في حقيقة الأمر تحمل إشارة ما.

وهذا بالفعل ما لفت انتباهي وأنا أتابع الحلقة الأولى من البرنامج التلفزيوني الشهير (Arabs got talent) على شاشة mbc، أثناء عرضه قصص حياة بعض المتنافسين، كقصة ذلك الرجل العربي الصغير الحجم الذي يحترف مهنة الفرح (مهرج يسعد ويدخل البسمة للقلوب بمشاكساته ومقالبه …) والجميل أنه متزوج بفتاة أحلامه من نفس حجمه، فالحب الكبير لا حجم له ولا حدود، تماماً كالموهبة التي تعلن انفجارها في أبغض الظروف وفي سياقات غير متوقعة وغير مدروسة، ولقد أنجب من زوجتة ابنة جميلة متعافية النمو.

وعندما سألته لجنة التحكيم لماذا اخترت ألمانيا كمكان إقامة لك؟ أجاب بعفوية صادقة: «لأن ألمانيا تحترم الاختلاف في كل شيء، ولا تنظر إلى اللون أو الطول أو القصر أو الشكل، فهي تنظر للإنسان»، هذا الرد أثَّر في أعماقي وجعلني أقف أمام النظرة المجتمعية الظالمة لبعض الناس في عالمنا العربي تجاه الذين ينتمون لفئة الأقزام وذوي الاحتياجات الخاصة، فالتعامل مع هذه الفئات يكون إما بالتطاول عليهم، أو التقرب منهم لمجرد الفضول الشرس لتفكيك حياتهم، أو عن طريق الاستغراب وكأنهم أتوا من كوكب آخر، أو عن طريق ذلك الإرث الثقافي الذي يسمى الشفقة.

أما النظرة الإنسانية السوية الجميلة الصديقة لهم التي تتعامل معم كبشر فهي غائبة تماماً عن هؤلاء المكتملين جسدياً الذين يمكن القول إنهم هم من ينتمون لذوي الاحتياجات الخاصة كونهم يفتقرون للوعي والتقدير وحب الآخر وقبول الاختلاف بكل احترام، فالحياة بنيت على تكامل النقائص.

قصة أخرى عرضها البرنامج عن شاب مغربي وزوجته الأوكرانية الأصل، اللذين قدما عرضاً استعراضياً فنياً بمنتهى الاحترافية ورسما لوحة إبداعية شديدة الجمال من التجانس والانسجام والتوافق، وهما لم يقدِّما عرضاً فنياً فحسب، بل قدَّما درساً إنسانياً في معنى الحُب الكوني ومعنى التجاذب الراقي. هذه هي الرسائل التي لمستها وأنا أتابع هذه القصص الإنسانية الجميلة.

وكما قالت إحدى صديقاتي: «إنها طاقات جميلة مفعمة بالروح والحياة، لعلها تغطي الجفاف ومقدار التصحر العاطفي لدينا من جراء رؤية الدماء والقتل اليومي لكل الجماليات التي هي من حق الإنسان ومن واجبه أيضاً».

أضف تعليق

التعليقات