الرحلة معا

هوامش إعلامية.. على دفتر الحرب

هل لازلت تُعلّق أُذنيك في (راديو لندن) كما كان جدي وأبي، وأنا من بعدهما، نفعل. الـ (بي بي سي)، التي جيرتنا لحساب رسائلها الإخبارية والتحليلية سنين طويلة، أين هي؟ لماذا غابت في أحداث العراق؟ بل أين الـ (سي إن إن)، تلك القناة التي أطلقت ساقيها لريح الأخبار منذ حرب الخليج الثانية وظلت إلى بدء الحرب الثالثة محسودة من كل القنوات، شبيهاتها في الركض وراء البؤر الساخنة حول العالم؟

لقد لاحظت، وربما تكون هذه ملاحظة متصيد، أن نجاحات الإعلام أبرز ما تكون في الحروب. إذا وقعت حرب تصعد صحيفة وتهبط أخرى وتسقط قناة وتنهض أخرى.. ويغيب راديو (بي بي سي)، وكل الإذاعات المسموعة، تحت رعود وبروق الفضائيات التي تشغل الأفق بمراسليها ومرسلاتها ولقطاتها المباشرة لزحف القوات وسقوط الصواريخ وأشلاء الأطفال، والرايات البيضاء للعطاشى والأسرى على أرض المعركة.

أما الحقيقة فإنها تبدو في زحمة الأخبار مثل الخل الوفي، مجرد هاجس يداعب مخيلة الناس، الذين يشتهون أن يروها أو يفهموها على الوجه الذي يحبون. لم تكن الحقيقة مهما بلغت الثقة بمراسل ورسالة إعلامية، عند العراقي كما هي عند الأمريكي.. كل له حقيقته، بناء على ما يريد أن يتصور وبناء على قالب الخبر الذي تغلفه (الميديا) بألوان من الزوايا الخاصة (المقصودة لذاتها). لم يكن في أحداث هذه الحرب، كما لم يكن في حرب قبلها، حقيقة مطلقة أو رسالة محايدة، فالجميع ينطلقون من ذات المرتكز: «الحقيقة هي ما نريد أن نراه على الوجه الذي نتمناه».

لكن، كيف كان حال الإعلام العربي في حرب العراق؟

إذا شئتم فإن الإعلام العربي، خاصة القنوات التلفزيونية، كان في هذه الحرب شديد الحضور والتأثير. وتفسير ذلك عند من لا يرون في العرب (بارقة أمل) أن الأمر لا يخلو من صدفة.. خبراء (الميديا) الأجانب يرون أن الإعلاميين العرب وجدوا وجبة الأخبار الدسمة هناك مفروشة على مد النظر، العراقيون يولونهم اهتمامهم وأولوياتهم، والأمريكيون يختلفون معهم فيما ينقل من زوايا الحرب عبر الكاميرات المسلطة على وقائعها. ولأن التنافس لكسب المشاهد العربي على أشده بين هذه القنوات، فإن بعضها سخّر كل مايملك من إمكانيات وقدرات و(فزعات) وتجاوزات ليكسب هذا المشاهد، الذي يريد أن يرى حقيقته الخاصة بعيون وآذان عربية. كان هناك، دون شك، علاقة عاطفية حارة بين المشاهد العربي وقنواته، وقد فرضت عليه هذه العاطفة أن يستغني عن زيارة قنوات أجنبية مرموقة، تعرضت، منذ أول يوم للحرب، للقدح في أمانة منقولاتها من الأخبار والصور. لكن هل نجح المواطن العربي في الوقوف على الحقائق في أرض المعركة الواسعة، أو ربما فاتته بعض الحقائق من مصادر أجنبية، في ظل تمسكه بالحقيقة الخاصة، المشفوعة بالعاطفة والانتساب إلى اللسان العربي؟

إن أخشى ما يخشاه بعض المراقبين الإعلاميين العرب، وقد تحدثت معهم عن حضور أخبار الحرب الساخنة المشهود في قنوات عربية، أن تكون هجمة هذه القنوات على (السبق) الإخباري بيضة ديك، سرعان ما تنكسر ويضيع ناتجها، لكن بعض المتفائلين يستشهدون بمنقولات الأمريكان أنفسهم والألمان والفرنسيين عن القنوات العربية، ليؤكدوا أنها انطلقت فعلاً في اتجاه جديد بعد طول انتظار، والفضل لمن في هذه الإنطلاقة؟ يجيب الخبراء المتفائلون: الفضل لـ (صناعة الإعلام)، هذه الصناعة القديمة في الغرب والحديثة في عالمنا. لقد قامت هذه الصناعة منذ سنوات طويلة على استثمارات رجال الأعمال وتجنبت ما استطاعت المسارب المحكومة بالضعف والبيروقراطيات. وحين انتبه العرب إلى هذه الصناعة الخطيرة صاروا قادرين على صياغة رسائلهم الإعلامية بأنفسهم.

أضف تعليق

التعليقات