قصة مبتكر
قصة ابتكار
نيقولا تيسلا
مفك البراغي
إذا كان التاريخ قد حفظ لنا اسم توماس أديسون كمكتشف للكهرباء نعرفه جميعاً، فإن المهندس والعبقري الأمريكي نيقولا تيسلا هو صانع عصر الكهرباء برمته من دون أن ينصفه الزمن، فللرجل أكثر من سبعمائة براءة اختراع قام معظمها على اكتشافه التيار الكهربائي المتردد (مقابل التيار المباشر الذي اكتشفه أديسون)، واختراع مولدات لهذا التيار ووسائل نقله، وأسس معظم الأدوات الكهربائية التي تستخدم هذا النوع من التيار الكهربائي. ومن دونه ربما لم يكن هناك راديو ولا تلفزيون ولا هاتف ولا شبكات كهرباء في المدن..... ولد هذا العبقري في صربيا ودرس الفيزياء والرياضيات في فيينا، ومن ثم الفلسفة في براغ. وعندما وصل مهاجراً إلى أمريكا سنة 1881م لم يكن في جيبه أكثر من أربعة سنتات. وجد عملاًبسرعة عند توماس أديسون الذي صار لاحقاً منافساً له على الصعيد العلمي. وانتهت العلاقة مابين الاثنين في أقل من عام عندما رفض أديسون أن يدفع له خمسين ألف دولار بدل أتعابه في إصلاح مجموعة المولدات والمحركات في مؤسسته. اضطر أن يعمل في حفر الأرض مقابل دولارين في اليوم، قبل أن ينهض من جديد ويجد عملاً في تصميم وتنفيذ المولد الكهربائي للتيار المتردد في منطقة شلالات نياغارا. وفي شهر مايو 5881م، عندما أراد جورج وستنكهاوس شراء مجموعة من براءات الاختراع من تيسلا ومن ضمنها مولدات متعددة المراحل لتوليد التيار المتردد، ومحولات، ومحركات، أي الأسس التي قامت عليها صناعته ولا تزال حتى اليوم في أساس الصناعة الكهربائية، تبين لوستنكهاوس أن شركته ستفلس إذا دفعت لتيسلا حقوقه البالغة 21 مليون دولار، فما كان من المخترع إلا أن تخلى عن هذه الحقوق كي يتمكن كل الناس من الاستفادة بكلفة بسيطة من فوائد التيار المتردد. يلخص العلماء المقارنة بين أديسون وتيسلا بالقول إن أهمية الأول تكمن في تركيزه على الابتكارات المباشرة التي يسهل تنفيذها، في حين أن معظم ابتكارات تيسلا كانت ذات رؤية بعيدة تثير الجدل في حينها، وتحتاج إلى فترات طويلة كي تتجسد، فالرجل فكر في التلفزيون والفاكس والكومبيوتر وكتب الكثير حول هذه المواضيع، غير أن معظم أوراقه اختفت بشكل غامض بعد وفاته. وعلى الرغم من أن الرجل قضى فقيراً معدماً، لأنه كان يتخلى عن حقوقه لصالح البشرية والأعمال الخيرية، فإن غرابة أطواره الشخصية كانت لافته للنظر إلى درجة أنها شكّلت مصدر إلهام لشخصية العالِم الشرير في رسوم الكرتون الشهيرة (سوبرمان).
حين طُلب إلى باحث جامعي أن يختار أهم آلة استخدمت فـي الألفية الثانية، وقع اختياره على مفكّ البراغي، فهذه الآلة كان لها فـي نظره أهمية بالغة فـي تطور التكنولوجيا الحديثة، ودورٌ أساسيٌ فـي صنع الأجهزة المعاصرة. البرغي ومفك البراغي ابتكاران حديثا العهد نسبياً وإن كانت جذورهما تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي. فـي ذلك العصر، كان صانعو الأسلحة (البنادق والمسدسات) يستعملون أداة ذات مقبض خشبي أكبر بقليل من راحة اليد، فـي طرفها شفرة معدنية قصيرة وغليظة لضبط آلة السلاح. وكانت آلة السلاح تُثبت على الخشب بواسطة المسامير العادية. وبمرور الوقت، تبين أن المسمار يلتصق على نحو أفضل بالخشب إذا حُفر بشكل حلزوني، فظهر البرغي. كان البرغي الأول يُدَقُّ فـي الخشب بواسطة مطرقة، وكان انتزاعه صعباً للغاية. الحل الوحيد كان فـي حفر خط فوق الجزء الظاهر منه، ليصبح انتزاعه ممكناً ببرمه فـي الاتجاه المعاكس بواسطة أداة خاصة - كانت فـي الواقع أول مفك براغي - صممها الفرنسي فيليبيان سنة 6761م. ظلت البراغي تصنع باليد طوال قرنين من الزمن، ولذا كانت غالية الثمن، ولا تستعمل إلا فـي الأسلحة وبعض الأدوات المميزة فـي قيمتها. فـي أواخر القرن الثامن عشر، تمكّن مبتكر (على الأرجح من برمنغهام فـي انجلترا) من صنع البراغي بالجملة بواسطة الآلات، فانخفض ثمنها وصارت تستعمل فـي صنع المفروشات والأبواب وما شابه ذلك. ولكنها كانت حتى آنذاك من دون «طبّة» تبقى خارج الخشب. وبسبب غرزها فـي الخشب بواسطة مطرقة، صارت هذه البراغي تحتاج إلى أداة ذات شفرة أطول من السابق لسحبها إذا استدعى الأمر. فـي العام 0871م ظهر فـي لندن أول «مفك براغي» يتميز بشفرة طويلة ذات رأس دقيق. وفـي العام 0481م طوّر الإنجليزي نيثلفولد برغي الخشب بإضافة «طبّة» مستديرة تبقى خارج الخشب، وشَقَّ هذه «الطبة» بعرض أوسع بقليل من عرض رأس شفرة الأداة. ومنذ ذلك الحين صار المفك لا غنى عنه للصناعة، أية صناعة. وهكذا صار لكل حجم من البراغي مفكّه الخاص، وللبراغي المستخدمة فـي الصناعة أيضاً مفكّاتها الخاصة، وصولاً إلى أكثر أشكالها تطوراً، وهي المفكّات التي تدور بواسطة التيار الكهربائي لغرس هذا البرغي أو انتزاع ذاك، ولكنها تعود كلها إلى أصل واحد.