«التمتين»، إحدى النظريات الإدارية التي تحاول أن تجد طريقها إلى جمهور المعنيين في محاولة للنهوض بالمفاهيم الإدارية من تقييم الضعيف إلى تقوية القوي، ومن وجهة نظر «التمتين» يصبح الإنسان أكثر فاعلية عندما يحدد ما لا يجب أن يفعله، وليس العكس. وهذا ما عناه «آينشتين» بقوله: «سنحصل على نفس النتائج، ما دمنا نطبق نفس الأساليب». فمنذ عصر النهضة؛ عندما صممت مناهج التعليم والتدريب بهياكلها التقليدية، وهي تحاول السير ضمن منطق أن الأشياء تكون صحيحة عندما تكون مريحة. الباحث في التنمية الإدارية، نسيم الصمادي، يقدِّم في مقالته هذه خلاصة نظريته التي سمَّاها «التمتين».
ليس كل ما هو مريح .. صحيح!
بعد ثلاثة عقود من العمل في مجالات الكتابة والتأليف والترجمة، بدأت ألاحظ أننا كخبراء في الإدارة والتربية والتنمية البشرية، نوظِّف مناهج وأساليب التغيير والتطوير بطريقة عكسية، وكأننا نعمل بالمقلوب.
لنفكر معاً في مناهج وأساليب التعليم؛ ألا تلاحظون أننا نحاول تغيير الطلاب ليناسبوا المناهج؟ كما نحاول تغيير الموظفين ليناسبوا الوصف الوظيفي؟. غيَّرنا مصطلح (التنمية البشرية) إلى (الاستثمار البشري) و(الموارد البشرية) إلى (رأس المال البشري)، لكن ممارساتنا وأداءنا لم يتغير. سمعنا وقرأنا آلاف الخطب التحفيزية، ومارسنا البرمجة اللغوية العصبية، وحصلنا على كل الشهادات المعتمدة، حتى صار معظمنا «سيرتفايد»؛ وقرأنا كتاب «السر» طبقاً لتعويذة «روندا بيرن»، وحضرنا حلقات الجودة، وطبقنا الهندرة وبطاقات الأداء المتوازن، وقرأنا كتب العادات السبع والمبادىء العشر، وطبَّقنا معظم نظريات القيادة والفعالية والإنتاجية، لكن أداءنا لم يتغيَّر. بل ظلت نسب البطالة ترتفع، وضغوط العمل والحياة تتفاقم، حتى فاجأتنا الأزمة الاقتصاية، فأصابت العالم بالصدمة المالية.
ما هو التمتين؟
يهدف التمتين إلى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب لأداء العمل المناسب وتحقيق أفضل النتائج بالموارد والطاقات المتاحة، وهذا يعني بلوغ أعلى طاقة إنسانية وإبداعية ممكنة، ويتطلب أن يختار كل إنسان مجاله بناءً على قدراته ورغباته وحاجاته، فيدرس ما يريد، ويعمل ما يجيد، فيؤدي ويبدع ويفيد، ويأخذ ويعطي كإنسان سعيد. فكل من يطبق التمتين في حياته الشخصية والعملية يكون كالأسد في البيداء، والتمساح في الماء، والنسر في السماء. فهو يُمكِّن طاقاته من الأداء الحر، فيعرب عن صفاته ويوظف ملكاته ليحقق حاجاته بصورة تلقائية وبإرادة طبيعية.
بسم الله الرحمن الرحيم: «إن الله هو الرزاق ذوالقوة المتين.» «الذاريات – الآية 58»؛ فالمتين صفة «ذو القوة» وهي صيغة مبالغة من القوي. والتمتين لغة هو: «تقوية القوي». لأن تقوية الجانب الضعيف في الناس والأشياء تعطينا «قوياً»، والقوي عادي وليس متميزاً أو متفرداً. أما تقوية القوي فتعطينا «متيناً» والمتانة هي أعلى مراتب القوة.
جاء في الحديث الشريف: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي». فالقوة يمكن أن تكون ضعيفة، أما المتانة فهي دائماً قوية. يقول سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: «قيمة كل امرىء ما يحسنه». فكل إنسان يساوي ما يجيد ويفيد ويبدع ويتقن ويعطي ويؤدي ويجمل ويطور وينتج.
التمتين في الإدارة
يتحقق التمتين من خلال مدير ممتِّن، يأخذ على عاتقه تمتين الأفراد لبناء مؤسسة متينة. النتيجة الوحيدة والطبيعية والفعلية للتمتين هي النجاح. فالمديرون الجديرون والجيدون يقومون بأربعة أشياء فقط، وهي:
• تعيين الموظف المناسب فقط.
• توقع ووضع النتائج المناسبة فقط.
• تحفيز الموظف المناسب فقط.
• تطوير وتنمية المواهب والقدرات المناسبة فقط.
التمتين يبدأ بحرف (التاء) ويقوم على أربع (تاءات) هي: التعيين والتوقع والتحفيز والتطوير. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فلكي تختار الموظف المناسب، يجب أن تعرف الفرق بين: المهارة والمعرفة، والسلوك والعادة، والدافع والموهبة، وما الذي يمكن تغييره في شخصية الإنسان، وما الذي يجب تثبيته وعدم الاقتراب منه. بعبارة أخرى: ما هو الجانب المسيَّر وما هو الجانب المخيَّر في الإنسان. لتوضيح ذلك نسوق قصة الأب الذي قال لابنه: «قال لي معلِّمك أكثر من مرة إنه لا يمكن تعليمك أي شي!»، فرد الابن: «وأنا قلت لك أكثر من مائة مرة إنه معلم فاشل». العبرة هي: «لا يوجد إنسان عاقل لا يمكن تعليمه أي شيء؛ فلكل منا موهبة خاصة ليتعلم شيئاً واحداً على الأقل أفضل من غيره».
لكي تتوقع النتائج المناسبة، يجب أن تعرف أياً من أجزاء الوظيفة يجب تنفيذها بحذافيرها، وأي الأجزاء تتركها للموظف لكي يبتكر ويغير ويطور فيها؛ فإذا لم تدرك ذلك، ستصاب بالارتباك والتشوش، ولن تتمكن من وضع الموظف المناسب في المكان المناسب.
ولأن الوقت هو أعز وأثمن موارد المدير، فعلى الأخير أن يحدد فيما وفيمن يستثمر وقته: في فض المنازعات أم في تنمية القدرات؟ هل يمتن الأقوياء أم يقوي الضعفاء؟ هل يحسن المهارات الفنية أم ينمي المواهب الفطرية؟. هناك فرق بين التمتين والتقوية. فنحن نمتن القوي، ونقوي الضعيف. نتيجة التقوية أداء عادي، ونتيجة التمتين أداء متميز.
درجت المؤسسات والحكومات على القول إن الإنسان هو رأس المال الحقيقي، وهذا صحيح عندما نضعه في مكانه الصحيح. ولكن عندما يعمل الإنسان في الوظيفة الخطأ، فهو -بلغة المحاسبة والاقتصاد- في خانة «الخصوم» لا في خانة «الأصول»، فأغلى ما نملكه هو الإنسان الممتن والأمين والمنتج. المتانة ترتبط دائماً بالرزق والأمانة: «إن خير من استأجرت القوي الأمين». وهذا مبدأ إداري وحضاري وتنموي عظيم.
ثبت علمياً بفحص وتصوير الخلايا العصبية في الدماغ أن الناس لا يتغيرون وهم يكبرون، بل تكبر وتمتد نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم معهم. ومن الأخطاء الإدارية الشائعة التي زادت من الهدر في التنمية البشرية والاقتصادية، وأسهمت في البطالة، محاولة تغيير سلوك وعادات الموظفين في العمل. الصحيح هو أن «نمتن» -أي نعزِّز- نقاط القوة فقط، والأصح هو أن نعين الموظف الصحيح فقط. وهذا ليس سهلاً قطعاً؛ فمحاولة سد كل الفجوات وإصلاح كل النقائص تكلف المجتمعات المليارات دون عائد مقنع على الاستثمار والتنمية. ومصدر الخطأ هو الاعتقاد بأنه يمكننا أن نصل إلى الصحيح بدراسة الخطأ. وهذا خطأ!
عشر أفكار خاطئة لا تصنع فكرة واحدة صحيحة
من الخطأ أن ندرس حالات الطلاق فقط لنحافظ على الزواج، وأن ندرس الاكتئاب فقط لنحقق السعادة، وأن ندرس أسباب زيادة الواردات لنرفع الصادرات، وأن نحلل الديون لتدبير مصادر التمويل، وأن ندرس أسباب التلوث لنحافظ على البيئة. عندما نركز على قياس شيء ما، فإننا نغفل عن قياس نقيضه. عندما تركز سياستك الإدارية والتدريبية على التعامل مع الأخطاء، فإنك تتجاهل -تلقائياً- السلوك الإيجابي. فنحن لا نرى سوى ما نريد أن نراه؛ وما نركز عليه، نحصل عليه. وبالمثل: فإن استخدام الكمبيوتر لتحقيق العدالة في القبول والتنسيق الجامعي على أساس المجموع والتوزيع الجغرافي، يجعلنا نغمض أعيننا عن الظلم؛ لأننا نوزع التخصصات بناء على ما يسهل قياسه، لا على ما يجب قياسه. وهنا يلعب «التمتين» في التنمية البشرية دوره.
التمتين وتصحيح مسار الاستثمار البشري
بدأنا البحث في التمتين باستقصاء مباشر أجري مع مديرين وموظفين يعملون في المجالات الإدارية فقط، لاكتشاف مؤشرات الانحراف في منطق الإدارة المعكوس، وتحديد و«تبعيد»، أي اكتشاف أبعاد المشكلة، فجاءت المؤشرات الأولية كما يلي:
شمل الاستقصاء 1000 مدير وموظف من أربع دول عربية هي الأردن ومصر والإمارات والسعودية، وكان السؤال: ما هو -برأيك- السبب الأول والمباشر والأبرز في أزمات الإدارة و التنمية البشرية العربية؟
فجاءت الإجابات كما يلي:
–
140/1000 أشاروا إلى عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب لأسباب تتعلق بغياب القيادة الفعالة والقيم المنتجة والرؤية المستقبلية وفشل التخطيط.
–
125/1000 قالوا بعدم فعالية نظم التربية والتعليم وضعف التدريب وغياب التمكين وعدم تفعيل طاقات الموراد البشرية.
أما الدراسة الثانية فشملت حتى الآن 8500 من خريجي الجامعات والعاملين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و60 عاماً. وجاء تركيز الدراسة على الدول العربية السابقة، مضافاً إليها الجزائر.
هدفت الدراسة إلى تحديد مسارات الاستثمار البشري في العالم العربي، وكانت أسئلة البحث ومعطياتها كما يلي:
•
هل اخترت تخصصك الدراسي بنفسك؟ فأجاب %75 من العينة بـ (نعم).
•
هل كان لديك تحديد لمسارك الوظيفي قبل الدراسة، فأجاب %47 فقط من العينة بـ (نعم).
•
هل ستغير مسارك الوظيفي ومجال عملك إذا سنحت الفرصة، فأجاب %64 من العينة بـ (نعم).
وكان من فرضيات البحث أن هناك فجوة بين اتجاهات التعليم وبين الواقع العملي، وأن معظم من يعملون في القطاعين العام والخاص وضعوا أنفسهم (أو وُضعوا) في المكان الخطأ. حتى من يعتقدون أنهم اختاروا تخصصاتهم بإرادتهم، لم تأت اختياراتهم عن وعي بقدراتهم، أو بطبيعة التخصصات التي اختاروها، والوظائف التي تقلدوها. ولهذا فإن %36 فقط من خريجي الجامعات العاملين لا يحبذون تغيير وظائفهم. وبما أن الاستقرار الوظيفي أحد أهم عوامل الإنتاجية، فإن %64 من الموظفين غير سعداء، ويسهمون بوعي أو بدون وعي في خفض الإنتاجية.
بعض المغالطات والافتراضات في إدارة الموارد البشرية
•
يمكن تعليم كل إنسان لينجح في أي شيء وكل شيء.
•
تكمن أفضل فرص النمو وتغيير سلوك الناس في تقوية نقاط ضعفهم.
•
عندما نعالج نقاط ضعف الإنسان فإنه يتعلم أسرع وفي عمله يبرع.
•
مواطن القوة لا تحتاج إلى تدريب وتمتين، لأنها تحافظ على نفسها.
• النجاح عكس الفشل، والسلبي عكس الإيجابي.
•
الموظفون: أهم عناصر رأس المال وهم أغلى ما نملك من أصول.
•
كل واحد يستطيع أن يصبح عضواً فعالاً في فريق من خلال التحفيز والتدريب.
•
علينا أن نكافح ونواصل العمل حتى نحقق كل أهدافنا. وهناك من ينصحنا لكي نجاهد ونواصل المحاولة حتى لو فشلنا مائة مرة.
تصحيح مغالطات وافتراضات التنمية البشرية السابقة
•
لكل إنسان عنصر تميز ومن مصلحته أن يستخدم مركز قوته أكثر.. وأكثر.
•
تكمن أعظم فرص نمو الأفراد في مواطن قوتهم لا في نقاط ضعفهم.
•
لنفهم النجاح يجب أن ندرس الناجحين، ولنفهم السعادة علينا أن ندرس السعداء.
•
الموظفون الأقوياء هم رأس المال البشري الحقيقي.
•
لا نستطيع تغيير الكثير في الناس، فضلاً عن أننا لا نحتاج ذلك. لماذا نركِّز على المفقود ونهمل الموجود، ونحن نعرف أن كلاً ميسَّر لما خُلق له؟
•
عضو الفريق الفعَّال يعطي فريقه ما يضيف قيمة، لا ما يمليه وصفه الوظيفي.
•
التمتين يمنح الموظفين الحرية وهي حق طبيعي وضروري للإبداع.
•
التمتين يتطلب أن يعمل كل منا في الوظيفة التي يحبها، ومن يحب عمله، لا يعمل أبداً، إذ يصبح العمل هواية تؤدى بموهبة وبدوافع ذاتية داخلية.
«تمتين نقاط قوتك وتسكين نقاط ضعفك يجعلك تعمل أقل وتنتج أكثر، وتتعب أقل، وتكسب أكثر. كل ما عليك هو أن تنظر إلى العالم والعمل من خلال ما يميزك لا من خلال ما يقززك».
مكمن أو مصدر التمتين
مكمن التمتين هو نقطة التقاء الذكاء الفطري بالمهارة الشخصية، أو نقطة تقاطع الرغبة مع القدرة. فهو توافق بين ما تتوق لأن تفعله وما يمكنك أن تفعله. عند الأداء من موطن قوة يختبر الإنسان مستويات جديدة من المتعة والسعادة لأنه يتفاعل مع عناصر أساسية وجوهرية تساعده على إثبات ذاته وترسيخ هواياته، وبلوغ أهدافه، فيكتسب قدرة على الغوص في أعماق ذاته بحثاً عن المعنى الحقيقي لحياته والمغزى الفعلي لوجوده.
خصائص التمتين
يتمتع الذكاء الإنساني بخصوصية شديدة ويلعب دوراً مهماً في ممارسة الأنشطة العامة مثل الرياضيات، أو الموسيقى، أو الرياضة البدنية، أو الشعر، أو النظريات. كما يلعب دوراً أهم في الأنشطة المتخصصة مثل الألحان الشعبية بدلاً من الموسيقى ككل، أو آلة العود مثلاً دون بقية الآلات الموسيقية، أو الكيمياء الحيوية بدلاً من كل العلوم مثلاً.
هناك كثيرون يتمتعون بالذكاء والقدرة على ممارسة نشاط ما وبمهارة شديدة، ولكنهم لا يشعرون بأن هذا هو ما يرغبون في قضاء كل حياتهم فيه. وعلى العكس، هناك من يعيشون حياتهم كلها دون أن يكتشفوا قدراتهم الحقيقية. فهناك الكثير من الطاقات والمواهب المهدرة والتي لا تكتشف ولا تستثمر إلا بمحض الصدفة، وهذا اتجاه آخر خاطىء للتنمية البشرية يحتاج إلى تصحيح أيضاً.
تصحيح بعض قوانين الأداء في النجاح والفشل
•
الجيد ليس عكس السيء، والنجاح ليس عكس الفشل؛ لأن عدم الفشل لا يعني التميز (ربما يعني مقبول .. أو متوسط).
•
لكل فرد موطن قوة. نقاط قوتك ليست ما تجيده فقط، بل ما تجيده وتحبه أيضاً. هي أنشطة تمتنك فتؤديها بشغف وإبداع وتشعر بعدها بالسعادة والرضا.
•
ولكل فرد نقاط ضعف. نقاط ضعفك ليست ما لا تجيده فقط، بل وما تكره أداءه أيضاً. هي مهمات تنهكك فتؤديها مكرهاً، وتشعر بعدها بالجزع والتعاسة.
•
ليس شرطاً أن تكون قوياً في كل أوجه الوظيفة التي تقوم بها لتصبح ماهراً فيها. فمحاولة أداء عدة أنشطة في نفس الوقت يبرز نقاط الضعف، ويخمد نقاط القوة.
•
يمكنك أن تنجح بتمتين نقاط قوتك فقط. وهذا لا يعني أن تتجاهل نقاط ضعفك، بل يتطلب أن تلتف حولها أو تفوضها لغيرك.
•
تقوية مواطن القوة تصنع أفراداً متميزين حين تظهر مواطن التميز والإبداع فيصبح الاستثمار أفضل وأجدى.
• تقوية نقاط الضعف تصنع أفراداً عاديين لأن فيها استنزافاً للطاقة، وتحقق عائداً ضعيفاً على الاستثمار، وابتعاداً عن نقطة التميز.
منهجية وخطوات التمتين
يختبر بناء حياة قوية، وعلى أسس متينة، تحدياً كبيراً يتضمن العديد من المتغيرات منها: وعيك الذاتي، ونضجك، والفرص المتاحة لك، والأشخاص المحيطون بك، فضلاً عن المسلمات والافتراضات التي يجب التخلص منها، والتفكير بعكسها. وهذه بعض خطوات التمتين التي أثبتب فعاليتها:
1 – فرِّق بين مواهبك الفطرية والمكتسبة:
هناك ثلاث قواعد للتفريق بين مواهبنا الطبيعية الفطرية، وبين مهاراتنا المكتسبة:
–
المواهب هي مزيج طبيعي من الأفكار والمشاعر والسلوك الذي يمكن أن يتحول إلى أداء.
–
المواهب دائماً فطرية، ويتبدى أثرها منعكساً في الشخصية، الأمر الذي يفسِّر صعوبة تغيير شخصياتنا وإصلاح عيوبنا. المعارف هي المعلومات والخبرات والدروس المستفادة.
–
المهارات هي الخطوات التي نتبعها لأداء عمل معين أو القيام بنشاط ما. وهي مكتسبة مثل المعارف، ولا يولد الإنسان بها، بل يولد وهو يمتلك القدرة على اكتسابها.
2 – طوِّر نظاماً للكشف عن مواطن قوتك:
ميولك واهتماماتك هي أفضل مكان يمكنك أن تبدأ منه. وعلى الرغم من أنك ستجد ميولك تتغير وتتطور كلما تقدمت في العمر، فإنها ليست عشوائية، بل ستجد لها نمطاً ثابتاً داخلك. هذه الميول تساعدك على ترك غير المهم والتركيز على المهم.
لا يكترث بعض الناس بميولهم، بل يسقطونها من اعتباراتهم ويفضِّلون مبادلتها باهتمامات خارجية لا تخصهم. كأن يقول أحدهم: «أنا أحب تدريس الرياضيات، ولكني أريد أن أجني الكثير من المال. سأعمل في قطاع البنوك وأبذل قصارى جهدي في كسب المال». مثل هذا التفكير يجعل صاحبه يكتشف بعد فوات الأوان أنه اتخذ مساراً خاطئاً وغير طبيعي في الحياة. فعندما تفصل بين ميولك وعملك، تقل جاذبيته، فيخبو نشاطك؛ لأنك تؤدي دوراً لم تُخلق له. وشيئاً فشيئاً، تفقد إدراكك لهويتك وإمكاناتك الحقيقية، وتشعر بالألم في داخلك، وتنسى جوهر شخصيتك.
3 – استخدم لغة واضحة لوصف مواهبك:
في كل مرة تنتهي فيها من عمل ما وتشعر بالحماس، سجله في مفكرتك. اكتب ما تقوم أنت به، لا ما يحدث لك. كن محدداً واجعل كلماتك مفعمة بالحيوية والحماس. سجِّل ما تفعله في اللحظة نفسها. مهما كان النشاط الذي تقوم به، دونه في مذكرتك طالما أنه يجعلك تشعر بالقوة والحماس والدافعية. لا تكتب المشاعر التي تنتابك حين يفعل لك الآخرون شيئاً. ركِّز على فعلك أنت وأداءك أنت، وانعكاساتك النفسية والسلوكية أنت.
4 – إدارة نقاط الضعف:
توقف عن أداء النشاط الذي يضعفك لتوفر طاقتك وتركز على أداء الأعمال التي تحبها وتبدع فيها. تعاون مع غيرك من أجل التكامل والتفاعل. سجل الأعمال التي تجعلك تشعر بالضعف وفوضها لغيرك. ليس لأن هذه الأنشطة غير مفيدة، بل لأنك تحترمها وتعلم أنك لم تُخلق لممارستها أو تحمل مسؤوليتها.
انظر إلى كل نقطة ضعف من خلال موطن قوة. يمكنك مثلاً تعلم اللغة الإنجليزية من خلال الرياضيات، إذا كنت تحب الثانية أكثر. ويمكنك مثلاً العمل في التلفزيون أو الراديو، إذا كنت تحب الحديث والحوار أكثر من الكتابة، وهكذا.
مهارات التنفيذ
هي وظائف دماغية أو مهارات معرفية، حدد لها علماء المخ و الأعصاب مناطق معينة من المخ البشري؛ وتحديداً الفص الأمامي. تمر هذه الوظائف بمراحل تطور ونمو مختلفة تبدأ منذ لحظة الميلاد. ويكتمل نمو هذه المهارات في مرحلة الرشد، أو لنقل: مرحلة النضج.
أطلق «تشاك مارتن»، مؤلِّف كتاب «تمتين الذكاء: هكذا نستخرج النجاح من عقولنا»، وفريقه من الباحثين على نقاط القوة والضعف مصطلح (مهارات التنفيذ) لأننا نحتاجها لكي ننفذ أو نؤدي عملاً ما. وهي تشير إلى الكيفية التي تعالج بها المعلومات وينهجها السلوك في الفص الأمامي من مخ الإنسان. لا يمكن اعتبار إنسان ما قوياً أو ضعيفاً بالنظر إلى كل مهارة على حدة. مهارات التنفيذ تعمل في توافق وتناسق بسبب ارتباط واتصال كل مهارة بالمهارات الأخرى. وثمة تركيبات شائعة من مواطن القوة والضعف. فالأشخاص الذين يظهرون تميزاً في مهارات محددة -كما يرى مارتن- غالباً ما يعانون قصوراً في مهارات أخرى.
يمتلك الإنسان عموماً؛ من ثلاثة إلى خمسة مواطن قوة، مقابل ثلاث إلى خمس نقاط ضعف. وتقع مهارات التنفيذ الباقية في مكان وسط بين الطرفين. ولا تشكل المهارات الواقعة بين القطبين مشكلات فعلية، ولا تعد ميزات حقيقية أيضاً. فهي سلوكيات عادية تبدو وكأنها تعمل دائماً في المنطقة المحايدة.
مهارات التنفيذ المركبة
هناك تشكيلات وتركيبات من المهارات تتفق بعضها مع بعض. فإذا سجلت درجة مرتفعة في مهارات إدارة الوقت والمبادرة وبدء المهمات والتركيز، فمن المرجح أنك ستسجل درجة أقل في مهارة المرونة؛ لأن الإفراط في التنظيم والتركيز على الكفاءة، لن يبقي لك هامشاً واسعاً من المرونة والمناورة. وهناك من يرى أنه من المستحيل أن يتمتع الإنسان بكل نقاط القوة المطلوبة للتنفيذ الأمثل في كل المواقف ومختلف الظروف. فقد تتضمن هذه التشكيلات مواطن قوة أو نقاط ضعف. وفيما يلي بعض التركيبات الشائعة:
•
الحضور الذهني وقوة الذاكرة ترتبط بالقدرة على التركيز.
• قوة الملاحظة ووضع الأهداف ترتبط بالمبادرة.
• التخطيط وترتيب الأولويات ترتبط بإدارة الوقت.
• ضبط النفس وتحمل الضغوط يرتبط بالذكاء العاطفي.
تطبيقات التمتين في العمل والحياة
تشمل تطبيقات التمتين كافة مجالات علم النفس، لا سيما مناهج علم النفس الإيجابي، وبطبيعة الحال؛ التربية والتعليم، والقيادة وإدارة الموارد البشرية وفرق العمل وتخطيط المسار الوظيفي، ومعالجة مشكلات البطالة، وتقليل الفاقد في الموارد البشرية، والاستثمار الفعال للموارد الطبيعية.
ولذا فقد نبع اهتمامي بالتمتين من ملاحظاتي الدائمة للفرص التي تحوم حولنا، والاعتقاد بسهولة إعادة اختراعها وتحويلها إلى نتائج، ومن تخيلي بأن لكل منا فرص إبداعاته ومباعث سعادته الخاصة. ولقد منحنا الله نقاط قوتنا الاستثنائية الضرورية لنحول فرصنا إلى نتائج. فإذا كانت رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، فإنها لا تكتمل إلا بنقطة قوة واحدة.
حقاً؛ لا شيء يثري حياتنا ويضعنا على طريق النجاح مثل التركيز على هدف محدد، وتوظيف أقوى مواهبنا وأمتن قدراتنا لتحقيق هذا الهدف. وهذا يتطلب أن يعيد كل منا صياغة سيرته الذاتية، بادئاً بنقاط قوته ومواهبه وأحلامه وطموحاته وهواياته؛ لا بدراساته وشهاداته، ورخص العمل المعتمدة التي يمكن أن نحصل عليها في أسبوع. فما نشعر به ونحبه ونريده ونطلبه ونرغبه أولى وأحلى وأغلى من الشهادات والاعتمادات المعلقة على الجدران للزينة، لا للطمأنينة.
لكي تحول حلمك إلى حقيقة، اكسر روتين عاداتك المريحة، وتمرد على مخاوفك، مستثمراً مواطن قوتك، لتصعد درجات التفوق والتألق، معتمداً على تفردك وتجددك، واطرق طرقاً غير مطروقة، واسلك مسالك غير سالكة، مهما كانت الرؤية غائمة والظلمة حالكة.
انتصار للحياة
التمتين ليس مجرد طوق نجاة، بل هو انتصار للحياة؛ فعندما تتخذ مسارك الوظيفي الصحيح، ستكون دائماً أول من يتم توظيفه وآخر من يتم تعنيفه. ستصبح ذكيا وانتقائياً، فتختار أهم وأقل الأعمال وتكسب أكثر وأنظف الأموال. ليس لأنك تعمل في مجالك الصحيح فحسب، بل لأنك ستحب عملك فتبدع، وتؤدي بحب وشغف، فتمتع وتقنع.