إذا كانت الخلية هي الحجر الأساس في بناء جسم الكائن الحي، فما هي المادة الداعمة التي تربط أغشية الخلايا ببعضها لتكوين أنسجة ثم أعضاء وصولاً إلى كامل جسم الكائن الحي، وكيف تتغذَّى الخلية لتبقى على قيد الحياة، وما هي طبيعة بعض العلاقات التبادلية بين الخلايا؟
توجد على غشاء الخلية مستقبِلات مختلفة بأعداد هائلة، قد تصل إلى المليارات حسب نوع الخلية. وقياساً على الأحجام الفضائية، يمكننا تخيل الخلية مثل الكرة الأرضيّة والمستقبلات كأعمدة بارتفاع جبل إفرست. أغلب المستقبلات تتحرَّك وتنتشر على سطح الغشاء السيتوبلازمي للخلية، ولها أشكال مختلفة تحفِّز خواصها الوظيفية. وتستطيع مستقبلات الخلية التعرف إلى مستقبلات خلية أخرى والربط معها إن توافقت، (مثل مكعبات الليغو) وشحناتها الكهربائية.
ولذلك، نجد أن خلايا المعدة لا تستطيع الربط مع خلايا الجلد، لأن مستقبِلاتها لا تتوافق مع بعض. كما أن مستقبِلات نفس نوع الأنسجة تختلف من شخص لآخر. ولذلك يجب فحص نوع مستقبلات واهب العضو قبل زراعته في شخص آخر، وذلك لأن الجسم يكوّن أجساماً مضادة للمستقبِلات الغريبة في خلايا واهب العضو. ففصائل الدم المختلفة على سبيل المثال «ألف» و«باء»، هي عبارة عن مركبات سكرية على سطح خلايا الدم الحمراء. فإذا وجد لديك المركبان تكون فصيلة الدم «ألف / باء»، وإن لم يوجد أي من المركّبين تكون الفصيلة «أو».
بوابات الخلية اللازمة لحياتها
إضافة إلى امتلاكها لخواص تماسكية وتلاصقية، تعمل المستقبِلات كبوابات للخلية بالنسبة إلى المواد الموجودة حولها. فهي التي تُدخل السكر والأملاح لتتحكم في تغذية الخلية، وتحافظ على كمية الماء المناسبة في السيتوبلازم. وهناك بعض المستقبِلات التي ترتبط وتُدخل بعض الفيروسات مع الأسف، مثل مستقبل الـ (cd4) في الخلية الليمفاوية الذي يمكِّن فيروس نقص المناعة المكتسبة من الدخول إلى داخل الخلية.
ولكل خلية مجموعة خاصة من المستقبِلات التي تميِّزها عن الخلايا الأخرى. وتتغيَّر المستقبِلات في حياة الخلية عندما تمر بمراحل نضج مختلفة. ولهذا من الصعب جداً التعرف على طبقات محدَّدة من نفس نوع الخلية عن طريق المجهر. إذ إن أشكالها تكون متطابقة إلى حدٍّ كبير وحجم المستقبِلات صغير جداً، ولا تُرى حتى بالمجهر الإلكتروني، تماماً كما يصعب تحديد قمة إفرست عن قمم الجبال الأخرى من محطة الفضاء الدولية. ولذلك، فيمكن التعرف إليها باستخدام أجسام مضادة مرتبطة بمادة فسفورية كما هو موضح في الصورة. كما أن وجود نوع معيَّن من المستقبِلات على الخلايا السرطانية يسهِّل هجرتها إلى أعضاء أخرى غير مصابة. وبذلك يختلف تشخيص وعلاج السرطان كلياً بحضور أو غياب هذه المستقبِلات. ولهذا يطلب الطبيب خزعة طبية من المريض المصاب للتمييز بين الورم الحميد والخبيث، عن طريق أشكال ومستقبلات الخلايا.
مفاتيح وظائف خلوية مختلفة
تعمل المستقبلات أيضاً كمفاتيح لتشغيل أو تثبيط وظائف خلوية متنوِّعة. فحين تركض بسرعة لمدة 5 دقائق، ستفرز مادة الأدرينالين التي ترتبط بمستقبِلات تحفِّز العملية الأيضية في الخلية كتفكيك المواد الغذائية إلى طاقة. واشرب كوباً من القهوة لتصل مادة الكافيين إلى مستقبلات خاصة في خلايا المخ، حيث تتنافس مع مواد أخرى تجعلنا نحس بالإرهاق والتعب، ومن ثم تمنع ارتباطها. ولذلك نكون نشيطين إلى أن تتغيَّر المستقبلات المرتبطة بالكافيين بمستقبلات جديدة. انظر إلى هذه الصفحة جيداً، أشعة الضوء المنعكسة تتفاعل مع المستقبِلات الضوئية في العين لتنقل إشارات عصبية تفسِّر من خلالها خطوط وأشكال وألوان هذه الصفحة. وهناك عديد من الأمثلة عن التحولات الوظيفية على مستوى الخلية التي نمر بها خلال هذه اللحظة ولا نشعر بها.
تستطيع مستقبِلات الخلية التعرف إلى مستقبِلات خلية أخرى والربط معها إن توافقت أشكالها (مثل مكعبات الليغو) وشحناتها الكهربائية…
من هنا نجد أن عالم الأدوية والصيدلة قائم على معرفة نوع التفاعلات البيوكيميائية (الكيمياء الحيوية) في مستقبِلات الخلية، لابتكار وتركيب مواد تنتج التفاعل نفسه. وبهذا يقوم الباحثون في مجال الهندسة الحيوية بتطوير علاج عن طريق تفاعل الدواء مع مستقبِلات لتحفيز أو تثبيط وظائف خلوية مختارة. فماذا لو نجحنا في التحكم في مستقبِلات الخلية متى نشاء وكيف نشاء؟
هناك عديد من التطلعات المستقبلية لاستخدام التكنولوجيا الحالية في التلاعب بمستقبِلات الخلية. وقد نستطيع تشغيل بعض الوظائف في الخلايا المناعية لتقوم بمهاجمة الخلايا السرطانية فقط. أو نستهدف مستقبِلات الخلايا السرطانية لنثبط العمليات الأيضية بشكل تام يدفع الخلية إلى الانفجار بتفكيك نفسها بنفسها.
تندرج هذه التطبيقات الطبية في إطار ما صار يُعرف باسم (طب النانو)، الذي يعمل على تطوير أجهزة استشعار إلكترونية في جسيمات نانوية تسمى بـ «النانو بوت» أو «روبوتات النانو». ومن هنا نستطيع السيطرة على مستقبِلات خلية معيَّنة عن طريق التحكم بواسطة هذه الروبوتات بفرز جزيئات محدَّدة على سطح الخلية المستهدفة. فنستطيع على سبيل المثال التعرُّف إلى أول خلية مصابة بالإنفلونزا، ومنع الفايروس من التكاثر، ومن ثم الانتشار إلى الخلايا المجاورة. ومن هنا نستنتج أن مفتاحنا لفهم وهندسة ما يجري داخل أو حول عالم الخلية هو في فهم طريقة عمل مستقبِلاتها.