طاقة واقتصاد

مشاريع الطاقة العملاقة.. كيف تُبنى؟

  • bookcvr
  • capacity-june(Mask)
  • new-hgp
  • photo02(masked-color-final)
  • photo03(masked-color)
  • Workers

الشيبة والحوية بالأمس، واليوم حرض. ثلاثة أسماء خرجت من تواضع الاكتفاء بالإشارة إلى أماكن نائية فـي صحارى المملكة العربية السعودية، لتتحول إلى أسماء بارزة على خارطة صناعة النفط والغاز في العالم. فكيف نشأت هذه المشاريع الصناعية ؟ وكيف تبدو لعين من لا يعرفها؟
الزميل عبود عطية الذي لم يكن قد زار أية منشأة نفطية سابقاً، توصل إلى بعض الإجابات، بعد أن تعرّض، أمام حجم هذه المنشآت، لمفاجأة لم يتوقعها!

عشرة آلاف عامل من ست وثلاثين جنسية مختلفة فـي ورشة واحدة، أكثر من أربعين مليون ساعة عمل من دون حادث واحد مهدر للوقت، والمشروع برمته سيكون جاهزاً قبل خمسة أشهر من الموعد المرتقب، وبتكلفة تقل بنحو الربع عن الموازنة التي كانت مرصودة له فـي الأساس. ومع ذلك، عندما سألنا مسؤولاً فـي أرامكو السعودية كيف تبني شركته مشاريعها الكبرى هذه، أجاب بهدوء واضح: «تماماً كما تبني بيتاً من ثلاث غرف ومطبخ». هذا التبسيط المتناهي لا يفترض أن نأخذه كما هو، فالمصدر المسؤول ذاته أضاف قائلاً: «عندنا نظام إدارة مشاريع موحد، تسير بموجبه كل المشاريع من الصغير إلى الكبير. لذلك فإن (طقوس) بناء المشروعات الكبرى في الشركة تجعلنا دائماً ننظر ببساطة لهذه المشروعات، على العكس ممن ينظر لها من الخارج».

المشاريع التي نتناولها هنا تبدو أقرب إلى أهرامات مصر منها إلى بيت صغير، وزيارة واحد من هذه المشاريع تكفي لتحريك عشرات الأسئلة فـي ذهن الزائر، وتفسر عمق الإحساس الأولي تجاه بساطة الجواب الذي سمعه.

حَرَضْ
بعد نحو ساعة من انطلاق السيارة على طريق شبه مقفرة تخترق الصحراء غربي مدينة الهفوف، تبدد الملل من رتابة المشهد وفراغه بظهور عدد من الشاحنات راح يزداد تدريجياً. كما ظهرت أعمدة الكهرباء العالية، والتي أخذت تقترب من الطريق أكثر فأكثر إيذاناً باقترابنا من مكان مأهول. وهناك، وسط لا شيء، وفوق خط الأفق حيث محا الضباب الحدود ما بين اصفرار الرمال وزرقة السماء، بان من بعيد ما يشبه الغابة الرمادية اللون: إنه معمل الغاز الجديد فـي حرض، الذي من المتوقع أن يتم إنجازه خلال أسابيع قليلة من تاريخ صدور هذا العدد، وتحديداً فـي شهر يونيو، على أن يدخل مرحلة الإنتاج فـي الشهر التالي.

هذا المعمل هو ثالث المشاريع الصناعية الكبرى التي ارتفعت فـي الصحارى السعودية خلال السنوات الأخيرة. فقبله كان هناك معمل الغاز فـي الحوية الذي بدأ بالإنتاج فـي ديسمبر 1002م وسمي آنذاك «مشروع العام 1002م» من قبل معهد إدارة المشاريع في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مخصص لمعالجة 6.1 بليون قدم مكعبة من الغاز غير المصاحب يومياً. وقبل الحوية، كان هناك مشروع حقل الشيبة لتجميع ومعالجة ونقل 000,005 برميل يومياً من الزيت الخام الخفيف من أعماق الربع الخالي إلى المرافق الصناعية القائمة فـي بقيق.

أما مشروع الساعة فـي حرض فيهدف إلى إنشاء معمل لمعالجة 6.1 بليون قدم مكعبة من الغاز الذي يرده من 78 بئراً مجاورة.

تمر السيارة أولاً بالقرب من حي سكني ارتفعت فيه عشرات المباني التي وصل العمل فيها إلى مراحل التشطيبات الأخيرة، وعلمنا لاحقاً أن هذه المباني تتسع لإقامة ألف شخص، وبجوارها تتوافر كل احتياجات سكان هذه القرية مثل المسجد وأماكن التسلية المشتركة، وما تنعم به المدن الحديثة من مرافق مثل المطار القادر على استقبال طائرات نفاثة من طراز بوينغ 737.

نلتقي هناك المهندس الشاب أحمد العارض، الذي يصطحبنا فـي سيارته بجولة على أقسام المعمل، الذي راحت صورته تكبر وتكبر كلما اقتربنا منه.

ولكي يُكوّن القارئ فكرة عامة عن أحجام هذه المشاريع ومقاساتها، يمكنه أن يتخيل نفسه وقد انتزع محرك سيارته، وبعد أن طلاه بأسره باللون الفضي وضعه أرضاً وترك نحو ألف نملة تتسلق أجزاءه المختلفة وتتغلغل داخله.. هكذا تبدو مقاسات معمل حرض مقارنة بالعمال المنتشرين فـي أرجائه وزواياه.

قلنا ألف نملة.. كان يجب أن نقول تسعة آلاف، لأن هذا هو عدد العاملين الذين كانوا هناك عند زيارتنا للمشروع، بعد أن كان قد وصل سابقاً إلى عشرة آلاف وستمائة رجل!! ومع ذلك، يندر أن يرى المرء أكثر من عشرة إلى عشرين شخصاً في المكان الواحد، ولكنه أينما تجول وجد أناساً منتشرين: هنا خمسة، وهناك عشرة تحت ذلك الأنبوب، وهناك ثلاثة فوق ممر علوي.. كلهم يعتمرون الخوذات الواقية، ومعظمهم يغطي عينيه بنظارات صفراء كبيرة ويلف منديلاً عريضاً أسفل وجهه اتقاءً للغبار، فاختفت ملامحهم الشخصية وكأن سيادة قوانين السلامة الموحدّة، توحّد الجميع حتى فـي الشكل، ووسط الضجيج وصخب الآلات نسمع فـي (برج بابل) هذا خليطاً فريداً من اللهجات العربية: السعودية والمصرية واللبنانية، وعدداً من اللغات التي تتراوح بين الإنجليزية والأوردو.. وعرفنا من مضيفنا أن العاملين في هذا المشروع ينتمون إلى ست وثلاثين جنسية مختلفة. وإمعاناً فـي إثارة المزيد من دهشتنا نسمع أن خليط الجنسيات فـي ورشة معمل الحوية وصل فـي فترة الذروة إلى خمسين جنسية مختلفة.

الأرقام الخاصة بهذا المشروع تبدأ مدهشة وتنتهي مشفوعة بصعوبة التخيّل. فقد تطلب إنشاء هذا المعمل من جملة ما تطلبه نحو 000001 متر مكعب من الخرسانة المسلحة، و 00022 طن من الهياكل الفولاذية و 000014 وصلة لحام، و 045 كيلومتراً من الأنابيب و 0041 قطعة مصممة هندسياً و 057 كيلومتراً من خطوط الأنابيب.

نمرُ بالقرب من معدات أسطوانية عملاقة مثبتة عالياً عن الأرض، يقول مضيفنا إنها أبراج تنقية الغاز من الشوائب. ويصل وزن بعضها إلى ثمانمائة طن، وكيف وصلت إلى هناك؟ حُمّلت من ميناء الجبيل على شاحنة تسير بنحو ستين عجلة، ولا تستطيع تجاوز سرعة الخمسة كيلومترات فـي الساعة نظراً لثقلها، ولذلك تطلبت رحلتها إلى حرض عدة أيام بدلاً من الساعات الأربع اللازمة للسيارة، ولرفع هذه الأبراج عن الأرض وتثبيتها فـي مكانها، احتاج الأمر إلى رافعة هي واحدة من تسعة نماذج موجودة فـي العالم.. فتم استئجارها من إحدى الدول العربية، وتم تفكيكها ونقلها بواسطة ستين شاحنة إلى موقع العمل حيث أُعيد تركيبها لتؤدي مهمتها…
والواقع أن التحديات التي تقف أمام القائمين على هذه المشاريع أكثر من أن تحصى. وما المواقع الجغرافـية لهذه المعامل الكبرى إلا بعضها.

فإذا كان معملا الحوية وحرض محظوظين فـي وقوعهما على مقربة من طريق معبد كان موجوداً سلفاً، فإن حقل الشيبة يقع فـي عمق صحراء الربع الخالي على بعد 583 كيلومتراً من أقرب طريق معبد، ونحو 005 كيلومتراً من أقرب بلدة مأهولة، الأمر الذي استدعى شق طريق خاص إليه فـي واحدة من أولى الخطوات التنفيذية للمشروع.

غير أن الأمثلة التي سقناها حتى الآن، والتي تدور كلها في الفلك الفني، تؤدي بنا مجتمعة إلى السؤال حول التحدي الكبير المتمثل فـي إدارة مشاريع بهذه الضخامة، فمن هو قائد الأوركسترا الذي يضبط أداء عشرة آلاف رجل موزعين على عشرة مقاولين رئيسيين وعدد أكبر من مقاولي الباطن؟ ويؤمن تكامل عمل كل فريق مع أعمال غيره من الفرق؟

مع قائد الأوركسترا
نلتقي بحثاً عن أجوبة لأسئلتنا بثلاثة مهندسين من أرامكو السعودية، فالشركة هي صاحبة هذه المشاريع، وهي أيضاً التي تتولى إدارتها، أو هي، إذا شئت، قائد الأوركسترا.

المهندسون الثلاثة هم سعد فهد الدوسري، مدير عام إدارة المشاريع فـي المنطقة الشمالية من مناطق أعمال الشركة، وسالم شاهين، مدير إدارة مشروع حرض، ومحمد الحمّاد الذي عمل سابقاً فـي مشروع حقل الشيبة ومن ثم فـي معمل الحوية.

وعلى الرغم من أن هؤلاء المهندسين الثلاثة يشغلون مهمات ومناصب مختلفة، وأن كلاً منهم أجاب عن أسئلة خاصة به، فلا بد وأن يلحظ المرء أنهم متشابهون فـي أمر عميق مشترك فـي ما بينهم. نظرات حادة، وآذان تصغي لكل حرف، وأجوبة سريعة ومباشرة، وكأن الموضوع بديهي أو تحصيل حاصل.

عندما استقبلنا الدوسري لم يستغرق الأمر أكثر من ثوانٍ قليلة ما بين المصافحة وطرحه للسؤال وهو يجلس إلى الطاولة: «بماذا أستطيع أن أساعدكم؟» فالرجل مباشر جداً ولا وقت لديه للهدر. ومع ذلك فقد أعطانا أكثر من أربعين دقيقة شرح لنا فيها مسيرة أي مشروع تتولاه إدارته المسؤولة عن المشاريع التي تزيد قيمتها عن المليوني دولار وصولاً إلى البليوني دولار وأكثر..

ملخص هذه المسيرة فـي مراحلها الأولية يقول إنه عندما تتبين الحاجة إلى بناء معمل جديد، يبدأ العمل بوضع تصميم أولي للمعمل يحتوي الخطوط العامة العريضة لمواصفاته: طاقته، موقعه، نقاط اتصاله، ما يدخله وما يخرج منه، وهذا الجانب من العمل يتم تنفيذه بالكامل داخل الشركة. وفـي مرحلة تالية يتم وضع «تصوّر المشروع» الذي يضم المزيد من التفاصيل، والمواصفات لمختلف أجزائه، كما تُرسم حدوده. وفـي هذه المرحلة تستعين أرامكو السعودية بجهات خارجية متخصصة تقوم عادة بما يتراوح بين عشرين وثلاثين فـي المئة من الدراسات الهندسية، وحتى هذه المرحلة لا تكون لإدارة المشاريع موازنة، بل إن كل التمويل الذي تحصل عليه هو لسداد كلفة الدراسات فقط. ولكن نتيجة هذه الدراسات المفصلة هي التي تُعتمد كأساس لوضع تقدير لكلفة المشروع، فتُقترح موازنته على مجلس الإدارة لإقرارها.

ويضيف المهندس سعد الدوسري قائلاً: «إن الإعداد للمشاريع الكبرى يحتم علينا إشراك إدارات وأقسام عديدة فـي الشركة مثل: العقود، القانون، شؤون الموظفين، منع الخسائر، الأمن، إضافة إلى الهندسة بكل أقسامها ومن أبرزها الخاص بالشؤون البيئية، وأحياناً الأجهزة الحكومية حيثما يستدعي الأمر، فلكل من هؤلاء كلمة يقولها فـي جانب معين من جوانب المشروع يتعلق باختصاصه».

ويتابع ممعناً في التفاصيل: «إننا نقسم المشروع إلى حصص مختلفة. فمرافق معالجة الغاز حصة، مرافق المساندة الصناعية حصة ثانية، الاتصالات حصة ثالثة، الأنابيب حصة رابعة … الخ. وعندنا لوائح كاملة بكل الجهات القادرة على تنفيذ هذه الحصة أو تلك، فنتصل بها كلها، ونعرض عليها هذه الحصة، وننتقي من هذه الجهات المؤهلة منها، ونطلب إليها خوض مناقصة أسعار لنعتمد فـي النهاية الأنسب من بينها، ومن الطبيعي القول أنه كلما كان المشروع كبيراً، كلما كبر حجم اتصالاتنا. وتتضمن هذه المرحلة أيضاً وضع مزيد من التفاصيل التقنية الخاصة بتنفيذ المشروع، وعندها ينطلق العمل». ولكن هل ينتهي دور الشركة بصفتها صاحبة العمل عند حدود وضع التصور النهائي للمشروع وتمويله؟

«أبداً»، يقول الدوسري، «هناك شركات توكل إدارة مشاريعها إلى جهات مستقلة. الأمر مختلف فـي أرامكو السعودية.. فنحن ندير مشاريعنا بأنفسنا إلى النهاية».

التنسيق وضبط الإيقاع
منذ بدء توزيع المشروع على الورق إلى حصص منفصلة عن بعضها البعض، يصبح التنسيق ما بين هذه الحصص مسألة نجاح أو فشل للمشروع.

فهناك أولاً التنسيق على الصعيد التقني، بحيث يأتي عمل كل مقاول مكملاً بشكل صحيح لعمل مقاول آخر ويمثل امتداداً سليماً له من الناحية الفنية.

وهناك أيضاً التنسيق الدائم لترتيب الجداول الزمنية للأعمال ما بين القطاعات المختلفة. فمقاول الاتصالات على سبيل المثال موجود أينما كان على الأرض، ويجب على عمله ألا يتعارض مع أعمال الآخرين، لأن أي تعارض يعني أن على أحد الطرفين التوقف عن العمل إفساحاً فـي المجال للآخر.. وهذا هدر للوقت.

ولمعرفة حجم الجهود التي يتطلبها التنسيق السليم لورشة مشروع حرض مثلاً نكتفي بالإشارة إلى أن العشرة آلاف عامل يتوزعون على عشرة مقاولين كبار وعدد أكبر من مقاولي الباطن، والأهم من كل ذلك أن لا علاقات مباشرة للمقاولين بعضهم ببعض، بل إن كل العلاقات يجب أن تتم عبر إدارة المشروع. وفـي هذا الصدد يقول المهندس سالم شاهين: «إن فـي مكتبه ثلاثة أو أربعة مجلدات ضخمة تتعلق فقط بتنسيق الأعمال. وأن ضبط التنسيق يتم من خلال اجتماعات عمل يحضرها أحياناً أربعون أو خمسون شخصاً لكل منهم مهماته وبرامجه وطلباته الخاصة..»

ويضيف شاهين: «إن إدارة المشروع لا تقتصر فقط على التنسيق الفني ووضع الجداول الزمنية. ففـي مشاريع كهذه نواجه تحديات فـي مجالات شتى. مقاييس السلامة مثلاً تتطلب منا اهتماماً استثنائياً نظراً إلى طبيعة الأخطار من جهة، وأيضاً لأن العاملين في المشروع ينتمون إلى ست وثلاثين جنسية مختلفة. والمسألة التي نواجهها ليست مسألة لغة وترجمة فقط، بل هي أيضاً مسألة ثقافية، إذ يختلف مفهوم السلامة ما بين أبناء هذه الثقافات المختلفة وعلينا توحيده. وفـي الاجتماعات الصباحية التي نعقدها يكون مسؤول السلامة حاضراً، وهو يتمتع بصلاحية انتقاد أي مسؤول أو مدير حاضر، مهما كان موقعه، إذا أخل بشروط السلامة.. هذا موضوع لا يقبل التراخي بأي شكل من الأشكال».

توفير نصف بليون دولار
كنا قد سمعنا أن مشروع حرض سينتهي قبل موعده المرتقب بنحو خمسة أشهر. ولكن المهندس شاهين فاجأنا عندما سألناه عن مجمل سير العمل، بأن إدارة المشروع تمكنت من تخفيض كلفته حوالي 52 فـي المئة عما كان متوقعاً فـي الموازنة الأولية.

52 فـي المئة من موازنة كانت مقدرة فـي البدء ببليونين ومئتي مليون دولار، أي أن التوفير الحاصل يزيد على نصف بليون دولار، أي ما يكاد يكفي لإنشاء مصنع غاز آخر.. كما أن الحمّاد عبر عن اعتزازه أيضاً بأن مشروع الحوية انتهى قبل موعده المحدد وبتكلفة أقل مما كان مقدراً، ولكننا نعرف أن الإسراع فـي إنجاز المشاريع يتطلب عادة تكاليف إضافية وليس العكس. فما الذي يعنيه ذلك؟ هل يمكننا القول أن أرامكو السعودية كانت فـي غاية السخاء والكرم عندما وضعت تصوراتها لموازنات هذه المشاريع؟

نحمل السؤال إلى سعد الدوسري الذي يجيب: «لا، هناك مشاريع تفوق كلفتها الفعلية ما كان متوقعاً لها. وهناك مشاريع تقل فيها الكلفة عن الموازنة. وعندما توفر مالاً فهذا يعود إلى أمرين: إما لأنك قمت ببعض الأعمال المبتكرة التي توفر المال، وإما لأن شروط السوق وأسعاره تبدلت فـي اتجاه يسمح بتخفيض التكاليف».

ويضيف: «عندما نضع موازنة مشروع معين، فإن ذلك يتم بالاستناد إلى الكلفة الإجمالية لمجمل الأعمال وحسب الأسعار المتداولة فـي السوق. ولكننا نقوم لاحقاً فـي الشركة بالعديد من الأعمال التي توفر دفع المال إلى جهات خارجية مثل التقويم الهندسي وتخطيط عملية التنفيذ والعديد من الأعمال الأخرى. ومن جهة أخرى هناك مقاولون يخفضون أسعار أعمالهم عما هو متعارف عليه فـي السوق رغبة منهم فـي إبرام عقد مع أرامكو السعودية، باعتبار أن التعامل مع الشركة سيؤكد أهليتهم فـي السوق ويعود عليهم لاحقاً بنفع كبير، نظراً إلى الشروط الصارمة التي نشترطها على صعيد أهلية الجهات التي نتعامل معها. وهناك أيضاً حسن تنفيذ الأعمال وعدم هدر الوقت. والواقع أنه ليس هناك سبب واحد يفسر توفير المال، بل مجموعة كبيرة من الأسباب المختلفة».

روح الفريق
عندما التقينا المهندس محمد الحمّاد حاولنا الاستفادة من تجربته الميدانية فـي مشروعي الشيبة والحوية فتوجهنا إليه بهذا السؤال: إذا كانت المشاريع الصغيرة والكبيرة تمر كلها عندكم بالمسارات نفسها. فمتى يبدأ الفارق ما بين الاثنين بالظهور؟ فأجاب فوراً: «عندما نبدأ بتشكيل فريق العمل». والواقع أننا لمسنا فـي تجوالنا ما بين الشركة ومواقع العمل أمراً غامضاً يمكن تصنيفه فـي باب العوامل الإنسانية أكثر مما هو من مناهج العمل الإداري الصارمة فـي توزيع الحصص والمسؤوليات. فقد لاحظنا أينما كنّا أن الحديث عن «روح الفريق» يبدو غالياً على قلوب الجميع، ولم نلمس أي تواضع مصطنع عندما رأينا الكل يرد النجاحات إلى «روح الفريق» المتكامل والمتضامن، حتى أننا صادفنا فـي حرض أحد الزملاء الصحافيين يجمع حكايات العاملين هناك عن تضامنهم وتعاونهم وروح الفريق التي تسودهم لكتابة مقالة خاصة بهذا الجانب.

يقول الحمّاد: إن «الفريق» يضم كل العاملين في المشروع، ليس من أرامكو السعودية والمقاولين فقط، بل أيضاً حتى المقاولين من الباطن. والتأكد من توفر مناخ التعاون التام شرط أساسي للانطلاق فـي العمل، ويضرب مثلاً على ذلك أن أحد كبار المقاولين الذين عملوا في مشروع الحوية كان صاحب تجربة سابقة مع أرامكو السعودية، ولم تكن تلك التجربة مثالية للطرفين، «فسعينا إلى تبديد الغيوم وإزالة أي سوء فهم قبل الانطلاق فـي العمل معه. الأمر نفسه ينطبق على المقاولين من الباطن الذين نزورهم للتأكد من قدرتهم على الاندماج فـي الفريق والتعاون على المستوى المطلوب». وفـي حرض، حصل بالفعل أن قام مقاولون بإعارة بعض الأيدي العاملة إلى مقاولين آخرين دعماً لهم، وهذا أمر يندر حدوثه فـي مشاريع أخرى.

الساحة للشباب السعوديين
على صعيد آخر، تؤكد معطيات هذه المشاريع أن الاهتمام بمشاركة المؤسسات المحلية صار جزءاً أساسياً من نسيج تنفيذها. ففـي مشروع حرض بلغ حجم هذه المشاركة نحو 186 مليون دولار توزعت على الشكل الآتي: 52 مليون دولار للأعمال الهندسية داخل المملكة و 043 مليون دولار للإنشاء من قبل المقاولين السعوديين و 613 مليون دولار للمواد المصنعة محلياً. وقبل ذلك، وصلت نسبة الموردين والمصنعين المحليين فـي مشروع الحوية إلى نحو 23 فـي المئة.

وفـي هذا المجال يقول الحماد: «إن الشركة تعتمد المورد والمصنّع السعودي حيثما كان ذلك ممكناً، ليس فقط من باب دعم الصناعة المحلية وتشجيعها، بل أيضاً لأن المورد المحلي يتمتع بمرونة أكبر على صعيد تسليم ما هو مطلوب منه، ويتكيف بسهولة مع أي تبدل يطرأ على المواعيد نظراً لقربنا منه». وإلى ذلك يضيف شاهين: «إننا نقوم هنا فـي حرض لأول مرة بمشاريع سعودية كاملة على صعيدي الأنابيب والبنى التحتية».

وما هو أهم من ذلك كله، هو أنه بانتهاء إنشاء هذه المعامل الكبرى، فإن تشغيلها يعتمد على الأيدي السعودية. ويبدو أن تجربة الشيبة كانت منعطفاً مهماً فـي هذا المجال. فبعدما كان مألوفاً أن تضم إدارات المشاريع الضخمة ما نسبته ستين أو سبعين فـي المئة من الأجانب، لم يكن فـي الشيبة غير أجنبي واحد بين كل مدراء المشروع.

وقد تعزز هذا التوجه فـي الحوية. فمنذ انطلاقة المشروع بدأ توظيف الذين سيناط بهم تشغيل المعمل، وتدريبهم على أعمالهم المحددة، واليوم يُشغّل هذا المعمل من قبل 032 موظفاً سعودياً، أكثر من سبعين فـي المئة منهم فـي العشرينات من العمر.

نجاح التجربة فـي الحوية دفع بمشروع حرض إلى اعتماد المنهج نفسه، فمع انطلاق العمل فيه، بدأت عملية توظيف 573 شخصاً سيحتاجهم تشغيله لاحقاً (99 فـي المئة منهم سعوديون). وانطلقت تبعاً لذلك مسيرة تدريبهم وتأهيلهم على تشغيل المعمل، الذي سيكون بين أيديهم هم دون غيرهم بدءاً من مطلع الصيف.

وحول الطريقة التي لجأت إليها الشركة لاعتماد هؤلاء الشبان يقول المهندس سعد الدوسري: «إن معظمهم كان يعمل فـي مواقع مختلفة، وتم توظيف عدد من الشباب الجدد، ولكنهم خضعوا جميعاً للتدريب على مهامهم الجديدة».

والنتيجة
عند انطلاق مشروع معمل حرض، وضع القيّمون عليه نصب أعينهم الوصول بـ «مؤشر جودة الإنتاج» إلى 09 فـي المئة، غير أنهم وصلوا فعلاً منذ منتصف العام الماضي إلى 59 فـي المئة، وهو مستوى يصعب على أي مشروع تجاوزه.

وفـي تفسير هذا المستوى من الأداء نتذكر ما كنا قد سمعناه من المهندس الحماد حينما أشار إلى أن: «كل فريق عمل يرغب فـي التفوق على ما أنجزه فريق مشروع آخر، فالحوية أراد أن يتفوق على الشيبة، واليوم ترى أن حرض يسعى إلى التفوق على الحوية.. والأهم هو أن فريق الحوية يساعد فريق حرض على الوصول إلى هذه النتيجة».

ولعل ما يلخص كل ذلك ببلاغة عميقة هو الثقة والهدوء اللذين لاحظناهما على المهندس سالم شاهين خلال استقباله لنا وخلال تناوله الغداء معنا، ومن الهدوء النسبي لرنين هاتفه. الثقة في حديث رجل يدير مشروعاً قيمته نحو بليوني دولار وينفذه عشرة آلاف رجل.. ألا يعني ذلك أن «دستور» الشركة التي تنفذ هذا المشروع، إذا جاز التعبير، هو الضامن الأول لحسن سير العمل، ويسمح لمدير إدارة هذا المشروع بهذا الحد من الهدوء.

————————————-
الأسماء قبل النفط والغاز
فـي البحث عن تاريخ مواقع هذه المشاريع وجغرافيتها وافانا الأستاذ عبدالخالق الجنبي بالآتي:

حرض
حَرَضْ قرية فـي محافظة الأحساء. وجاء فـي المعجم الجغرافـي للبلاد العربية السعودية: «حَرَض: بفتح الحاء والراء وآخره ضاد معجمة، قال الأزهري فـي كتاب «التهذيب»: وحرض ماء معروف فـي البادية، ومن المرجح أن حرض هذه هي التي عناها امرؤ القيس فـي بيت من الشعر ذكره الحموي فـي كتابه معجم البلدان، جاء فيه:
وقد أقود بأقراب إلى حرضٍ
إلى جماهير رحب الجوف صهّالا
وجاء فـي المعجم أيضاً أن حرض من الموارد القديمة لقبيلة آل مرة، تشرب من آبار ارتوازية، وعدد سكانها اليوم نحو 0031 نسمة.
الحَوِيَّة
أرض تقع جنوب الغوار، بالقرب من فضيلة بين جودخان غرباً وبرقاء الضمران شرقاً، وشمال الركن الشمالي الغربي من حرض، كان فيها سابقاً منهل ماء يدعى الحوية، يمر به الطريق من العضيلية إلى حرض، وفيها جبل يحمل اسمها أيضاً.

الشِيبَة
هي عبارة عن عروق من الرمال تتخلل سبخة الكِدَن، وتقع الشِيبَة فـي أقصى الجنوب الشرقي للمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وإلى الجنوب منها يقع موضع الرملة، كما يحدها من الغرب والشمال الغربي سهول الظفرة، وتدخل الشيبة فـي عداد نواحي الربع الخالي. وتمتاز الشيبة، كسهول الظفرة والكدن، بوفرة المراعي فيها بعد هطول الأمطار، غير أن هذه المراعي بعيدة نسبياً عن موقع الحقل النفطي الشهير.

———————————————–

نموذج تخطيط وتنفيذ المشاريع

الدراسة المبدئية من إدارة التخطيط
– التصوّر الأولي للتصاميم
– الجدول المبدئي
– خطة التنفيذ المختصرة
– التقديرات المبدئية للميزانية

وضع تصوّر للمشروع
– التصوّر النهائي
– خطة التنفيذ النهائية
– جدول شبه تفصيلي
– التكلفة التقديرية للمشروع
– تجهيز العقود

التصاميم التفصيلية للإنشاء – المشتريات للمواد والمعدات والتنسيق مع الموردين – الإنشاء
– إرساء العقود
– وضع مواصفات المواد والمعدات
– إصدار أوامر الشراء
– وضع جدول زمني مفصل
– مراقبة التكاليف وجدول التنفيذ
– مراجعة التصاميم
– التفتيش على المنشآت – الجودة

التشغيل

خلال المراحل المختلفة من تنفيذ المشروع، يتم تطبيق مجموعة عناصر وأعمال تطويرية مهمة عليه من فريق العمل، أخذاً في الاعتبار جدول التنفيذ والتكلفة والجودة والسلامة في كافة أعمال المشروع. وتشمل هذه العناصر والأعمال ما يلي: نقاط القياس، الهندسة القيمية، ورشة التخطيط والتنفيذ في المشروع، ورشة مراقبة وتحسين الجدول الزمني، تطبيق الدروس السابقة المستفادة، تجميع الدروس الآنية، التخطيط لبدء التشغيل، مراقبة وإدارة تغيرات المشروع.

أضف تعليق

التعليقات