العلم خيال

مرحباً إلى صحراء الواقع

العلم خياليعتلي فِلم “ذا ماتريكس” عديداً من قوائم أفضل أفلام الخيال العلمي. هو بلا شك أحد أنجحها تجارياً. لكن مع أن الفلم مثير وممتع، إلا أن كثيراً يجهل أنه يتناول عدداً كبيراً من الأفكار العميقة سواءً العلمية أو الفلسفية أو الاجتماعية. هناك عدد من الكتب التي تناولت هذه الأفكار (في متجر أمازون ما لا يقل عن ثمانية كتب تناقش المواضيع الفلسفية في فِلم ذا ماتريكس). وقفتنا اليوم ليست مع الفلسفة، بل ستكون اختباراً علمياً لبعض الأفكار التي وردت في الفِلم. إذا لم تكن قد شاهدت الفِلم، فأنصحك بمشاهدته قبل قراءة هذا المقال.

تدور‭ ‬أحداث‭ ‬الفلم‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬تشاؤمي‭ ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬أغلب‭ ‬الناس‭ ‬حقيقة‭ ‬زائفة‭ ‬لأنها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬برنامج‭ ‬يحاكي‭ ‬الحقيقة‭ ‬يدعى‭ ‬‮«‬الماتريكس‮»‬ (‬بمعنى‭ ‬‮«‬المصفوفة‮»‬). ‬برنامج‭ ‬المحاكاة‭ ‬هذا‭ ‬صنعته‭ ‬روبوتات‭ ‬واعية‭ ‬بهدف‭ ‬تقييد‭ ‬البشرية‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬طويلة‭ ‬وعنيفة‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬البشر‭. ‬وبينما‭ ‬تعيش‭ ‬عقول‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬الزائفة،‭ ‬تُستخدم‭ ‬أجسامهم‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الحرارية‭ ‬والكهربائية‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬يدركها‭ ‬بطل‭ ‬الفِلم‭ ‬‮«‬نيو‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تقوده‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬الروبوتات‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬الماتريكس‭.‬
دعنا‭ ‬نفكر‭ ‬ببعض‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭.‬

السؤال‭ ‬الأول‭: ‬هل‭ ‬من‭ ‬المجدي فعلاً‭ ‬استخدام‭ ‬البشر‭ ‬كبطاريات لإنتاج‭ ‬الطاقة؟
عند‭ ‬اختبار‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬نجد‭ ‬سريعاً‭ ‬أن‭ ‬الطاقة‭ ‬الحرارية‭ ‬التي‭ ‬يولدها‭ ‬الجسم‭ ‬البشري‭ ‬هي‭ ‬كمية‭ ‬قليلة‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬تُبذل‭ ‬لتغذية‭ ‬الجسم‭. ‬دعنا‭ ‬للحظة‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الجسم‭ ‬البشري‭ ‬كأنه‭ ‬آلة‭ ‬تقوم‭ ‬بتحويل‭ ‬الغذاء‭ ‬إلى‭ ‬طاقة‭. ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬أخص،‭ ‬آلة‭ ‬تتولد‭ ‬فيها‭ ‬الطاقة‭ ‬داخل‭ ‬الخلايا‭ ‬فيما‭ ‬يسمى‭ ‬بالميتوكندريا. ‬هناك‭ ‬يتم‭ ‬تحويل‭ ‬الجلوكوز‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬الغذاء‭ ‬إلى‭ ‬طاقة‭ ‬كيميائية‭ ‬تغذَّي‭ ‬الخلية‭ ‬وسائر‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬داخلها. ‬غالبية‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬توليدها‭ ‬تذهب‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لتشغيل‭ ‬أجزاء‭ ‬الجسم‭ ‬المختلفة. ‬عشرون‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الطاقة‭ ‬مثلاً‭ ‬يذهب‭ ‬لتغذية‭ ‬المخ‭ ‬وحده. ‬بل‭ ‬إنك‭ ‬لو‭ ‬قمت‭ ‬بإحراق‭ ‬النباتات‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تعطيها‭ ‬للبشر‭ ‬كغذاء،‭ ‬لأمكنك‭ ‬توليد‭ ‬كمية‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭.‬
لذا‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬الجسم‭ ‬البشري‭ ‬ليس‭ ‬آلة‭ ‬فعالة‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة. ‬ويشير‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬كإحدى‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬في‭ ‬الفلم‭.‬
لماذا‭ ‬استخدموا‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬الفلم؟‭ ‬كان‭ ‬أجدى‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬تفسير‭ ‬الموضوع‭ ‬بأن‭ ‬الروبوتات‭ ‬تستخدم‭ ‬العقول‭ ‬البشرية‭ ‬لبناء‭ ‬حاسب‭ ‬آلي‭ ‬ضخم‭ ‬ومترابط.‬‭ ‬وربما‭ ‬سعى‭ ‬صانعو‭ ‬الفلم‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬لأنها‭ ‬أسهل‭ ‬للفهم‭.‬

السؤال‭ ‬الثاني‭ :‬هل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أننا‭ ‬فعلاً‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬برنامج محاكاة؟‬
العلم خيالهذا‭ ‬سؤال‭ ‬ناقشه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الفلاسفة‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬فرضية‭ ‬المحاكاة‮»‬. ‬وقد‭ ‬تستغرب‭ ‬أن‭ ‬أصول‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬أفلاطون. ‬أحد‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬أفلاطون‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬استعارة‭ ‬الكهف‮»‬. ‬فقد‭ ‬ضرب‭ ‬مثلاً‭ ‬بالقول: ‬تخيل‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مساجين‭ ‬في‭ ‬كهف‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬المساجين‭ ‬مصفدين‭ ‬ولا‭ ‬يرون‭ ‬إلاَّ‭ ‬جداراً‭ ‬أمامهم،‭ ‬بينما‭ ‬يقع‭ ‬باب‭ ‬الكهف‭ ‬خلف‭ ‬أظهرهم. ‬وتخيل‭ ‬أن‭ ‬هؤلاء‭ ‬المساجين‭ ‬تعوقهم‭ ‬أغلالهم‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬الجنب‭ ‬أو‭ ‬الخلف. ‬تخيل‭ ‬هؤلاء‭ ‬المساجين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬كل‭ ‬حياتهم‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يروا‭ ‬زملاءهم‭ ‬المحيطين‭ ‬بهم. ‬بل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يرونه‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬الظلال‭ ‬على‭ ‬الجدار‭ ‬أمامهم. ‬تخيَّل‭ ‬الأشكال‭ ‬التي‭ ‬يرونها. ‬ظلال‭ ‬تتحرك،‭ ‬وظلال‭ ‬ساكنة،‭ ‬ظلال‭ ‬تتكلم،‭ ‬وظلال‭ ‬صامتة. ‬هؤلاء‭ ‬ناس‭ ‬تجربتهم‭ ‬محدودة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ضيق‭ ‬جداً. ‬ثم‭ ‬تخيل‭ ‬أننا‭ ‬فككنا‭ ‬القيد‭ ‬عن‭ ‬أحدهم‭ ‬فأصبح‭ ‬يدور‭ ‬بعينيه‭ ‬ويكتشف‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬جديد. ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬صدمة‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬إدراكه‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬مضى‭ ‬من‭ ‬عمره. ‬لن‭ ‬نستبعد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإدراك‭ ‬الجديد‭ ‬سيصيبه‭ ‬بالارتباك‭ ‬والتوتر‭ ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬سيتمنى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬أصفاده‭ ‬وعالمه‭ ‬الذي‭ ‬اعتاده. ‬ثم‭ ‬تخيل‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬سينقضي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يرتاح‭ ‬للعالم‭ ‬بشكله‭ ‬الجديد. ‬ثم‭ ‬تخيل‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬الكهف‭ ‬ومحاولة‭ ‬الشرح‭ ‬لباقي‭ ‬المساجين‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬رآه. ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أنهم‭ ‬سيظنون‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الظل‭ ‬الذي‭ ‬يتكلم‭ ‬أمامهم‭ ‬مجنون‭ ‬وخياله‭ ‬واسع.

العلم خيالكثير‭ ‬من‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمفكرين‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬القرون‭ ‬أدلوا‭ ‬بدلوهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع. ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تتوافر‭ ‬أفكار‭ ‬تقدم‭ ‬اختباراً‭ ‬علمياً‭ ‬لهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬إلا‭ ‬مؤخراً. ‬ففي‭ ‬عام ‭ ‬2012م‭ ‬تقدم‭ ‬ثلاثة‭ ‬علماء‭ ‬فيزياء‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬سياتل‭ ‬بفرضية‭ ‬جديدة‭ ‬قد‭ ‬تستطيع‭ ‬اختبار‭ ‬فكرة‭ ‬المحاكاة‭ ‬هذه‭. ‬

تقوم‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬على‭ ‬اختبار‭ ‬برامج‭ ‬تحاكي‭ ‬الكون‭ ‬وتعمل‭ ‬في‭ ‬الحواسيب‭ ‬الفائقة‭ (‬Super Computers‭) ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي. ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬تعمل‭ ‬باستخدام‭ ‬وسيلة‭ ‬تدعى‭ (‬lattice quantum chromodynamics‭) ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬المساحة‭ ‬هنا‭ ‬بشرحها. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬تُسخِّر‭ ‬القدرات‭ ‬الحسابية‭ ‬الهائلة‭ ‬للحواسيب‭ ‬الفائقة‭ ‬لمحاولة‭ ‬محاكاة‭ ‬أجزاء‭ ‬صغيرة‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬الكون (‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬نواة‭ ‬ذرة). ‬مع‭ ‬تقدم‭ ‬القوى‭ ‬الحسابية‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬سيمكن‭ ‬اختبار‭ ‬محاكاة‭ ‬أجزاء‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الكون. ‬ولكن‭ ‬الشاهد‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬نشروا‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭ ‬يشيرون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬ظواهر‭ ‬تمت‭ ‬ملاحظتها‭ ‬داخل‭ ‬برنامج‭ ‬المحاكاة‭ ‬هذا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬برامج‭ ‬المحاكاة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬البعيد. ‬أشار‭ ‬العلماء‭ ‬إلى‭ ‬ظاهره‭ ‬معيَّنة‭ ‬تتعلق‭ ‬بطريقة‭ ‬انتقال‭ ‬الإشعاعات‭ ‬الكونية‭ ‬عبر‭ ‬الفضاء. ‬ذكروا‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬رصد‭ ‬إشعاعات‭ ‬كونية‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬تنتقل‭ ‬عبر‭ ‬الفضاء‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬المحاكاة،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬فكرة‭ ‬أننا‭ ‬فعلاً‭ ‬نعيش‭ ‬داخل‭ ‬برنامج‭ ‬محاكاة‭. ‬

لن‭ ‬يكون‭ ‬دليلاً‭ ‬قاطعاً‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬لكنه‭ ‬نقطة‭ ‬بداية‭ ‬وكلمة‭ ‬أولى‭ ‬يقولها‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النقاش‭!‬

العلم خيالكلنا‭ ‬تعلمنا‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬أن‭ ‬پاي‭ ‬تساوي ‭ ‬3‭.‬14.. ‬تقريباً. ‬المقررات‭ ‬العربية‭ ‬سمَّتها‭ ‬‮«‬ط‮»‬‭ ‬والمدرسون‭ ‬ثبَّتوا‭ ‬التالي‭ ‬في‭ ‬ذاكراتنا: ‬‮«‬مساحة‭ ‬الدائرة‭ ‬تساوي‭ ‬ط‭ ‬نق‭ ‬تربيع‮»‬.. ‬‮«‬محيط‭ ‬الدائرة‭ ‬يساوي‭ ‬2‭ ‬ط‭ ‬نق‮»‬‭.‬ما‭ ‬علاقة‭ ‬الطاء‭ ‬بالنق‭ ‬بالدائرة؟‭ ‬ولماذا‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬تحديداً‭ ‬3‭.‬14‭ ‬على‭ ‬هكذا‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬الأهمية؟پاي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ثابت‭ ‬يعبِّر‭ ‬عن‭ ‬قيمة‭ ‬غير‭ ‬متغيرة،‭ ‬هي‭ ‬نسبة‭ ‬محيط‭ ‬الدائرة‭ ‬إلى‭ ‬قطرها. ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬كم‭ ‬هي‭ ‬كبيرة‭ ‬أو‭ ‬صغيرة‭ ‬هذه‭ ‬الدائرة. ‬فالنسبة‭ ‬هي‭ ‬هي‭ ‬لا‭ ‬تتغير‭. ‬هكذا،‭ ‬فالدائرة‭ ‬التي‭ ‬قطرها‭ ‬1‭ ‬سم‭ ‬سيكون‭ ‬طول‭ ‬محيطها -‬تقريباً- 3‭.‬14 ‬سم‭. ‬والنسبة‭ ‬بينهما‭ ‬هي‭ ‬طبعاً -‬تقريباً- ‬3‭.‬14. ‬نقول‭ ‬تقريباً‭ ‬لأن‭ ‬الثابت‭ ‬پاي‭ ‬يُعبَّر‭ ‬عنه‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬‮«‬عدد‭ ‬نسبي‭ ‬متسامٍ‮». بايفالقياس‭ ‬‮«‬الحقيقي‮»‬‭ ‬لحاصل‭ ‬قسمة‭ ‬المحيط‭ ‬على‭ ‬القطر‭ ‬سينتج‭ ‬عنه‭ ‬رقم‭ ‬تمتد‭ ‬خاناته‭ ‬بعد‭ ‬الفاصلة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لانهاية،‭ ‬قد‭ ‬نختصره‭ ‬إلى ‬3‭.‬14159265359، ‬وقد‭ ‬نستمر‭ ‬في‭ ‬التقريب‭ ‬لنصل‭ ‬إلى‭ ‬الخانة‭ ‬المليون‭ ‬إلى‭ ‬يمين‭ ‬الفاصل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ننتهي. ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬حد‭ ‬لإنهاء‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المحيط‭ ‬والقطر! ‬كان‭ ‬أرشميدس (‬توفي‭ ‬212‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد) ‬أول‭ ‬من‭ ‬حسب‭ ‬پاي‭ ‬نظرياً‭ ‬وبدقة‭ ‬قريبة‭ ‬لما‭ ‬نعرفه‭ ‬اليوم. (‬لا‭ ‬يزال‭ ‬البعض‭ ‬يشيرون‭ ‬إلى‭ ‬پاي‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬ثابت‭ ‬أرشميدس). ‬ربط‭ ‬إسحق‭ ‬نيوتن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بين‭ ‬پاي‭ ‬والدالات‭ ‬المثلثية‭ ‬العكسية. ‬أما‭ ‬يوهان‭ ‬لامبرت‭ ‬فقرر‭ ‬عام ‭ ‬1761م‭ ‬أن‭ ‬خانات‭ ‬پاي‭ ‬ستستمر‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬تتكرر! ‬وأكد‭ ‬لايبنتز‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬نتوقع‮»‬‭ ‬القيمة‭ ‬التالية‭ ‬في‭ ‬متسلسلة‭ ‬پاي. ‬جاء‭ ‬جون‭ ‬فون‭ ‬نيومان‭ ‬في‭ ‬1949م‭ ‬باختراع‭ ‬اسمه‭ ‬الحاسوب‭ ‬الإلكتروني‭ ‬وحسب‭ ‬قيمة‭ ‬پاي‭ ‬بواسطته‭ ‬إلى‭ ‬أقرب‭ ‬2037‭ ‬خانة. ‬اليوم‭ ‬يسعنا‭ ‬أن‭ ‬نسبر‭ ‬غور‭ ‬پاي‭ ‬إلى‭ ‬تريليونات‭ ‬المراتب‭ ‬العشرية‭ ‬بواسطة‭ ‬الحواسيب‭ ‬الخارقة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نصل‭ ‬لنهاية. ‬ويبقى‭ ‬السؤال: ‬لم‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬الهوَسي‭ ‬بالثابت‭ ‬پاي؟‭ ‬إن‭ ‬سحر‭ ‬پاي‭ ‬لا‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬طبيعته‭ ‬الختّالة‭ ‬والمتحدية‭ ‬لحديّة‭ ‬الرياضيات،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬تطبيقاته. ‬پاي‭ ‬مهم‭ ‬حيثما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬دائرة‭ ‬أو‭ ‬جزء‭ ‬منها،‭ ‬في‭ ‬قرص‭ ‬الشمس‭ ‬وفي‭ ‬حدقة‭ ‬العين‭ ‬وفي‭ ‬جديلة‭ ‬الحمض‭ ‬النووي. ‬پاي‭ ‬حاضر‭ ‬في‭ ‬معادلات‭ ‬الهندسة‭ ‬كلها‭ ‬بمثلثاتها‭ ‬ومخروطاتها‭ ‬وفي‭ ‬دراسات‭ ‬مجالات‭ ‬الكهرباء‭ ‬والثوابت‭ ‬الكونية‭ ‬والنفاذية‭ ‬المغناطيسية‭ ‬وقانون (‬كولوم) ‬للقوة‭ ‬الكهربائية‭ ‬بين‭ ‬شحنتين. ‬پاي‭ ‬حاضر‭ ‬عند‭ ‬حساب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موجيّ،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الذرات‭ ‬أو‭ ‬المحيطات‭ ‬سيّان‭.‬اليوم‭ ‬يحتفل‭ ‬العالم‭ ‬بالثابت‭ ‬پاي‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬الثالث‭ ‬لكل‭ ‬عام‭ ‬ميلادي. ‬إنها‭ ‬محاولة‭ ‬قسرية‭ ‬لتقريب‭ ‬پاي،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬ط‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬القيمة‭ ‬3‭,‬14‭ ‬التي‭ ‬تعلّمناها‭ ‬في‭ ‬المدرسة. ‬وهي‭ ‬قيمة‭ ‬تظل‭ ‬كافية‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الثابت‭ ‬الأشد‭ ‬إدهاشاً‭ ‬وحضوراً‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬حولنا‭.‬

أضف تعليق

التعليقات