رسام ريشته من لهب؛ ولوحته صفحة السماء. موسيقار يعزف على قيثارة الليل؛ وحاوي مسرح عرائس من نار وعناقيد لهب يحركها كيفما شاء له إلهامه. فنان متعدد المواهب والأدوات، يسخِّر لها إبداعاته التقنية المتجددة دوماً، بحيث تتحوَّل قبلة أنظارنا فجأة إلى مشهد مذهل، متغيِّر ومتعدِّد، يحبس الأنفاس. ذلك هو ماركوس كاترليه، أحد أشهر فناني الألعاب النارية، الذي يرى في عمله مصدر فرح للجمهور، ومهنة تكافئ محترفيها بما تثيره من مشاعر الإبهار في نفوس المشاهدين.
في العام 1987م أسس ماركوس كاترليه شركة «فلاش آرت» بمشاركة صديق له في مدينة بيلفيلد الألمانية. وهو يدير الآن هذه الشركة التي تنفذ مشاريع بمئات ملايين الدولارات على شكل عروض متعددة الوسائط تستخدم فيها تقنيات الألعاب النارية والليزر والماء وتراوح مدتها عادة بين دقيقتين وأربعين دقيقة. وأصبح للشركة مكاتب تمثيلية في 12 بلداً على امتداد العالم منها بولندا وموسكو ودبي والصين، يعمل فيها حوالي 310 موظفين، وتعد واحدة من أكبر ثلاث شركات في العالم في ميدان اختصاصها.
ينهض ماركوس كاترليه بأدوار متعددة. فهو في الوقت نفسه صاحب شركة وتقني وفنان، وهو مستعد دائماً لاختبار أفكار جديدة. وقد ابتكر مع شريكه ألعاباً نارية متناغمة مع معزوفات موسيقية عندما كانت هذه التقنية لا تزال في طفولتها الأولى. ولم تكن الألعاب النارية في المساحات المقفلة معروفة قبل كاترليه، كما أن عروض الوسائط المتعددة التي تشمل الماء والنار والضوء لم تكن قد بلغت مرحلة الكمال في أوروبا.
في محترفه في مدينة بيليفلد الألمانيَّة، حيث يجري هذا الفنان اختباراته، يصاب الزائر بالرهبة والاستغراب والحيرة والصدمة والرعب. مكان ما قبل العرض، العرض المسوّدة، المسوّدة الخامة، حيث العرض يُجهَّز ويُخطَّط.. يبدو المكان بقسوته وجديّته وكأنَّه تجهيز لتفجيرٍ تهديمي، أو لزرع ألغام في منطقةٍ عسكريَّة مخفيَّة. يحار المرء كيف تصدر كلّ هذه الرهافة والدقة والإتقان من هذه الأدوات الجادة الخطيرة، إنَّه مُحتَرف يؤنسن الأذى..
لكن النقلة النوعية الفنيَّة التي أدخلها كاترليه إلى عالم الألعاب النارية، هو بالضبط، الكف عن كونها ألعاباً ناريَّة فقط، هدفها الربح المادي البحت، والتسلية السطحيَّة. عمل كاترليه على ربط عروض الألعاب النارية بقيم إنسانيَّة عامة وفنيَّة كونيَّة. فثمّة عروض تبدو وكأنها لوحات تشكيليَّة أو سكيتشات مسرحيَّة أو مقطوعات موسيقيَّة، وتعبِّر بالتالي عن بعض أعمق مراحل حالات الوجود البشري، مثل عزلة الفنان أو غضبه أو فرحه.
مقدمات هذا الفن ومنطلقاته
في هذا المحترف المميَّز والخاص جداً، التقينا كاترليه الذي أجاب عن بعض أسئلتنا:
• هل تستطيع أن ترينا نموذجاً من عروض الألعاب النارية؟
• كاترليه: من غير الممكن طبعاً أن أقيم لكم عرضاً خاصاً للألعاب النارية. ترون هنا نموذجاً داخلياً صغيراً، ولكنه متطور ومعقَّد ويفسر طريقة العمل: حاويات وأغطية متتابعة. تدخل في فكرة الألعاب النارية كيفية توقع المعطيات المختلفة، وكيف سنبني وندير التأثيرات السمعية والبصرية.
• كيف تتخيل عرضاً للألعاب النارية، وبماذا تبدأ؟
• كاترليه: هنالك ثلاث مسائل رئيسة، أولها ما يطلبه الزبون. يجب أن ندخل مخيلته وأن نجد الأسلوب الذي يعجبه في إيصال الرسالة التي يتوخاها. وتتعلق المسألة الثانية بالوسائط المستخدمة. هنالك فرق كبير بين عروض الألعاب النارية المحضة وعروض الوسائط المتعددة التي قد تتضمن شعارات وصوراً نارية، كما أن الليزر يفتح آفاقاً رائعة حيث أستطيع استخدام وتحريك الغرافيكس وعرض الأحرف والمحتوى الذي يحكي القصة كاملة، ويمكن عرض هذه الصور على مستوى سطح الماء، ثم تكون الخاتمة بعرض أشرطة فيديو. أما المسألة الثالثة فهي المكان. من المهم جداً هنا أيضاً أن ندرس المعطيات قبل البدء بالعمل. لننظر مثلاً إلى هذه الصورة لخرائب قصر قديم: لأننا لا نعرف طبيعة المكان أو كيفية التعامل معه، فإنه يجب علينا أن نفكر بكيفية تقسيم المساحة المتاحة، وبالتالي تحديد علامات هادية. أما على قطعة الأرض الكبيرة هذه، فإنه يجب أن نحسب المسافات المتعلقة بالسلامة فيما يخص المشاهدين، ومحطات الخدمات، والأسطح المصنوعة من مواد قابلة للاشتعال، وهلمَّ جراً. علينا القيام بعملية استكشاف في غاية الدقة. هنالك أمر آخر عندما نكون بقرب مطار أو فوق ارتفاعات معيَّنة، إذ يجب الاتصال بمكتب السلامة الجوية وطلب تصريحات خاصة، وهنالك كثير من العمل الإداري المطلوب من أجل التقيد بشروط السلامة.
• بعد استكشاف المكان واستيفاء شروط السلامة، هل تكون الموسيقى نقطة الانطلاق؟
• كاترليه: هذا صحيح. عندما نقيم عرضاً نارياً – موسيقياً بدلاً من عرض الألعاب النارية التقليدي – يكون كل شيء يرتكز على الموسيقى، إنها الخيط الهادي بالنسبة لنا. علينا أن نتبع نغمية القطعة الموسيقية، بحيث تتوالى التأثيرات المختلفة عندما نضغط على زر «التشغيل» تبعاً للقطعة الموسيقية. ويكون مجمل مخطط العرض قائماً على وتيرة الموسيقى بكل مكوِّناته: القنابل والصواريخ والثريات النارية، بحيث يكون كل هذا كقائمة تدخل في الكمبيوتر من أجل إطلاق العناصر المختلفة في اللحظة المطلوبة.
وحول الجانب الحِرَفي في هذا الفن يقول: «خذ مثلاً حدَّاداً يابانياً يصنع السيوف. هل هو حرفي أم فنان؟ هنالك بالطبع كثير من العمل اليدوي في مهنتنا، وما فائدة التفكير بإنتاج لا يمكن بعد ذلك تطبيقه بوضوح نظراً للمخاطر التي ينطوي عليها أو عدم توفر المواد اللازمة له؟ هنالك حرفي في شخصية كل فنان، والعكس صحيح. عليَّ أن أتساءل عندما أعمل ما هي التأثيرات والأدوات التي ينبغي استخدامها، وما هي الألوان والفراشي والأقلام المناسبة؟ ويبدأ الفن حين نتعامل مع المشاعر التي تثيرها الموسيقى، حيث يجب أن يكون هنالك تفاعل بينها وبين التأثيرات النارية. وهنالك أيضاً أبعاد لكل تأثير: البُعد السمعي، والبُعد البصري، والبُعد المتعلق بالسلامة. على المتخصص في تصميم الناريات ألَّا يكون فهمه مقتصراً على ألعابه النارية، بل عليه أن يفهم أيضاً فنون الرقص والألحان الراقصة والموسيقى عموماً والكثير غيرها من الفنون، وعليه في الوقت نفسه أن يكون رساماً على لوحة السماء. وتتجلى درجة تعقيد هذا الفن على نحو خاص في مسابقات الألعاب النارية».
جولة على «عواصم النار»
أما عن التكنولوجيا المتطورة، فيقول: «تلعب الهندسة والتكنولوجيا دوراً مهيمناً. عندما أتذكر كيف بدأنا، فإنني أدرك أن الأمر قد اختلف تماماً. أصبح الآن كل شيء رقمياً ولا يستغرق إلا جزءاً من الثانية. ولدينا الآن أنظمة راديو خاصة بحيث تتوافر طرق عديدة من حيث المدى والحجم، مع وسائل تحكم مركزية بالعرض. والأمر نفسه ينطبق على اعتبارات السلامة والأمن: حين أرى رياحاً قوية قادمة قد ينتج عنها خطر ما، فإنني أحذف بكبسة زر التأثيرات المنطوية على مخاطر محتملة. ويحدث هذا أيضاً في حالة العروض المقامة في ملاعب كبيرة، حيث أستطيع بكبسة زر وقف العرض إذا اقترب فجأة بعض المشاهدين من مكان قد يتعرَّضون فيه للخطر. وقد نفذنا مؤخراً في دبي عرضاً للألعاب النارية المتوائمة مع الموسيقى على مساحة تبلغ 6.5 كيلومتر مربع، وهو شيء أصبح ممكناً الآن بفضل التكنولوجيا وكان من المستحيل التفكير به في السابق».
• عروض الألعاب النارية الكبيرة في ألمانيا قليلة مقارنة بدول أوروبية أخرى. ما سبب ذلك؟
• كاترليه: هذا عائد أساساً إلى المفاهيم والتقاليد. ففي ألمانيا يرى كثير في الاحتفالات بذخاً يقارب الخطيئة، ويعتقدون أنها «تبدِّد الأموال» وتلوِّث البيئة، وأن الإنفاق يجب أن يتوقف تماماً في حال حدوث أصغر الأزمات. وهو ما لا يمكن تصوره في إيطاليا أو إسبانيا، فهم يحتفلون ويأكلون جيداً على أساس أن الأزمة تستطيع دائماً أن تنتظر حتى الغد. هنالك اختلاف تام من حيث السياق، يرتبط بالتأكيد بتاريخ البلاد وطريقة التعامل مع الأزمات.
• هل تتذكر احتفالاً معيناً على نحو خاص، ولماذا؟
• كاترليه: لا أنسى ليلة الاحتفال بحلول العام 2000م، أي بداية الألفية الثانية التي كان لها وقع كبير في العالم قاطبة. احتجنا في تلك الليلة إلى حوالي عشر شاحنات لنقل معدات الألعاب النارية، وكان الجميع متحمسين لمساعدتنا. كنا مجموعة موجودة في كل مكان، في ألمانيا والخارج. تلك مناسبة ستظل عالقة في ذاكرتي. أتذكر أيضاً ليلة رأس سنة أخرى لها خاصيتها، قبل سنتين في دبي. كنت عندئذٍ في دبي ومعي عائلتي، وقمنا بعد ستة أيام من ليلة رأس السنة بتقديم عرض ألعاب نارية في إطار مهرجان دبي للتسوق. أُنفق هناك على هذه العروض ما ينفق في ألمانيا على مدى سنتين. كانت فعلاً تجربة مميزة.
وإطلالة على صناعتها ومعاملها
ونتوجه بعد ذلك بصحبة كاترليه إلى البلد الذي اخترعت فيه الألعاب النارية: الصين.
مدينة بيج ماي الواقعة في جنوب الصين، هي عاصمة المختصين بالألعاب النارية. نرى في مقر أحد موردي كاترليه آلاف القنابل التي يستخدمها لكي يرسم في السماء لوحات الألعاب النارية. لا تزال صناعة الألعاب النارية قائمة على صناعة حِرفية معقَّدة تعتمد أساساً على الصين، ومختبر «لي تانغ» هو أيضاً مختبر للأفكار تبتكر فيه تأثيرات جديدة من حيث الألوان والأشكال والفواصل الزمنية.
يقول كاترليه: نصنع تأثيرات باستعمال مكوِّنات جديدة. المعادلات الكيميائية سرية بالطبع، لكن المكونات الأساسية هي نفسها بالنسبة لجميع الألعاب النارية. المادة الأساسية هي البارود الأسود. خليط نترات البوتاسيوم يطلق الأكسجين، ويُستخدم الكبريت والفحم الخشبي كوقود يدفع الصاروخ إلى الأعلى ويجعله ينفجر. ينتج الضوء والألوان عن أملاح المعادن مثل كربونات السترونتيوم SrCO3 التي تتفجر على شكل باقة من الشظايا الحمراء، وملح الصوديوم الذي يعطي وهجاً لامعاً جميلاً، ونشارة الحديد التي تشكل نجوماً ذهبية اللون. تضاف إلى هذه قائمة كاملة من المنتجات لإشعال شبكة الألوان أو وصل مكونات الخليط ببعضها بعضاً. هنالك حوالي 80 مكوَّناً تشكل الترسانة الأساسية لمعمل الألعاب النارية. وتحبس هذه المكونات في قنبلة كروية الشكل وتنتج نجوماً. في وسط العبوة، المؤلفة من البارود الأسود، يوضع فتيل يشعل عبوة الدفع بحيث تطلق القنبلة نحو الأعلى، وتشتعل عبوة التفجير تحت الضغط فتنفجر القنبلة وتنير سماءً من النجوم.
نعود إلى مصانع المنتجات الكيميائية التي تخلط داخل طبلة مع حبات الأرز أو القطن. يجب أن يكون حجم الكريات واحداً بقدر الإمكان لكي تشتعل وتنثر في الوقت نفسه. يمكن الحصول على تنويعات من الألوان من خلال وضع منتجات فوق بعضها بعضاً، ويجب الآن تغليف كرة القنبلة بالورق على نحو منتظم جداً، حتى لا يؤدي الانفجار إلى انشطارها إلى نصفين بل إلى انفجارها دفعة واحدة في كل الاتجاهات. ويجب تغليف القنابل، تبعاً لنوعها، بما يصل أحياناً إلى ثلاثين طبقة من الورق. لا مجال للتجريب في الليلة المحددة للعرض: فكل شيء سيجري مرَّة واحدة فقط، ويجب أن تكون نتيجة الابتكارات الجديدة إبهار المشاهدين.
وحول تخزين هذه المفرقعات وما يتطلبه من لوجستيات يقول: «ثمة مستودعات خاصة للعروض المهمة التي تشمل قنابل كبيرة الحجم. ولدينا ستة مستودعات تتسع لتخزين ما بين 10 و12 طناً من المواد. يجب أن ننتبه كثيراً لضرورة عدم تخزين المواد في هواء شديد الجفاف، لأن العامل الإلكتروستاتي يزداد في الأماكن التي تقل فيها الرطوبة عن %40، مما يشكِّل خطر انبعاث شرارات عند مناولة المواد. لذا يجب إبقاؤها في جو تزيد رطوبته على 60 – %70 حتى لا تتدهور، ولدينا أجهزة في المستودعات تجعل رطوبة الهواء فيها موحدة بالنسبة المطلوبة للحفظ السليم».
محاذيرها
تشكِّل الألعاب النارية جزءاً من المظاهر التي لا يمكن السيطرة عليها عندما تصل الاحتفالات بليلة رأس السنة مثلاً إلى ذروتها. كما أن الاحتفالات الفردية الصغيرة في الشوارع قد تؤدي في حال عدم توخي الحيطة والحذر إلى إصابات خطيرة.
ولمعرفة مزيد عن مخاطر الألعاب النارية، قمنا بزيارة أخصائيي مكتب «الأبحاث الاختبارية»، حيث تخضع الألعاب النارية لاختبارت ميدانية قبل الحصول على ترخيص بيع في الأسواق الأوروبية. يختبر الخبراء على نحو خاص ما يحدث عندما لا تُرمى المفرقعات بالسرعة المطلوبة. ولهذا، يقومون بتفجيرها داخل يد بشرية صناعية. وقال لنا أحد الخبراء: «كما ترون لقد ظلت أصابع اليد في مكانها. وعندما نفتح اليد، فإننا نلاحظ بالطبع وجود حروق، لكن اليد بقيت كاملة مع كافة أصابعها، بحيث تظل العواقب محدودة في حال وقوع حادث. إلا أنه توجد مفرقعات غير مرخصة يجرب فيها منتج غير قانوني، وهي ترسل سنوياً إلى المستشفى خمسة آلاف شخص في ألمانيا وثلاثة آلاف شخص في فرنسا.
ومع ذلك فإن التقيد بالمعايير الأوروبية لا يستبعد كافة المخاطر. إذ تنص اللوائح، بالنسبة للأذنين مثلاً، على أن انفجاراً على بعد ثمانية أمتار يجب ألا ينتج عنه أكثر من 120 «ديسيبيل»، أي ما يعادل سماع صوت إقلاع طائرة حربية من بُعد 100 متر. ومع أن عروض الألعاب النارية تخضع لنظم خاصة في ألمانيا وفرنسا، فإن بعض العروض قد تتجاوز 150 «ديسيبيل»، مما يعني أن الشخص الذي يقف على مسافة قريبة منها قد يتعرَّض لثقب طبلة الأذن.
بالعودة إلى مركز الاختبارات، حيث شاهدنا الخبراء يتفحصون مجموعة من الصواريخ لمعرفة مدى سلامتها واستقرارها. فهناك قسم منها يُترك لعدة أيام في مكان مسخّن حتى 50 درجة مئوية (وهي درجة الحرارة التي تخزن فيها عادة) لمعرفة ما إذا كانت ستظل تعمل بعد التعرض لهذه الحرارة المرتفعة. وتختبر صواريخ أخرى بتعريضها لاهتزازات قوية خلف جدران من الأسمنت، والمقصود هنا محاكاة الأحوال التي تنقل فيها بالطائرة داخل حاويات، حيث تتعرَّض لاهتزازات شديدة. وفي اختبار آخر، يُفتح صاروخ للتحقق من مكوِّناته والتأكد من أنها مرخصة في أوروبا، والتحقق من مراعاة معايير التشكيل والتركيب. وهنالك مشكلات أخرى: فانفجار المفرقعات والصواريخ يُطلق غباراً يحتوي على بقايا البارود الأسود والمواد الكيميائية. وقد تؤدي احتفالات 14 يوليو (ذكرى اقتحام سجن الباستيل – الثورة الفرنسية) مثلاً إلى ذر أكثر من 1000 مليغرام من هذه الجزيئات في متر الهواء المربع، أي حوالي 30 ضعف النسبة المسموح بها بموجب اللوائح الأوروبية، مما قد يؤدي إلى تهيج في العيون وصعوبات في التنفس.
من النار إلى الألعاب النارية: لمحة تاريخية
احتلت النار حيزاً مهماً في تطور البشرية وتكوين الذاكرة الجماعية التي توارثتها الأجيال. كان الإنسان الأول، قبل أن يألف النار ويكتشف كيفية إيقادها واستخدامها لأغراض مثل مشاعل الإنارة والتدفئة وشواء الطرائد وتوقي هجمات الحيوانات المفترسة ليلاً، ينظر إلى النار الناتجة عن عوامل الطبيعة، مثل ثورات البراكين والحرائق التي تتسبب بها النيازك وغيرها من الأجسام المتساقطة على الأرض، بكثير من الخوف وبرهبة بالغة. وعلى الرغم من مرور آلاف السنين وتطور الحضارة والعلم، فإن هذا الشعور البدائي بالرهبة لا يزال مزروعاً في النفس البشرية: انظر إلى نار موقدة ليلاً في صحراء أو غابة أو حتى في فناء المنزل، وستنتابك النشوة أو القشعريرة نفسها التي انتابت أسلافنا على مر العصور. فما بالك لو نظرت إلى ألعاب نارية يسخّر لها الفنانون والاختصاصيون القائمون بتصميمها وتصنيعها خيرة مخيلتهم الإبداعية وأحدث مبتكرات العلم والتكنولوجيا؟
يُعتقد أن اختراع الألعاب النارية، أو تحديداً استنباط صيغة صنع البارود، قد جاء عن طريق الصدفة قبل ألفي سنة تقريباً في الصين. ويروى أن طباخاً صينياً مزج صدفة ثلاثة مكونات شائعة في مطبخ تلك الأيام، ونسي أمرها بعد أن وضعها في قدر على النار، فجفت لتصبح قشرة سوداء اللون. خاف الطباخ أن يرى سيده ما حَلَّ بالقدر، فحك القدر وأخذ فتات المادة السوداء وألقاها في الموقدة بقصد إخفائها، فإذ بها تشتعل على شكل شرارات حين مستها النار. وهكذا أدت غلطة الطباخ إلى اختراع البارود. أطلق الصينيون على هذا المسحوق الأسود المدهش اسم «هيو ياو» (أي مادة النار الكيميائية) ثم جاءتهم فكرة وضعها في قصبة بامبو مجوفة وإلقائها في النار حيث كان البارود ينفجر ممزقاً القصبة مع دويٍّ قويّ. وهكذا ولدت المفرقعات البدائية الأولى.
لكن أقدم توثيق للألعاب النارية يعود إلى القرن السابع في الصين (زمن أباطرة أسرة تانغ)، حيث كانت تستخدم في مرافقة احتفالات متنوعة. كان الصينيون يعتقدون في البداية أن الألعاب النارية تستطيع، بما تحدثه من فرقعة وضوضاء، طرد الأرواح الشريرة وجلب الحظ والسعادة. ولذلك فقد كانت جزءاً من الثقافة الصينية. وتطور فن صناعة الألعاب النارية وعلمها ليصبحا مهنة مستقلة في الصين. فكان الاختصاصيون في الناريات يحظون بالاحترام نظراً لمعرفتهم بالتقنيات المعقدة التي تدخل في إقامة عروض الألعاب النارية. وقد أصبحت هذه الألعاب متوافرة في الأسواق لعامة الناس في زمن أباطرة أسرة سونغ. وشهدت تلك الفترة عروضاً كبيرة شملت إطلاق «صواريخ»، يذكر التاريخ بعضاً منها.
وأخذ العرب عن الصينيين المعرفة بصناعة واستخدامات البارود في حدود العام 1240م، وقد كتب سوري يدعى حسن الرمَّاح عن الصواريخ والألعاب النارية وتقنيات نارية أخرى، مستخدماً عبارات توحي بأنه استقى علمه بتلك الأشياء من مصادر صينية، حيث كان يشير إلى الألعاب النارية بعبارة «الزهور الصينية».
ولم تعد الألعاب النارية في عصرنا هذا حكراً على ثقافة الصينيين القدماء، بل أصبحت جزءاً من الثقافة الاحتفالية لدى معظم شعوب الأرض، وهي نادراً ما تغيب عن الاحتفالات الوطنية والدينية، بالإضافة إلى المناسبات العائلية والفردية مثل ميلاد طفل، أو الحصول على شهادة مدرسية، إلخ. لذلك برزت أهمية وضع ضوابط السلامة، والتقيد بالمعايير المتعلقة بنوعية المواد المستخدمة والتصنيع والتركيب، بالإضافة إلى إلزام باعة الألعاب النارية بأن تكون مصحوبة بنشرة تعريفية تفسر طرق الاستخدام السليم والوقاية من المخاطر المحتملة.