هل عرف مهندس الإلكترونيات سودير شيفارام قبل عشرين عاماً أن نزهاته في الغابات المحيطة بمدينة ميسور في ولاية كارناتاكا الهندية، ستحيد بحياته عن مجراها المرسرم لها، لتحوله إلى واحد من ألمع المصوِّرين الفوتوغرافيين المتخصصين في الحياة البرية، على مستوى الهند والعالم؟ هذا ما حدث بالفعل.
كان سودير هاوياً للتصوير عندما كان طالباً جامعياً. ولكن الجاذبية التي مارستها عليه نزهاته في غابات ميسور دفعته إلى تحويل هوايته إلى مهنة، والمهنة تحولت بدورها إلى هوية ونمط حياة. عشرون عاماً قضاها المصوِّر المحترف وهو يجوب الغابات والمحميات في بنديبور، كاباني، فالافاندر، بحرتبور، كانها، ران وكوتش في الهند، وحتى غيرها في شرق إفريقيا. ومن هذه الغابات خرجت صوره التي اكتسحت أغلفة المجلات في العالم، بما فيها «ناشيونال جيوغرافيك»، وأتته بجوائز عديدة، من بينها أفضل مصوِّر فوتوغرافي للحياة البرية في الهند عام 2012م. وتحوَّل الهاوي إلى أستاذ ينظِّم ورش العمل الميدانية لتوجيه المبتدئين وتحسين أداء المحترفين، كما أصبح سفيراً لشركة «كانون» المصنِّعة لآلات التصوير.
مفاتيح هذا الفن
يقول سودير إن هناك ثلاثة مفاتيح أساسية في فن تصوير الحياة البرية. أولها: أن يعرف المصوِّر موضوعه، أي الحيوان الذي يريد تصويره وموطنه وسلوكه ونمط حياته اليومية والتغيرات الموسمية التي قد تطرأ عليه وعلى بيئته. والمفتاح الثاني هو معرفة أساسيات التصوير الفوتوغرافي، والثالث هو كيفية الاستفادة من المعدات المتوافرة إلى أقصى حد.
ويضيف أن تصوير الحياة البرية مفتوح على كل أنواع المفاجآت. «فقد مرَّت سنوات عشر قبل أن ألتقط صورة أول نمر… ولهذا، فإن على المرء أن يكون صبوراً جداً. كما أن فترة النشاط الكبرى عند معظم الحيوانات في الغابة تكون عند الغروب، أي عندما يصبح ضوء النهار ضعيفاً جداً، الأمر الذي يفرض تحديات كبرى على المستوى التقني لالتقاط الصورة الجميلة».
الشغف في صناعة الصورة
يتحدث سودير عن الغابة وكائناتها بشغف واضح. والذين يعرفونه عن قرب يقولون إنه يجدُّ، بمحاذاة التصوير، في العمل من أجل الحفاظ على الحياة البرية. الأمر الذي يعده السمة الأولى التي يجب أن يتحلَّى بها من يخوض غمار هذا الفن.
ويتجلَّى هذا الشغف عندما يغوص المرء عميقاً في تأمل صور هذا الفنان. فصور نمور البنغال التي يلتقطها، تختلف تماماً عن الصور التذكارية الملتقطة هنا وهناك. إنها أشبه بصور شخصية، وكأن هذه النمور جلست أمامه كما يجلس الإنسان أمام رسام. إذ إضافة إلى ملامحها ومهابتها ثمة شيء في نظراتها، ثمة تعابير حزينة أو محزنة أو مثيرة للعطف على هذا الحيوان المهدد بالانقراض. وكل إنش من صورة البطة التي تسبح على صفحة الماء يوحي بالدعة والسلام. بعبارة أخرى، إنه واحد من المصوِّرين الفوتوغرافيين القلائل في العالم الذين ترتقي أعمالهم إلى مستوى يفرض قراءتها كما تُقرأ اللوحة الزيتية.
فإلى أي حدٍّ يتدخل المصوِّر في صوره؟
يجيب سودير أنه، بكل تواضع، انتقل من مرحلة التقاط الصورة إلى مستوى صناعة الصورة الناطقة. ويضرب مثلاً على ذلك صورة الفهد التي أتته بالجائزة الهندية الكبرى. فيروي أنه شاهد هذا الفهد يفترس غزالاً حمله إلى غصن عالٍ من الشجرة. فعرف أنه سيكون في الجوار يرتاح خلال اليوم التالي. فعاد في اليوم التالي وأمضى النهار بطوله وهو يصوِّر الفهد النائم على الغصن، لأنه شاء أن يقدِّم صورة تعبِّر عن حدث وحالة وليس مجرد مشهد. ولأنه خبير في معالجة الصور وتحسينها كما يبدو من موقعه التعليمي على الشبكة، حيث يعرض صوراً رائعة بجانب أصول أقل مستوى، يقول سودير: «لحسن الحظ، هناك برامج كثيرة لمعالجة الصور. ومعالجة الصور الملتقطة في الحياة البرية ضرورية في معظم الأحيان، خاصة بسبب قضية الضوء التي سبق أن أشرت إليها. ولكن المعالجة يجب أن تقتصر على رد الصورة إلى ما شاهده المصوِّر فعلاً، أي جعلها أقرب ما يمكن إلى الحقيقة. ومن الممكن أحياناً حذف عنصر ثانوي يشوِّش على الموضوع ووضوحه. ولكن كل ما يتجاوز ذلك، لا يعود معالجة، بل يصبح فناً رقمياً لا علاقة له بتصوير الحياة البرية».