على مدى أكثر من ثلاثين عاماً يواصل طبيب القلوب العليلة، فتح القلوب وتضميد جراحها، وبلسمة آلامها. تمكن خلالها من إعادة النبض لأكثر من 16 ألف قلب، ورسم البسمة على آلاف الشفاه من بني الإنسان. هو جرَّاح القلب المصنَّف عالمياً كواحد من أفضل جرَّاحي القلب في العالم، الدكتور زهير ابن يوسف الهليس، استشاري جراحة قلب الأطفال والدورة الدموية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض. حيث تروي عبير الفوزان سيرته المفعمة بالنجاح والتميز والإنجاز والتفاني لخدمة الآخرين.
ولد الطبيب السعودي زهير الهليس، في غزة عام 1954م،ونشأ في جدة حيث أنهى تعليمه الثانوي في «مدارس الثغر النموذجية» عام 1966م، وكانت رغبته أن يلتحق في جامعة البترول والمعادن «آنذاك» (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حالياً)، حيث سجل جميع رغباته الثلاث في الفروع الهندسية، لكن الظروف تضافرت لتغير مساره المهني، وكأنه على موعد مع القلوب العليلة.
فعندما افتتحت كلية الطب في جامعة الملك سعود بالرياض عام 1967م، اقترح والده يوسف الهليس عليه أن يغيِّر رغبته نحو دراسة الطب. وفي تلك الفترة كان السبب يعود لرغبة العائلة اختصار المسافة بين مقر إقامتها في جدة ومقر الدراسة. حيث الرياض تمثِّل منطقة الوسط وهي أقرب بالنسبة لمدينة جدة من المنطقة الشرقية التي توجد فيها كلية البترول والمعادن.
انكب الهليس على دراسة الطب، وكان على موعد دائم مع التفوق. حيث حقق تميزاً في مسيرته العلمية بدءاً من كونه طالباً من طلاب الدفعة الأولى لكلية الطب في جامعة الملك سعود حيث تخرج عام 1976م، وأول طبيب سعودي يلتحق بصفة دائمة كموظف في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، وأول جرَّاح سعودي حصل على الزمالة في الجراحة العامة من كلية الأطباء والجراحين في كندا عام 1983م، وأول طبيب يُبعث للدراسات العليا في مجال جراحة القلب والأوعية الدموية من قبل مستشفى الملك فيصل التخصصي إلى أمريكا وكندا، وبذلك فتح باب الابتعاث بمستشفى التخصصي.
ومنذ عام 1986م والجراح زهير الهليس، استشاري جراحة قلب الأطفال والدورة الدموية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، يواصل عمله ببراعة منقطعة النظير في إنقاذ قلوب الأطفال حديثي الولادة، عندما يكونون بين الحياة والموت لخلل في قلوبهم الصغيرة، كونه استشاري جراحة القلب المتخصص في جراحات قلوب الأطفال المعقدة، وحتى ما يطرأ على قلوب البالغين من خلل، مواصلاً بذلك عمله في إجراء عمليات القلب المفتوح لهم، مسجلاً قدوة رائعة لمن يتدرَّبون على يديه، وذلك لما يتمتع به زهير الهليس من مهارات خاصة في جراحة القلب المفتوح.
تمثل سيرة الهليس أنموذجاً للصبر والمثابرة والرغبة الدائمة في مساعدة الآخرين، فكثيراً ما يتبرع للقيام برحلات طبية نحو دول ومناطق يجري خلالها عمليات القلب الدقيقة والقلب المفتوح لمرضى محتاجين للعلاج.
وللهليس قصص بارة مليئة بالحنان وحب المساعدة لأولئك الذين هم بأمس الحاجة للإنقاذ والشفاء.حيث يبادر أو يتبرع لإجراء عمليات قلب مفتوح لأطفال حديثي الولادة في بلدان عربية وأجنبية، وملهماً بخبرته زملاء المهنة، ولقد اتسعت رقعة مبادراته لتشمل أكثر من 14 بلداً منها: سوريا، مصر، الهند، فلسطين، إيران، اليمن، قطر، لبنان، المغرب، باكستان.
كما يسهم بخبرته وموهبته في تأسيس مراكز مختصة للقلب. ولعل مبادراته التطوعية جعلته يضرب رقماً قياسياً في عدد العمليات التي أجراها، فبعد وصوله لما يزيد على 16 ألف عملية توقف عن العد، لكنه لم يتوقف عن العمل والبحث.
وخلال عملياته التي تزيد على 16 ألف عملية أنقذ فيها حياة أطفال وبالغين، كان يمثل بالنسبة لفريق العمل الذي يقوده الملهم وقائد الأوركسترا الذي يحافظ على حماس وكفاءة وإبداع الفريق طوال العملية، ومهما طرأت من مفاجآت أو تحديات.
على الصعيد الشخصي، يمتاز الهليس بالحماس نحو التطوير الذاتي والاطلاع الدائم على آخر البحوث والمستجدات في مجاله، بالإضافة لسعيه لاكتساب لياقة بدنية عالية اكتسبها من الرياضة وحبه لممارسة السباحة، ليتمكن من أداء عمله الدقيق الذي تمتد ساعات عمليات الجراحة أحياناً لنحو 17 ساعة متواصلة. وهو ما يتطلب لياقة بدنية وصفاءً ذهنياً وتركيزاً عالياً. والدكتور زهير مجبول على حب الاطلاع في مجال مهنته، ولديه اهتمام كذلك بقراءة كتب التاريخ والأدب والشعر العربي الذي يحبه.
وطبيب القلوب الجريحة، يمتلك طاقة من الحنان يغمر بها منزله وعائلته المكونة من زوجته وأولاده الأربعة: سارة، وزينة، وعبدالرحمن، ودانة. فعلاقته مع عائلته تتسم بالشراكة حيث يمنحهم حرية الخيار والقرار، فمنهم من يحاذي خطى والده ومنهم من اختار طريق نجاح مغاير.
يشير الدكتور زهير إلى أن أشد المراحل حرجاً لا تأتي وقت فتح القلب أو إجراء العملية، بل في مرحلة إعادة النبض إلى القلب مجدداً. يقول: «عند إجراء عملية القلب المفتوح نقوم بتوصيل الدورة الدموية بدورة دموية خارجية، أو ما تسمى بمضخة قلب ورئة صناعية، ونقوم بإيقاف قلب المريض بصفة مؤقتة عن العمل حتى نستطيع إجراء العملية وبعد انتهاء إجراء العملية نرجع الدورة الدموية لطبيعتها»، ويضيف: «إرجاع الوظيفة إلى طبيعتها تكون أصعب اللحظات، حيث ترى القلب الذي كان ساكناً ينبض الآن بالحياة ويقوم بعملية الدورة الدموية للمريض».
لقد أحدث الهليس تطويراً لتقنيات جراحية لاستخدامها في مجال جراحة قلب الأطفال، كما أحدث نقلة نوعية في العناية المركزة بعد عملية جراحة القلب للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم يوماً أو يومين، ما جعل هذا العمل مرجعاً لأي مركز طبي في داخل المملكة، أو طبيب قلب جديد. وشارك في تطوير علوم جراحة القلب، وأمراض القلب بالتعاون مع مركز الأبحاث في مستشفى الملك فيصل التخصصي.
وتقلَّد الدكتور زهير الهليس عدة مناصب، فهو بروفيسور زائر في عدد من الجامعات العالمية في كندا ولبنان والهند، بالإضافة إلى كونه عضواً مؤسساً لجمعية قلب الأطفال العربية، وعضواً مؤسساً للجمعية العالمية لجراحي وأطباء قلب الأطفال المسجلة في كندا. كما قدَّم أكثر من 370 ورقة بحثية مثَّل فيها المملكة العربية السعودية في عدد من المؤتمرات، ونشر عدداً من المقالات المتخصصة المنشورة، كما أسهم في كتابة أربعة مؤلفات في مجال جراحة القلب وتقنياتها.
ونال الهليس جوائز عديدة وكُرِّم من عدة جهات، لكن أعلى هذه الاستحقاقات هو وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى عام 2007م، كما حصل على جائزة تكريم إيرانية باسم «الخوارزمي»، وجائزة البحث العلمي من شركة المراعي، وتم تعيينه كبروفيسور بالجامعة الأمريكية بكلية الطب ببيروت.
وتصنيفه عالمياً كواحد من أفضل جراحي قلوب الأطفال في العالم، جعل منه عرضة للإغراءات العديدة التي رفضها متحصناً بالوفاء للمكان والوطن. فهو -بحسب قوله- مازال يرد الدَّيْن، لوطنه ولمستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض الذي قضى فيه ثلاثين عاماً، منوهاً بالدعم الذي حصل عليه من إداريين ومسؤولين وزملاء، بينهم الدكتور فهد بن عبدالجبار المدير العام للمستشفى آنذاك، وكذلك من ساندوه في مشواره المهني وتركوا بصمة في حياته التعليمية والمهنية بدءاً من الدكتور حسين الجزائري الذي أسس أول كلية للطب في السعودية، مروراً بزملائه وانتهاءً بفريقه الذي يعمل معه.
يهتم كثيراً بقلوب الأطفال الذين يولدون بتشوهات خلقية، يقول خلال مشاركته في المؤتمر الدولي السابع لطب وجراحة القلب الذي أقيم في مدينة الدمام (السعودية) خلال الفترة ما بين (25 و27 فبراير/ شباط 2012)، إن عدد الأطفال السعوديين المصابين بعيوب خلقية في القلب، يصل إلى نحو 22 ألف طفل سعودي، جميعهم مسجلون في السجل الوطني للعيوب الخلقية في السعودية، ويتلقون العلاج والمتابعة المستمرة لحالاتهم الصحية. ويقول: «منذ الثمانينيات نعالج الأطفال من العيوب الخلقية وأمراض القلب، والآن أصبح لدينا عدد من الذين كانوا يعانون من هذه الأمراض بلغوا سن الرشد، ويشكون من بعض المشكلات الصحية». لكنه يلاحظ أنه «من التخصصات النادرة وغير الموجودة حالياً، هي العناية بمرضى العيوب الخلقية بعد بلوغهم».
ولأهمية هذا الأمر، يطالب الهليس بتأسيس مركز خليجي لعلاج العيوب الخلقية في القلب للأطفال، وكذلك سجل خليجي يضم أعداد وبيانات مرضى القلب في دول الخليج، معتبراً أن «فكرة تأسيس مركز لعلاج أمراض القلب للأطفال حلم نتمنى تحقيقه، وخصوصاً أن غالبية المصابين بهذه الأمراض من عائلات دخلها محدود، وبالتالي قد لا يتمكنون من الحصول على العلاج المطلوب. ومن خلال زياراتي لكثير من الدول العربية وجدت أن نسبة الأطفال الذين لا يعالجون من أمراض القلب والعيوب الخلقية، أكبر من نسبة الأطفال الذي يعالجون».
وأمام البروفيسور زهير الهليس لا يملك المرء إلاّ الشعور بالغبطة والزهو لسيرة النجاح والتميز التي حققها هذا الرجل. وهو رجل لا يسرف في الكلام، لكنه مُسرفٌ في إنسانيته! تلوح شبح الابتسامة على محياه كلما كان يتهيأ لإنجاز عملية قلب مفتوح لطفل أو طفلة ولدت بذلك العيب الخلقي كأن يكون القلب جذع واحد أو يعاني من انعكاس الشرايين الكبرى، فهذا الطبيب هو قلب كبير ينبض بحب القلوب الصغيرة التي يمنحها، بعد الله، حياة وأملاً.