أقول شعراً

خطوات التعامل مع مريض انتحاري

النص الشعري الجديد، القائم على معالجة المعيش والمعتاد بروح أخرى وبزاوية مشاهدة مبتكرة، هو في الأغلب دافعي إلى الكتابة.
فقد عملت ممرضاً في إحدى المصحات النفسية. وفي تلك العوالم المختلفة تماماً والحساسة جداً والملتبسة  أيضاً، يجدر بالمشتغل أدبياً أن يتوقَّف ويكرِّر التوقف أمام مشاهد ولحظات يعتقد بأنها عابرة ولا ثقل لها. ولكنها في كثير من الأحيان تملك داخلها بذرة مذهلة لفهم أشياء كثيرة، ومن ضمنها ورقة معلّقة على الحائط تتضمَّن تعليمات حماية المريض النفسي من الانتحار – الخطوات العلمية الصرفة، تحت عنوان “خطوات التعامل مع مريض انتحاري”. توقفت بقدر كبير من الدهشة أمام هذه المهام الوظيفية الروتينية. واندفعت إلى معالجتها عبر النص من جديد، بتذويب عوالم متنافرة بين الواقع والجنون، بين العلم والشعر، والقفز من دائرة واقعية إلى فضاء لا نهائي من الحوار الذاتي والحوار مع المريض المحتمل.
هذا النص في الحقيقة، هو أحد النصوص العابرة في تجربتي الشعرية بالعموم، ولكني عند إعادة قراءته من فترة إلى أخرى، أشعر بعلامة استفهام مُلحّة تتعلَّق بالتساؤل عن حالتي تلك اللحظة التي كتبت فيها هذا النص دفعة واحدة من دون توقف. الانهمار في التعليمات المبتكرة، قبل أن يفعلها المريض الانتحاري ويقفز من هنا، من حافة النص، إلى هاوية الشعر المذهلة.
ممتن في كل الأحوال لتلك الساعات الطوال التي قضيتها في مراقبة أولئك المرضى ولم تحصل فيها حادثة انتحار واحدة.

مراقبة لصيقة
للذي يجلس في آخر الممر، متخيلاً أنه على حافة العالم، وحيداً مثل ظله. يخدش الأصوات التي في رأسه دائماً ويبكي من طعم الألم.. يلمس بأصابعه خيالاته، ولا يستطيع الإمساك بها، تلك التي تطير بعيداً عنه عندما يتم تقييده بالسرير لساعات..

إجراءات الحماية
وكلما كان إدراكه للزمان والمكان صحيحاً كان أقرب إلى السقوط من على الحافة وأصبح في عداد الأصحاء. يهبط بسرعة خارقة نحو الهاوية البيضاء وبربطة عنق طويلة جداً مثل “شرشف” متسخ بالحياة.

تقرير يومي
“هادئ السلوك، عادي المظهر” ولكنه يسخر من يديه ويتخيل حريقاً في ثيابه وينام طوال الليل دون ذعر من كوابيسه الأليفة. يسير الأمر جيداً..

توصية
“لا يجب تركه بمفرده في الغرف أو حتى في دورة المياه إن لزم الأمر…”
ولكنه مع ذلك هو بمفرده، ومع هذا العالم لا أحد معه..

التقرير النهائي
لتكن ضد النَفس العظيم للآلات الضخمة، ضد الجدران التي تبادر بالحركة، ضد لحظة ليست في حسبان الساعة، ضد المأزق الذي سنقع فيه جميعاً بعد غد، ضد الإنسان الذي يخفق عن الطيران كل مرة، ضد المشهد كاملاً.

لعبة ما
يخطو بخفة وهدوء
يقف ورائي
يعصب عيني بكلتا يديه
ولا أخمن اسمه
لأنني أعرف بأنه:
الموت

ولد ماجد سالم الثبيتي في الطائف عام 1982. كتب القصة القصيرة والشعر. وحاز المركز الأول بجائزة الشارقة للإبداع العربي في القصة القصيرة في العام 2009. وشارك في عدد من المعارض الفنية داخل المملكة وخارجها، منها بينالي فينيسيا في العام 2013.
له “الفهرست وقصص أخرى”، و”القبر لم يعد آمناً” عن دار طوى للنشر والإعلام2013.

أضف تعليق

التعليقات