يتطرق أحد موضوعات هذا العدد للعمل التطوعي، ويناقش جوانبه المتعددة، ويتنقل به بين تراث الماضي وواقع اليوم.
وإذا كان العمل التطوعي من أهم أعمال الخير التي تحض عليها الأديان السماوية والثقافات السامية، فإنه أيضاً من أهم سمات المجتمعات الإنسانية المتحضرة، التي لا تفترض أن تقوم الحكومات بكل شيء، وترى أن على من تتوافر لديهم زيادة في المال أو الوقت أن يقدِّموا للمجتمع شيئاً من تلك الزيادة.
ولذلك عدة أسباب منها أنه ليس هناك جهة تستطيع أن تقوم بكل ما هو مطلوب، حتى ولو كانت حكومة تتوافر لها الموارد المطلوبة. كما أن الحاجات تكون في بعض الأحيان طارئة، كما يحدث في الكوارث الطبيعية وغيرها، تستطيع الجمعيات الخيرية أن تبادر بالمساعدة خلالها بسرعة وأن تدعم الجهات الرسمية.
ومن جهة أخرى فإن آثار العمل التطوعي، كأحد أعمال الخير، على من يتلقونه واضحة للعيان، ولا تحتاج إلى شرح. ولكن ما يخفى على البعض هو أن للعمل التطوعي آثاراً إيجابية على من يقدِّمونه، فلنستعرض بعض هذه الآثار:
•
شعور المتطوع بالرضا بعد مساعدته للمحتاجين ورؤية آثار تلك المساعدة عليهم وعلى أوضاعهم.
•
تركيز المتطوع على أوضاع الغير فيه ابتعاد عن أوضاع ومشكلات الذات. والابتعاد قليلاً عن مشكلات الذات، في كثير من الأحيان، هو أحد عناصر حلها، لأن التصاقك المستمر بمشكلاتك يضخمها ويخرجها عن أبعادها الطبيعية، ويجعل حلها أكثر صعوبة.
•
الانخراط في العمل التطوعي ينمِّي قدرات الاتصال والعمل بروح الفريق فيمن ينخرطون فيه. وهاتان القدرتان هما من أهم القدرات المطلوبة فيمن يسعون للحصول على وظيفة في سوق العمل المعاصر ومن أهم أسباب النجاح فيه.
•
التطوع لمن لديهم وفر في الوقت فيه مصلحة للمتطوِّع. فانخراط الباحث عن عمل في عمل تطوعي يشغل وقته ويزيد من فرص حصوله على عمل، لأن ذلك سيكون له تأثير إيجابي على الجهات التي تتلقى طلب توظيفه.
وإذا كانت هذه الفوائد ليست دائماً واضحة لكل فرد قادر على التطوع فإن على المجتمعات أن تحث الأفراد على العمل التطوعي بوسائل مختلفة، لعل من أهمها:
•
أن تقوم الجهات الرسمية بالحث على العمل التطوعي المنظَّم، وتكرِّم المشاركين فيه.
•
أن تقوم الشركات والمؤسسات بحثِّ القادرين من موظفيها وأفراد عائلاتهم على الانخراط في العمل التطوعي وتدعمهم في ذلك.
•
أن تقوم الأسر بحث أبنائها على المشاركة في تلك الأعمال التطوعية.
•
أن تشجِّع الجامعات والمعاهد العليا العمل التطوعي بحث الطلاب على المشاركة فيه. ولعل من المناسب أن يكون من ضمن متطلبات التخرج في كثير من التخصصات أن يشارك الطالب في أعمال تطوعية. وهذا أسلوب متبع في بعض الجامعات في دول العالم المتقدِّم.
•
أن يتم فرض ساعات من العمل التطوعي على من يرتكبون مخالفات غير جنائية مثل المخالفات المرورية.
ورغم أن العمل التطوعي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية له جذور دينية وتأريخية إلا أنه يحتاج إلى قفزات نوعية وكمية ليرقى إلى مستوى العمل التطوعي الذي تتطلبه ظروف هذا العصر، الذي تتقارب مسافاته، وتتعقد مشكلاته، وتتزايد حاجاته.
ولعل أهم نقطة هنا هي أن يشمل العمل التطوعي كل مناحي الحياة التي يحتاج فيها البشر إلى العون والمساعدة، وتحتاج فيها الجهات الرسمية إلى من يشاركها في تقديم هذا الدعم بشكل منظم، لا يُساء استغلاله.
البعض منا يشكك، بين الحين والآخر، في أهداف ونوايا الجمعيات والمنظمات العالمية التي تبادر إلى تقديم العون في بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية. ونحن هنا لسنا في مقام تقويم تلك القضية، ولكن من الأجدى، دون شك، أن نسد الفراغ ونقوم بتلك الأعمال بأنفسنا.
ولا بد لنا في ختام هذا المقال أن نعبِّر عن تقديرنا للكثير من الأعمال التطوعية التي بدأت تزداد في المملكة والوطن العربي خلال العقود الماضية. لقد زادت أعداد تلك الأعمال، وتنوعت مجالاتها، وتضاعف متلقوها مرات ومرات. كما استفادت تلك الأعمال الخيرية من التقدم التكنولوجي، وخاصة في مجال تقنية المعلومات، ووظفته لدفعها إلى الأمام.
ولتقوية ذلك التوجه المحمود لعل من المناسب أن يكون هناك متخصصون في تقنيات العمل التطوعي، يدرسون ويستفيدون من أحدث الآليات والأساليب العلمية لدفع هذا العمل الخيري، ويوظفون تلك الآليات لخدمة مجتمعاتنا. فالعمل الاجتهادي خير، ولكنه إذا بُني على أسلوب علمي تضاعف خيره وحقق أكبر الأهداف من خلال أقصر الطرق وأقلها تكلفة.