ضمن مهرجان أفلام السعوديَّة الثالث، الذي انعقد من الفترة بين 24 و28 مارس 2016 بتنظيم من الجمعيَّة العربيَّة السعوديَّة للثقافة والفنون في مدينة الدمام، استضافت «القافلة» لقاءً ضم مدير المهرجان أحمد الملا والمخرجين محمد سلمان وشهد أمين ومجتبى سعيد، والناقد والاستشاري في الطب النفسي الدكتور فهد اليحيا لمناقشة المنعطف الجديد في صناعة الأفلام السعوديَّة على ضوء التطوُّرات المتلاحقة في هذا المجال، سواء محلياً أو في الخارج، وأدار جلسة النقاش هذه الناقد والإعلامي طارق الخواجي.
يرى البعض أن إطلاق كلمة «سينما» على المنتج من الأفلام السعوديَّة، هو من باب الإشارة الدلاليَّة فقط. فحقيقة الأمر تؤكد أنَّ ثمة صناعة أفلام سعوديَّة تنمو بسرعة، ولكن كثيرين يتحفظون على وصفها بالسينما. فهي أنتجت بشروط وآليات خاصة بها، أما السينما فهي تراكم للأفلام الطويلة وتاريخ واتجاهات وصناعة متكاملة بكل مدخلاتها ووسائطها ومخرجاتها، وتشمل كمَّاً من الكُتَّاب، والفنيين، والممثلين، و«الكومبارس»، والمسوِّقين، والمنتجين في وسط فنِّي متكامل، كما هو الحال في أمريكا أو الهند أو مصر، ومعاهد، وكليات، ولها مرجعيَّة تنظيميَّة رسميَّة في نظام الدولة، وكذلك مرجعيَّة قانونيَّة، وهيئات تمثِّل المشتغلين فيها.. إلخ، والأهم من ذلك، أنَّها ثقافة متجذِّرة وفاعلة ومؤثرة، ولديها جمهور يتابع ويستهلك، ولها تأثير اجتماعي ثقافي راسخ ومتجدِّد، ناهيك عن وجود دُور للعرض وثقافة المشاهدة الجماعيَّة، والنقد الجماهيري والمتخصِّص.. وغياب كل ذلك يدفع البعض إلى وصف الحال الراهن بحراك «الأفلام السعوديَّة».
ما بين الأمس القريب واليوم
في مستهل هذه الجلسة، توجَّه الخواجي إلى الحاضرين بسؤال حول طبيعة المنعطف في صناعة الأفلام السعودية بشكل عام، اعتماداً على ما لاحظوه في دورة هذا العام، فأجاب الدكتور اليحيا بقوله: من خلال ما تابعت من أعمال بين السنة الماضية والآن للأشخاص أنفسهم، أجد أنَّ هناك تقدماً واضحاً، مفاده أنَّ هؤلاء الصُنَّاع عملوا على تطوير أنفسهم، لكن لا أقول إنَّهم وصلوا إلى النهاية؛ لأنَّه أصلاً لا نهاية للفنِّ. وأذكر منهم على سبيل المثال المخرج محمد العليوي، وكذلك المخرجة جواهر العامري، التي شاركت بفِلم «الخادمة» السنة الماضية، والفِلم الوثائقي الذي عُرض باسمها، والفرق بين الاثنين كبير وواضح، وأظنُّ السبب أنَّها تدرس الفنَّ السينمائي بصورة منهجيَّة في جامعة عفت.
أحمد الملا:
الحالة السينمائيَّة السعوديَّة تعاني ما يعاني منه باقي أنواع الفنون في المملكة، سواء في المسرح أو التشكيل أو الموسيقى أو الفنون الأخرى، وبهذا نتماهى مع معاناة الحالة الثقافيَّة العامَّة، لكن هناك أيضاً صعوبات ومشكلات خاصة بصناعة السينما السعوديَّة، ونحن نتمنى أن تتطور وتصبح لدينا على سبيل المثال صالات تجاريَّة تعرض الإنتاج السينمائي،لكن هذا موضوع آخر.
نحن إذاً يهمنا المشترك لمشكلاتنا في الحالة الثقافيَّة، إذ نتمنى التطور في كامل المشهد، لكن هل هذا المنعطف، الذي نتكلم عنه ونتصوره في الأفلام السعوديَّة الآن سيأتي ومن خلال ماذا؟ هل المهرجان والنشاطات الأخرى كافية؟ هل التقدُّم التقني الواضح الحاصل هو المنعطف؟
مجتبى سعيد:
وجود المنتج الذكي هو ما ينقصنا فعلاً لتسريع حركة التواصل الجادة، وتحقيق فاعلية أكبر في تنفيذ الأعمال.
وأضاف اليحيا: الآن نجد تمكُّناً من الصورة أكثر من السنة الماضية، إذ كان الصنَّاع يهتمون بنقاء الصورة وزاويتها فقط، أما الآن فالاهتمام يأتي بوصفه مكوِّناً أساسياً ضمن ثيمة المشهد ككل. وفي الجانب المقابل هناك قصور كبير ونقص في موضوع النصِّ، الذي يحتاج إلى كثير من العمل والانتباه في المستقبل.
أما مدير المهرجان، أحمد الملا، فقارن بين الدورتين، موضحاً أن الدورة الثانية شهدت تقدُّماً في عدد المشتركين، فمن أصل 104 أفلام، اختير 66 عملاً للمنافسة في المهرجان لعام 2015م. أما في دورة هذا العام فقد شهد عدداً أكبر بقليل من المشاركين، فمن بين 112 عملاً اختير 70 منها للمنافسة في التصفيات، وكان أول المؤشرات الإيجابيَّة اللافتة أنّ 45 منها عُرض للمرِّة الأولى، وكان معيار الجودة للترشح مرتفعاً نوعاً ما عن العام الماضي.
ومن أهم ملاحظات الملا أنَّ الجانب التِّقني أصبح أجود من الدورة السابقة، أما السيناريو فكان أقل عدداً وجودة. لكن المشجِّع في هذا العام أنَّه وبعد أن استُحدثت ورشة عمل خاصة بالسيناريو في الدورة السابقة، لمسنا كيف كان تأثيرها على جودة وعدد السيناريوهات المقدَّمة هذا العام، إذ تقدَّم إلينا 78 سيناريو غير منفّذ، فاضطرت لجنة تقييم السيناريو إلى اختيار 15 سيناريو فقط لتقييمها، وأمام هذا العدد المفاجئ من المتقدِّمين أوصت اللجنة برفع عدد الجوائز، وقرَّرت اختيار 6 سيناريوهات قابلة للتنفيذ.
غير أنَّ إحدى النتائج المباشرة لهذا الجهد كان ارتفاع متوسط العاملين في كل فِلم، من 6 أسماء في الدورة الثانية إلى 15 اسماً في الدورة الثالثة، وهذا دليل على المشاركة الجماعيَّة في إنتاج الأفلام بعيداً عن الفرديَّة والاعتماد الذاتي، كما أنَّ هناك تغيُّراً واضحاً في إسهامات الطلبة عن السابق.
قفزة الأفلام الوثائقيَّة والتقنيَّة
وعقَّب اليحيا معلِّقاً على هذا الطرح بقوله إن الأفلام الروائيَّة تحسَّنت هذا العام، لكن الأفلام الوثائقيَّة تفوَّقت عليها في جودتها بشكل كبير. وبالمقارنة مع الأفلام الوثائقيَّة، التي عرضت في الدورة الثانية، في السابق كان الفِلم الوثائقي يصوِّر أناساً وأماكن وفكرة معيَّنة، أما الآن فنجد بناءً درامياً قصصياً متطوِّراً بشكل جيِّد.
وهنا طرح الخواجي سؤالاً: لو كان لكم اختيار أحد العناصر الموجودة في المهرجان، سواء من الأفلام أو المخرجين، باعتباره المنعطف الجديد في أفلام المهرجان، أو في الأفلام السعوديَّة بشكل عام، الذي يمكِّننا من تشكيل رؤية عامَّة عن المشهد الحالي؛ فما هو هذا العنصر؟
فأجابت المخرجة شهد أمين: الملاحظة الرئيسة أنَّ تقنية الأفلام المشاركة كانت كلها – تقريباً – ذات جودة لا بأس بها، لكن السؤال الجوهري، هو: هل هذه التقنية هي التي تصنع فِلماً جيداً؟ هل الصورة الجميلة بكاميرا ذات تقنية عالية هي عنصر نجاح الفِلم؟
وتابعت شهد: الصورة الجميلة لا تؤدي الغرض الرئيس من إنتاج الفِلم، فهناك بعض السينمائيين الجادين يقولون بعكس ذلك، ويعتقدون أنَّ الصورة الجميلة تضرُّ بالقصَّة وبالموضوع أحياناً.
شهد أمين:
صانع الفِلم السعودي متفرد ومبدع وذو خبرة مختلفة، ولكن علينا أن نتقن القواعد الأساسية قبل أن ننطلق نحو تجديد أو اختراق.
وعندما حاول الخواجي أن يستخلص وجود تقدُّم تقني واضح في إنتاج الفِلم، لكن ثمة أزمة في النصِّ، وفي الأفكار، وفي كتابة السيناريو ومعالجة النصوص. قالت المخرجة شهد أمين: وأيضاً لدينا أزمة في معرفة وفهم الأساسيات الدراميَّة، وكيفيَّة توظيف تقنيات الصورة لنقل إحساس معيَّن، فعندما تريد عمل (كلوز أب)، أي تصوير لقطة فِلميَّة قريبة، فهذا يجب أن يتم لكي يعكس حالة نفسيَّة حادَّة تريدها بما يخدم اللحظة والقصَّة.
بمعنى آخر لدينا نقص في الثقافة السينمائيَّة، وكيفيَّة توظيف مختلف التقنيات بما يخدم القصة.
عبّر المخرج مجتبى عن موافقته على ما أبداه المشاركون من انطباعات وآراء، ولكنه أضاف: المخرج كغيره من الفنانين، يجب أن يجرِّب ويحدِّد كيفيَّة السرد بطرق جديدة، وهذا أمر جيِّد يقوم به المخرجون السعوديون. إنهم يدخلون إلى مناطق للتجريب لا يستطيع أحد غيرهم دخولها، ربما نتيجة لطبيعة المجتمع السعودي. في حين أنه من المعروف أنَّ قوانين السرد، وإنتاج فِلم ناجح، أصبحت من الأمور المتعارف عليها عالمياً كصناعة أي منتج آخر، بحيث لو أنَّ أي مخرج طبَّقها سيحصل على نتيجة مُرضية ولكن ليست بالضرورة فريدة.
فعقَّبت شهد على ذلك بقولها: أوافق على هذا، لكن علينا أن نعرف ونتقن القوانين السينمائيَّة الأساسيَّة حتى يمكننا اختراقها بمعرفة، ومن ثمَّ نطوِّر أسلوباً خاصاً بنا. فإذا أردت أن تنتج عملاً مبتكراً فعليك الإلمام بالأساسيات، الفنان بيكاسو، مثلاً، كان يتقن الرسم الكلاسيكي قبل أن يبتكر أسلوبه في التكعيبيَّة، ونحن في كتابة السيناريو علينا أن نتقن القواعد قبل أن ننطلق نحو التجديد أو الاختراق.
بين النص والصورة
العلاقة الشائكة بين السيناريست والمُخرج
بعد هذا التقييم العام، قاد مدير الجلسة النقاش إلى مجال محدَّد أكثر، وهو العلاقة بين النص المكتوب وتصويره، انطلاقاً من سؤال وجَّهه إلى المخرج سلمان واختياره القالب الوثائقي لتصوير فِلم «أصفر» مع أنَّه كان يمكن العمل عليه روائياً؟ فقال سلمان: بدأت كتابة نص فِلم «أصفر» منذ سنوات خمس بعد مشاهدة رجل كبير في السن ينتظر داخل سيارة التاكسي في جوٍّ حارٍّ جداً وهو يجلس دون مكيف للهواء، ونوافذ سيارته مفتوحة، فكان تساؤلي: لماذا يكلِّف هذا الرجل نفسه كل هذا العناء؟
ذهبت لأُناس يملكون «تكاسي» صفراء، وذهبت كذلك إلى مكان المحطة، حيث السيارات وتحدثت إلى أصحابها، ودخلت في تفاصيل بعيدة وأعماق جديدة، وكنت سعيداً بالنتيجة. لكن بعد ذلك أحسست أنَّ المعالجة تكون بعمل فِلم وثائقي كتأبين للتاكسي الأصفر. فكان سؤالي الأساسي: لماذا هذا التاكسي باقٍ؟
وجواباً عن سؤال طرحه مجتبى عن العلاقة بين الفِلم النهائي والرواية التي كتبها سلمان أجاب الأخير: ليست ثمة أي علاقة، والعمل يختلف كلياً عن الرواية، لكنَّني أزعم أنَّ الرابط يمكن أن يكون التعلّق والشغف بالأشياء.
وشكَّل الحديث عن فِلم «أصفر» مناسبة للملا للتعقيب عليه وعلى فِلم «حور وعين» للمخرجة شهد أمين بقوله إنه فيما يتعلق بالنص والنقلة المرجوة، فهذان العملان ارتبطا بمهارات معيَّنة لصانعيهما: جانب أكاديمي ودراسة وتدريب، وهو أمر مطلوب، وشبابنا مهتم بهذا الجانب. ولكن على ماذا نعوّل لنجعل هذه النقلة النوعيَّة ممكنة؟ هل نعتمد على الصدفة أم المهارة الشخصيَّة؟
طارق الخواجي
يُطالب السينمائيون السعوديون الشباب بالنقد، ولكنهم في الوقت نفسه لا يتقبلون النقد الموجَّه إلى أفلامهم.
وأضاف الملا: تجربة «حور وعين» تعطينا انطباعاً بأنَّ الفِلم مدروس ومنظم، إضافة إلى الصدفة والمهارة. وفي مسألة النص، لدينا فكرة إجراء تجربة سوق إنتاج مصغّرة مع شركة متخصصة، وعقد رسمي لإنتاج ثلاثة سيناريوهات من أصل خمسة عشر، وتم استدعاء عدد من الكتَّاب والمخرجين مع ثلاث شركات إنتاج والتقوا بعضهم بعضاً، كانوا نحو 35 شخصاً، فعلّق اليحيا على ذلك بقوله: هذا هو المنعطف.
وعقّب بإشارته إلى أن الهوة كبيرة بين كتَّاب السيناريو وصنَّاع الأفلام فلكل مزاجه الخاص، والكل يشكو من نقص في النصوص والسيناريو. وإليه أضافت شهد: هذا أمر وضَّحه مدير مهرجان الخليج السينمائي الأستاذ مسعود أمر الله، وهو أنَّ الكلَّ متمسك بعمله، فكتَّاب السيناريو متمسكون بنصوصهم، وصنَّاع الفِلم متمسكون بأفكارهم، وهذا ما يصعِّب التعاون بين الطرفين. فالأمر يتطلب ثقة تُبنى بينهما، لأنَّ الأفلام الجادَّة والناجحة هي في الحقيقة عمل جماعي تعاوني، من كتَّاب السيناريو إلى المخرج إلى المنتج وغيرهم.
وهنا روى سلمان أنه قبل أن يخرج فِلمي «قاري»، و«مخيال» طلب من الكاتبتين أن تثقا في قدراته للتعاون في إنتاج هذين الفِلمين، فكان لا بد من التنازل قليلاً من الطرفين حتى يتم الإنتاج بما يرضي الجميع. ولكن بعد البدء كان لزاماً عليه عمل ورشة عمل لدراسة التقديم والتأخير في بعض المشاهد، وتعديل بعض التفاصيل فكان يستجيب وكانوا يستجيبون، وهذا أمر جيِّد، لكنَّه مضنٍ، وعمليَّة طويلة، خاصة فيما يتعلق بفكرة بسيطة كفكرة فِلم «مخيال»، فهو دراما بسيطة، وتكثيفها لتقديمها للشاشة كان أمراً صعباً.
وأوضح مجتبى في هذا الشأن أن هذا ممارس في الأفلام الأجنبيَّة. فهناك مثلاً بعض الأفلام التي توضح في مقدِّمتها، أنَّ الكاتب يعترض على هذا الفِلم إذا ما قام المخرج بتعديلات كثيرة تحور النص الأصلي، خاصة في الأفلام الأوروبيَّة.
وتطرَّق الملا إلى جانب آخر من جوانب أهمية النص بتشديده على أن النص هو مربط الفرس. نحن لم نعطِ انطباعاً واضحاً بأنَّ النصَّ يجب أن يحول إلى ورشة لكي يتم تجهيزه للعمل السينمائي. فكثيرون يعتقدون أنَّه بمجرد الانتهاء من النص والسيناريو فإنَّ العمل يصبح جاهزاً للتصوير. أما أنجح الأعمال فتدلُّ على أنَّ النص يجب أن يحوَّل إلى ورشة، وهنا تكمن أهميَّة الثقافة السينمائيَّة.
وأضاف أن فهمنا للتعامل مع النص يحتاج إلى توضيح للكتّاب أنَّ النص يجب أن يطوّر. ومن إحدى الآليات التي عملنا عليها خلال هذا المهرجان أنَّ لجنة تحكيم السيناريو ستكون مستمرة للسنة المقبلة، حتى بداية المهرجان المقبل، وستعمل مع عدد من كتَّاب السيناريوهات الـ 55 الذين تقدَّموا بأعمالهم إلى المهرجان.
الخلط في العالم العربي
بين المنتج ومدير الإنتاج
وإلى مسألة تضارب الصلاحيات والمهمات، أضاف اليحيا أن المسألة الأخرى هي الإنتاج، فهناك خلط في العالم العربي بين المنتج ومدير الإنتاج. والحقيقة أنَّ هناك فرقاً بين المنتج والمستثمر، فكثيرون يخلطون بين الاثنين.. وهناك تجربة محمد السندي، الذي بدأ مخرجاً، لكنه سرعان ما تحوَّل إلى الإنتاج. فقد عرف نفسه وأدرك أنَّ هذا هو توجهه – ليس الكل يتقن الإخراج – وربحنا بذلك تجربة فريدة في الإنتاج من خلال فِلم «حورية وعين»، وهو الآن يعطي دروساً في الإنتاج. كما كان من اللافت أنَّ أحد المحاور للورشة التدريبيَّة، التي يقدِّمها في المهرجان هو كيفيَّة بيع الفكرة للمستثمرين، وكيف أنَّ المخاطبة تختلف مع المنتجين عنها مع المستثمرين.هذا أيضاً من المنعطفات الجديدة.
وأضاف اليحيا: على هذا أستطيع القول إنَّه يجب عند البدء في أي عمل سينمائي عمل مؤتمر مصغّر بين المخرج والمنتج والسيناريست والكاتب ومدير التصوير لعمل خطة للدفع بالعمل إلى الأمام.
ورأى مجتبى أنَّ وجود المُنتج الذكي هو ما ينقص فعلاً لتسريع الحركة الجادة وتحقيق اتصال أكثر فاعلية في تنفيذ الأعمال تعقيباً على العلاقة الشائكة بين كاتب السيناريو والمخرج. فالمنتج هو الذي يصل بين الأطراف، ويربط بين الخيوط المختلفة. ولكي يصل بين هذه الأطراف، فإنه يحتاج إلى قاعدة بيانات تسهِّل عمله في الوصل والتواصل، خاصة مع عودة عدد كبير من المخرجين والكتَّاب والمنتجين من الخارج.
الأفلام السعودية
إما «يتيوب» وإما المهرجانات
ولأن موقع «يوتيوب» يبدو جذَّاباً بشكل خاص لصانعي الأفلام السعودية من الشباب، كما هو حال التلفزيون، كان لا بد لمدير الجلسة من طرح هذه النقطة على الحاضرين، وسؤالهم عن حسناته وسلبياته. وفي هذا المجال، قال اليحيا: على الرغم من أنَّ سوق الـ «يوتيوب» كبير، وله مردود، لكن الإشكال هو أنَّ الأعمال الجديدة إذا عرضت عبر مثل هذه القنوات تفقد حقَّها بالمشاركة في المهرجانات. ومعظم من يصنع تلك الأفلام يريد أن يشارك في مثل هذه النشاطات. هنا يكون الاختيار الصعب بين أن ينتظر صانع الفِلم عرضه في المهرجان، أو ينشره على «يوتيوب» للحصول على مردود مباشر.
«متوسط العاملين في كل فِلم ارتفع في البداية من 6 أسماء في الدورة السابقة إلى 15 اسماً في الدورة الحالية، وهذا دليل على المشاركة الجماعيَّة في إنتاج الأفلام بعيداً عن الفرديَّة، كما أنَّ هناك تغيُّراً واضحاً في إسهامات الطلبة عن السابق».
وقال مجتبى إن الأسلم هو أن تكون هناك صالات عرض تجاريَّة. فالتلفزيون يفرض واقعاً محدَّداً، وهو أنَّ المحطات مثلاً لا تقبل بأعمال تقل عن ثلاثين حلقة، وهذا ما يخيف الصنَّاع الشباب ويدفعهم نحو «يوتيوب»، الذي أعتقد أنَّه يشكِّل حلاً. وعلينا التفريق بين «الفديو آرت» والفِلم السينمائي الكلاسيكي. وأعتقد أنَّ «يوتيوب» مهم جداً، فهناك صناعة أفلام للإنترنت تتطور، في حين أنَّ الجمهور أخذ يعزف عن صالات السينما لما تقدِّمه الإنترنت من خيارات أوسع وسهولة في مشاهدة عدد كبير من الأفلام وأنت جالس في البيت أو المقهى أو غيره.
أما سلمان فرأى أنه «ليس لدينا أساساً وعي فنِّي لمشروع سينمائي، فكيف نذهب إلى «يوتيوب»؟ فلو ذهبنا مباشرة إلى «يوتيوب» دون أن تكون لدينا سينما، ولم ننتج سينما، فسنهيئ لجيل جديد دون ذاكرة سينمائيَّة. فأين صناعة السينما؟».
هذا يحتم علينا أن نفكِّر في الصناعة السينمائيَّة، وبعد ذلك نقرِّر أن يكون هذا للسينما وذاك لموقع «يوتيوب».
أضاف الخواجي: هناك إشكاليَّة خاصة بموضوع «يوتيوب»، فالآن هناك اتفاقيَّة بين «نيتفليكس» مع «يوتيوب» لإنتاج مسلسلات خاصة بالـ «يوتيوب». والسؤال هنا: هل هذه المسلسلات هي مسلسلات «يوتيوبية» أم تلفزيونيَّة؟ الأمر الذي ردّت عليه المخرجة شهد بقولها: لا أعتبر أن «اليوتيوبيين»، الذين نفَّذوا أفلاماً هم سينمائيون، بل أعتبرهم «يوتيوبيين» فقط، بكل شروط هذه الوسيلة الإعلاميَّة، وهذا ليس تقليلاً من شأنهم أبداً. فالتلفزيون مثلاً، في أمريكا وسيلة رائعة، وهناك مخرجون مختصون بالتلفزيون، وهم ليسوا سينمائيين أيضاً.
الاستمرار والانسحاب
وأثار الخواجي ظاهرة اختفاء بعض الأسماء مع أنَّها شاركت في السابق بأعمال لا بأس بها، وليس فقط بعمل واحد أو اثنين، بل بأكثر من ذلك، متسائلاً عن سبب ذلك؟ الأمر الذي حاولت شهد أن تفسره بقولها إن العمل في الفن عامَّة والسينما خاصة يتطلب كثيراً من الشجاعة والمرونة وطول البال والمثابرة والاستمراريَّة. وهو عمل يومي جاد وليس سهلاً. وفي المقابل، هناك تردد عند الكثيرين، خاصة في صفوف المبتدئات من المخرجات. فالسؤال: هل أنت مستعد للتضحية لسنوات عشر مقبلة؟. عليك النهوض يومياً وأن تذكر نفسك بأنك تريد أن تنجح، وهذا يتطلب تعاوناً مع الآخرين وانتظاراً للمهرجانات، وقبولاً للنقد، إنه أمر صعب جداً. لكنه في الوقت نفسه ممتع للذي يفهم تلك الصعوبات، ويقبل عليها دون تردد. وأخيراً هذا أمر شخصي على كل مخرج أو صانع للأفلام أن يقرره بنفسه لنفسه.
ثلاثة عناصر شكَّلت المنعطف
الأمر الأول: المهرجان بحدِّ ذاته وانعقاده، هو أحد أوجه المنعطف الجديد. فهو بمنزلة حاضنة استقبلت وعرضت وشجَّعت.
الأمر الثاني: التقدُّم التِّقني مع التمني أمنية لو كان النص ونوعيته هو المنعطف المحدد والفارق الأساس.
الأمر الثالث: سوق الإنتاج، فمجرد وجوده سيخدم مهمات كثيرة، ويحل مشكلات كثيرة.
ورأى سلمان أن السؤال الأساسي هنا، هو: هل المخرج فنان أم مجرد مخرج؟ «فعند مشاهدتي لبعض الأفلام لم يفارقني تساؤل: ماذا كان يعمل هذا الإنسان طوال السنة الماضية لكي يكون العمل غير ناضج بهذا الشكل؟ هل شاهد أفلاماً أو قرأ أو ثقَّف نفسه أو تمرّن على تقنيات جديدة، هل كان يسمع أو يطوِّر من أدواته؟ هناك إحساس بأنَّ بعض المشاركين بدأوا العمل قبل المهرجان بفترة قصيرة ولجأوا إلى طلب الإذن بتمديد فترة تقديم الأعمال. فهل الأمر إذاً فقاعة وتختفي؟».
وعندما قال الخواجي إن هناك مَنْ عمل على أفلام عديدة، وليس على فِلم واحد فقط، حتى إنَّه نال جائزة، لكنَّه اختفى تماماً عن المشهد، عقّب سلمان بقوله: لو كان المخرج فناناً حقيقياً لما تخلَّى عن فنِّه وعمله.
محمد سلمان: لو ذهبنا مباشرة إلى «يوتيوب» دون أن تكون لدينا سينما، فسنهيئ لجيل جديد دون ذاكرة سينمائيَّة. فأين صناعة السينما؟ هذا يحتم علينا أن نفكر في الصناعة السينمائيَّة.
وكانت هذه النقطة منطلق مدير الجلسة إلى التطرق لقضية النقد ودوره، بقوله: «إن أغلب الحضور في المهرجانات هم ممن يحصلون على التذاكر من خلال الإنترنت، ويسجلون أسماءهم باكراً وهم متحمسون للمشاهدة، وحريصون على الحضور والتصفيق، وهذا من باب دعم أعمال أصدقائهم، ومن الملاحظ أيضاً أنَّ السينمائيين السعوديين الشباب يطالبون بالنقد، ويقابله من ناحية أخرى عدم تقبلهم للنقد الموجَّه إلى أعمالهم..». وقد علّقت شهد على هذه الملاحظة بقولها: عمليَّة النقد وجلسات الأسئلة والأجوبة يجب أن تدار بشكل مختلف قليلاً. ففي المهرجانات الدوليَّة توزَّع على الحضور قائمة بالأسئلة التي لا يجب أن تُسأل، بحيث لا يصبح مكاناً للمنافسين لطرح آرائهم الشخصيَّة بشكل يحرج المخرج. فالمخرجون يريدون الاحتفال بعرض أعمالهم بعد كل هذا التعب المضني، وسيكون هناك وقت آخر للنقد.
وأضافت: النقد مهم جداً للتطوير، لكن المسألة هنا هي توقيت النقد، إذ يجب أن يكون بنّاءً، وأن يأتي بعد مرور بعض الوقت من عرض العمل وليس مباشرة بعد العرض أثناء المهرجان. ومن الممكن أن يكون ذلك أحد نواقص الثقافة السينمائيَّة لدينا.
المقارنة بحال الفِلم العربي
وفي ختام الجلسة، وجَّه مديرها الخواجي سؤالاً إلى الجميع، حول حال «السينما» السعودية مقارنة بنظيراتها في العالم العربي. فأجاب اليحيا: «كلمة صناعة السينما كبيرة جداً وعلينا الحذر عند استخدامها. ففي كثير من الدول العربيَّة كلبنان والمغرب، ورغم وجود مخرجين كثيرين ينتجون عدداً كبيراً من الأفلام الطويلة في السنة، إلا أننا لا نستطيع الحديث عن صناعة سينما، بل صناعة أفلام بمواصفات معيَّنة. والدولة العربية الوحيدة التي يمكن أن نقول إن لديها صناعة سينما هي مصر».
د. فهد اليحيا
مصطلح (صناعة السينما) مصطلح كبير جداً وعلينا الحذر عند استخدامه. ففي كثير من الدول العربيَّة مثل: لبنان والمغرب، ورغم وجود مخرجين كثيرين ينتجون عدداً كبيراً من الأفلام الطويلة في السنة، إلا أننا لا نستطيع أن نقول إن لديهم صناعة سينما.
ورأت المخرجة شهد أن المقارنة تجوز مع الحاصل في دول الجوار الخليجي، «فمن الصعب المقارنة بغيرها من الدول العربيَّة لعراقة صناعة السينما في بعضها ولمستوياتها المتطورة. لكن صانع الأفلام السعودي، لديه تفرد وإبداع وتجربته جديدة، وخبرة الإنسان السعودي لم يرها أحد. وهذه فرصة ثمينة لدى صنّاع الأفلام السعوديَّة تجعلهم قادرين على نقل خبرة الإنسان السعودي في حياته وتجربته لينافسوا بها حتى عالمياً، فهنالك تعطش عالمي لمعرفة كيف يفكر الإنسان السعودي».
أما المخرج سلمان فقال إن هذا يحتم وجود دائرة إنتاج متكاملة حتى يمكننا الحديث عن صناعة سينما، و«أعجبني ما ذكرته شهد بخصوص التجربة السعوديَّة في صناعة الأفلام، فأنت تصنع ما تعرفه وما تهتم به ومن بيئة خاصة جداً بحيث إنَّ المنتج إذا ذهب إلى الخارج نكون أمام صورة وقصة مختلفة وأشكال مختلفة ونتاج مختلف».