لا أحد يجرؤ على زعزعة صرح كبير قبل أن يقيس ارتفاعه. ومنذ أكثر من أربعين سنة وعلماء العالم يتحدثون عن نظرية الانفجار الكبير الذي بدأ به تشكُّل الكون.
النظرية.. أصبحت من جرّاء تكرارها وتبنيها على مستويات عديدة، خارج مجال النقد والنقض، والكثيرون باتوا يتعاملون معها وكأنها حقيقة تاريخية .
ويقول ملخص هذه النظرية التي لا مجال للتوسع في عرضها هنا إن انفجاراً حصل قبل 13.7 مليار سنة أدى إلى ظهور الكون، وهو ليس انفجاراً بالمعنى التقليدي، ولكنه ظهور الفضاء والزمن دفعة واحدة نتيجة شرارة تتحدى بضخامتها خيال البشر. واستدل أصحاب هذه النظرية على ذلك من خلال ثلاثة عناصر أساسية هي: تباعد المجرَّات، عمر الضوء الباهت الذي يضيء الكون والذي اعتبروه صدى ضوء الانفجار، ونسبة ذرات الهليوم والهيدروجين في الكون، والتي اعتبرت الذرّات الأم الأولى، في حين أن كل المواد الأخرى تشكّلت لاحقاً..؟
استمدت هذه النظرية صلابتها من الحقائق العلمية الثلاث التي ارتكزت عليها، ومن بساطتها النسبية. ولكن، منذ أشهر معدودة بدأت بعض التشققات تظهر عليها، وهي تكبر وتتسع بسرعة لتهدد بانهيارها جملة وتفصيلاً.
فمنذ أواخر العام 2005م رصد التلسكوب الفضائي هابل، والتلسكوب سبيتزر، والتلسكوب الأوروبي، مجرة تقع على بعد 13 مليار سنة ضوئية من الأرض. أي أنها أصغر عمراً من الانفجار الكبير بـ 700 مليون سنة فقط. ولكن حجمها يبلغ أربعين مرة حجم مجرة درب التبانة، وبالتالي، لا يمكن أبداً أن تكون قد تشكّلت من الانفجار الكبير، فهي أقدم منه.
إلى ذلك بدأ علماء من جامعات أوروبية وأمريكية يشككون في عمر الضوء الكوني ويعددون الأخطاء الحاصلة في احتسابه. الأمر الذي يهدد بسحب الركيزة الثانية من تحت بناء نظرية الانفجار الكبير.
من المرجَّح أن انهيار نظرية تقليدية سيحتاج في حال حصوله إلى بعض الوقت، خاصة وأن عمر هذه النظرية أربعين عاماً أو أكثر. ولكن المثير للاهتمام فيما تم تحقيقه على صعيد البحث والنقض، هو في كشفه عرضاً عن واحدة من أساسيات العلم .
العلم الذي يبدو ظاهرياً قادراً على الإجابة عن أي سؤال، ويروّج لهذه المقدرة أنصاف المثقفين و أنصاف العلماء . في حين أن العلم نفسه يقول عن حاله إنه مجرد بحث دائم وهو بحد ذاته أسئلة أكثر من أجوبة.