قول في مقال

للتكامل

أكثر من المواجهة

قول في مقالفي‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه،‭ ‬وبفارق‭ ‬ساعات‭ ‬معدودة،‭ ‬كشفت‭ ‬قناة‭ ‬‮«‬بلومبرغ‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ ‬مايكروسوفت‭ ‬قررت‭ ‬الدخول‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي‭ ‬تعزيزاً‭ ‬للقناة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬التي‭ ‬تعتزم‭ ‬إطلاقها‭ ‬عالمياً‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬المقبل. ‬في‭ ‬حين‭ ‬كشفت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‮»‬‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬ياهو‮»‬‭ ‬قررت‭ ‬الدخول‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الإنتاج‭ ‬التلفزيوني‭ ‬بدءاً‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬الكوميدية،‭ ‬مدة‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬وبميزانية‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬ملايين‭ ‬الدولارات‭ ‬للحلقة‭ ‬الواحدة‭! ‬فكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تُثار‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬الأسئلة‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬صناعة‭ ‬السينما‭ ‬بعد‭ ‬بدء‭ ‬هجوم‭ ‬عمالقة‭ ‬التقنية (‬والمال) ‬عليها‭.‬

ذهبت‭ ‬بعض‭ ‬الآراء‭ ‬والتوقعات‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬القصوى‭ ‬في‭ ‬توقع‭ ‬التغييرات،‭ ‬فرأت‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬السينما‭ ‬سيكون‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬والتلفزيونات‭ ‬الذكي. ‬واقتصرت‭ ‬توقعات‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬الأمر‭ ‬لن‭ ‬يضر‭ ‬إلا‭ ‬بصغار‭ ‬المنتجين‭ ‬الذين‭ ‬ستضعف‭ ‬قدراتهم‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬بوجود‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأقوياء‭ ‬الجدد‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬الإنتاج. ‬فيما‭ ‬رأى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لن‭ ‬يغيّر‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬السينما،‭ ‬وأن‭ ‬معظم‭ ‬التغييرات‭ ‬ستكون‭ ‬إيجابية‭ ‬وستتمثل‭ ‬بانتعاش‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭.‬

والواقع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬تعود‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬نطرحها‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬تطور‭ ‬يصيب‭ ‬حقلاً‭ ‬من‭ ‬حقول‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سيقوم‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬حقل‭ ‬آخر،‭ ‬أم‭ ‬سيسير‭ ‬بموازاته‭.‬

يوم‭ ‬ظهر‭ ‬التلفزيون،‭ ‬اعتقد‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬ستقفل‭ ‬أبوابها‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬كان‭ ‬عكس‭ ‬ذلك. ‬فظلت‭ ‬صناعة‭ ‬السينما‭ ‬تنمو‭ ‬وتنمو‭ ‬وتفوق‭ ‬حجماً‭ ‬الصناعة‭ ‬التلفزيونية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬

ويوم‭ ‬ظهرت‭ ‬آلة‭ ‬التصوير‭ ‬الفوتوغرافي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬اعتقد‭ ‬البعض‭ ‬أنها‭ ‬ستقضي‭ ‬على‭ ‬فن‭ ‬الرسم. ‬ولكن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يحصل. ‬فسارت‭ ‬آلة‭ ‬التصوير‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬اللوحة‭ ‬الزيتية،‭ ‬واقتصرت‭ ‬آثار‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬تعديل‭ ‬طفيف‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬الثانية. ‬ويوم‭ ‬ظهرت‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬اعتقد‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬القراءة‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭ ‬ستقضي‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬المطبوعات‭ ‬الورقية. ‬ولكن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬فالنمطان‭ ‬يسيران‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭.‬

إن‭ ‬المشكلة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬أننا،‭ ‬ولأسباب‭ ‬عديدة‭ ‬وبعضها‭ ‬مجهول،‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬التقنيات‭ ‬وأدوات‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬وكأن‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭ ‬خصمٌ‭ ‬للآخر،‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬إلا‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭. ‬والحقيقة‭ ‬كما‭ ‬يؤكدها‭ ‬تاريخ‭ ‬الابتكارات‭ ‬والاختراعات‭ ‬هي‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭.‬

فكما‭ ‬أثبتت‭ ‬السينما‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬التلفزيون،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬أيضاً‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬‮«‬يوتيوب‮»‬‭ ‬،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الرسم‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬الصورة‭ ‬الفوتوغرافية. ‬فلكل‭ ‬وسيلة‭ ‬تعبير‭ ‬ثقافية‭ ‬مقومات‭ ‬تفرض‭ ‬استخدامها‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭ ‬وفقاً‭ ‬للمحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يُراد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تحمله. ‬وما‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬ثقافي‭ ‬أو‭ ‬فني‭ ‬يمكن‭ ‬التعبير‭ ‬عنه‭ ‬بوسائل‭ ‬متعددة،‭ ‬لأنه‭ ‬يُصاغ‭ ‬لوسيلة‭ ‬محددة‭ ‬دون‭ ‬غيرها. ‬حتى‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬عندما‭ ‬تُقتبس‭ ‬للسينما،‭ ‬فإنها‭ ‬تخضع‭ ‬لإعادة‭ ‬كتابة‭ ‬تجعلها‭ ‬ملائمة‭ ‬لذلك. ‬وعندما‭ ‬تُقتبس‭ ‬للتلفزيون‭ ‬تخضع‭ ‬لإعادة‭ ‬كتابة‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬السيناريو‭ ‬السينمائي.. ‬وبهذه‭ ‬الثقة‭ ‬بأدوات‭ ‬التعبير‭ ‬الثقافية‭ ‬ووسائل‭ ‬نشرها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتطلع‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ابتكار‭ ‬أو‭ ‬تطور‭ ‬يطرأ‭ ‬عليها،‭ ‬وأن‭ ‬ننظر‭ ‬إليه‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يكمِّل‭ ‬نقصاً،‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬يغيِّر‭ ‬قليلاً‭ ‬في‭ ‬وظيفة‭ ‬ما‭ ‬سبقه،‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬بالتأكيد‭ ‬خصماً‭

أضف تعليق

التعليقات