احتضان على أعلى المستويات
يحظى الطموحون من الشباب السعودي، من مبتكرين أو ساعين إلى الابتكار، برعاية عزَّ نظيرها في المجتمعات الأخرى. ويتمثل ذلك باحتضان ثقافة الابتكار والمبتكرين على أعلى المستويات.
فمعرض “ابتكار 2013م” كان تحت الرعاية المتجددة من خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وحظي بزيارة من سمو ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير مقرن بن عبدالعزيز.
أما افتتاح المعرض، فقد شهد حضور صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله ابن محمد وزير التربية والتعليم السابق، ومعالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز ابن خوجة، ورئيس أرامكو السعودية كبير إدارييها التنفيذيين، الأستاذ خالد الفالح، وأمين عام موهبة الدكتور خالد السبتي، وحشد من قادة الرأي والتربية والتعليم في المملكة.
الحاجة لم تعد وحدها أم الاختراع. فقد خرجت ثقافة الابتكار من جلباب الصورة النمطية التي تظهرها وكأنها مجرد استجابة لحاجة مستجدة، لتؤسس مفهوماً جديداً يقول «ابتكر، وستظهر الحاجة إلى ابتكارك». وهذا المفهوم الجديد للابتكار هو اتجاه علمي أثبت جدواه في السنوات الأخيرة، وهو على علاقة مع المجتمع المعرفي في الاتجاهين. فهو يتغذى من هذا المجتمع، ويعود إليه لاحقاً ليغذيه بدوره. وهذا ملخص ما قرأه زوار معرض «ابتكار 2013م».
المياه والبترول والغاز والبتروكيميائيات والطاقة المتجددة وتقنية المعلومات والاتصالات والطب.. هذه بعض أبرز المجالات التي شغلت بعض المبتكرين السعوديين، الذين بلغ عددهم 100 طالب وطالبة و100 مبتكر من مختلف الجامعات ومراكز البحوث، وعرضوا مبتكراتهم ومشاريعهم على مدى خمسة أيام حفلت بعشرات الفعاليات المصاحبة من محاضرات وورش عمل وغير ذلك، في معرض في الدورة الثالثة من معرض «ابتكار 2013م»، الذي نظمته أرامكو السعودية ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، وزاره نحو 200 ألف شخص.
الشوط الذي قطعه مفهوم الابتكار
«قيادة الإبداع» هذا هو التعبير الذي استخدمه أمين عام «موهبة» الدكتور خالد السبتي وهو يصف اهتمام المملكة بدفع مفهوم الابتكار إلى آفاق أوسع، بوصفه قيمة تتجاوز الابتكار بحد ذاته وعوائده المباشرة، إلى كونها قيمة إنسانية تحمل أهدافاً سامية لخدمة المجتمع.
أما رئيس أرامكو السعودية كبير إدارييها التنفيذيين، الأستاذ خالد الفالح فقد وضع المعرض في إطار المساعي القائمة في المملكة للوصول إلى منافسة الدول الرائدة في العالم، استناداً إلى رأسمالها القائم على الإبداع والابتكار بما يعزز تطورها الاجتماعي ونجاحها الاقتصادي.
وعن الاختلاف ما بين الجهود التي ظهرت في «معرض ابتكار» الأول عام 2006م واليوم، والجهد المبذول حالياً الذي تجلَّى في المعرض الأخير، قال سامي العبيد القائم على جناح أرامكو السعودية: «بعد أن كان التوجه المبدئي هو نشر ثقافة الابتكار في المجتمع والتعريف بأهميته وتطويره والتحفيز عليه، أتى معرض ابتكار 2013 لأخذ المبتكرين إلى السوق وربطهم بالشركات المعنية. وهو ما يعني عملياً أنهم عبروا مرحلة التأسيس، وباتوا في مرحلة إنتاج الأفكار وتلمسها وتطبيقها على أرض الواقع.
مدينة أفلاطون.. الذكية
تنوعت الابتكارات المعروضة (التي تعكس اهتمامات الشباب السعودي) بين البرامج الإلكترونية والحلول الصحية أو المعمارية أو البيئية والتطبيقات التقنية والتركيبات الكيميائية والبتروكيميائية والنانوية المفيدة في مجالات علاجية أو صناعية، إضافة إلى مجموعة من المنتجات المهيأة للاستخدام الشخصي.
ولو تخيل الزائر شكل الحياة فيما لو قُدِّر لكل هذه الابتكارات أن تنفذ، لوجد نفسه فيما يشبه مدينة أفلاطون الفاضلة والذكية.
في هذه المدينة ستعتمد إنارة الشوارع على الطاقة الناتجة عن طاقة سير السيارات في الشوارع نفسها، وسيتم توليد الطاقة الكهربائية من هذه السيارات بوقود ومن دون وقود. وهذه طريقة أخرى غير تلك التي تقوم فيها مرايا السيارة بتحويل الشمس إلى وقود صديق للبيئة، اللوحات المرورية الذكية ستعمل على حماية المركبات وتسهيل مهمتها، سيصبح المنزل أكثر أمناً عندما توقد نيران تحضير الطعام حيث سيتكفل المطبخ بإطفاء حرائقه ذاتياً عن طريق فلتر الهواء.
ستعتني المدينة بصحة سكانها جيداً، حيث ستستخدم نوعيات من الأحجار في الحماية من الإشعاعات في المستشفيات، وتكون الصيدليات مربوطة بنظام موحد لتوفير الأدوية للجميع فوراً وحيثما كانوا. ولن يحتاج الشخص النائم أو العاجز أن يعدل درجة حرارة الغرفة. فسوار صغير في يده سيتولى موازنة حرارة الغرفة بحرارة جسمه. ومرضى السكري سيجدون نظاماً إلكترونياً يربطهم بالرعاية الصحية وينظِّم جدولهم الغذائي. كما لن يواجه المكفوفون منهم مشكلة في قراءة قياساتهم وتحديد جرعاتهم بفضل جهاز جديد يوفر لهم ذلك بلغتهم، علماً بأنهم سيجدون كذلك جهازاً يقرأ لهم معلومات المنتجات بينما يمرون بها أثناء التسوق، في حين لن يواجه مريض الربو مفاجآت من قبيل الدخول إلى مكان مملوء بمهيجات التنفس، فالساعة الإلكترونية التي سيرتديها تخبره بذلك قبل أن يدخل إلى أي مكان. وسيجد مريض الملاريا أن قوة الشفاء في دوائه قد تضاعفت إلى عشر مرات بسبب إضافة مبتكرة لمركبات النانو إلى مادته الكيميائية. النانو نفسه سيكون في واجهة الحد من مضاعفات مرض السرطان بل وزيادة فرص الشفاء بإذن الله.
النفايات في مدينة الابتكار الذكية لن تكون مجرد مواد مضرة للتخلص منها، بل ستكون مولِّداً للطاقة وسبباً في تجنب الاحتباس الحراري. كما أن وسائل ترشيد المياه والكهرباء ستكون أكثر تنوعاً وأبسط تركيباً. أما المنتجات البتروكيميائية فستلعب دوراً مؤثراً على مستوى تحلية المياه، وزيادة إنتاجها، ووضعها في قلب معادلة المياه الاستراتيجية للبلاد…
دبس التمر وقوداً حيوياً
كل هذه الأفكار طرحت بالفعل من قبل المبتكرين المشاركين في المعرض. ومن دون انحياز أو تقييم لابتكار على حساب آخر، نتوقف أمام بعضها لتوضيح الصورة.
الدكتور علي المحيش الواقف في جناح أرامكو السعودية يتحدث عن ابتكاره الهادف إلى تحويل دبس التمر إلى وقود حيوي، فيقول: «من المعروف أن لدينا 400 ألف طن من التمر تنتج سنوياً في المملكة، وهي فائضة عن الحاجة، ويتم إرسالها كتبرعات لكثير من الدول. وأثناء عملية التغليف وكبس التمر يخرج الدبس، هذا الدبس يُرمى ولا يستفاد منه، وكانت الفكرة هي أن نستخرج منه وقوداً حيوياً». ويوضح المحيش أن أكبر منتجي الوقود الحيوي في البرازيل وأمريكا ينتجونه عن طريق السكر والذرة، وهذه مواد أسعارها متغيرة ومرتفعة. وبالتالي فهم يدفعون الملايين للحصول على المواد الخام للوقود الحيوي، بينما يمتلك ابتكار دبس التمر ميزة لا تقدَّر بثمن «نحن في هذه العملية لا ندفع ريالاً واحداً». وبفضل تبني هذا الابتكار من برنامج «كيستون» الذي يُعد من أهم برامج أرامكو السعودية الداعية للابتكار والإبداع وينفذه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، فقد تجاوز هذا الابتكار المرحلة النظرية إلى النجاح في الاختبارات الدولية. وأثبت هذا الوقود ملاءمته للسيارات وتشغيل المولدات الكهربائية. وفي هذا الصدد يقول مبتكره: «نحن في طور البحث في تصنيعه، وتم التواصل مع مركز أبحاث الطاقة الحيوية في أدنبرة، وتمت تجربته بنجاح».
الجوَّال للصيانة المنزلية!
والمبتكر إياد الشبعان تمكَّن بفضل مشاركته في برنامج «كيستون» من ابتكار تطبيق على الجوال يهتم بتوفير خدمات صيانة منزلية من كهرباء وسباكة وغيرها، وجاءت الانطلاقة من مشروع «بيتك» الذي يمكِّن أياً كان من طلب أي خدمة منزلية، وهو الطلب الذي يستقبله ممثل البرنامج ويحيله إلى الجهة الملائمة من مقدمي الخدمة المسجلين لديه. وقد حوَّل إياد هذا البرنامج إلى شركة مستقلة تحمل الاسم نفسه.
وللشأن الصحي حصته
وابتكر الشاب أنس الجريفاني، تطبيقاً مميزاً على الأجهزة الذكية من شأنه رفع المستوى الصحي للمجتمع من خلال تنظيم السلوكيات الغذائية لأفراده. تقوم فكرة التطبيق على الربط بين المنتجات الغذائية الموجودة في الأسواق وبين المستهلك، بحيث يتمكن الشخص من معرفة مدى ملاءمة الغذاء بالنسبة له أم لا. فبمجرد أن يمسح الشخص على الرقم الموحد على المنتجات ستظهر له المعلومات التي يقرر بموجبها الشراء من عدمه. ويضيف المبتكر الجريفاني «البرنامج يعتمد على معلومات مأخوذة من هيئة الغذاء والدواء وبناء على المعلومات الطبية الخاصة بالشخص، سيكون لكل مستخدم ملف تعريفي خاص يدخل فيه معلوماته الأساسية، فيما ستتولى برمجة التطبيق الربط بين كل هذه العناصر من أجل تقديم النتيجة النهائية الدقيقة، والتي ستكفل لكل إنسان ضبط استهلاك الغذاء بما يلائمه».
الفاب لاب.. مختبر لترجمة الأفكار وتجسيد الخيال
ومن أركان المعرض التي استوقفت الزائرين والمبتكرين بشكل خاص مشروع الفاب لاب، الذي يشرح مديره أحمد عبدالعزيز العيسى ما هيته بالقول: «إنه مختبر أنشأه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي، ويمكُن لأي أحد من تجسيد أية فكرة تدور في ذهنه. وقد أقيم هذا المختبر في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حيث يستقبل كل من لديه فكرة ابتكارية يرغب في صنع نموذج أولي لها». سبب مقدرة الورشة على تلبية هذه الاحتياجات هي امتلاكها التقنيات والأدوات التي تحول الأفكار إلى واقع عن طريق برامج كمبيوتر، إضافة إلى روبوتات وأجهزة متقدمة. ويضيف العيسى «نغطي كل النواحي المطلوبة للمبتكر، لجهة المواد التي يحتاجها في الصناعة بحيث تكون متوافرة ومدفوعة الثمن مسبقاً من قبل أرامكو السعودية، ويستطيع أي شخص أن يأتي إلى المختبر. لدينا ورش دائمة عن ترجمة الأفكار إلى واقع، وهي مفتوحة للجميع، ويمكن فيها مقابلة المدربين الذين يتشاركون الأفكار مع المبتكرين ويساعدونهم في تطويرها وتصميمها».
قضية البراءات والتسويق
«كيف لي أن أصل بمشروعي إلى جهة تتبناه أو شركة تُصنِّعه؟». هذا هو السؤال الذي يقضّ مضاجع معظم المبتكرين. وقد صاغ معرض ابتكار 2013 برنامج ندواته ومحاضراته ليجعلها قريبة من الأسئلة الأكثر شيوعاً في ذهن صناع الابتكار من الأفراد والمؤسسات، فضلاً عن المبتكرين أنفسهم بالطبع. فكانت البداية مع المهندس سامي السديس مدير مكتب البراءات السعودي، الذي قدَّم عرضاً وافياً عن براءات الاختراع ومعاييرها وأبرز الخطوات العملية التي يحتاج المبتكر أن يتخذها للحصول على براءة لمشروعه. كما تناول السديس أهم المستجدات العالمية في مجال إقرار ومنح براءات الاختراع، وتطرق إلى التواصل بين الدول والمؤسسات المختصة بهذا الشأن. وهذه النقطة الأخيرة تحديداً كانت موضوعاً رئيساً لمحاضرتين مهمتين قدمهما الخبير العالمي ماثيو بريان من المنظمة العالمية للملكية الفكرية وتناول فيهما معاهدة التعاون بشأن براءات الاختراع. طارحاً مجموعة من الأفكار حول تطوير عمل هذه المعاهدة وزيادة تأثيرها على واقع الابتكار في دول العالم أجمع. وقد حظيت المحاضرتان بنقاش بين المتخصصين من داخل المملكة وخارجها.
ولما كان «تسويق الاختراعات» في مقدمة اهتمامات المبتكرين، فقد شكَّل عنواناً لمحاضرة قدَّمها الدكتور عمر عبدالخالق البناي مدير مركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع. ووسط حضور كامل امتلأت به القاعة المخصصة، تناول البناي أهم الوسائل المساعدة على ربط المنتج الابتكاري بالسوق من خلال تفاهمات تكفل الفائدة للجميع، كما تحدث عن علاقة القطاع الخاص بالمخترعات الجديدة ودوره في إيجاد مساحة للرهان المتبادل بينه وبين المبتكر. وعلى الرغم من الشوط الكبير الذي قطعه المجتمع في معرفة ثقافة الابتكار، إلا أن المعرض وضع في اعتباره تقديم محاضرات توفر الجانب التأسيسي والتعريفي وهو ماظهر من خلال محاضرة «مبادئ الاختراع» التي تحدث فيها الدكتور خالد ابن مهدي آل رشيد متناولاً الأفكار الأساسية في الابتكار وأهم العناصر التي يضعها الموهوب في اهتمامه حين يخطو في هذا المجال. وفي محاضرة «الابتكار وريادة الأعمال» تناول الأستاذ مزعل بن مطلق الحربي من مكتب براءات الاختراع بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث قدم عرضاً لأبرز ملامح العلاقة بين الابتكار وبين الانطلاق في مجال الاستثمار الشخصي والمشاريع الخاصة.
حضور «واعد» ودورها
وفي مكان بارز في جناح أرامكو السعودية، كانت شركة «واعد» تمثل وجهة مهمة يقصدها المبتكرون الشباب وأصحاب المشاريع والأفكار، حيث تتبنى أفكار الأعمال الجديدة وتُحولها إلى مشاريع عملية ناجحة. كما تقوم بتشجيع الأفراد على اكتشاف قُدراتهم وإمكاناتهم الحقيقية، وتوفر لهم التدريب اللازم على كيفية استخدام الأدوات والخبرات الذكية في مجال ريادة الأعمال.
يقول الدكتور أحمد الحسين الذي يترأس هذا القسم من الجناح إن الخطوات بسيطة ولا تستغرق كثيراً من الوقت: تبدأ العملية بتقديم الطلب أو المشروع عبر الموقع الإلكتروني، حيث تتم مراجعته من لجان متخصصة.
وفي حال كان ملائماً لمجالات الشركة ويحظى بفرص جيدة، يتم التواصل مع صاحب الفكرة ودعوته ليتحدث عنها أكثر أمام المتخصصين في واعد. وبمجرد أن يصبح المشروع على مسار التنفيذ، تقوم «واعد» بتدريب صاحب الفكرة وتساعده على كتابة خطة العمل التي سينطلق بها، وصولاً إلى انضمامه، بإذن الله، إلى قافلة من رواد الأعمال الذين تبنتهم الشركة.